المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

شبح الرياضة: عندما تهدد كرة القدم العلاقات بين الشعوب والدول

الثلاثاء 18/سبتمبر/2018 - 01:06 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
نهال أحمد

استدعاءات لسفراء دول، بيانات شجب وإدانة صادرة عن وزارات الخارجية، وعقوبات مالية مرتقبة؛ في خطوات تنم عن كارثة وأزمة سياسية كبرى، قد لا يظن الكثيرون أنها ربما تنجم عن مباراة كرة قدم. من هنا تبدأ أزمة فريقي كرة قدم عراقي وآخر جزائري، على خلفية ترديد جماهير الجزائر شعارات تمجد الرئيس الراحل "صدام حسين"؛ ما تسبب في أزمة سياسية بين الجانبين. وكما يقول الكاتب الأمريكي "سيون كوبر": "كرة القدم ظاهرة، لها مدلولها السياسي؛ فهي رمز للفوضى ولحكم الأقلية في أحيان، وأحيان أخرى تؤدي إلى إسقاط سياسيين وانتخاب رؤساء، بل وتحدد الطريقة التي يفكر بها الناس تجاه بلادهم". من هنا يثار تساؤلًا بشأن كيفية تأثير وتأثر كرة القدم بالسياسة والعكس؟

أولاً- بوادر أزمة سياسية بين بغداد والجزائر

يقول المناضل "نيسلون مانديلا": "عندما كنا في جزيرة روبن حيث المنفى، كان الراديو منفذنا الوحيد نحو بطولة كأس العالم، وعبر كرة القدم استطعنا أن نحتفي بالإنسانية في الطرف الجنوبي للقارة الإفريقية". من هنا نصل لنتيجة مفادها أنه لا انفصام بين السياسة والرياضة، فغالبا ما يطغى القالب السياسي على مختلف المجالات، من بينها مباريات كرة القدم، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من الأزمة الأخيرة بين بغداد والجزائر ، التي ترجع بوادرها إلى يوم 9 سبتمبر 2018، خلال الدقيقة الـ70 من عمر مباراة الإياب بين فريق "القوة الجوية العراقي"، ومنافسه "اتحاد العاصمة الجزائري"، ضمن مباريات الدور الـ 32 لبطولة الأندية العربية. بعدما قامت الجماهير الجزائرية بترديد شعارات طائفية (الله أكبر صدام حسين) ضد الجماهير العراقية ، ليعلن الحكم فوز اتحاد العاصمة الجزائري بعد انسحاب الفريق العراقي، وأظهر البث الحي للمباراة قيام بعض أنصار الفريق الجزائري بإلقاء الألعاب النارية على أرضية الملعب، عقب توقف المباراة وانسحاب اللاعبين العراقيين إلى غرفة تبديل الملابس. بينما طالب عدد من المشجعين العراقيين بتنظيم تظاهرة أمام السفارة الجزائرية بالعراق، في حين توجه السفير العراقي للاعبين من أجل إقناعهم للعدول عن قرارهم بالانسحاب، ولكن باءت المحاولة بالفشل(1).

1ـ تصعيد دبلوماسي :

صَعّد الجانب العراقي من الأزمة الحالية؛ حيث استدعت الخارجية العراقية، السفير الجزائري في بغداد يوم الاثنين الموافق10 سبتمبر 2018 ، للتباحث بشأن أحداث المباراة التي انسحب منها الفريق العراقي، بينما صدر عنها بيان أعربت فيه عن استنكارها لتصرف الجماهير الجزائرية خلال المباراة ، مؤكدة أن هذا السلوك أساء بدوره للعلاقات الأخوية بين الجانبين، فيما أبلغت الخارجية السفير الجزائري باستياء العراق حكومة وشعب من هذا التصرف، بينما شدد بيان الخارجية على حماية العراقيين من أي تصرف يمكن أن يلحق بهم الأذى  جسديًا ومعنويًا، والحث على الابتعاد عن كل ما من شأنه تسليط الضوء وتلميع أنظمة ديكتاتورية بائدة، تسببت في انهيارات عميقة للدولة العراقية. وفي السياق ذاته أعرب الاتحاد العراقي لكرة القدم عن رفضه الشديد لتلك الإساءات التي تعزز من العنصرية والطائفية، معلنًا احترام بغداد لقرارات الاتحاد العربي بشأن تلك الواقعة، وحث البيان  الاتحاد العربي على اتخاذ قرار منصف يعيد للكرة العراقية احترامها(2).

2ـ عقوبات وغرامات مالية مرتقبة  

تتضمن لائحة الاتحاد العربي غرامات مالية في حالة انسحاب أي فريق رياضي من مباراة ما، أو في حالة تحريض فريق جماهيره على إهانة الفريق الآخر، ومن هنا  يتوقع  أن تتضمن لائحة عقوبات الاتحاد غرامات مالية تقدر بحوالي مليون دولار على الجانب العراقي، إضافة إلى الخسائر التي تطلبها الشركة الراعية، فيما يتوقع أن يتعرض الفريق الجزائري لعدة عقوبات من ضمنها توجيه إنذار للنادي مرفق بغرامة مادية  تقدر قيمتها  من 100 ألف دولار إلى نصف المليون، إضافة إلى إصلاح أي خسائر تسفر عن الشغب، وكذلك لعب مباراتين بدون جمهور، إلى جانب لعب مباراتين رسميتين خارج أراضيه، وتحمل كافة التكاليف المالية والمصروفات؛ يضاف إلى ذلك تحمل جزء كبير من الخسائر المالية التي وقعت على الشركة الراعية (3).

ثانياً- مباريات أسفرت عن أزمات دبلوماسية

لم يكن الاحتكاك الذي جرى بين جماهيري الجزائر والعراق، هو الأول الذي تسبب في أزمة دبلوماسية، لكن حفل تاريخ الرياضة العالمية بأحداث مشابهة لذلك؛ يمكن الاستدلال عليها على النحو التالي:

1ـ مباراة مصر والجزائر بأم درمان

كانت تلك المباراة  فاصلة بين المنتخبين، لتحديد المتأهل لبطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2010، بعدما تساوى المنتخبين في عدد النقاط، ومن ثم تقرر تحديد موعد لمباراة فاصلة بالسودان، في ظل أجواء مشحونة من جماهير الطرفين، تطورت أحداثها لتنتقل من تراشق لفظي، إلى الرمي بالحجارة وتخريب السيارات والناقلات الخاصة بنقل  المشجعين المصريين، وعقب انتهاء المباراة تقدم الاتحاد المصري لكرة القدم بشكوى للفيفا ضد الفريق الجزائر متهمًا جماهيره بتعريض حياة الجماهير المصرية للخطر، وحينها أعلنت الخارجية المصرية عدم تغاضيها عن تلك الواقعة وتصميمها حينذاك على عدم السماح لمثل هذه الانتهاكات ضد المصريين في أي مكان ومن أي طرف، واستمرت أزمة سياسية شديدة على مدار عدة سنوات، كُسرت حدتها فيما بعد، بعد أن خلفت تداعيات سياسية واقتصادية وشعبية بشكل أثر على علاقات البلدين.

2ـ الأزمة السياسية بين صربيا وسويسرا

كان كأس العالم لمباريات كرة القدم في نسخته الـ 21 في روسيا، حافلًا  بالعديد من المفاجآت التي لم يخلو الجانب السياسي منها ، لعل أبرزها  ما شهدته العلاقات السويسرية الصربية من أزمة قصيرة المدى على خلفية ما حدث في مباراة كرة القدم التي جمعت بين منتخبي الدولتين، حينما أثار ثنائي منتخب سويسرا "جرانيت تشاكا"، و"شيرد انشاكيرى" أزمة سياسية  بعد إحرازهما هدف الفوز، حيث احتفلا معا عن طريق رسم النسر الرمزي المتواجد على علم دولة ألبانيا ،وهو ما أثار حفيظة الصرب، ما ترتب عليه توقيع الفيفا لعقوبات مالية على اللاعبين ، ولكن سرعان ما التأمت الأزمة وتم احتوائها.

3ـ الأزمة الأوكرانية  الروسية

بعدما فرضت موسكو سيطرتها على "جزيرة القرم" منذ عام  2014 ، نشبت أزمة قوية  مع أوكرانيا حيث تقع "جزيرة القرم" في حدودها من جهة، والجانب الروسي من جهة أخرى، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى تجنب وقوع الطرفين في مجموعة واحدة، تفاديًا لحدوث أزمة سياسية كبرى،ومن ثم أصبح يتم توجيه القرعة الخاصة بالبطولات الخاصة بمنتخبي وأندية الدولتين.

 السلفادور والهندوراس

خلفت الأزمة التي نشبت بين كل من الهندوراس والسلفادور خلال تصفيات  كأس العالم لكرة القدم عام 1970، تداعيات كانت الأكثر دموية، حيث تم الإعلان عن إقامة مباراتين، الأولى بالهندوراس حيث فازت على ملعبها؛ في حين اعتدت الجماهير الهندوراسية على جماهير السلفادور خلال يوليو من العام 1969عقب المباراة مباشرة، وجاءت المباراة الثانية على ملعب السلفادور ليتمكن منتخبها من تحقيق فوز مستحق على الهندوراس، في حين ثأرت جماهيره  لنفسها واعتدت على جماهير الهندوراس، لتتسبب المباراتان في أزمة سياسية ممتدة بين الجانبين، تم على إثرها نشر قوات عسكرية على الحدود بين الجانبين. ورغم استمرار الأزمة بينهما قامت طائرة هندوراسية  باختراق الأجواء الجوية للسلفادور، لتطلق النيران على كتيبة عسكرية هناك على الحدود ،ما أدى إلى مواجهات عسكرية دامية بين الجانبين،أسفرت حينها عن مئات القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين، وظلت التوترات قائمة إلى أن نجحت الوساطات من الدول في عقد هدنة وصولًا إلى صلح تام(4).

ورغم ما سبق؛ إلا أن ذلك لا ينفي دور "الدبلوماسية الرياضية" ونجاحها في التقريب بين الشعوب وحل العديد من القضايا الخلافية، ولكن أصبحنا اليوم في حاجة ملحة للتأكيد على قيم تقبل الخسارة، واحترام الغير والاستجابة لقوانين اللعبة. إلى جانب مضاعفة الجهود لمواجهة كافة الظواهر السلبية التي يمكن أن تخلفها عناصر متطرفة لاسيما في ظل تنامي ظاهرة الالتراس المتشدد.

المراجع:

(1) بين العراق والجزائر.. تطور دبلوماسي سريع لـ"مباراة الأزمة"،سكاي نيوز،10/9/2018، متاح على الرابط: https://bit.ly/2NfWCCu

(2)انسحاب القوة الجوية من مواجهة اتحاد العاصمة بالجزائر.. هل صدام حسين السبب؟، سي ان ان العربية، بتاريخ 10/9/2018، متاح على الرابط: https://cnn.it/2wXTWzd

(3) اللوائح والأنظمة، موقع الاتحاد العربي  لكرة القدم، متاح على الرابط: http://uafaac.com/

(4) صراع الرياضة والسياسة عبر تاريخ البطولات الرياضية الكبرى، هيئة الاذاعة البريطانية، 22/6/2012، متاح على الرابط:  https://bbc.in/2D7UNTs

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟