المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

استفتاء كاليدونيا... فرنسا في مواجهة إنهاء الاستعمار في المحيط الهادي

الثلاثاء 06/نوفمبر/2018 - 07:11 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
آية عبد العزيز

تواجه فرنسا أول استفتاء على الاستقلال منذ تصويت جيبوتي لتتحرر من سيطرتها في عام 1977، وفانواتو في عام 1980؛ حيث توجه سكان منطقة "كاليدونيا الجديدة" الخاضعة للحكومة الفرنسية في المحيط الهادي، يوم الأحد الموافق 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، للتصويت على الاستقلال عن السيادة الفرنسية والحصول على صلاحيات أكثر خاصة في مجال القضاء والشرطة والعلاقات الخارجية، تمهيدًا إلى أن تصبح في مستقبل دولة ذات سيادة.

وبالرغم من كونها تتمتع بالحكم الذاتي وإلا إنها مازالت معتمدة بشكل كبير على فرنسا في مجالات كثيرة مثل التعليم والدفاع والعلاقات الخارجية، وذلك بحلول الذكرى العشرين لاتفاق "نوميا" الذي يتضمن عملية إنهاء الاستعمار بشكل تدريجي.(1)

وفي هذا الصدد؛ جاءت نتيجة الاستفتاء ضد الاستقلال عن السيادة الفرنسية بنسبة 56.4% من إجمالي عدد الناخبين، الذي شهد نسبة مشاركة 80.7%. والجدير بالذكر إن النتيجة لم تكن وليدة اللحظة فمازالت التوجهات الداخلية الداعمة لاستمرار الوجود الفرنسي في الإقليم كبيرة.

 وقد تجلى ذلك في استطلاع رأي الذي تم إجراءه بشكل استباقي غير رسمي يتعلق بمعرفة مدى الرغبة في استمرار السيادة الفرنسية على الإقليم، وقد بلغت نسبة المؤيدين 22.5%، بينما عارض ما يقرب من 59.7% عن الاستقلال، مقابل 17.1% لم يحسموا أمرهم وذلك في مايو/ أيار 2018، أي قبل 6 شهور على الاستفتاء الرسمي للإقليم.

 وعليه فقد عبر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" عن فخره العميق لنتائج الاستفتاء، قائلًا "لا يوجد طريق أخر غير طريق الحوار"، كما أوضح "لورون فوكيي" رئيس حزب الجمهوريون "أن مواطنين كاليدونيا عبروا عن انتماءهم للجمهورية الفرنسية بوضوح"، فيما أعرب "فرانسوا بايرو" زعيم حزب "الحركة الديمقراطية" على أن "المصالحة هى التي فازت في هذا الاستفتاء".

 في المقابل انتقد حزب "فرنسا الأبية" نتائج الاستفتاء لآنها تمثل خيبة للناخبين المؤمنين بضرورة سيادة شعب كاليدونيا على إقليمهم بعيدًا عن الهيمنة الفرنسية.(2)  

من هي كاليدونيا الجديدة التي ترغب في الاستقلال؟

كاليدونيا هي واحدة من 17 "دولة غير ذاتية الحكم" مدرجة في قائمة الأمم المتحدة لإنهاء الاستعمار. وقد أعلنت فرنسا عن سيطرتها على الإقليم لأول مرة في عام 1853، وقد تم استخدامها باعتبارها مستعمرة عقابية يُنفى إليها المخالفين للسياسات الفرنسية؛ حيث تقع في المحيط الهادي على بعد أكثر من 16 ألف كلم عن باريس، وعلى بعد 2000 كلم عن أستراليا.

وتعاني "كاليدونيا" من انخفاض معدلات النمو الاقتصادي رغم امتلاكها لكميات كبيرة من احتياطيات النيكل. ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 270 ألف نسمة؛ ويشكل الكاناك (السكان الأصليون) حوالى 40% منهم والأوروبيون 27 %. أما الباقون من أصول أخرى أو بلا انتماء محدد.

ويمتلك الإقليم حق التمثيل في البرلمان الفرنسي بوجود نائبان وعضوان في مجلس الشيوخ، وعلى المستوى الداخلي تتمتع كاليدونيا بوجود مجلس نيابي منتخب يختص بوضع السياسات المتعلقة بالقوانين المحلية وتنظيم الحالة الأمنية الداخلية.(3)

أسباب المطالبة بالاستقلال عن السيادة الفرنسية

 تعود أسباب المطالبة بالاستقلال إلى كون "كاليدونيا" مستعمرة تاريخية تابعة للسيادة الفرنسية حاولت الاستقلال نتيجة معاناتها من عدم التوافق بين السكان الأصليين "الكاناك" والمستوطنين الأوروبيين الموالين لباريس، علاوة على تنامي الانقسامات العرقية، وتزايد الشعور بعدم المساواة بلغت ذروتها في أحداث الثمانينيات.

كما واجه الإقليم منذ الثمانينيات حالة من العنف الحاد الذي أسفر عن اشتباكات بين السكان الأصليين والمستوطنين الموالين لباريس على خلفية الاستقلال عن السيادة الفرنسية، كما هاجم الجيش الفرنسي شرق كاليدونيا في منطقة "أوفيا"، نتيجة احتجاز المطالبين بالاستقلال عدد من عناصر الدرك، مما أدى إلى مقتل 21 شخصًا من شعب "الكاناك"، وواجه بعضهم تنفيذ لأحكام الإعدام.

الأمر الذي أدى توقيع اتفاقية نوميا في عام 1998 التي بموجبها تم منح الإقليم حكمًا ذاتيًا؛ كما  منحهم الحق في تقرير المصير في موعد أقصاه تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وقد سبق هذه الاتفاقية اتفاقية  "ماتينيون" من لجلب السلام إلى كاليدونيا.(4)

وفي هذا السياق؛ يعد الرئيس الفرنسي "ماكرون" أول رئيس  يزور "أوفيا" منذ أحداث عام 1988.(5) وقد جاءت الزيارة قبل 6 شهور من الاستفتاء وبعد عام من تولي "ماكرون"؛ حيث حاول الرئيس الفرنسي تقريب وجهات النظر بينهم تجنبًا للصدام في المستقبل. تجسد ذلك في زيارة رئيس الحكومة الفرنسية إلى الإقليم قبل زيارة "ماكرون" للاتفاق حول بنود الاستفتاء، وكان الاستقلاليون يرغبون في الحديث عن "السيادة الكاملة" وليس الاستقلال.(6)

الأهمية الاستراتيجية لكاليدونيا الجديدة

يتميز موقع "كاليدونيا الجديدة" بأهمية استراتيجية لفرنسا بالرغم من بُعدها الجغرافي، إلا إنها تمثل إعادة تمركز وانتشار لفرنسا في المحيط الهادي لمواجهة تنامي النفوذ الصيني المتزايد، كما تمتلك كميات كبيرة من احتياطيات النيكل العنصر الحيوي في صناعة الإلكترونيات. وعليه فهي منطقة نفوذ قوية لفرنسا في منطقة الهادي، وتمثل عمق استراتيجي لها.

 لذا فقد أثارت عملية الاستفتاء مخاوف الجانب الفرنسي بشأن تنامي النفوذ الصيني في المنطقة في حالة رفض السكان استمرار السيطرة الفرنسية عليهم. وذلك في سياق توجه بكين المكثف نحو فانواتو، والجزر المجاورة لكاليدونيا، كخطوة تمهيدية إلى لخلق موطئ قدم فيها. 

وعليه يمثل بقاء الإقليم تحت سيطرة السيادة الفرنسية عاملًا مهمًا للدبلوماسية الخارجية لباريس، وضمان توازن القوى واستقرار منطقة الهادي التي تشهد تكتلات إقليمية ودولية تكاد تعصف باستقرار وأمن المنطقة.(7) كما يجسد التواجد الفرنسي صمام أمان لأستراليا في منطقها البحرية، التي أعربت عن قلقها إبان الاستفتاء، وتداعياته السلبية التي من الممكن أن تخلق نفوذًا جديدًا لبكين في المنطقة ولكنها التزمت الحياد تجاهه.(8)

ماذا بعد التصويت بـ"لا"؟

جاءت نتيجة التصويت لصالح البقاء ضمن السيادة الفرنسية، ووفقًا لهذه النتيجة من المتوقع أن يكون هناك استفتاءان آخران بشأن الاستقلال يسمح فقط للمقيمين لفترة طويلة في كاليدونيا الجديدة بالتصويت، وذلك بموجب اتفاق نوميا الذي وقع عام 1998، ووافقت فرنسا على منح كاليدونيا الجديدة ثلاث فرص لتقول نعم للاستقلال، مع استفتاءين آخرين من المقرر إجراؤهما في عامي 2020 و 2022.(9)

وبناءً عليه فستظل كاليدونيا جزءًا من الجمهورية الفرنسية التي تحكمها مؤسساتها، وسيستمر تطبيق اتفاقية نوميا. كما ستستخدم العلم الفرنسي وستواصل فرنسا بتلقى كاليدونيا المساعدات المالية والإعانات بموجب اتفاق نوميا. فيما ستواصل فرنسا الحفاظ على سيطرتها على السياسة الخارجية والدفاع والمالية والعدل والنظام العام.(10)

الهوامش:

1-      "ماهي المناطق والأقاليم التي تتطلع للاستقلال في أوروبا؟"، فرانس 24، 11/9/2017:

                                                                                                                                http://cutt.us/7pOjW

2-      " سكان كاليدونيا الجديدة يصوتون لصالح البقاء تحت سيادة فرنسا"، فرانس 24، 4/11/2018:

                                                                                                                                http://cutt.us/GlpUV

3-      " سكان جزر كاليدونيا الجديدة يرفضون الاستقلال عن فرنسا في استفتاء عام"، هيئة الإذاعة البريطانية، 4/11/               2018:                                    http://www.bbc.com/arabic/world-46088814

 

4-      "استفتاء مصيري حول استقلال إقليم كاليدونيا الجديدة عن فرنسا"، فرانس 24، 2/11/2018:

 http://cutt.us/hTUl0

5-      "ماكرون يزور كاليدونيا الجديدة قبل ستة أشهر من الاستفتاء على استقلالها عن فرنسا"، فرانس 24، 3/5/2018:                                                                                                          http://cutt.us/RmDxP

6-      "فرنسا: التوصل لاتفاق بشأن صيغة سؤال الاستفتاء حول استقلال كاليدونيا الجديدة"، فرانس 24، 28/3/2018:                                                                                                           http://cutt.us/hg6tf

7-           "New Caledonia votes on independence from France in landmark test", The Guardian, 4/11/2018.

 https://www.theguardian.com/world/2018/nov/04/new-caledonia-voting-france

8-             Yara Murray-Atfield , Lauren Beldi, " New Caledonia: What you need to know about the French territory's independence referendum", 4/5/2018.

https://www.abc.net.au/news/2018-05-04/why-does-new-caledonia-want-to-break-away-from-france/9722962

9-           Stephen Dziedzic, " New Caledonians vote against independence, early referendum results suggest", ABC NEWS, 4/11/2018.

 https://www.abc.net.au/news/2018-11-04/new-caledonians-head-to-the-polls-to-vote-on-referendum/10463822

10-   Stefan Armbruster, "What New Caledonia could look like after independence vote", SBS NEWS, 3/11/2018.

 https://www.sbs.com.au/news/what-new-caledonia-could-look-like-after-independence-vote

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟