المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

هامش الاستغلال: كيف يتعاطى "أردوغان" مع المساجد في سياساته داخليًا وخارجيًا؟!

الأربعاء 24/أكتوبر/2018 - 04:59 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

ارتبط التاريخ الإسلامي بشكلٍ كبير بمحورية المساجد، وهو ما يبرز في الأحداث الكبرى التي مر بها التاريخ الإسلامي، فقد مارس النبي محمد دوره كزعيم روحي وسياسي من داخل مسجده. وعمل المسلمون بعده على توظيف المساجد ورعايتها لخدمة الأهداف والأجندات السياسية وهو ما يتنافى مع الرسالة الروحية لها. في هذا السياق، فطن حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة في تركيا عام 2001 إلى أهمية استعادة دور الدين كعامل أساسي لتشكيل الهوية التركية الإسلامية التي يتهمون العلمانيين بالعمل على طمسها منذ إسقاط الدولة العثمانية عام 1924.

ويرتبط مفهوم المسجد بركنٍ مهم من أركان الإسلام وهو الصلاة، ويرى الفقيه "محمد بن عبد الله الزركشي" أن كلمة مسجد لغة منبثقة من فعل "السجود" أثناء الصلاة، وهو ما يجعل له قدسية دينية وروحية كبيرة تنعكس في التأثير على مريديه. من ناحيةٍ أخرى، تطلق الأدبيات عليه لفظة "الجامع" بمعنى التجمع. ويرتبط مفهوم الجامع بالتجمعات الكبيرة من الناس.(1)

انطلاقًا من ذلك، سنحاول في هذا التقرير البحث في مفهوم المسجد في إطار السياسة التركية الجديدة التي تعتبر من مؤسسة المسجد وسيلة لإعادة تشكيل الهوية التركية داخليًا، واستعادة الهيمنة والمكانة خارجيًا خاصة في أوربا؛ حيث اتجهت تركيا مؤخرًا للمساهمة في بناء المراكز الإسلامية التابعة لها واتخاذها أداة للوصول إلى المسلمين في هذه المجتمعات مما يمكنها من مضاعفة قوتها الناعمة خارجيًا، وهو ما تخشاه كثير من الدول الأوروبية.

سياسة "أردوغان" الداخلية تجاه المساجد  

يتهم المعارضون "أردوغان" بتوظيف المساجد لمصلحته، ويرى هؤلاء أن سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه المساجد تهدف إلى تثبيت سلطته السياسية، ويعتبرون أن ذلك يُمكن أن يُدخل البلاد في حالة من الصراع الهوياتي خاصة في ضوء المكتسبات التي أرساها الجمهوريون بقيادة "مصطفى كمال أتاتورك" منذ إسقاط الدولة العثمانية. (2)

ويحاول "أردوغان" أن يستخدم في خطابه لغة أقرب للواعظ الديني ، وهو ما يجعل خطابه مؤثرًا على متابعيه. ويرى المحللون أن هذا الأسلوب جاء كانعكاس لنمط التعليم الذي تلقاه "أردوغان" في المدرسة الدينية لخطباء المساجد والوعاظ. لذلك يهتم "أردوغان" منذ توليه السلطة إلى إعادة هذه المدارس لممارسة وظائف دينية وتثقيفية بالمجتمع التركي إدراكًا منه لأهمية وتأثير الخطاب الديني في الحشد والتعبئة العامة.(3) وسنحاول فيما يلي إبراز  السياسات التي اتبعها "أردوغان" على مستوى الداخل التركي فيما يتعلق بالمساجد والخطاب الديني:

1-    الدعوة لتفعيل دور المسجد: دائمًا ما يدعو الرئيس التركي إلى استعادة دور المسجد في الإسلام. وفي هذا السياق، نادى "أردوغان" في أحد خطبه أن تمارس المساجد أنشطة اجتماعية وثقافية في أوقات ما بعد الصلاة. ويعتبر الرئيس التركي أن إبعاد الشباب عن المساجد سيجعلهم عرضة للاستقطاب من قبل التنظيمات الإرهابية كمنظمة "بي كا كا" التي تصنفها تركيا على أنها إرهابية. ورأى "أردوغان" في خطاب له ان المساجد لا تُخرِج إرهابًا أو إرهابيين في إشارة إلى معارضيه الذين ينتقدون سياساته الدينية. وتعد المساجد في التكوين الفكري لأردوغان مجالس للعلم، ومدارس للتنشئة، وجزئًا من الحياة الاجتماعية.

2-    الظهور في افتتاح المساجد الجديدة: يحرص "أردوغان" على الظهور الإعلامي أثناء افتتاح المساجد، وقد كان آخرها افتتاح مسجد "مليكة خاتون" بأنقرة. ويعد هذا المسجد من أكبر مساجد تركيا. وقام "أردوغان" بتقديم خطبة سياسية أثناء الافتتاح؛ حيث قال:  "أقدم الشكر باسمي وباسم الشعب التركي لجميع إخواننا الذين عملوا في بناء هذا الصرح العظيم، وأعتقد أن هذا الصرح بخصائصه سيكون رمزًا من رموز العاصمة أنقرة". وذكَّر "أردوغان" الشعب التركي خاصة المتدينين منهم بسنوات الاضطهاد الديني التي كانت لا تسمح ببناء المساجد أو إظهارها. وفي رده على الانتقادات التي تعتبر ذلك الإنفاق إهدارًا لمقدرات الدولة، اعتبر أن ذلك لم يكلف ميزانية الدولة أي شيء، ولكن تم التمويل والإنفاق من أموال المواطنين، وهو بذلك يُرسل رسالة مبطنة لمعارضيه من العلمانيين مفادها أن الشعب التركي متدين، فيما يرى معارضوه أن ذلك لعب بمشاعر المتدينين من الشعب التركي لاكتساب السلطة والتأثير.

3-    الدعوة لفتح المساجد طوال فترات اليوم: يشدد "أردوغان" في خطاباته على ضرورة الإبقاء على المساجد مفتوحة طوال الوقت، وضرورة ألا يتم إغلاقها بعد الصلوات. وفي هذا السياق، قال: "ينبغي ألا نجعل من مساجدنا أماكن يصلي فيه الناس ومن ثم يغادر الجميع عقب الصلاة، وتقفل أبوابها".  وطالب بالعودة إلى تفعيل دور المساجد في عموم تركيا خلال الفترة القادمة، وجعلها مفعمة بالنشاط بشكل دائم وليس فقط في أوقات الصلاة.

على الرغم من أن رؤية "أردوغان" لوظيفة المسجد تمثل انعكاسًا لنمط التنشئة الدينية التي عاشها بنفسه إلا أنه استفاد وحزبه كذلك من سياساتهم تجاه المساجد في العديد من الفترات التي احتاج فيها إلى دعمهم والتي من أبرزها:

1-     مقاومة الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016: لجأ داعمو "أردوغان" إلى مكبرات أصوات المساجد لدعوة الناس للنزول والاحتشاد في الشوارع لإفشال المحاولة الانقلابية، وكان لذلك أثرًا كبيرًا على إجهاض المحاولة الانقلابية خاصة بعد احتشاد الناس في الشوارع.(4)؛ حيث تم استخدام المسجد كقناة تقليدية للتعبئة الشعبية للأتراك لإحباط القوات المتمردة، عبر إعاقة تحركاتهم.

2-    الانتخابات الأخيرة التي سبقها تعديل الدستور: يتهم معارضو "أردوغان"، وحزب العدالة والتنمية، بتوظيف المساجد والخطاب الديني لحشد الناس للتصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية التي منحت "أردوغان" صلاحيات كبيرة، وكذلك اتباع نفس الأسلوب في الدعاية في مراحل الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

المساجد في سياسة "أردوغان" الخارجية

تعتمد الحكومة التركية في سياستها تجاه الشأن الديني في ألمانيا على "الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية"، وهو يُعد أكبر جمعية إسلامية في ألمانيا. وتطالبه السلطات الألمانية بفك ارتباطه بالحكومة التركية والعمل على توفير سياسات تمويلية جديدة لأنشطته مختلفة عما هو متبع حاليًا. ويرصد المتابعون لأنشطة الاتحاد تحولًا كبيرًا في توجهاته خاصة فما يتعلق بدعمه حكومة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات.

وامتد دور "أردوغان" في دعم بناء المساجد إلى أوروبا، وهو ما بدا في الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي إلى برلين؛ حيث افتتح مسجدًا في ولاية كولونيا، وذلك على الرغم من المعارضة الكبيرة التي شهدتها عملية تشييد المسجد. وقام بتمويل عملية البناء "الاتحاد الإسلامي التركي للشئون الدينية" المقرب من السلطات التركية. وتشير التقارير أن "الإتحاد الإسلامي التركي" يقوم بالإشراف على 900 مكان للصلاة في ألمانيا، وذلك بإشرافٍ كامل من أئمة قادمين من تركيا(5).

ترفض السلطات الأوربية خاصة في النمسا وألمانيا الدور الذي تمارسه تركيا في تشييد وبناء المساجد؛ حيث اتهمت السلطات الألمانية الاتحاد بالتجسس على معارضي "أردوغان" من الجالية التركية في ألمانيا(6). وقاطع المسئولون السياسيون في ولاية "كولونيا" عملية تدشين مسجد كولونيا. في السياق نفسه، طالب العديد من السياسيين الألمان بالاعتراف بالإسلام دينًا رسميًا في ألمانيا، وذلك لقطع الطريق أمام تدخل أجهزة ودول أجنبية مثل تركيا لتبني سياسة بناء المساجد لتحقيق مصالح حزبية داخل تركيا. على صعيدٍ آخر، أعلن وزير الداخلية النمساوي أن فينا تنظر في طرد 60 رجل دين إسلامي مرتبطين بتركيا، وهددت السلطات النمساوية بسحب الإقامة منهم، وأعلنت كذلك عزمها إغلاق 7 مساجد.

ختامًا؛ يبدو من خلال عرض السياسات الداخلية والخارجية للحكومة التركية تجاه المساجد أن هناك سياسة مدروسة يعمل من خلالها نظام حزب العدالة والتنمية منذ عام 2001، تتعلق هذه السياسة مباشرة باستهداف العلمانية التي ترسخت على يد مؤسس الجمهورية التركية "أتاتورك" وإحلالها رويدًا رويدًا بنمط التدين الإسلامي الذي ينحدر منه أغلب أعضاء الحزب.

الهوامش

1-     محمود عبد العال، التوظيف السياسيّ للمساجد في مصر بعد 2011 قراءة في الخبرة التاريخية وانعكاساتها على السياق السياسي، مركز إدراك للدراسات والاستشارات، سبتمبر/أيلول 2017، على الرابط:

http://idraksy.net/political-employment-of-mosques-in-egypt/    

2-     أردوغان يلعب ورقة المساجد لتغيير هوية تركيا (6/8/2017)، العرب، على الرابط: https://goo.gl/sEor7w 

3-    بالعظات والكثير من الصخب: كيف يسحر أردوغان الأتراك؟ (3/4/2018)، عربي بوست، على الرابط:

                                                                                                          https://goo.gl/NPXZM1

4-    ماذا حدث في تركيا وما هي أسباب فشل الانقلاب؟ (6/10/2016)، فرانس 24، على الرابط:

                                                                                                           https://goo.gl/qGmqwi

5-     أردوغان يفتتح في كولونيا الألمانية أحد أكبر المساجد بأوروبا (28/9/2018)، فرانس 24، على الرابط:

https://goo.gl/sg3ezN     

6-     محمود علي، الأئمة والمساجد.. هدف «أردوغان» للتجسس على معارضيه في أوروبا (21/5/2018)، صوت الأمة، على الرابط:                                                                                             https://goo.gl/AzkmdP

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟