المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

لماذا تخشى الولايات المتحدة حصول شركائها على منظومة "إس 400" الروسية؟

السبت 21/يوليو/2018 - 08:08 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عمر

تخوض الولايات المتحدة الأمريكية، منافسة شديدة مع روسيا في العديد من المناطق والمجالات، وصلت إلى مرحلة خوض حروب الوكالة والتصعيد العسكري المتبادل، وأحد مجالات هذا التنافس، هو  تصدير  السلاح خاصة الاستراتيجية منها، التي لا تمثل خسائر مالية فقط، وإنما تهديدا استراتيجيا لنفوذ الطرف الآخر في العديد من المناطق المهمة، بخلاف خسارتها لشركائها، وأوراق ضغط مهمة كانت تستخدمها في الحصول على مكاسب استراتيجية وسياسية، ومن بين الأسلحة التي خشيت واشنطن من اقتناء العديد من الدول خاصة حلفائها لها، أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة مثل منظومة "إس 400"، التي سعت بعض دول منطقة الشرق الأوسط الحصول عليها، سواء لتعزيز  أمنها أو لتحقيق مصالح سياسية مع موسكو .

أولاً– لماذا تريد دول المنطقة اقتناء "إس 400" الروسية:

استطاعت روسيا أن تخلق مساحات واسعة من التنافس مع الولايات المتحدة في مناطق النفوذ والسيطرة، التي كانت تعتبر  حكرا على النفوذ الأمريكي الأوروبي، سواء عبر التدخل السياسي عن طريق الوساطات أو عسكريا عبر تقديم الدعم العسكري بشكل مباشر أو غير  مباشر، وتمثل ذلك في عمليات تصدير الأسلحة ليس فقط التقليدية منها ولكن شمل المتقدمة والاستراتيجية، لزعزعة التحالفات الأمريكية وكسب شركاء جدد، فالسلاح كان دائما أداة روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي في كسب ود العديد من الدول، فهي ليس لديها أموال تقدمها أو أيديولوجية سياسية اقتصادية أو قوة ناعمة تستطيع من خلالها تحصين نفسها بشبكة قوية من العلاقات الخارجية.

وتكشف الأرقام الدولية عن أن منطقة الشرق الأوسط، أكثر المناطق استيرادا للأسلحة خلال السنوات الأخيرة، وبالطبع كانت روسيا والولايات المتحدة في قائمة المصدرين، فقد كشف تقرير صادر  عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري"،  حول مبيعات السلاح في العالم خلال الفترة بين عامي 2013-2017 (1)، أن الولايات المتحدة لا زالت تحتل الصدارة كأكبر بائع للأسلحة في العالم خلال الفترة محل الدراسة، حيث بلغت نسبة مبيعاتها 34 % من مبيعات الأسلحة العالمية، بينما حلت روسيا ثانيا بحوالي 20%، وكانت منطقة الشرق الأوسط الأكثر استيراد للأسلحة، فمثلا نصف صادرات الأسلحة الأمريكية كانت إليها، فدول المنطقة ضاعفت وارداتها في الفترة ذاتها بزيادة تخطت 103 % مقارنة بالأعوام الخمسة السابقة.

من بين الأسلحة الاستراتيجية التي ركز عليها الشرق الأوسط، الدفاعات الجوية بخلاف الطائرات المقاتلة المتقدمة، في ظل اتساع ساحات الصراع، فبالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، قادت عاصفة الحزم في مارس 2015 في اليمن، وما زالت العمليات المستمرة بالتعاون مع دول التحالف العربي. وبدعم إيراني لجماعة الحوثي استطاعت الجماعة إطلاق العديد من الصواريخ الباليستية على المملكة وصل بعضها إلى العاصمة الرياض، وهو ما مثل تهديد كبيرا للمملكة.

                وتمتلك الرياض منظومات دفاع جوي أمريكية متقدمة مثل "باتريوت"، وحصلت على موافقة وزارة الدفاع الأمريكية لشراء منظومة "ثاد"، لكنها لم تتسلمها حتى الآن، ووسط تشكيك الكثيرين في فعالية منظومة "باتريوت" ومماطلة واشنطن في تسليم "ثاد"، طلبت المملكة خلال زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز  إلى موسكو، في أكتوبر 2017 شراء منظومة "إس 400"، (2) ليس فقط من أجل التصدي لتهديدات صواريخ الحوثي وإنما مواجهة الترسانة الإيرانية المتقدمة، خاصة في ظل توتر العلاقات بينهما، فطهران تعتمد على قدراتها الصاروخية المتقدمة، لضعف سلاح الطيران لديها، وبالتالي في حال نشوب نزاع عسكري بمنطقة الخليج، لن تتوان إيران في استخدام منظومتها الصاروخية، وهو ما يستلزم وجود قدرات دفاعية قوية لدى السعودية.

ومن بين الدول التي سعت لامتلاك "إس400"، تركيا في ظل تزايد الخلافات مع شركائها الأوروبيين والولايات المتحدة، فقد طلبت من قبل الحصول على منظومة "باتريوت" وتصنيعها لديها إلا أن واشنطن رفضت الأمر، لتتجه أنقرة عام 2009 إلى الصين لاقتناء منظومة دفاع جوي بلغت قيمتها حوالي 3.4 مليار دولار، لكن بسبب الرفض الأمريكي وكذلك حلف شمال الأطلنطي "ناتو"، اضطرت أنقرة لإلغاء الاتفاق مع بكين في عام 2013، والدخول في مفاوضات جديدة بشأن الباتريوت، إلا أن الأمر فشل مجددا، لتتجه في عام 2017 إلى روسيا، وتطلب منها "إس 400"، وبالفعل وافقت موسكو على الأمر  ومن المقرر أن تتسلمها في يوليو 2019(3).

وتريد أنقرة اقتناء المنظومة لأسباب سياسية وعسكرية، فسياسيا تريد الخروج من دائرة الضغط الأمريكي الأوروبي والتلويح دائما بورقة التقارب مع روسيا من أجل ابتزاز حلفائها الغربيين، وعسكريا تريد تأمين نفسها خاصة في ظل تدخلاتها في سوريا أو العراق، بخلاف توريط نفسها بمنطقة الخليج العربي وتفعيل قاعدتها العسكرية الموجودة في قطر عقب أزمة المقاطعة العربية لها، وهو الأمر الذي اعترضت عليه دول المقاطعة وكان أحد مطالب عودة العلاقات مع الدوحة مجددا.

أما بالنسبة إلى النظام القطري، طلب اقتناء منظومة "إس 400"، عقب المقاطعة العربية وذلك في محاولة منه للحصول على دعم سياسي من روسيا، وابتزاز الولايات المتحدة وكذلك الدول الأوروبية من أجل الوقوف إلى جانبها ودعمها، رغم أنها ليست بحاجة إليها، فقطر بعد الأزمة عانت كثيرا وما زالت تعاني، وتبحث عن أي دعم سياسي وإن كان مدفوعا وذلك عبر شراء صفقات سلاح قد لا تكون في حاجة إليها، فهي تحظي بتأمين أمريكي عبر قاعدتي العديد والسيلية بخلاف الدعم الأوروبي.

ثانياً- ما هي مواصفات إس 400:

تتميز صناعة الدفاعات الجوية لدى روسيا بالتقدم  لتوازي أو تتفوق على نظيرتها الأمريكية، لهذا يرغب الكثيرون في التعاون مع روسيا بهذا الشأن، وبخلاف المواصفات الفنية والعسكرية المتطورة للسلاح الروسي، نجد أن الرئيس فلاديمير بوتين غير متشدد سياسيا في عقد الصفقات العسكرية مع آخرين مثل الولايات المتحدة وأوروبا، بل يحاول استغلال حاجة الكثير من الدول الإقليمية العسكرية لإقامة شراكات استراتيجية يمكنها منافسة أو تهديد الشراكات الأمريكية كما فعلت مع تركيا.

وتعتبر منظومة "إس – 400 تريؤومف" منظومة صاروخية بعيد المدى، قادرة على تدمير جميع الأهداف الجوية، بما في ذلك الصواريخ المجنحة، والطائرات من دون طيار، والرؤوس المدمرة للصواريخ الباليستية التي تصل سرعتها إلى 5000 متر في الثانية، كذلك قادرة على التصدي لكافة أنواع الطائرات الحربية، ودخلت الخدمة فعليا في الجيش الروسي عام 2007(4) .

ومن بين الخصائص الفنية الأخرى للمنظومة أنها قادرة على اكتشاف الأهداف المعادية على بعد 600 كلم، ويمكنها متابعة عدة أهداف في وقت واحد حتى 300 كلم، ويمكنها تدمير الأهداف الجوية على بعد 400 كلم، أما مدى تدمير الأهداف الباليستية فيصل من  5- 60  كلم، وتتميز المنظومة بسرعة الرد على عدة أهداف في آن واحد حيث يمكنها تدمير 36 هدفا، وتوجيه 72 صاروخا في نفس الوقت أيضا تجاه الأهداف المعادية.

وبخلاف رغبة روسيا في الحصول على شركاء جدد تركز أيضا على كسب مزايا مادية، فصفقة "إس 400" مع تركيا تخطت 2 مليار دولار، وتريد موسكو  تعويض خسائرها جراء العقوبات الأوروبية الأمريكية عليها ومقاطعة الكثير منهم للنفط والغاز الروسي، أيضا تمكنت روسيا من تطوير منظومة جديدة وهي "إس 500"، وهي نسخة أحدث من "إس 400"، وتتفوق عليها وعلى النموذج الأحدث من منظومة باتريوت "PAC-3"، ومن المقرر أن تدخل الخدمة بالجيش الروسي في عام 2020، ولهذا تريد التخلي عن الكثير من نسخ "إس 400" والاستفادة منها ماليا وسياسيا.

لماذا تتخوف واشنطن من انتشار السلاح الروسي:

نتيجة للضغط الأمريكي على حلفائها، تراجعت قطر  فعليا عن اتفاقها مع روسيا لأنها لا تقدر على خسارة مظلتها الأمنية والحمائية الأولى، فقد كشف أمير قطر، تميم بن حمد الشهر الحالي، عن أن بلاده لم تصل بعد إلى اتفاق مع روسيا بشأن  "إس 400"(5)، فواشنطن لن تقبل باختراق السلاح الروسي خاصة الاستراتيجي منه مناطق نفوذها مثل منطقة الخليج العربي التي ما زالت تمثل أهمية استراتيجية لها.

كذلك السعودية من المؤكد أنها لا تقدر على إتمام صفقة "إس 400" مع روسيا، فهي تحصل على معظم تسليحها من واشنطن، وإنما أرادت من الإعلان عن هذه الصفقة الضغط على واشنطن لتسليمها منظومة "ثاد" المتطورة عن "باتريوت" التي انكشف بعض الثغرات فيها خلال الحرب الجارية في اليمن، بجانب ضمان عدم ميل روسيا إلى جانب قطر، وبالفعل أكد العقيد قسطنطين سيفكوف، نائب رئيس أكاديمية علوم الصواريخ والمدفعية الروسي، أن الرياض رضخت للضغوط الأمريكية، وتخلت عن "إس 400"(6)، فالرياض من أكبر الحلفاء لواشنطن ولا يمكن لها الإضرار بهذه الشراكة، بخلاف أن روسيا داعم رئيسي لإيران ولا يمكن لها أن تدعمها في خلافهما الدائر عكس الولايات المتحدة.

وبخلاف خوف الولايات المتحدة من خسارة شركائها نتيجة استغنائهم عن أسلحتها أو  تقوية موقفهم السياسي لوجود بديل قوي مثل روسيا، تخشى واشنطن ومعها "ناتو" من اختراق المنظومات الروسية لمنظومات الحلف ، فسبق وأن اعترض على اقتناء تركيا من قبل منظومة صينية للسبب ذاته، وفي حال حصول شريك لواشنطن أو الناتو على منظومة ليست غربية فإنه من المستبعد إنضمامه إلى النظام الموحد للدفاع الجوي الخاص بالحلف مثل تركيا أحد أعضاء الناتو وهو ما يمثل ثغرة  قوية في دفاعات الحلف في ظل التوتر القائم الآن مع روسيا.

أيضاً سعت الولايات المتحدة إلى بناء درع صاروخية متكاملة تربط دول الخليج العربي بالكامل سويا، على غرار التي تقيمها في أوروبا، للتصدي لروسيا وحلفائها، وستحقق من ورائها عوائد سياسية وعسكرية بالتحكم في دفاعات الخليج وحماية مصالحها في وجه خصميها الصين وروسيا، بجانب العوائد المالية التي يركز عليها الرئيس دونالد ترامب.

 وفي حال حصول حلفاء لأمريكا على أسلحة إستراتيجية، فإنه سيفتح الطريق أمام دول أخرى للإقدام على الخطوة ذاتها مثل الهند والعراق وهما حليفين للولايات المتحدة، فقد طلبا اقتناء "إس 400"، وهو ما يساعد في تخفيف الضغوط الأمريكية على هذه الدول التي تستغل احتياج الدول لمثل هذه الأسلحة، بخلاف الخسائر المالية التي ستضيع على الشركات الأمريكية، ولن يقف الأمر  عند هذا النوع من الأسلحة وإنما قد يمتد إلى قطاعات أخرى.

المصادر

1_  ثلث أسلحة العالم تُباع للشرق الأوسط.. حقائق وأرقام عن تجارة السلاح، دويتش فيله، 12/3/2018، الرابط.               

2_ زيارة الملك سلمان لروسيا: سلسلة صفقات اقتصادية وعسكرية تشمل بيع أنظمة دفاع صاروخي للسعودية، هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، 5/10/2017، الرابط.

3_ تركيا تعلن موعد استلام منظومة "إس-400" الروسية، وكالة سبوتنيك الروسية، 4/4/2018، الرابط.           

4_ منظومة " إس – 400" الروسية قادرة على التصدي لطائرة الشبح الأمريكية، روسيا اليوم، 3/1/2018، الرابط.

5_ أمير قطر: لم نصل لاتفاق مع روسيا بشأن منظومة “إس 400”، إرم نيوز، 6/7/2018، الرابط.

6_ مصدر عسكري روسي لـ"RT": السعودية تخلت عن منظومة إس 400 بسبب الضغوط الأمريكية، روسيا اليوم، 11/6/2018، الرابط.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟