المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ضغوط متزايدة: لماذا تغير الموقف الأمريكي بين طهران وبيونج يانج؟

الإثنين 25/يونيو/2018 - 11:49 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مرفت زكريا

سلط كثير من المحللين الضوء علي اسباب التغير في الموقف الأمريكي حيال الأزمتين الكورية الشمالية والإيرانية، لاسيما بعد أن اظهرت طهران موقف واضح حيال المفاوضات الكورية الأمريكية علي كافة المستويات. من هنا، أصبح التقارب بين واشنطن وبيونج يانج أحد العوامل الضاغطة علي طهران، ولذلك فهى تراقب بدقة المسارات المحتملة للمفاوضات التي تجري في الوقت الحالي بين الطرفين من أجل الوصول لتسوية بشأن مجموعة من القضايا العالقة فيما بين الطرفين، علي رأسها البرنامجين النووي والصاروخي لكوريا الشمالية. كما اسفرت هذه المفاوضات عن عقد قمة بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" و الزعيم الكوري الشمالي " كيم جونج أون " في الثاني عشر من يونيو لعام 2018.

ورغم أن الموضوع لا يتصل مباشرة بالتصعيد الحالي بين واشنطن وطهران، الا أنه من المرجح أن يكون لمسارات تلك المفاوضات تداعيات كبيرة علي المواجهة فيما بين الطرفين، لاسيما بعد اتساع نطاق الخلافات لتتجاوز الانسحاب من الاتفاق النووي الي دور إيران الإقليمي في المنطقة. في نفس الوقت الذي تعول فيه الجمهورية الإسلامية علي العلاقات التاريخية مع كوريا الشمالية باعتبارها من الدول التي صنفتها الإدارة الأمريكية ضمن محور الشر مع ليبيا و السودان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 .

ازدواجية الموقف الأمريكي بين إيران وكوريا الشمالية

اتسم موقف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بالتباين الشديد تجاه مساعي الدول لامتلاك الأسلحة النووية, فغالباً ما تغض الطرف عن إسرائيل ولكن تقف بالمرصاد لدول أخري مثل  إيران، كوريا الشمالية و الهند. لكن الجديد في الأمر هو تغير موقف واشنطن حيال كل من طهران وبيونج بانج، ففي الوقت الذى انسحبت فيه واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، قررت الدخول في مفاوضات من اجل إبرام اتفاق مماثل مع كوريا الشمالية.

و يقر بعض الخبراء الاستراتجيين بأن السبب الحقيقي وراء موقف ترامب من إيران هي طبيعة النظام السياسي في طهران، انتهاكات حقوق الانسان، فضلاً عن الأهم والذي يتمحور حول طبيعة الدور الإقليمي لإيران، ومدي تعارض ذلك مع المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. علاوة علي، وجود أدلة دامغة تثبت تورط الجمهورية الإسلامية في خرق الإتفاق النووى.   

في حين يرجع البعض الأخر اختلاف موقف واشنطن الي الإشكاليات الموجودة داخل الاتفاق النووي الإيراني نفسه، حيث ركزت خطة العمل المشتركة علي الجوانب الفنية ولكنها تجاهلت بعض مكامن الخلل التي تمتد الي عديد من القضايا الأخري مثل الصواريخ الباليستية. بعبارة أخري، فأن الأهداف والتصورات التي تبنتها الأطراف التي توصلت للاتفاق دفعتها لتجاهل الوصول لبعض التوافقات التي سرعان ما ظهرت من جديد عقب وصول الرئيس الأمركيي "دونالد ترامب" للرئاسة في واشنطن.

كما كان واضحاً منذ الأيام الأولي للرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمركية أنه يريد القضاء علي أرث أوباما، وبات الاتفاق النووي الإيراني من ابرز الملفات التي حرص ترامب علي توجيه انتقادات شديدة للادارة السابقة حيالها، و الذي ظهر في اتهامه لوزير الخارجية الأمريكي السابق "جون كيري" بأنه المسئول عن الفوضي الحالية، بسبب سعيه لعقد مثل هذا الإتفاق مع طهران.

في السياق ذاته، لا يمكن تجاهل الدور الذي قامت به إسرائيل من أجل اقناع واشنطن بضرورة إتخاذ مجموعة من التدابير من شأنها التأثير علي الاتفاق النووي، واستخدمت في ذلك علاقاتها المتشعبة مع دوائر صنع القرار، مراكز الابحاث، جماعات الضغط داخل الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هنا توافقت رؤي كل من تل ابيب وواشنطن حول اعتبار هذا الاتفاق لا يمنع إيران من الحصول علي بعض القدرات اللازمة لصنع القنبلة النووية، لاسيما انه ينص علي رفع بعض القيود المفروضة علي ذلك في غضون عشرة اعوام في إطار ما يسمي "ببنود الغروب".

وفي إطار الترابط فيما بين القضيتين، لايمكن فصل ما ال اليه الاتفاق النووي عن التغيرات التي طرأت علي سياسة بيونج يانج، التي بدت جلية في اللقاء الذي جمع بين الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونج أون" ورئيس كوريا الجنوبية "مون جاي" في 27 إبريل 2018 . ومن هنا،  فنجاح المفاوضات الكورية الأمريكية سيجبر  ترامب بالاستمرار في الضغط علي إيران مما يجعلها تتبني الموقف الدفاعي، بمعنى أن ما حدث من تحولات علي صعيد الازمة الكورية قد يدفعه الي اتباع نفس النهج مع إيران، بشكل قد يفسر  حرص ترامب في خطابه الذي اعلن فيه الانسحاب من الاتفاق النووي التاكيد علي ان إيران ستُرغم بالتفاوض علي اتفاق جديد عندما تكون مستعدة لذلك.

مألات المفاوضات الكورية الأمريكية علي الواقع الإيراني  

حرصت إيران علي توجيه تحذيرات لكوريا الشمالية جراء الثقة الممنوحة للمفاوضات مع واشنطن. في السياق ذاته، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "بهرام قاسمي" بيونج يانج لاخذ الحيطة والحذر  من الوعود الامريكية. ويمكن تفسير اهتمام طهران بتحذير واشنطن في ضوء مجموعة من النقاط يمكن ابرازها فيما يلي؛

1-      تكثيف الضغوط الخارجية علي طهران، يتوقع خبراء العلاقات الدولية  أن يكون لنجاح قمة سنغافورة تداعيات سلبية علي إيران يتمثل أبرزها في خسارة طهران حليفاً مناوئاً للسياسة الأمريكية يتمثل في كوريا الشمالية، بل ستصبح إيران بمفردها في المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا ستقع طهران في بؤرة الاستهداف الإسرائيلي و الأمريكي للحد من قدراتها النووية والصاروخية، فضلاً عن دورها الإقليمي في الشرق الأوسط. كما ستفقد الجمهورية الإسلامية الدعم التقنى والتكنولوجي الذي طالما تعودت عليه من جانب بيونج يانج، وفي حال نجاح القمة بالتأكيد ستتباعد العلاقات بين الجمهورية الاسلامية و كوريا الشمالية التي ستكون حريصة علي التئام علاقتها مع واشنطن وتكثيفها مع كوريا الجنوبية وباقي الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، من أجل نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.

2-      الإضعاف المتزايد للإتفاق النووي الإيراني، سوف يؤدى نجاح العلاقة فيما بين واشنطن وبيونج يانج الي توجيه رسائل سلبية للداخل الإيراني، تتمثل في انه من الأفضل الدخول في صفقة جديدة مع واشنطن من اجل إنهاء التوتر فيما بين البلدين، لاسيما أن هذه الضغوط تتزامن مع تركيز  أمريكي مدعوم من حلفاء إقليميين حريصيين علي اسقاط نظام الجمهورية الإسلامية من الداخل، تغذية تيارات الرفض والمعارضة للنظام وسياساته الداخلية.

كما يمكن أن تزود بيونج يانج واشنطن بمعلومات حساسة عن أجزاء هامة من البرنامج النووي و الصاروخي الإيراني كجزء من اتفاقية شاملة بينهما، لاسيما وأن التعاون بين إيران وكوريا الشمالية يعود الي فترة الحرب العراقية الإيرانية، التي زار بعدها المرشد الأعلي  "علي خامنئي" كوريا الشمالية، والتي أسفرت عن تعاون كبير في مجالات عدة أهمها تزويد طهران بتقنية الصواريخ الباليستية.  

3-      تصفية حسابات، سيؤدي الاتفاق بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية في حالة نجاحه الي اضعاف الاتجاه المحافظ في إيران، الذي كان يستند الي نموذج كوريا الشمالية في دفاعه عن بقاء الاتفاق النووي. حيث مَارس المتشددين في إيران ضغوطاً قوية علي الرئيس "حسن روحاني"  وتيار المعتدلين بسبب التعويل علي الاتفاق النووي والمفاوضات مع واشنطن، و المطالبة باحتذاء نموذج كوريا الشمالية في ممارسة الضغوط علي الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن هنا، فإن نجاح المفاوضات فيما بين واشنطن وبيونج يانج ستكون فرصة للمعتدلين في إيران لممارسة ضغوط مُقابلة، فضلاً عن الرد علي انتقادات المحافظين، من اجل الاقرار بأنه علي الرغم من كل مراحل التصعيد التي مرت بها العلاقات الكورية الشمالية الأمريكية، الا أن الأولي اتجهت في النهاية للغة الحوار والمصالحة.

ختاماً: سيكون للمفاوضات الكورية الشمالية الأمريكية تداعيات كبيرة علي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما يتعلق بسياساتها النووية، فضلاً عن التأثير السلبي للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع طهران علي علاقة واشنطن بالدول الأوروبية التي مازالت حريصة علي الالتزام ببنود الاتفاق، لاسيما في ظل حرب العقوبات الإقتصادية الحالية فيما بين الطرفين.

كما أن التغيرات الراهنة في الملف الكوري الشمالي لا تؤكد تسويته، لانها ببساطة لا تضمن استمرار ونجاح المفاوضات حتى النهاية، لكنها عززت من قناعة ترامب بأن هناك اليات يمكن استخدامها مع ما يصفه بـ "الدول المارقة" لاسيما إيران. لكن في النهاية، ستحظي الخطوات المقبلة التي ستتخذها واشنطن وبيونج يانج بالمتابعة الدقيقة من جانب إيران  في ظل العلاقات المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النووي و الدور الإقليمي.

الهوامش:

1-       "تأثيرات التقارب الكوري الشمالي علي الطموح الإيراني النووي من وجهة نظر طهران"، البوابة نيوز، 7/5/2018 ، الرابط  

2-       "ضغوط متزايدة: لماذا تهتم إيران بمفاوضات واشنطن وبيونج يانج"، مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة، 19/5/2018 ، الرابط

3-       "لماذا تفاوت الموقف الأمريكي بين طهران وبيونج يانج"، مصراوي، 17/8/2017 ، الرابط  

4-       "صحيفة فرنسية تفسر الموقف الأمريكي المتغير تجاه النووي: "كوريا- إيران"، العين الاخبارية، 21/6/2018 ، الرابط

5-       "محمد عباس ناجي، لماذا وصلت الأزمة الإيرانية لهذه المرحلة ،" مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية، 9/5/2018 ، الرابط

6-             Frank Wisner, Nelson Cunningham, "Trump’s Iran Strategy: Hit America in the Pocketbook", The National Interest , 12/6/2018, link.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟