المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ترامب وأردوغان والنظام العالمي الجديد

الثلاثاء 02/أكتوبر/2018 - 05:31 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح

لكي تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على النظام العالمي الجديد يجب على إدارة ترامب عدم اتخاذ خطوات جذرية ومزعزعة للاستمرار في ممارسة المزيد من الضغط على تركيا أو الحلفاء الأقوياء في اللعب مع قراراتها.

إن الأزمة الحالية بين أنقرة وواشنطن حول مصير القس الأمريكي المسجون "أندرو برونسون" تمثل تتويجًا لنزاع طويل حول الطبيعة الأساسية للعلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا؛ حيث يرغب الطرفان في استمرار العلاقة ولكن لديهم توقعات وتوجهات خارجية لا يمكن التوافق عليها بصورة كلية.

في حين تسعى واشنطن، بعد سنوات عديدة من الاخفاقات إلى فرض بعض القواعد الأساسية للتحالف من خلال إظهار الرئيس "رجب طيب أردوغان" أنه سيدفع ثمنًا لاعتقال الأمريكيين الأبرياء، وشراء الأسلحة الروسية وتجاهل عقوبات الولايات المتحدة ضد إيران.

أنقره وامكانيه الصمود

 تسعى أنقرة إلى تحدي ميزان القوى "غير المتماثل" داخل حلف شمال الأطلسي، وتصر على أن واشنطن لن تستطيع بعد الآن إملاء علاقات تركيا الاقتصادية مع جيرانها، وتتجاهل مخاوفها الاستراتيجية بشأن المقاتلين الأكراد في سوريا، بل إنها تتهم تركيا بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.

وعلى ذلك يبرز اتفاق يتعلق بأن كل من الولايات المتحدة وتركيا أنهما لا غنى عنهما للآخر ويتوقعان في النهاية أن يسود بينهم، وأن  ما سيحدث بعد ذلك سيكون اختبارًا لمدى تغير العالم  ومكانة كل دولة فيه في السنوات القادمة، وتعد تركيا الحليف للناتو منذ عام 1952، هامة بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

إلا أن هذه العلاقات التي تعود أصولها لبداية الحرب الباردة، مرتبطة بشكل أساسي بالعلاقة بين الولايات المتحدة والقوى العظمى العالمية من جانب وتركيا من جانب آخر، فتركيا الدولة النامية كانت تسعى للحصول على الدعم الأمريكي في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق، والذي يمثل أحد أهم أنداد الولايات المتحدة، وبرغم ذلك لم يكن تحالف تركيا مع واشنطن غير متساوٍ كما يظن الكثيرون في أنقرة الآن. على سبيل المثال، ولدت الجهود الأمريكية لمنع أو معاقبة تدخل تركيا في قبرص غضبًا كبيرًا. لكن تركيا ما زالت تتدخل.

إن تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا معقد على الرغم من دعم تركيا مصالح واشنطن ببعض الطرق الحيوية، إلا أنه قد يكون من الصعب تنسيق الأولويات فيما بينهم، هذه الأولويات في بعض الأحيان
تختلف بغض النظر عمن يقود كل من البلدين، على أساس الجغرافيا المتناقضة، تصورات التهديد، والأدوار الإقليمية.

في الوقت الحالي، ومع خروج الاتحاد السوفييتي وتصاعد معاداة الولايات المتحدة في تركيا، أصبحت الخلافات الاستراتيجية المماثلة أكثر صعوبة في التعامل معها. ليس من المستغرب أن يرى كلا الطرفين نفسيهما كحليف متضرر. بعد أن فرض البيت الأبيض تعريفات جمركية على تركيا لتأمين إطلاق سراح "برونسون"؛ حيث أعلن وزير الخارجية التركي "مولود شاويش أوغلو"، أن هذه "التهديدات والاستفزاز" لن تؤدي إلا إلى الإضرار بتحالف الناتو، وقد صرح البيت الأبيض فيما بعد بأن" الحليف الحقيقي للناتو لن يقوموا باعتقال برونسون في المقام الأول".

وتأتي التصريحات التركية نتيجة لهذا المأزق الكبير في علاقة البلدين، من خلال مراهنة "أردوغان" على إمكانية وافتراض يكون أساسه تحولًا سريعًا في بنية النظام الدولي، من أحادي القطبية إلى عالم متعدد القطبية؛ حيث يراهن "أردوغان" على إيجاد مكان في نظام عالمي جديد لما بعد أميركا، ويبدو أنه يراهن على أن واشنطن أثبتت فعاليتها في إبعاد حلفائها عن حلفها، وأن النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة ينهار قبل انهيار الاقتصاد التركي.

الحلفاء الجدد

بعد الدعوة إلى زيادة التعاون بين البلدان التي تستهدفها تعريفات الرئيس ترامب وعقوبات إيران المتجددة، سارعت أنقرة إلى الإعلان عن ردود الفعل الإيجابية من العواصم الغربية وغير الغربية على حد سواء، إلا أن هذه الدعوات لم تكن إلا على المستوى الخطابي.

يأتي لك على خلفية التوترات الأمريكية الأوروربية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وانسحاب الولايات المتحدة منه وتصاعد حدة التوترات إلا أن بلغت حد توقيع العقوبات المتبادلة بين الجانبين؛ حيث أعلن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، تعزيز العلاقات التجارية مع تركيا، وأعلن وزير خارجية ألمانيا أن على أوروبا أن تضع ردًا على التدابير الاقتصادية للرئيس ترامب ربما من خلال تطوير بديلها الخاص لنظام سويفت.

يمكن للقادة الأوروبيين، الذين يبدو أنهم أكثر قلقًا بشأن الانتشار من أزمة تركية مزعزعة للاستقرار، تقديم خطة إنقاذ بدلًا من ذلك، لكن لديهم قضايا خاصة بهم مع أردوغان، كما يفعل العديد من ناخبيهم ولإدارة تداعيات سجن برونسون، أُجبر أردوغان بالفعل على إطلاق سراح صحفي ألماني مسجون وجنديان يونانيان، لتحقيق التقارب التركي الأوروبي.

بجانب أوروبا عملت روسيا على مساندة تركيا في أزمتها مع الولايات المتحدة –العدو التاريخي لها-  مؤكدة رغبتها في إجراء معاملات مستقبلية بالعملات الوطنية. وبشكل أكثر واقعية، حصلت أنقرة على حزمة قروض بقيمة 3.6 مليار دولار من البنك الصناعي والتجاري الصيني، بالإضافة إلى تعهد من حكومة قطر باستثمار 15 مليار دولار في تركيا خلال السنوات القادمة.

على الجانب الآخر لم تقف الولايات المتحدة عاجزة أمام هذا الدعم الموجهة لتركيا من جانب العديد من الدول، على سبيل المثال، إذا أصبح حجم أزمة تركيا أكبر من أن تلجأ إليه الأموال من الصين وقطر، فقد تمنع واشنطن المؤسسات المالية الدولية من التدخل وفي الواقع فإن مشروع قانون أمام مجلس الشيوخ يجعل هذا إلزاميًا.

تراجع تركيا

على الرغم من الجهود الروسية الكبيرة في مساندة تركيا، إلا أن تركيا تشهد تراجعًا كبيرًا في سوريا، بعد أن أعلن النظام السوري وموسكو عملية إدلب العسكرية لاستعادة الأجزاء الأخيرة من الأراضي السورية التي يحتلها المتمردون التابعون بشكل رئيسي من جانب أنقره، إن أنقرة وحدها لا تملك إلا القليل من النفوذ لمنع أو تخفيف هذا التطور الجديد.

على الجانب الآخر، حتى وإن أطلقت تركيا سراح القس برانسون في نهاية المطاف، فإن الولايات المتحدة وتركيا ستستمران في مواجهة بعضهما البعض حول شروط علاقتهما، التي من المؤكد أن أنقرة ستكتشف التكلفة المرتفعة للسعي نحو سياسة أكثر استقلالية أو عدائية تجاه واشنطن، وستكتشف واشنطن التكلفة الباهظة التي ترغب أنقرة في تحملها.

الخطر هو أنه عندما يحدث ذلك، فإن البيت الأبيض سيلجأ إلى اتخاذ خطوات صارمة ومزعزعة للاستمرار في ممارسة المزيد من الضغط على تركيا، ثم السعي إلى تسليح الحلفاء بقوة في اللعب. وبقيامها بذلك ، ستزيد واشنطن من إبعاد الشركاء الذين تحتاجهم لتطبيق ضغوط فعالة على المدى الطويل. إن اتباع نهج متسق ومُحَسَّن يبقي العالم على جانب واشنطن من المرجح أن يحافظ على الظروف العالمية التي تعترف فيها أنقرة في نهاية المطاف بفوائد علاقة أكثر تعاوناً مع الولايات المتحدة.

 

Nick Danforth, Trump, Erdogan and the New Global Order, The New York Times, Aug. 30, 2018, Link:

https://www.nytimes.com/2018/08/30/opinion/trump-erdogan-turkey-america-.html

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟