المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الطريق إلى السويد .. القبائل والمقاومة الشعبية في ميزان الأزمة اليمنية

الخميس 20/ديسمبر/2018 - 03:08 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

يعتبر المحللون تدخل السعودية عسكريًا في اليمن جاء بعد حالة الانسداد السياسي التي وصل لها الحوار الوطني اليمني الذي كان يقوده الرئيس "عبد ربه منصور هادي"، والذي انتهى إلى عسكرة الحوثيين للسياسة وانطلاق حملتهم لاحتلال المؤسسات الحكومية، واعتقال الرئيس الشرعي وإجباره على تقديم استقالته ومحاولة ملاحقته وتصفيته في العاصمة المؤقتة عدن؛ حيث قاموا بتفجير القصر الجمهوري هناك، ولكنه تمكن من اللجوء إلى المملكة العربية السعودية.

سنقوم في هذا التقرير برصد وتقييم دور القبائل والمقاومة الشعبية اليمنية خلال الحرب في اليمن، وانعكاس تعاظم هذا الدور على تعزيز دور قوات التحالف العربي خلال عاصفة الحزم، وهو ما بدا جليًا في إجبار الحوثيين على الذهاب إلى السويد.

تأسيس المقاومة الشعبية

تشكلت قوات المقاومة الشعبية من منشقين من الحرس الجمهوري بالإضافة إلى فصائل المتطوعين القبليين تحت قيادة مشايخ القبائل الكبرى في كل محافظة مثل تحالف قبائل مأرب بزعامة الشيخ "صالح الأنجف العبيدي"، والمقاومة الشعبية في تعز بقيادة الشيخ "حمود المخلافي"، وعددٍ من الفصائل المسلحة ذات الولاءات الحزبية، مثل المقاتلين المحسوبين على الحراك الجنوبي والمعروفين بـ"مقاومة الجنوب"، والمسلحين المنتسبين لحزب التجمع اليمني للإصلاح(1). وتتكون المقاومة الشعبية وفق تقرير لبوابة العين الإماراتية من عددٍ أساسي من الألوية والفصائل أبرزها:

1-     ألوية العمالقة: وهي عبارة عن تشكيلات من نخبة المقاومة الجنوبية التي شاركت في تحرير باب المندب ومدينة المخا. وتتكون ألوية العمالقة من أربع ألوية تم تشكيلها من مقاومة مدن جنوب اليمن. وتعمل قوات ألوية العمالقة بإسناد من القوات المسلحة الإماراتية، وبإشراف مباشر من غرفة العمليات المشتركة التابعة للتحالف العربي.

2-     المقاومة الوطنية: وهي عبارة عن تشكيلات عسكرية تتكون من ألوية الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، بالإضافة إلى رجال القبائل. وقد ساعد غدر جماعة الحوثي بالرئيس السابق "علي عبدالله صالح" من تأسيس القوات الوطنية؛ حيث نتج عن ذلك تسريع وتيرة الانشقاقات داخل القوات التي تحارب في صفوفهم، وأعقب اغتيال "صالح" انضمام ابن أخيه "طارق صالح" رئيس الحرس الخاص للرئيس السابق "صالح"، الذي يقود المقاومة الوطنية إلى اللجوء إلى عدن بطلب من الإمارات عقب مقتل عمه على يد الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017، وعمل التحالف بقيادة القوات الإماراتية الموجودة في عدن جنوبًا على تأمين "طارق صالح"، بل وساعدوه في فتح المعسكرات واستقطاب المواليين له، وهو ما مكنه من السيطرة على الساحل الغربي لليمن في محافظة الحديدة.

3-     المقاومة التهامية: وهي عبارة عن تشكيلات من قوات المقاومة الشعبية المنحدرة من إقليم تهامة ومحافظة الحديدة، غرب اليمن. وتمت عملية تدريبة وتأهيل قوات المقاومة التهامية من خلال من قبل القوات الإماراتية. ويرى البعض أن ما أنجزته هذه القوات في معارك تحرير الحديدة أجبر الحوثيين للرضوخ للمفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة في السويد مؤخرًا. وتعمل القوات التهامية بتنسيق مباشر مع غرفة العمليات المشتركة بالتحالف العربي(2).

دور التحالف العربي في دعم المقاومة الشعبية

لعبت القبائل والمقاومة الشعبية دورًا مهمًا على مدار الأربع سنوات الماضية؛ حيث يرى الباحث " عبد الرحمن أيمن" أن دور القبيلة في اليمن يتنامى في حالات ضعف الدولة أو انهيارها، وهو ما حدث بالفعل بعد عام 2011، حيث تلاشى دور مؤسسات الدولة كالسياسيين والأحزاب والمجالس التشريعية وتصدر شيوخ القبائل المشهد السياسي، وهو ما عزز من دور القبيلة في مرحلة الحرب على الحوثيين(3). وقد عملت قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على تدريب أبناء القبائل ليضطلعوا بدورهم في تكوين نواة الجيش الوطني الذي أخذ على عاتقه مهمة تحرير المدن التي استولى عليها الحوثيين، وهو ما ظهر جليًا في مناطق الجنوب التي استعادتها المقاومة الشعبية وسيرت شئونها اليومية من تحقيق الكفاية من الأغذية وتأمين المرافق الحيوية كميناء عدن وغيره.

يعتبر البعض أن الدور الذي لعبه التحالف بقيادة دولة الإمارات كان مهمًا في عملية تهيئة الدولة لما بعد الحرب، كذلك لحمايتها من الانزلاق في يد الحوثيين مرة أخرى؛ حيث تمكن التحالف العربي من المساعدة في تأسيس نواة الجيش الوطني اليمني، وبالتالي حرك المياه الراكدة فيما يتعلق بمفهوم الأمن القومي العربي القائم على ضرورة المحافظة على الجيوش الوطنية، وتقوية دورها كداعم وراعي لوحدة البلاد العربية ومصلحة شعوبها. وبرزت أهمية الاستثمار في الجيش الوطني اليمني أو ما يعرف إعلاميًا بـ "قوات الشرعية" في تأمين المناطق المحررة من أي هجمات مضادة قد تقوم بها جماعة الحوثي لاستعادة ما هو محرر مرة أخرى. وسنشير فيما يلي إلى أبرز المكتسبات الميدانية التي أنجزتها قوات التحالف بمساعدة المقاومة الشعبية والقوات القبلية:

1-     تمكنت قوات المقاومة الشعبية والحكومة الشرعية باستعادة حوالي 85% من الأراضي اليمنية التي كانت مهددة بالسقوط في المشروع الإيراني(4).

2-     تحرير مدينة "المكلا" عاصمة محافظة حضرموت، ومطارها، وميناؤها من تنظيم القاعدة.

3-     تعتبر المقاومة الشعبية والقوات القبلية نواة للجيش وقوات الأمن الداخلي في اليمن في مرحلة ما بعد الحرب.

4-     نجح التحالف العربي خلال العمليات العسكرية في القضاء على العشرات من القيادات الميدانية والسياسية البارزة من الصف الأول لميليشيات الحوثي كان أبرزهم "صالح الصماد".

واتخذت عملية الدعم المقدم من قوات التحالف للمقاومة الشعبية والقبائل عدة أنماط مثل تقديم التدريبات العسكرية، واستقطاب المتطوعين، وتوفير الغطاء الجوي للعمليات الميدانية، وتقديم الامدادات الطبية والغذائية للمقاتلين، وسنحاول فيما يلي تفصيل هذه الأنماط:

1-     تقديم التدريبات العسكرية: سخرت قوات التحالف العربي إمكانياتها لتقديم التدريبات العسكرية للمتطوعين إضافة إلى توفيرها للأسلحة والمعدات الخفيفة التي تحقق مهمتهم كجنود ميدانيين.

2-     استقطاب المتطوعين: اشتملت عمليات الدعم المقدم لقوات المقاومة الشعبية على تسخير الامكانيات المادية واللوجيستية لجذب المتطوعين من أبناء القبائل والحراك الجنوبي في صفوف المقاومة الشعبية.

3-     توفير الغطاء الجوي للعمليات الميدانية: تمثل عملية توفير الغطاء الجوي مرحلة هامة للتقدم على المستوى الميداني، وتقوم عمليات الدعم الجوي للمقاتلين الميدانيين على ضرب مراكز القوة ومستودعات السلاح التي يسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم، وقطع خطوط إمدادهم.

4-     تقديم الامدادات الطبية والغذائية: اتخذ الدعم المقدم لقوات المقاومة الشعبية شكل تقديم المواد الغذائية والطبية للمقاتلين في صفوف المقاومة والجيش الوطني إضافة إلى توفير فرص سفر للعلاج خارج اليمن للحالات المستعصية.

عاصفة الحزم، وإعادة الأمل في ميزان التقييم

بعد أن شارفت عاصفة الحزم على الانتهاء بعد مشاورات السويد التي يعتبرها البعض خطوة هامة نحو حل الأزمة اليمنية عبر الحوار، سنحاول فيما يلي تقييم أبرز الانجازات السياسية التي حققتها العاصفة:

عدم الحسم العسكري: انتقد الكثيرون عدم تأخر الحسم العسكري في اليمن، ولكن الواقع يعكس نجاعته كخيار استراتيجي أمام التحالف الذي عمل على عدم حسم الأمر عسكريًا نتيجة ما قد يسببه من أضرار بالغة على النسيج السياسي اليمني، وبدا أهمية ذلك في بنود اتفاق السويد بين الحوثيين وقوات الشرعية التي حرصت على فتح مساحات للحوار الوطني اليمني.

تأمين أنشطة البحر الأحمر: بدا من الاجتماع الأول الذي انعقد في الرياض على مستوى وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن أهمية هذه المنطقة بالنسبة للرياض، وهو ما بدا في الفكر الاستراتيجي لقيادة التحالف الذي حرص على استعادة ميناء الحديدة أو تحييده عن الصراع على الأقل. تجدر الإشارة إلى أن الحوثيين اعتمدوا على تهريب الأسلحة عبر الحديدة إضافة إلى اعتمادهم على ما يدره من عوائد مالية واقتصادية لدعم اقتصاد الحرب.

وقف التمدد الإيراني في المنطقة: نجحت عاصفة الحزم في وقف تمدد طهران للسيطرة على مزيد من الأراضي العربية، وكذلك ما اتجهت له سياسة المملكة مؤخرًا لممارسة الضغط الدولي للتضييق على برامج طهران لتطوير منظومة الصواريخ الباليستية؛ حيث أثبتت عمليات التدقيق والفحص أن الصواريخ الباليستية التي يستخدمها الحوثيين لاستهداف المملكة العربية السعودية صناعة إيرانية.

التلازم بين الحزم والعزم: مثلت عملية "إعادة الأمل" مرحلة ضرورية لعاصفة الحزم، ومكملة للجهود العسكرية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية وقوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن. واشتملت جهود دولة الإمارات على تهيئة الطرق والموانئ اليمنية، وذلك لتعزيز كفاءة إيصال المساعدات إلى المناطق. يُذكر أن التحالف أعلن بالتنسيق مع الأمم المتحدة عن مناطق آمنة للمساهمة في تقديم الدعم الإغاثي والإنساني للأماكن المتضررة. وفي هذا السياق، أعلنت المملكة العربية السعودية عن مساهمتها بمبلغ 1.5 مليار دولار كاستجابة عاجلة لخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2018(5).

التراجع الاقتصادي: مثل تراجع قيمة العملة والتدهور الاقتصادي والإنساني أبرز تحديات عاصفة الحزم وهو ما دفع المملكة العربية السعودية لدعم الاحتياطي النقدي اليمني أكثر من مرة للحفاظ على قيمة الريال اليمني. وتضغط اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، والإمارات) لتوحيد عمل المصرف المركزي اليمني، للربط الشبكي بين وزارة المالية بصنعاء ومصلحتي الضرائب والجمارك بالمصرف المركزي وذلك في إطار خطة التوحيد مع عدن للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة العملة اليمنية. من جهته، قام الرئيس هادي في فبراير/شباط الماضي بتعيين وزير المالية السابق محمد زمام محافظًا جديدًا للبنك المركزي، وهو شخصية يحظى بقبول الحوثيين.

                ختامًا؛ انعكس الدعم الذي قدمته قوات التحالف للمقاومة الشعبية، والقبائل على تطورات المشهد العسكري إيجابيًا على الأرض خاصة بعد نجاح هذه القوات بالتعاون مع الجيش الوطني في استعادة وتأمين المناطق المحررة.

الهوامش:

1-      أمير الشعار، المقاومة الشعبية.. قوة يمنية تغير التوازنات العسكرية، التحرير، على الرابط:

 https://goo.gl/FybmnG

2-      سكاي نيوز عربية، يوتيوب، على الرابط: https://goo.gl/C8Z4vN

3-      عبد الرحمن أيمن، القبائل اليمنية: دول المدينة على النمط اليمني، المركز العربي للبحوث، على الرابط:

http://www.acrseg.org/40789

4-      إبراهيم أبو زايد، أهم منجزات عاصفة الحزم بعد 3 سنوات على انطلاقها (25/3/2018)، الشرق الأوسط، على الرابط: https://goo.gl/MzPtF6

5-      1.5 بليون دولار من السعودية والإمارات مساعدات إنسانية لليمن (22/1/2018)، الحياة، على الرابط:

https://goo.gl/7Jq55d

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟