المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الانتخابات الرئاسية في الجزائر .. الحسابات السياسية، وعُقدة الخلافة

الخميس 07/فبراير/2019 - 06:48 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

تتحضر الجزائر لعقد الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2019، وتشهد انتخابات الرئاسة في الجزائر حالة كبيرة من الجدل والنقاش العام بسبب تردي الأوضاع الصحية للرئيس الجزائري الحالي "عبد العزيز بوتفليقة" الذي يعتبره الجزائريين صمام أمان لحالة السلم الأهلي الذي تعيشه الجزائر بعد أن مرت بمرحلة العشرية السوداء (كما يُطلق عليها الجزائريون)والتي شهدت حالة من الاقتتال الأهلي في فترة الثمانينيات. وتأتي هذه الانتخابات وسط حالة من الاستقطاب السياسي بين الأحزاب من ناحية وأجهزة الدولة والحزب الحاكم من ناحيةٍ أخرى خاصة في ضوء حالة الغموض التي تحوم حول الوضع الصحي للرئيس "بوتفليقة". سنتناول في هذا التقرير الواقع الجزائري اقتصاديًا وسياسيًا قُبيل رئاسيات 2019، وفرص المنافسة السياسية خاصة بعد إعلان الائتلاف الحاكم ترشيح "بوتفليقة" رسميًا، وأهمية رئاسيات 2019 في المشهد السياسي الجزائري، وطبيعة المشهد السياسي بعد هذه الانتخابات.

رئاسيات 2019: الأهمية، وأبرز التحديات

تكتسي هذه الانتخابات أهميتها من عدة اعتبارات أهمها؛ تدهور الحالة الصحية للرئيس "بوتفليقة"، وفشل الائتلاف الحاكم في التجهيز لعملية الخلافة، وارتفاع مستويات البطالة، إضافة إلى عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية للبلاد خاصة في ضوء الاعتماد على الريع النفطي وضعف التنويع في المصادر. وسنفصل هذه الاعتبارات فيما يلي.

1-     الوضع الصحي للرئيس: خاض الرئيس بوتفليقة رئاسيات 2014 رغم تدهور حالته الصحية وقتها، ورأى المحللون والمتابعون للشأن الداخلي الجزائري ان الائتلاف الحاكم وقتها لم يكن مستعدًا لترتيبات الخلافة مما يوحي بأنهم اُضطروا للدفع بالرئيس "بوتفليقة" لاكتساب الوقت في تجهيز منّ يخلفه، ولكن جاءت رئاسيات 2019 لتُبرِز العديد من التساؤلات العميقة في مسألة الاصرار على الدفع به مرة جديدة في غِمار التنافس السياسي رغم تراجع حالته الصحية. يطرح ذلك العديد من التساؤلات المتعلقة ليس فقط بعُقدة الخلافة كما يُروج البعض، ولكن أيضًا ما يُمكن تسميته تجاوزًا "عُقدة الاستقرار" سواءً السياسي، أو الاجتماعي الذي نجح "بوتفليقة" في إرساء قواعده بعد مرحلة العشرية السوداء التي أضرَّت بالمجتمع الجزائري، وكادت تتمكن من إحداث تغييرات جذرية على مستويات الجغرافيا والديموجرافيا لا سيما في ظل هيمنة التنوع العرقي والثقافي والأيديولوجي في ذلك التوقيت.

2-     الوضع الاقتصادي: رغم تصنيف الاقتصاد الجزائري ضمن قائمة الاقتصاديات الغنية إلا أنه يعاني من ارتفاع مؤشرات الفساد وغياب الشفافية. وتعتمد الجزائر أساسًا على النفط والغاز كأهم مصادر الناتج المحلي؛ إذ يشكل النفط والغاز حوالي 98% من إيرادات الصادرات، وما يقارب 70% من العائدات العمومية (1). ورغم تأثر الاقتصاد بتراجع أسعار النفط في فترة تدهور الأسعار إلا أنها تشهد منذ 2018 تحسنًا ملحوظًا انعكس أثره على تراجع عجز الموازنة وتوقعات تزايد النمو الاقتصادي بـ 2.7% خلال عام 2019 بزيادة تصل إلى 0.2% مقارنة بعام 2018، ويعتبر صندوق النقد الدولي أن ضعف التنوع الاقتصادي يمثل الحلقة الأضعف في اقتصاد الجزائر(2). وعلى الرغم من حالة التفاؤل في تحسن أسعار النفط إلا أن ذلك قد لا ينعكس بنفس الدرجة على مسائل الاستقرار السياسي والاجتماعي خاصة ان قطاع النفط والغاز لا يستوعب أكثر من 2% من القوى العاملة في الجزائر، وهو ما يُعد مخيفًا خاصة عند ربط ذلك بالعائدات العمومية التي يستحوذ على 70% منها تقريبًا.

3-     ارتفاع نسب البطالة: كما أشرنا سابقًا أن قطاع النفط والغاز لا يُعد ركيزة أساسية في معالجة مسألة البطالة، ولكنه ينعكس بشكلٍ مباشر على بقية القطاعات. وعلى الرغم من تأثر الاقتصاد بتراجع أسعار النفط في 2016 إلا أن معدلات البطالة تشهد تراجعًا في السنوات الأخيرة؛ حيث وصلت نسب البطالة في فئات المرأة، والشباب إلى حوالي19%، و24% على التوالي خلال عام 2016، وذلك بعد أن كانت 16.7%، و29.7% خلال عام 2015، وذلك وفق إحصاءات البنك الدولي(3). ورغم أن هناك تراجع (ولو نظريًا) في نسب البطالة إلا أن ذلك لن يكن كافيًا خاصة أن المجتمع الجزائري شاب؛ حيث يمثل الشباب حوالي 60% من السكان، وهو ما يفرض تحديات كبيرة على الحكومة هناك.

الانتخابات الرئاسية

خريطة الفاعلين في المشهد السياسي

               أفرز الفراغ السياسي الذي تخلَّف عن مرض الرئيس "بوتفليقة" نشاط المؤسسات الموازية في دوائر السلطة، ومنافستها للدوائر الرسمية. وتُعد حالة السيد "سعيد بوتفليقة" شقيق الرئيس "بوتفليقة" نموذجًا واضحًا في ذلك. وسنشير فيما يلي إلى أبرز الفاعلين في المشهد السياسي الجزائري.

1.      الجيش الوطني الجزائري: يُمثل الجيش الشعبي الجزائري عامل استقرار في الجمهورية، ورغم نأيه رسميًا عن المشهد السياسي إلا أن ذلك لا يمنع على الإطلاق أنه الفاعل الأكثر حضورًا وتأثيرًا في اللعبة السياسية سواءً لأسباب تتعلق بمكانته ودوره التاريخي في تأسيس الجمهورية ومقاومة الاحتلال الفرنسي، أو حتى ما يتعلق بكتلته التصويتية؛ إذ يسمح القانون في الجزائر بتصويت العسكريين في الانتخابات العامة. ولعل ما يؤكد هذا الثقل دور الجيش الوطني في الكشف عن فساد قائد الأمن الوطني اللواء "عبد المغني الهامل" قائد الأمن الوطني خاصة بعد الكشف عن تورط سائقه الخاص في قضية تهريب ما حجمه 701 كيلوجرام من الكوكايين بقيادة رجل الأعمال "كمال شيخي". ويستدل المحللون في ذلك بانتقادات الهامل لـ "قايد صالح" قائد أركان الجيش الوطني خاصة عند النظر إلى ان "الهامل" كان من المرشحين لخلافة "بوتفليقة" في حال قرر عدم الترشح وقتها(4).

2.      الائتلاف الحاكم: أعلنت احزاب الائتلاف الحاكم مؤخرًا تزكيتها للرئيس "بوتفليقة" للترشح لولاية رئاسية خامسة. ويضم التحالف جبهة التحرير الوطني، التي يتزعمها رئيس البرلمان "معاذ بوشارب"، والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه رئيس الحكومة "أحمد أويحيى"، وحزب تجمع أمل الجزائر الذي يقوده وزير الأشغال العمومية السابق "عمار غول"، ورئيس الحركة الشعبية الجزائرية "عمارة بن يونس". وقطع هذا الإعلان الطريق أمام دفع التحالف الرئاسي لتجاوز عُقدة الخلافة.

3.      العسكريون السابقون: أثار ترشح اللواء "علي غديري" للانتخابات الرئاسية حالة من الجدل خاصة ان اسمه لم يكن مطروحًا من قبل، وهو ما يثير العديد من التساؤلات المتعلقة بمسألة ترشحه لا سيما أنه تعرض لانتقادات لاذعة من قائد أركان الجيش الوطني الذي رأى أن "غديري" تدفعه المصالح الخاصة كما انه اُتهم بان مجموعة من العسكرين السابقين يقفون خلف ترشحه. ويعتبر البعض ترشح "غديري" بمثابة ديكور لإضفاء الشرعية على الانتخابات أو أن يكون بديلًا محتملًا للرئيس "بوتفليقة" في حال تعرض الأخير لأي مكروه أثناء العملية الانتخابية(5). وأثارت مؤخرًا صحيفة الوطن الجزائرية حالة من الجدل بعد نشرها تقريرًا عن توقيف بعض كبار الضباط بسبب الانتخابات الرئاسية. وكذبت وزارة الدفاع الوطني الجزائرية ذلك(6).

4.      حركة حمس الإسلامية: دفعت حركت حمس المحسوبة على الإسلاميين في الجزائر بترشيح زعيمها "عبد الرزاق مقري" الذي اعتبر أن ترشحه للرئاسة يأتي لدوافع تتعلق بالإصلاح والتغيير. ونفى "مقري" وجود أي تنسيق بين الحركة و"سعيد بوتفليقة" مستشار  الرئيس وشقيقه. ويعتبر البعض أن الخطوة التي أقدمت عليها حركة مجتمع السلم نابعة من رغبتها في فرض نفسها للعودة إلى الائتلاف الحاكم في الجزائر، وهو ما يعمل "مقري" على نفيه.

ختامًا؛ حسم ترشيح الائتلاف الحاكم للرئيس "بوتفليقة" العديد من السيناريوهات التي طُرحت سابقًا عن مسار الانتخابات الرئاسية؛ إذ تشير هذه التسمية إلى استمرار النخبة الجزائرية  في العمل الدؤوب خلال الفترة المقبلة لتجاوز عُقدة الخلافة. ويُمكن أن يُنهي ترشح "بوتفليقة لرئاسيات 2019 معارك تكسير العظام التي بدأت مبكرًا بين أجنحة داخل السلطة نفسها خاصة على مستوى الحزب الحاكم والمؤسسة الأمنية والعسكرية.

الهوامش

1.       عبد الكريم حمودي، الاقتصاد الجزائري.. غني بموارده هائل بفساده، الخليج أونلاين، على الرابط: https://goo.gl/rNtAo9

2.       توقعات بزيادة نمو الاقتصاد الجزائري بنسبة 2.7 % عام 2019، وكالة سبوتنيك، على الرابط: https://goo.gl/BtfpPu

3.             Algeria, The World Bank, Accessed at: http://datatopics.worldbank.org/jobs/country/algeria

4.       محمود جمال عبد العال، الجزائر على صفيح ساخن: حملة إقالات .. أهداف سياسية أم حرب على الفساد؟، المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية، على الرابط: http://www.acrseg.org/40818

5.       هل تحمل انتخابات الرئاسة الجزائرية تغييراً حقيقياً؟، BBC عربي، على الرابط: https://goo.gl/fYsrzA

6.       إيمان عويمر، وزارة الدفاع تنفي توقيف ضباط سامين بسبب الانتخابات، TSA عربي، على الرابط: https://goo.gl/zrKBgr

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟