المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ضبابية وبلا قواعد: صناعة القرار الأمريكي تحت حكم ترامب

الأحد 29/يوليو/2018 - 05:39 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
هاني دانيال

تضارب تصريحات وقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأنه منذ وصوله للبيت الأبيض رسميا والسمة الغالبة لتصرفاته هي الشعبوية والتحول من الشيء لنقيضه، بل والتنصل من الالتزامات والاتفاقيات التي وقعتها واشنطن من قبل، وهو  ما ترتب عليه تصاعد الكثير من الخلافات بين واشنطن والدول الصديقة وخاصة عدد من الدول الأوروبية، إلى جانب عدم وضوح مواقفه من الأزمة السورية، وكلها أمور تعكس عن ضبابية المشهد الأمريكي، وهو ما اتضح مؤخرا بشكل ملحوظ في دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة الولايات المتحدة الخيف المقبل دون معرفة بقية مؤسسات الحكم بهذه الدعوة.

أسلوب ترامب

أسلوب "ترامب" الصادم واعتماده على عنصري العفوية والمفاجأة، حققا له اهتمامًا جماهيريًّا كبيرًا أثناء الحملة الانتخابية وحتى الوصول لكرسي الحكم، وحتى الان لم يتراجع عن هذا الأسلوب رغم الظروف والتحديات المحيطة، ولكنها انعكست بشكل سلبي على صورة الولايات المتحدة أمام التزامها دوليا، وما ظهر في الانسحاب من اتفاقية المناخ، والاتفاق النووي الإيراني، وكذلك الانسحاب من اليونسكو، بل الإصرار على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في تحدي كبير ودون اعتناء بالغضب الدولي جراء هذه الخطوة، إلى جانب الدخول في أزمات تجارية كبري مع الصين، وكلها أمور تزيد من حدة اشتعال الموقف الداخلي في واشنطن، في ظل تضارب تصريحات ومصالح المؤسسات الأمريكية، واتساع الفجوة بين الكونجرس والبيت الأبيض.

سر بوتين

منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض وهناك إشكالية كبيرة تحيط بعلاقة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكثيرا ما أثيرت اتهامات لموسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة، وسط مخاوف من تكرار ذلك في الانتخابات التشريعية المقبلة، وبالرغم من التصريحات الإيجابية التى صدرت من جانب ترامب في حق موسكو، وتوقع البعض بحدوث انفراجة في العلاقة بين البلدين، إلا أن هناك عدد من العوامل أدت إلى اشتعال الموقف بشكل حاد، بل والوصول بالعلاقة إلى مرحلة الحرب الباردة، في تراجع غير مسبوق وغير متوقع لسيناريو الأحداث، وتأجل موعد أول اجتماع رسمي بينهم حتى عقد في 16 يوليو الجاري في العاصمة الفنلندية هلسنكي، بعد أن سبق والتقيا الزعيمان مرتين على هامش اجتماعات ومؤتمرات أخري.

ورغم الاجتماع الأخير إلا أن هناك علامات الاستفهام التي لم تخرج لها اجابات شافية، وبالرغم من عدم اعتراف ترامب بأي تدخل روسي في العملية الانتخابية الأمريكية، عاد ليلمح بعد قمة هلسنكي بعدم استبعاد وجود دور لموسكو في الانتخابات الأمريكية، وسرعان ما أعلن عن دعوة بوتين لزيارة واشنطن في الخريف المقبل، في مفاجأة لم يتوقعها أحد، وهو ما برز في اندهاش مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية دانيال كوتس عندما تم إبلاغه عن نية البيت الأبيض دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى واشنطن الخريف المقبل، وقال كوتس ضاحكا خلال منتدى "أسبن الأمني"، عندما قرأوا رسالة عن دعوة بوتين لزيارة واشنطن: "أعيدوا ما قلتم، لم أسمع؟، لم أسمع؟ حسنا، سيكون هناك شيء خاص".

حتى الآن لم يزاج الستار عن كثير من الأسرار المتعلقة بترامب وبوتين، وإلى أي مدى يتوافق الرئيسان في الملفات المطروحة، وخاصة الأزمة السورية، والملف الإيراني، وماذا عن أزمة القرم وكيفية التعامل مع الاتحاد الأوروبي، في ظل تأزم العلاقة بين حلف الناتو وموسكو، فكثير من الملفات لا تزال مفتوحة، ولم يسدل الستار عنها، وهو ما يعنى استمرار الغموض الذى يكتنف العلاقة بين موسكو وواشنطن.

مشكلة داخلية

ترامب بالرغم من النجاحات التي يحققها على المستوى الشخصي، واتخاذ خطوات لم يقدر عليها رؤساء سابقون، وخاصة في التعامل مع كوريا الشمالية أو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا انه يواجه أزمة داخلية كبيرة في الكونجرس، وسط تباين المواقف تجاه قراراته، كذلك بالرغم من تغيير مدير الاستخبارات المركزية ، إلا أن الخلافات موجودة، والدهشة مستمرة نتيجة ما يقدم عليه ترامب من قرارات، وهو ما يعني أن صناعة القرار داخل مؤسسات الحكم الأمريكية لم تعد واضحة، وأن استمرار الوضع الحالي غير متوقع، وأن ثمة تدخل غير معلومة المصدر ستكون هى الفيصل لإنهاء الجدل حول ما يحدث، ومنع إظهار صورة واشنطن بالحليف غير الموثوق فيه، فعلى مدار عقود كانت الولايات المتحدة سندا لعدد من الدول الأخرى، والتزامات واشنطن معروفة مسبقا، ولكن تحت مظلة ترامب لم يعد هناك شيئا مأمونا، وكل شيء عرضة للتغيير.

أوروبا تتابع

منذ التنصل من الاتفاق النووي الإيراني، وأوروبا تتابع عن كثب ما يحدث في دوائر صناعة القرار الأمريكي، ومدى رضا الكونجرس والبنتاجون والاستخبارات المركزية عن قرارات ترامب، وهل هنتك تعارضا بين هذه المؤسسات أم لا، من أجل التوصل إلى سيناريوهات مستقبلية للتعامل مع الموقف، فالدول الأوروبية وخاصة فرنسا والمانيا لديها خطة للتعامل مع الاشكاليات والتحديات التى يمر بها العالم، وتعتمد دائما على مبدأ التشاور مع بريطانيا قبل الخروج من الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة، ولكن مؤخرا وبسبب انفراد واشنطن بالقرار بما يهدد المصالح الأوروبية، أصبح هناك حاجة إلى آلية واضحة يمكن من خلالها التحرك للحفاظ على المصالح الأوروبية دون استثارة غضب واشنطن لأنها اللاعب الأكبر حجما ونفوذا في القضايا الدولية، وبالرغم من خطورة ما يحدث، إلا أن أوروبا ليست لديها خيارات عديدة، في ظل الأزمات التي تعانى منها حاليا وخاصة اللاجئين، وملف الخروج البريطاني، ومستقبل الناتو، وغيرها من التفاصيل التي  تحدد مستقبل العلاقات  الملفات المطروحة على الساحة الدولية حاليا.

ماذا بعد؟

من غير المتوقع أن يحيد ترامب عن أسلوبه في التعامل مع القضايا والاشكاليات التي تواجه حكمه، وخاصة من جانب الحزب الديمقراطي، الذى لا يستبعد اى مناسبة لاتهام ترامب بالخنوع لبوتين، ومؤخرا اتهم زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر ترامب بالإدلاء بتصريحات "غير مسؤولة، خطيرة وضعيفة" امام نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وربما يستمر الأمر لشهور قادمة ما لم يحسم ترامب شخصيا موقفه بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية إما بالنفي أو الاثبات، ودون ذلك ستظل العلاقة متأرجحة بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونجرس من جانب، وبين الديمقراطيين والبيت الأبيض من جانب آخر، فورقة موسكو هى الأكثر  رواجا والأكثر تأثيرا على نفوذ الناخبين، في ظل ما يتخذه ترامب من قرارات شجاعة وغير تقليدية على صعيد القضايا الدولية، وبما يصب في مصلحة المواطن  الأمريكي الذى وعده ترامب كثيرا بمساعدته وتوفير مزيد من الأموال له بعد أن كان يتم استغلالها في ملفات خارجية.

وربما تشهد المؤسسات الأمريكية تغييرات جديدة سواء في الخارجية أو الدفاع، أو الاستخبارات المركزية أيضا، وأي شخص لا يتمتع برضع ترامب عرضة للتغيير، وأي منصب لا يساعد ترامب على تحقيق  تطلعاته الداخلية والخارجية لن يدوم طويلا في منصبه،  فالرهان يتوقف على مدى مساعدة ترامب في إنجاز ما يريده حتى ولو كان على عكس هوى المؤسسات الأمريكية، ولاشك في أن هذه التداعيات سيكون لها تأثيرها على الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في 2020، فالناخب الأمريكية وإن كان يتابع ما يحدث حاليا في مؤسسات الحكم دون التدخل بشكل مباشر، إلا أنه سيحسم قراره في الانتخابات القادمة إذا رشح ترامب نفسه مجددا، أو تجاه مرشح الحزب الديمقراطي، فالحراك الذى يحدث حاليا والخلافات التي ظهرت على سطح الأحداث سيكون لها تداعيات دون شك على مستقبل الحزب الجمهوري سواء في الكونجرس أو عبر مرشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة.

تتابع فرنسا وألمانيا عن كثب ما يحدث في واشنطن، ومعرفة ما سيقومان به خلال الفترة المقبلة من أجل عدم الاعتماد الكلى على واشنطن، روسيا من جانبها تستفيد من الخلافات التى ضرب مؤخرا التحالف الأمريكي الأوروبي، والذى وصل إلى أقصاه إبان أزمة القرم والعداوة مع موسكو، كذلك إيران من جانبها تستعد لمعركة ما بعد بشار الأسد في سوريا، ومستقبل الوجود الإيراني في الشام، وكلما اتخذ ترامب موقفا معاديا تجاه إيران، كلما زادت مطامع طهران في الشرق الأوسط، وتعقيد المشهد بشكل أكثر، وهو ما ظهر مؤخرا من توجيه ترامب تحذيرا شديد اللهجة إلى نظيره الإيراني حسن روحاني، متوعدا إياه بتداعيات "لم يختبرها سوى قلة عبر التاريخ"، فيما طالب مايك بومبيو بدعم عالمي للضغط على إيران من أجل إجراء إصلاحات.

المصادر:

1.       الولايات المتحدة أعطت سوريا بالفعل لبوتين، فماذا بقي لترامب أن يقول؟

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/we-already-gave-syria-to-putin-so-whats-left-for-trump-to-say

2. هل يفلت ترامب من زوبعة هلسنكى

http://www.ahram.org.eg/News/202717/11/663072/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D9%85%D8%AF%D8%A9/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%81%D9%84%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%B2%D9%88%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%87%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%83%D9%89%D8%9F.aspx

3.  بعد قمة هلسنكي: هل أصبح ترامب "في جيب بوتين"؟

http://www.bbc.com/arabic/inthepress-44872748

4.  ترامب لروحاني: إياك وتهديد الولايات المتحدة مجددا

https://www.dw.com/ar/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D8%A7%D9%83-%D9%88%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%AC%D8%AF%D8%AF%D8%A7/a-44782151

5. مدير الاستخبارات الأمريكية متفاجئا: بوتين إلى واشنطن؟

https://arabic.sputniknews.com/world/201807201033953073-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8B-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86/

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟