المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

عزل وزير الاقتصاد الإيراني: السياق والتداعيات

الخميس 30/أغسطس/2018 - 02:24 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
عمر رأفت

أتى تصويت نواب البرلمان الإيراني على عزل وزير الاقتصاد الإيراني، مسعود کرباسیان، ليثبت ما تعانيه طهران من مشكلات اقتصادية وانهيار العملة الايرانية، وفشل النظام في معالجة تلك المشكلات. وصوت البرلمان بـ 137 صوتا مؤيدا لهذا القرار في مقابل 121 صوتا وامتناع اثنين على عزل وزير الاقتصاد الإيراني.

أسباب وتداعيات العزل

أتى عزل كرباسيان على خلفية الأزمات التي شهدتها إيران في الأونة الأخيرة خاصة بعد انهيار العملة الإيرانية (التومان) بعد عودة العقوبات الأمريكية، على خلفية انسحاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب من الصفقة النووية الإيرانية. وأتى التصويت على هذا القرار بعد اسبوع واحد من عزل وزير العمل الإيراني، علي ربيعي، الذي حذر من أنه مع بدء العقوبات ستشهد إيران مليون عاطل عن العمل خلال أشهر، بينما تسود البلاد حالة من الهلع وعدم الاستقرار مع دخول الجولة الأولى من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ. واتهم ربيعي المتشددين في البرلمان باستهداف حكومة روحاني، الذي تعرض لضغوط متزايدة في الأسابيع الماضية لإجراء تعديل على فريقه الاقتصادي.

إن السياسة النقدية الخاطئة، وبدأ انهيار الاحتياطي النقدي في البلاد من الذهب وبيع البعض منه، في مواجهة الأزمة الخارجية والتضخم وفقدان رأس المال كان من اهم الأسباب التي أدت للاطاحة بكرباسيان.

انهيار العملة كلمة السر

شهدت العملة الإيرانية انهيارًا كبيرًا، حيث كسرت العملة الإيرانية أرقامًا قياسية في الهبوط أمام الدولار، إذ بلغت قيمة الدولار الواحد 11000 تومان في سوق طهران، وبجانب انهيار العملة، كانت الضغوطات الاقتصادية سببًا  من الأسباب الرئيسية التي أدت لعزل وزير الاقتصاد الإيراني.

كانت حكومة الرئيس حسن روحاني، حددت مطلع أبريل الماضي، سعر الدولار بقيمة 4200 تومان إيراني، لكن البنك المركزي لم يستطع توفير الدولار بهذه القيمة للإيرانيين، كما أن مراكز الصرافة في المطارات مغلقة منذ بدء عملية تدهور العملة المحلية في مارس الماضي.

الاعتراف بالفشل

أثبت النظام الإيراني فشله الذريع في معالجة الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد في تلك الآونة، فالبلاد تأثرت كثيرًا برجوع العقوبات الاقتصادية في البلاد. هذا الأمر أعترف به نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني مسعود بزشكيان، والذي قال: "نحن مسؤولون عن الوضع الحالي.

النظام الإيراني لم يفشل في تحدي التومان الإيراني والسيطرة على انهياره فقط، بل أنه فشل أيضاً في اقناع بعض الشركات في الاستمرار في البلاد، واستكمال الاستثمار بها، وكان على رأسها وأبرزها شركة توتال الفرنسية، حيث أعلنت شركة النفط والطاقة توتال أنها قد تنحسب من المرحلة 11 في حقل بارس الجنوبي "إس.بي 11" في الخليج العربي على ضوء خروج أميربكا من اتفاق نووي دولي مع إيران.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أعلنت شركة الخطوط الجوية البريطانية (بريتش إيرويز) أنها ستنهي رحلاتها إلى العاصمة الإيرانية ، في سبتمبر المقبل، حسبما ذكرت صحيفة "ايفيننج ستاندرد" البريطانية (1)، فيما ستنهي الخطوط الجوية الفرنسية هي الأخرى رحلاتها إلى طهران في 18 سبتمبر (2) ، وستكون رحلة الخطوط الجوية البريطانية الأخيرة إلى طهران ستكون في 22 سبتمبر.

هل عزل الوزير هو الحل؟

لا يعتبر عزل كرباسيان هو الحل من أجل انقاذ الاقتصاد الإيراني من الانهيار، فالبلاد تمر باسوء مراحلها في تاريخ بلاد فارس، حيث تشهد إيران منذ ديسمبر 2017 مظاهرات بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد شملت أكثر من 80 مدينة وبلدة وأسفرت عن سقوط 25 قتيلا. وتواصلت منذ ذلك الحين الاحتجاجات لكن بشكل متقطع بقيادة سائقي الشاحنات والمزارعين والتجار في سوق طهران وأسفرت في بعض الأحيان عن مواجهات عنيفة مع قوات الأمن.

وفشلت الحكومة الإيرانية في القيام بما يكفي لدعم الاقتصاد مع عودة العقوبات الإمريكية، فيما ألقى المتشددون الإيرانيون باللائمة في الأزمة على الرئيس الإيراني حسن روحاني ، المعتدل نسبيا الذي أعيد انتخابه العام الماضي. (3)

ولن تفيد تلك السياسات التي يتبعها النظام الإيراني في الاقتصاد الخاص به الى أي نتائج في الوقت القريب، فتحدي الولايات المتحدة والتي تعتبر المسيطر الأول على الاقتصاد الدولي لن يأتي بفائدة، ولن يكون اقالة وزير الاقتصاد الإيراني هو الحل.

ضربة للإصلاحيين

الصفقة النووية الإيرانية كانت الورقة الأخيرة التي يراهن بها الإصلاحيون في إيران لتدعيم موقفهم أمام الشعب من جهة وضد المتشددين من جهة أخرى بعد أن أثبتوا فشلهم الذريع في عدد من الملفات وعلى رأسها الاقتصاد المتدهور.

وتسبب انسحاب الولايات المتحدة في ضربة قاسمة للاقتصاد الإيراني، حيث سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، والبطالة لمئات الآلاف من الشباب، ومشاكل في المصارف والبنوك، والاستثمار الأجنبي والمحلي سينخفض بشكل كبير، وهذا ما حدث بالفعل. ويأتي ذلك في ظل مطالبة الشعب أن تتوقف الحكومة عن إهدار المال على الحروب الأجنبية والاستثمار في الداخل. وسيكون لهذا القرار تبعات كبيرة، على عكس المكاسب الاقتصادية المتواضعة التي وعدت بها حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني الإصلاحية لتبرير الصفقة.

وقد انتقد المرشد الأعلى الإيراني، اية الله علي خامنئي، سياسات روحاني، كما كان للمتشددين رأيهم (3) ، حيث قالوا إن حكومة روحاني فشلت بشكل كبير في إدارة الملف الاقتصادي في البلاد. ومنذ أن انسحب ترامب من الصفقة النووية الإيرانية، تسبب هذا الأمر في انهيار الاقتصاد الإيراني، بالاضافة إلى تشويه سمعة الاصلاحيين في إيران بشكل عام وروحاني بشكل خاص.

إن تقويض روحاني سيؤدي إلى تمكين المتشددين من إيران وعودتهم للساحة الإيرانية مرة أخرى (4) ويقول المتشددون إن القوة المطلقة في إيران لا تكمن في الرئيس وإنما لخامنئي، المرشد الأعلى هو وقاسم سليماني، الجنرال الزئبقي الذي يتولى قيادة قوة القدس الإيرانية المنتخبة، الجناح المستهدف للحرس الثوري الإيراني، الذي يعتقد أنه له الكلمة المطلقة حول البرنامج النووي الإيراني وأنشطته العسكرية في سوريا.

وقد نجح المتشددون، عن طريق وسائل التواصل الخاصة بهم، في تصوير الإصلاحيين بأنهم عملاء للغرب، وأن إيمانهم بالثورة ضعيف بل وتحميلهم مسئولية ما يحدث الأن في البلاد. (4)

هل انتهى دور روحاني وحكومته؟

سيتعين على حكومة روحاني تقديم تفسير للركود الاقتصادي للبلاد، وسيكون الرئيس الإيراني في حالة سيئة اذا فشل في ايجاد ردود مماثلة امام البرلمان الإيراني، وهو ما سيضعه في موقف محرج امام المرشد الاعلى الإيراني، اية الله علي خامنئي.

روحاني في اخر حديث صحفي له، دعا إلى التوقف عن توجيه الانتقادات له من كل جانب بسبب الأزمة الاقتصادية.

وكالعادة حمل روحاني مسئولية انهيار الاقتصاد الى المؤامرات الخارجية على البلاد من قبل الولايات المتحدة واخرين بهدف الايقاع بالنظام الإيراني.

وبدأ روحاني في فقدان الكثير من قاعدته الانتخابية بين سكان المدن ذوي العقلية الإصلاحية ، في حين شهدت مناطق الطبقة العاملة شهوراً متقطعة من الإضرابات والاحتجاجات التي تحولت أحياناً إلى العنف (5). وقد جاء بعض من أشد الانتقادات ضراوة من المؤسسة الدينية المتشددة التي عارضت لفترة طويلة جهود روحاني لإعادة بناء العلاقات مع الغرب.

وفي 16 أغسطس، كانت هناك احتجاجات واسعة الانتشار نظمها طلاب في مدينة قم ، حيث حذرت إحدى اللافتات من أن روحاني سيواجه نفس مصير الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني ، الذي عثر عليه ميتًا في بركة سباحة العام الماضي (6)

وسعى روحاني إلى التقليل من شأن الاختلافات ، قائلاً: "إن المؤسسات الدينية والدينية والحكومة متجاورتان، وألفى باللوم على المتشددين في تأجيج الاحتجاجات الاقتصادية التي تحولت في بعض الأحيان ضد النظام الإسلامي ككل. ولا يزال روحاني يحظى بتأييد خامنئي الذي يقول إنه يجب عليه البقاء في السلطة لتجنب المزيد من الفوضى. لكن خامنئي ألقى باللوم أيضا على سوء الإدارة الحكومية ، بدلا من العداء الأجنبي ، للأزمة الحالية.

وتعهد روحاني "نحن على علم بألم الناس ومعاناتهم ومشاكلهم وكل جهودنا تهدف إلى الحد من هذه المشاكل". وقد أظهرت التظاهرات صراخ المتظاهرين ضد النظام ورفع لافتات مكتوب عليها "الدكتاتور" في إشارة إلى خامنئي.

وتعتبر الاحتجاجات العديدة هي استمرار لأنواع من الحركة المناهضة للحكومة على مستوى البلاد والتي بدأت تكتسب أرضية في أواخر ديسمبر واستمرت في الاحتجاج بشكل متقطع على مدار العام.

روحاني يفشل

صوت البرلمان الإيراني بأغلبية ساحقة، بعدم قناعته بالأجوبة التي عرضها الرئيس الإيراني حسن روحاني على الأسئلة الأربعة المتعلقة بالأزمة الاقتصادية “البطالة، سعر العملة، الركود الاقتصادي وتهريب السلع”، حسبما أبرز "راديو فردا"(7). ورفض البرلمان الردود المتعلقة بالأسئلة الأربعة التي تركزت على تراجع سعر العملة وتفاقم البطالة و الركود الاقتصادي وتهريب السلع”. وأوضحت الوكالة أن “271 نائبًا شاركوا في عملية التصويت على الأجوبة التي عرضها الرئيس حسن روحاني”.

وسيكون على النظانم الإيراني ايجاد الحلول المناسبة خلال الفترة القادمة لكي يتخطى تلك الكبوة، والا سيكون للشعب الإيراني تظاهرات ستكون اكبر من تلك التي وقعت في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟