المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

شكوك متزايدة .. طالبان وجهود المصالحة الأفغانية

الخميس 13/ديسمبر/2018 - 04:07 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح

تتوالى الدعوات من جانب العديد من الفاعلين المحليين والإقليمين والدوليين لحلحلة الأزمة الممتدة منذ عام 2001، بين حركة طالبان المسلحة  والحكومة الأفغانية، وفي هذا الإطار لابد من الحديث عن الدعوات الداخلية من جانب زعيم حركة طالبان هبة الله أخواندزادة، ورئيس الحكومة الأفغانية أشرف غني؛ حيث أعلن الطرفان رغبتهما في التحاور لإنهاء عملية النزاع المسلح في البلاد.

الجدير بالذكر أنه على الرغم من هذه الدعوات إلا أنه هناك العديد من الخطوط الحمراء التي يمكن أن تعيق توافر البيئة السياسية المناسبة التي تعيق تلك الجهود في أن تكلل بالنجاح، خاصة وأن المفاوضات تختلف جذريًا في أهدافها بين الحكومة الأفغانية التي أبدت قرارها بالتباحث دون شروط مسبقة، في حين ترى حركة  طالبان أن التفاوض سيكون مع الولايات المتحدة باعتبارها الفاعل الأصلي في المفاوضات، وأن الحكومة الأفغانية ما هي إلا طرف تابع.(1)

أهداف المفاوضات

تتشابك العديد من أهداف المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان والولايات المتحدة؛ حيث أعلنت الولايات المتحدة أهدافها في حال استمرار عمليات التفاوض على النحو التالي:

1) فك الارتباط بين حركتي طالبان والقاعدة

2) وضع دستور للبلاد

3) صوف حقوق المرأة والأقليات

4) جعل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أكثر أمنًا بعد توقيع العديد من الاتفاقات الأمنية

5) مراجعة سياسة التدخلات العسكرية المباشرة في العديد من المناطق ومن بينها أفغانستان، والتي تمثل أطول حرب خاضتها والتي امتدت لنحو 17 عامًا

على الجانب الآخر، أعلنت حركة طالبان أهدافها من عملية التفاوض والتي تم بلورتها كما يلي:

1) إنهاء الاحتلال الأمريكي والوجود الأجنبي على الأراضي الأفغانية

2) الأعتراف الدولي بالحركة كمنظمة سياسية يمكن أن تشكل بديلًا عن الحكومة الحالية في حال إقرار الدستور والتناوب على السلطة

3) رفض القبول بالتفاوض مع الحكومة الفغانية واستبدالها بالولايات المتحدة الأمريكية.

4) رفع أسماء قيادات الحركة من القوائم السوداء وتسهيل حركة أعضائها لتكثيف مساعي التوصل للسلام، لأن تحقيق ذلك يتطلب بيئة مفتوحة دون وجود ضغوط خارجية.(2)

بيئة المفاوضات

قبل الشروع في المفاوضات بين حركة طالبان كان هناك العديد من المؤشرات التي مثلت حجر الأساس في الإعلان عن تلك الخطوة من جانب العديد من الدول الإقليمية والدولية، على سبيل المثال؛ جهود المبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد خلال الفترة الأخيرة والمتعلقة بالتحضير المسبق لإجراء المفاوضات، والتي ساهمت في نجاح الانتخابات البرلمانية التي أقيمت في 20 أكتوبر 2018، كما قام زاد بزيارة العديد من الدول الإقليمية مثل باكستان والإمارات وقطر والسعودية، والقيام بدور مكوكي لدفع عمليات التسوية للأزمة الأفغانية.

في نفس الإطار؛ تم وقف إطلاق النار بين الحركة والحكومة في أجازة عيد الفطر في يونيو 2018، كما تم عقد لقاء هو الثاني من نوعه بين وفد طالبان في مقره السياسي في الدوحة، مع المبعوث الأمريكي الخاص، للخروج بتوصيات حول مستقبل المفاوضات، بالإضافة لذلك الدعوة التي أعلنها زعيم حركة طالبان في أغسطس 2018، عن قبوله التفاوض مع الولايات المتحدة، ومؤخرًا صرح الرئيس الأفغاني أشرف غني بأن الحكومة في مؤتمر جنيف بأن الحكومة مستعدة للتفاوض دون شروط مسبقة مع حركة طالبان، كما أعلن إمكانية الاعتراف بها كمنظمة سياسية شريطة التخلي عن العمل المسلح.

على الجانب الروسي، قدمت موسكو بتقديم العديد من المبادرات التي من شأنها تسوية الأزمة في أفغانستان، مثل مؤتمر السلام الإقليمي المنعقد في كابل فبراير 2018، في حين قامت بتشكيل لجنة من ممثلي دول المنطقة ضمت وزراء خارجية العديد من دول الجوار بالإضافة إلى وفد من حكومة أفغانستان، ووفد من حركة طالبان -المصنفة إرهابية في روسيا-، وممثل من الولايات المتحدة كمراقب.

أما على المستوى الإقليمي والدولي فإن دخول دول مثل روسيا وإيران وباكستان على خط الأزمة الأفغانية واستعدادها لاستضافة مباحثات مباشرة بين أطراف الأزمة، هو أمر تعتبره حركة طالبان موقفًا دوليًا داعمًا لها ويصب في مصلحتها ويعزز موقفها السياسي ويدفعها لطلب الحوار مع واشنطن من منطق قوة خصوصًا أن الأخيرة ترفض دخول أطراف أخرى منافسة لها في هذا الملف.(3)

الولايات المتحدة وباكستان

هناك العديد من التقرير التي تشير إلى أن أجهزة المخابرات الباكستانية هي الضلع الأساسي في نشأة حركو طالبان، لمساعدتها في حربها مع الهند فيما يتعلق بإقليم كشمير، بيد أن الولايات المتحدة حاولت الضغط على باكستان فيما يتعلق بعلاقاتها مع حركة طالبان؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراجعة المعونات المالية المقدمة لباكستان فيما يتعلق بسياساتها تجاه مواجهة الجماعات المتشددة، وصرح بذلك خلال تغريدة له على موقع تويتر أعلن خلالها "أن الولايات المتحدة تأسف على الدعم المالي المقدم لباكستان على مدار 15 عامًا، والذي يقدر بــ 33 مليار دولار".

وفي نفس الإطار أعلنت الولايات المتحدة تجميد المساعدات المالية التي كانت موجهة لإسلام أباد والتي تقدر بحوالي 255 مليون دولار في سبتمبر 2018، ومن قبل شددت واشنطن في يناير من نفس العام على ضرورة طرد المسلحين التابعين للحركة من أراضيها، وعدم توفير الملاذات الأمنة لعناصر الحركة.

إلا أن هذه التوترات وإن كانت تعيق جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة، فإن باكستان أعلنت على لسان وزير خارجيتها شاه محمود  قريشي، بأن باكستان تدعم جهود المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان خليل زاد، فيما يتعلق بالجهود الأمريكية بتنسيق الأدوار الإقليمية والدولية لحلحلة الأزمة الأفغانية.(4)

علاقة طالبان بالقاعدة

على الرغم من مبايعة القاعدة لزعيم تنظيم حركة طالبان بصورة دورية إلا ان هناك العديد من الخلافات بين الجماعتين، ولعل أبرز تلك الخلافات تتمحور في النقاط التالية:

1) التمايز الفكري والأيديولوجي: تختلف حركة طالبان مع القاعدة في كونها جماعة محلية تقتصر نشاطها على الداخل، دون أن ينسحب ذلك على باقي الدول، على العكس بشكل كامل مع تنظيم القاعدة؛ فالقاعدة تنظيم عالمي يهدف إلى إقامة خلافة إسلامية عالمية في العديد من الدول دون الارتباط بجغرافيا محددة.

2) الموقف من العمل السياسي: تتبنى حركة طالبان العمل السياسي كأحد أدواتها في بسط نفوذها على الأراضي وتوسيع دائرة سلطاتها، على الجانب الآخر، ترفض القاعدة آليات العمل السياسي وتحرم التعامل مع الحكومات والأنظمة، بل وتقتصر على محارباتها.

3) الجنسية: من الأمور الخلافية بين التنظيمين؛ حيث تقتصر الجنسية بالنسبة لقيادات حركة طالبان على الجنسية البشتونية، في إشارة إلى البعد المحلي فيما يتعلق بتكوين القيادات، أما القاعدة فليست مثلها وأن قياداتها لا يرتبطون بمنطقة جغرافية معينة، بل أن القيادة مفتوحة أمام العديد من الأشخاص من الجنسيات المختلفة.

4) البعد العقدي: هناك اختلافات جذرية بين العقيدة الدينية لكلا التنظيمين فحركة طالبان تعتنق العقيدة الديوبندية، التي تعتمد على عقيدة أبي منصور الماتريدي في العقيدة، والفكر الحنفي في الفقة، على الجانب الآخر تعتمد القاعدة على الفكر السلفي الجهادي في معتقدها وفكرها الحركي.

5) التوسع: كما ذكرنا فإن حركة طالبان يقتصر نشاطها كحركة محلية على الحدود الجغرافية للدولة، بينما على العكس يقوم فكر القاعدة على توسيع رقعة الانتشار والتوسع الجغرافي في العديد من الدول.

وبعد استعراض أهم نقاط الاختلاف يبقى الإشارة إلى أن توجه حركة طالبان للمفاوضات مع الإدارة الأمريكية أو الحكومة الأفغانية إن أمكن، سوف يلقي بتداعياته على مستقبل العلاقة بين الطرفين، خاصة وأن حركة طالبان تقوم بتوفير الملاذات الأمنة لعناصر تنظيم القاعدة وكذلك معسكرات التدريب، ومن ثم فإن هذه الدعوة للمفاوضات ستشكل محورًا أساسيًا في علاقة التنظيمين بل أنه قد يمتد إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين.(5)

سيناريوهات محتملة

تشكل الدعوات المتتالية الأخيرة لبدء مباحثات السلام بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، تطورا سياسيا لافتا في مسار الأحداث في أفغانستان لاسيما أنها تأتي بعد نحو 17 عاما من الحرب الدامية الدائرة بين القوات الأمريكية ومقاتلي الحركة دون أن يتمكن أي من الطرفين من تحقيق الانتصار الحاسم فيها حتى الآن.

ولا يمكن فصل المفاوضات المحتملة بين حركة طالبان من جانب والحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر، عن توجهات ودوافع الأطراف الثلاثة بالإضافة إلى التنسيقات الإقليمية، وفيما يلي أبرز تلك السيناريوهات:

1)  يمكن أن تتبع طالبان خطة تكتيكية من شأنها توسيع هامش المناورة لكسب مزيد من الوقت لتنظيم صفوفها وتخفيف الضغط الأمريكي عليها خاصة بعد نجاح عملية الانتخابات البرلمانية التي تمثل أول انتخابات بعد عام 2010، بالإضافة لذك تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في 20 أبريل 2019، ولإحراج إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، ومن ثم فإن الموقف التفاوضي بين طالبان يعكس تحولًا استراتيجيًا في سياسة الحركة، وعليه فإن الموقف الأمريكي من دعوة طالبان يحتمل العديد من السيناريوهات؛ الأول: أن تتجاهل واشنطن هذه الدعوة وتعتبرها مجرد مناورة سياسية لا تعبر عن تحول حقيقي في موقف الحركة من عملية السلام في أفغانستان أو أن تفسرها بعض الدوائر المتشددة داخل إدارة ترامب بأنها تعبير عن المأزق الذي تعيشه الحركة ومقاتلوها بفعل الضربات العسكرية الأمريكية ضدها وأنها إحدى ثمار الاستراتيجية الجديدة لترامب، والثاني: أن هذه الدعوة تعكس قراءة جيدة من قبل قيادة الحركة لتطورات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية ومحاولة للاستفادة من هذه التطورات لتحقيق المصالحة الوطنية الأفغانية.

2) إن دعوة طالبان للتفاوض كانت موجهة بالأساس إلى الولايات المتحدة الأمريكية دون غيرها، وأنها ترغب في تسوية الأزمة السياسية مع الحكومة الأفغانية دون التفاوض معها وهي من تمثل الشرعية السياسية الحاكمة، على عكس ما تريد واشنطن فيما يتعلق بإشراك الحكومة الأفغانية في التفاوض، ويعود ذلك إلى حيث رؤية الحركة أن هذه الحكومة مجرد تابع للولايات المتحدة.

ووفق هذا التصور فإن هذه الدعوة قد تموت قبل أن تولد خاصة وأن الولايات المتحدة لن تقبل بتلك الشروط من جانب حركة طالبان، فالولايات المتحدة ترغب في حوار أفغاني – أفغاني، تمارس هي دور الوسيط الفعال لتسوية هذه الأزمة.

3) على الرغم من دعوة طالبان للحوار مع واشنطن، إلا أنها لا تتسم بعنصر المفاجأة؛ إذ أنها جاءت بعد زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي لشئون جنوب آسيا "جون سوليفان"،  والجدير بالذكر أنها جاءت بعد سلسلة من العمليات الناجحة للحركة في استهداف مواقع ومقار مدنية وعسكرية أفغانية وأمريكية آخرها السيطرة على قاعدة عسكرية في وسط مدينة كابل، وسقط خلالها عشرات القتلى في صفوف العسكريين والمدنيين الأفغان كما أنها تأتي في ظل اتساع سيطرة الحركة على مساحات كبيرة من البلاد.

ووفق ذلك فمن الممكن أن تستجيب الإدارة الأمريكية لهذه الدعوة التي يرى البعض أنها ربما تشكل مخرجا مقبولًا للولايات المتحدة من مأزقها الذي تعيشه منذ تدخلها العسكري في أفغانستان والذي نجحت من خلاله في إسقاط حكم طالبان لكنها لم تتمكن من القضاء عليها بل إنها صارت بعد كل هذه السنوات أكثر قوة وتمددًا، فباتت تسيطر على نحو نصف مساحة البلاد.

الهوامش:

1) الرئيس الأفغاني يعلن عن خارطة طريق من خمس مراحل للتوصل إلى اتفاق سلام مع طالبان، على الرابط:  

https://bit.ly/2C0ydK5

2) دعوات طالبان للتفاوض مع واشنطن .. مناورة تكتيكية أم تحول إستراتيجي ؟، على الرابط:

                                                                                          https://www.albawabhnews.com/2967303

3) طالبان تعقد مباحثات بالدوحة مع مبعوث واشنطن لدى كابل، على الرابط:   

https://bit.ly/2E7E2XD

5) ما هي حقيقة العلاقة بين طالبان والقاعدة؟ تعرف على أبرز نقاط الاختلاف بينهما، على الرابط:

                                                                                                                                         https://bit.ly/2NdNquM  

4) باكستان تؤكد للولايات المتحدة دعمها لإنهاء الحرب في أفغانستان، على الرابط:

                                                                                                                                             https://bit.ly/2rsYBWP

5) ما هي حقيقة العلاقة بين طالبان والقاعدة؟ تعرف على أبرز نقاط الاختلاف بينهما، مرجع سبق ذكره.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟