المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

أدوار متصاعدة .. الأزهر الشريف وإحياء حوار الشرق والغرب

الأربعاء 20/مارس/2019 - 07:14 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

عمل الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر "أحمد الطيب" على إعادة مسألة الحوار بين الشرق والغرب إلى الواجهة؛ وذلك في ظل انتشار موجات العنف والإرهاب التي اجتاحت العالم من شرقه وغربه، وتصدر التنظيمات المتطرفة التي تتخفى خلف فكر الخلافة والأيديولوجية الإسلامية كتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتنظيم القاعدة، وجماعة بوكو حرام في نيجيريا، وحركة شباب المجاهدين في الصومال، وطالبان في أفغانستان وكذلك ما تمخض عنهم من نماذج الذئاب المتفردة التي تبنت العديد من العمليات الإرهابية في أوربا كالموجة الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس في الأعوام القليلة الماضية.

سنتناول في هذا التقرير دور مؤسسة الأزهر كأعلى مرجعية سنية في العالم الإسلامي في مسألة إحياء الحوار بين الشرق والغرب، وذلك من خلال رصد دلالات ومؤشرات على تصاعد دور مؤسسة الأزهر الشريف في مرحلة شيخ الأزهر الحالي "أحمد الطيب" خاصة فيما يتعلق ببدء علاقات تاريخية بالكنيسة الكاثوليكية في روما بزعامة البابا "فرانسيس الثاني".

الأزهر كقوة ناعمة

يرتبط مفهوم القوة الناعمة بمفاهيم مضادة للإكراه والتهديد؛ إذ يعتمد على الإقناع والتأثير بعيدًا عنه الجبر، والضغط. ويُمكن تعريف القوة الناعمة على أنها القدرة على التأثير في الأهداف المطلوبة، وتغيير سلوك الآخرين في حال تطلب الأمر ذلك (1).      

ودائمًا ما يُعوِل المصريون على دور الأزهر الخارجي كأحد أهم مصادر القوة الناعمة المصرية سواءً في محاولة التسويق لمصر إقليميًا وعالميًا، أو الاعتماد على خريجيه المنتشرين في العديد من دول العالم في هذه المهمة. وفي هذا السياق، تجاوز الأزهر الجغرافيا ليقدم نفسه للعالم كأعلى هيئة إسلامية سنية في العالم، وهو بذلك يتجاوز دوره في مصر (الجامع والجامعة) إلى رسالة أسمى تتصل بنشر الوعي والفهم حول المفاهيم المغلوطة التي يتكئ عليها خطاب المتطرفين في تفسير النصوص المقدسة. وبرزت أهمية القوة الناعمة للأزهر في الجولات والأنشطة المكوكية التي يقوم بها شيخ الأزهر منذ 2014 في عواصم صنع القرار الأوربية كألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا لإبراز الصورة الحقيقية للإسلام خاصة مع صعود نموذج اليمين المتطرف في أوربا الذي يحض على نشر خطاب الكراهية ضد المسلمين المقيمين هناك مستغلًا بذلك أحداث العنف الفردية التي تتبناها التنظيمات المتطرفة التي تنتسب اسمًا للإسلام.

مؤشرات ودلالات الفاعلية

هناك عددٍ من الدلالات المباشرة وغير المباشرة التي تبرهن على فاعلية دور الأزهر في إحياء مبدأ الحوار مع الآخر، ويظهر ذلك من خلال المؤتمرات والأنشطة التي يشارك فيها الأزهر. وسنحاول فيما يلي الإشارة إلى هذه الدلالات.

1-     المشاركة في مؤتمر الأخوة الإنسانية بالإمارات: شارك الشيخ أحمد الطيب مع بابا الفاتيكان في مؤتمر الاخوة الإنسانية الذي استضافته العاصمة الإماراتية أبوظبي مطلع فبراير/شباط 2019. وحظيت الزيارة المشتركة للزعيمين الروحيين باهتمام عالمي غير مسبوق؛ إذ تمخض عن هذه الزيارة ما أطلق عليه "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي تدعو إلى التسامح والسلام العالمي بما يتماشى مع ترسيخ قيم العيش المشترك. وتُعد هذه الوثيقة الأهم في تاريخ العلاقة بين الازهر الشريف والفاتيكان. وتعكس هذه الوثيقة المكانة العالمية التي يحظى بها الأزهر عالميًا باعتباره المرجعية الدينية الأكثر تعبيرًا عن سماحة الإسلام ووسطيته.

2-     المشاركة في مؤتمر "مقومات السلام في الأديان" بألمانيا: استغل شيخ الأزهر مشاركته في مؤتمر "مقومات السلام في الأديان" المنعقد في العاصمة الألمانية برلين في الثلث الأول من 2016، وذلك لتوجيه خطابًا تاريخيًا إلى الغرب من على منصة البوندستاج الألماني. واجرى "الطيب" على هامش هذا المؤتمر حوارًا مع عددٍ من النواب وممثلين عن الطوائف الدينية وبعض العلماء والباحثين حول سماحة الإسلام (2).

3-     المشاركة في احتفالية حركة الإصلاح الديني بأوروبا: يلحظ المُدقق في أنشطة شيخ الأزهر خلال الفترات الماضية أنه لا يفوت فرصة للتواصل مع الآخر، وهو ما يتأكد في حرصه على المشاركة في المؤتمرات التي يُدعى لها في الغرب بهدف عقد حوار جاد مع قادة الأديان الأخرى. وألقى "الطيب" كلمة من الكنيسة البروتستانتية حول أهمية حوار الأديان ومقاومة الإسلاموفوبيا باعتبارها معوقًا لاندماج المسلمين في المجتمعات الجديدة التي يعيشون بها. ودائمًا ما يؤكد الطيب في لقاءاته وحواراته على تشجيع المسلمين للاندماج في المجتمعات الجديدة التي وفدوا إليها، وهو ما يدعمه الغرب في هذه الفترة لا سيما بعد موجات الهجرة التي طرقت أوربا منذ تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية على الضفة الجنوبية للمتوسط.

4-     تأسيس مرصد الأزهر لمكافحة التطرف: يعمل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف اصطياد الشائعات المنتشرة وتفنيدها ونشرها باللغات الأجنبية العالمية، وذلك لإتاحة الفرصة أمام المتخصصين في العلوم الشرعية والفقهية للتواصل مع المسلمين غير الناطقين باللغة العربية من ناحية، ودعم الحوار مع الناشطين والمهتمين بسيسيولوجيا الأديان في الغرب.

5-     إقامة ملتقى الشرق والغرب: يُمثل ملتقى الشرق والغرب حوارًا مفتوحًا بين الإسلام والغرب بشكلٍ حضاري؛ إذ يعتبره شيخ الأزهر نفسه فرصة للنقاش الحضاري حول القضايا المشتركة بين الإسلام والآخر لدعم مبدا التعايش. وانعقد الملتقى في نسخته الأولى بمدينة فلورانسا بإيطاليا بالمشاركة مع جمعية سانت ايجيديو الكاثوليكية. وانعقدت النسخة الثانية من الملتقى في باريس مايو/أيار 2016. وتُسهم هذه الملتقيات في دعم ثقافة الحوار البناء بين الحضارات المختلفة. وفي سبيل نقل هذه التجربة إلى الشباب، أعلن الأزهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين عن إقامة الملتقى بين الشباب في الغرب والعالم الإسلامي، وذلك لإقامة ورشات عمل فيما بينهم للخروج بأوراق عمل حول المشتركات التي تجمعهم ويُمكن البناء عليها مستقبلًا بما يدعم التعايش والتسامح. 

6-     روابط خريجي الأزهر: انبثقت فكرة إنشاء روابط لخريجي الأزهر من خلال الملتقى العالمي الأول لخريجي الأزهر الذي انعقد بالقاهرة في 2006. وأسهمت رابطة خريجي الأزهر في دعم التواصل بين المؤسسة الأم (الأزهر) وأبنائها المنتشرين في أغلب الدول الإسلامية. ويٌعد خريجي الأزهر حلقة وصل مهمة بين الأزهر وشعوب الدول الإسلامية التي تتشبع دينيًا من خريجي الأزهر الذين ساهموا في تأسيس المدارس الإسلامية التي قامت على فكر الأزهر ومنهاجه، وهو ما يبرز في الاستقبال الذي يحظى به شيخ الأزهر عند زيارة الدول الإسلامية التي تزخر بخريجي الأزهر. ويعمل الأزهر في الوقت الحالي على تعزيز برامج التبادل الثقافي مع المؤسسات والدول الغربية لتعزيز مبدأ حوار الأديان والثقافات الذي نشط خلال الفترة الأخيرة (3).

خاتمة

التقى شيخ الأزهر، والبابا "فرانسيس" 5 مرات خلال الأعوام الثلاث الماضية، وهو ما يعكس بصورةٍ أو بأخرى حرص القيادتين الروحيتين على دعم عملية السلام والتعايش فيما بينهما، وهو ما ظهر في وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعوا عليها في ختام مؤتمر الأخوة الإنسانية الذي استضافته دولة الإمارات مطلع فبراير 2019. وفي هذا السياق، لا أحد يستطيع أن يُنكر دور الحكومة الإماراتية في دعم توجهات مؤسسة الأزهر التي ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه في مسألة الحوار الحضاري بين الشرق والغرب لولا الدعم السخي الذي تلقته من الحكومة الإماراتية. وساهم هذا الدعم في تأسيس مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وإسهام مؤسسة الرئاسة الإماراتية في 2012 بمنحةٍ قدرها 42 مليون دولار للتوسع في إقامة مشاريع الإسكان الطلابي التي مكنت الأزهر فيما بعد من مضاعفة أعداد المبتعثين من دول العالم الإسلامي خاصة من آسيا وأفريقيا لتعلم اللغة العربية وعلوم القرآن والفقه الإسلامي، إضافة إلى دعمها للمؤتمرات العالمية التي نظمها الأزهر حول السلام ودعم الحوار الحضاري بين الأمم.

الهوامش

1-      طالب غلوم طالب، استراتيجية تطوير القوة الناعمة، رسالة ماجستير منشورة إلكترونيًا (دبي: كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، يونيو/حزيران 2018، ص 35، على الرابط:

 https://goo.gl/tGK27e

2-      شيخ الأزهر يشارك في مؤتمر “مقومات السلام في الأديان” في ألمانيا، القدس العربي، على الرابط:

https://goo.gl/3j9yA6

3-      أنظر: المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، على الرابط:

 https://azhargraduates.org/waag/definiton/

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟