المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

استراتيجية التطويق... النهج الإيراني في التعاطي مع الأكراد

الإثنين 25/فبراير/2019 - 06:29 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مرﭬت زكريا

يعد الأكراد هم العرقية الثالثة داخل الجمهورية الإسلامية بعد الفرس والأذاريين، ويتمركزوا في جبال زاغروس على امتداد الحدود مع تركيا والعراق، بالتجاور مع نظرائهم الكرد في هذين البلدين. ويتوزع الكرد داخل إيران في أربعة محافظات؛ أذربيجان الغربية، كردستان، كرمنشاه، وإيلام. انتفضت الثورة الإسلامية قبل أربعين عام للإطاحة بنظام الشاه و القضاء على نظام حكمه الاستبدادي، فضلاً عن توفير  الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة للمواطن الإيراني.

تعرض كرد إيران لكثير من المظلوميات؛ حيث لم تختلف الانظمة السياسية المتعاقبة في تاريخ إيران على تهميش الاقلية الكردية الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية. في السياق ذاته، تخشي طهران عواقب تحالف أكراد سوريا و العراق مع الولايات المتحدة الأمريكية لتكوين دولتهم المزعومة، لاسيما بعد ضعف موقفها على خلفية الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1).

أولاً- توجه الثورة الإسلامية نحو الأقليات

جاءت الثورة الإيرانية بتوجه مُنصف للأقليات بشكل عام داخل الجمهورية الإسلامية، على خلفية فكر الإمام الخميني الذي دعم جميع  أتباع الديانات السماوية والأمم المضطهدة؛ حيث اعتبر رجال الدين في إيران أن أحد أهم المبادئ الحاكمة للنظام الإيراني الجديد بعد رحيل الشاه هو "تصدير الثورة" بهدف حماية المظلومين حول العالم من قوى الاستبداد و العمل على تحريرهم.

لكن تحول نظام الملالي في إيران إلي العكس تماماً بعد تمكن رجال الدين من مفاصل الدولة، و باتت قضية حقوق الانسان بشكل عام و الاقليات بشكل خاص من أبرز القضايا التي تحاول طهران عدم الكشف عنها حالياً في مواجهة المنظمات الحقوقية الدولية. تواجه الاقليات الإيرانية حملات كبيرة من القمع و التعذيب ضد كل من يطالب بحقوقه سواء كانت دينية، ثقافية، سياسية أو اقتصادية خارج عرقية الفرس المسيطرة(1).

كما وعد قائد الثورة الإسلامية  "روح الله الخميني" بإقامة دولة العدل و الايمان و التسامح، ووضع حد لعصر الاضطهاد و التعصب الفارسي عن طريق اسقاط نظام الشاه "محمد رضا بهلوى"، فضلاً عن إعادة حقوق الأقليات المسلوبة. ولكن ما ظهر بعد ذلك هو رغبة الخميني في اصطفاف جميع المواطنين على اختلاف طوائفهم وديانتهم خلف الثورة الإسلامية في ذلك الوقت، و الشاهد في ذلك هو المعاملة السيئة التي وجدتها الاقليات بعد تمكن الملالي من نظام الحكم داخل الجمهورية الإسلامية(2).

ثانياً- وضع الأكراد في إيران

لا يمكن معرفة عدد الأكراد في إيران انطلاقاً من عدم وجود أي احصائيات رسمية عن عدد الأقليات في إيران؛ حيث تعتبر إيران أن الاعلان عن أي رقم فيما يخص العرقيات يعد بمثابة سلاح سياسي ضدها في منطقة تعج بالعرقيات المتشابهة و الطموحات الانفصالية.

                على الرغم من رغبة أكراد إيران في الاعتراف بهويتهم داخل المجتمع الإيراني كما هو شأنهم في عموم المنطقة، ولكن نظام الملالي يقف لهم بالمرصاد، خاصًة و أن لكرد إيران تجربة تاريخية محدودة في إقامة حكم مستقل، ألا وهي دولة "مهاباد" التي لم تدم إلا فترة وجيزة ولكنها كانت كافية لتلهم الأكراد الشعور بالرغبة في الاستقلال .

وبعد مشاركة الأكراد في نجاح الثورة الإسلامية توقعوا الحصول على بعض الامتيازات الخاصة بهم، ولكن أقرت السلطات الإيرانية أن الطابع الديني للجمهورية الإسلامية من شأنه تحقيق ما تصبو اليه القوميات الأخرى. ولم يتوقف نظام الملالي عند التعامل بحيادية مع الأقليات ولكن يتعرض الأكراد في إيران حالياً لمظالم كبيرة يتمثل أبرزها في؛ حظر تعليم اللغة الكردية في المدارس، تقييد نشر الكتب المكتوبة باللغة الكردية، على الرغم من نص البند 15 من الفصل الثاني في الدستور على حق الأقليات في استخدام لغاتها الخاصة في المجالات التعليمية والثقافية(3).

و من الجدير بالذكر أن الدستور الإيراني ينص في المادة 19 من الفصل الثالث على عدم التمييز بين الإيرانيين على أساس عرقي، لكن يقر الأكراد انفسهم أن هناك تمييزاً ضدهم في الحصول على فرص العمل و القبول في الجامعات، حتى من يشغل المناصب العليا في مناطق الأكراد من غيرهم. كما تتواجد نسب كبيرة للبطالة داخل الأماكن التي يسكنون فيها، فضلاً عن عدم السماح لهم بالتعبير عن رايهم السياسي، و تعوق السلطات الإيرانية أي فكرة لتشكيل الأحزاب السياسية (4).

استراتيجية التطويق...

ثالثاً- أكراد المنطقة و العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية (سوريا و العراق)نموذجاً

أدى الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران ومجموعة (5+1)، وتضامن الولايات المتحدة الأمريكية مع أكراد سوريا و العراق  إلي ضعف موقف طهران تجاه الأكراد داخل الجمهورية الإسلامية؛ حيث تعتبر واشنطن الأكراد بمثابة عامل رئيسي لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، ذلك لتوزعهم على أربع دول أساسية(سوريا، العراق، تركيا و إيران)، ومن هنا، تدعمهم واشنطن ليكونوا بمثابة حجر عثرة أمام التوسعات الإيرانية.  وفيما يلى سنعرض لعلاقة واشنطن مع كل من أكراد سوريا و العراق و التأثير السلبي لذلك على طهران؛-

1-    أكراد العراق

ترغب الولايات المتحدة الأمريكية دائماً في وضع حد أمام الرغبة الإيرانية الجامحة في السيطرة على معظم الدول العربية في الشرق الأوسط، لاسيما العراق و سوريا، ومن هنا كانت استراتيجية واشنطن لكبح جماح كل من العراق تاريخياً و إيران حالياً، فضلاً عن حماية مصالحها في الشرق الأوسط، لاسيما في ظل اعتماد واشنطن على سياسة "فرق تسد"، وبالتالي، توثقت العلاقات السياسة و الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية و كردستان منذ عام 2005.

و لذا، عارضت إيران الاستفتاء على إقليم كردستان العراق الذى كانت تدعمه واشنطن بقوة، على خلفية مجموعة من الأسباب تمثلت في؛ الاعتراض على المساس بأمنها القومي، وانها ستصبح من أكثر القوى الاقليمية الخاسرة في حالة إذا ما نجح الرهان الكردي في تشكيل دولته المنشودة؛ حيث يمتلك هذا الاقليم حدود مع إيران تتجاوز 400 كيلومتر، فضلاً عن امتداداته داخل الأراضي الإيرانية.

كما ترفض طهران المشاريع الأمريكية أو أي دعم للأكراد في المنطقة، ومن هنا سعت طهران وجود العراق موحدة حكومة وشعباً، لأن مصلحتها الاستراتيجية تقتضي ذلك؛ حيث تخشي طهران من وجود  كردستان قوية، لأنها بطبيعة الحال ستكون مُقربة من إسرائيل حليفة واشنطن(5).

2-     أكراد سوريا

شّكل الخروج الأمريكي من سوريا حجر عثرة أمام التطلعات الكردية في دمشق لتشكيل الدولة الكونفدرالية التي تم الاعلان عنها منذ عام 2016؛ حيث اقتصر العمل السياسي الكردي في سوريا  على تنظيم اوضاعهم داخل دمشق، التي كانت تؤدى في معظم الأحيان إلي انشقاقات داخلية. كانت مطالب الأكراد في سوريا تتمحور في البداية حول الحصول على بعض الحقوق السياسية و الاجتماعية، ولكن تم الاعلان فيما بعد خلال البيان الختامي لحزب الاتحاد الديمقراطي في عام 2005 عن حث الدولة على سلوك التغيير  و الانتقال لنظام الحكم الكونفدرالي الديمقراطي، إلا أن هذه المطالب لم تكن واضحة المعالم.

ولكن مع مجي الثورة السورية بعد عام 2011 و الدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد في سوريا، وخروج الأمريكي بعد أربعة أعوام فقط من أحداث الربيع العربي من الاتفاق النووي الإيراني مع دول (5+1 )، كان ذلك بمثابة نصر معنوي لأكراد إيران و الأكراد في المنطقة بأكملها، التي يسعى الجميع فيها إلي تكوين دولتهم الخاصة، و من هنا، كان الخروج الأمريكي من سوريا  بمثابة صفعة كبيرة للأكراد(6).

ختاماً: تعانى الأقليات داخل الجمهورية الإسلامية ولاسيما الأكراد مظالم سياسية، اقتصادية و اجتماعية كبيرة، قلما تذكر حقوقهم و النظر اليهم على أنهم مجموعة من البشر لهم حقوق. وعلى الرغم من الدعم الكبير المقدم لهم من قبل المنظمات الحقوقية، ونص الدستور الإيراني تفصيلاً على حقوق الأقليات، ولكن النظام الإيراني يقبل فقط بالطابع الشمولي ؛ الذي يتم الاعتراف فيه بحقوق الجماعات الحاكمة و العرقية الكبرى المسيطرة بغض النظر عن حقوق العرقيات الأخرى، إلي الحد الذي جعل الأكراد في إيران يتعمدون الظهور بالصفة المذهبية السنية و ليس العرقية الكردية.

و على الرغم من الدعم الدولي الظاهر من قبل واشنطن، الاتحاد الأوروبي لحقوق الأكراد في المنطقة، إلا أن  الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الأكراد في المنطقة و لاسيما في ظل إدارة ترامب من منطق نفعى محض، ومن هنا كان الخروج الأمريكي من سوريا بدون أي ضمانات لاستمرار الدعم.  

الهوامش

(1) التحول إلي المسيحية أحد عناوين التمرد في إيران، 14/12/2016، العربي الجديد، متاح على الرابط التالي:

 http://cutt.us/Tes6g 

(2) فخ العمائم السوداء و أوهام الملالي، 5/2/2019 ، المرجع: للدراسات و ابحاث استشرافية حول الاسلام الحركي،  متاح على الرابط التالي:

  http://www.almarjie-paris.com/6576 .

(3) عارف باومجانى، الأكراد في إيران: ماذا تعرف عنهم، 27/10/2016، إضاءات، متاح على الرابط التالي:

 https://www.ida2at.com/kurds-in-iran-what-do-you-know-about-them/ . 

(4) شفيق شقير، كرد إيران، الجزيرة. نت، متاح على الرابط التالي:

 https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/9617a7db-4776-4f6b-89ad-34bdb8fbc25a  

(5) فراس الياس، إيران والمشروع الكردي في العراق، 17/10/2019، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية،  متاح على الرابط التالي:

 http://cutt.us/bqPEk 

(6) أحمد جمعة، أكراد سوريا يواصلون مخططهم لإنشاء كيان منفصل، 27/11/2017، اليوم السابع، متاح على الرابط التالي:

 http://cutt.us/CNs1N .

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟