المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مخاوف متصاعدة... الهجوم العسكري التركي الإيراني ضد حزب العمال الكردستاني

الأحد 24/مارس/2019 - 07:08 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مرﭬت زكريا

شنت كل من تركيا و إيران في 18 من مارس/أذار عملية هجومية مشتركة ضد الأكراد من حزب العمال الكردستاني، على خلفية قيام مسلحين من الحزب بعمليات إرهابية طالت بعض عناصر الجيش التركي. في الوقت الذى تمتلك فيه إيران أيضاً مخاوف جمة جراء الرغبة الكردية في إقامة دولة مستقلة على الحدود التركية الإيرانية السورية العراقية.

تشير  هذه العملية إلي عدة دلالات يتمثل ابرزها في الخوف التركي الإيراني من تشكيل دولة كردية على الحدود، سيما في ظل الدعم الذي يتلقاه أكراد سوريا و العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتشجيعهم على الاستقلال و تأسيس الدولة المزعومة. في السياق ذاته، ترغب كل من أنقرة و طهران في القضاء على المتمردين من الأكراد في المنطقة.

وسنقوم في هذا التقرير بعرض نبذة عن الأكراد و لماذا لا يمتلكون دولة حتى الأن؟ حركات التمرد الكردي في كل من تركيا و إيران، ثم دلالات العملية العسكرية ضد الأكراد.

أولاً- من هم الأكراد؟ و لماذا لا يمتلكون دولة؟

الأكراد هم أحد السكان الأصليين لسهول بلاد ما بين النهرين والمرتفعات فيما يعرف حالياً بجنوب شرق تركيا، شمال شرق سوريا، شمال العراق، شمال غرب إيران وجنوب غرب أرمينيا. و يشكلون حالياً مجتمعًا متميزًا، موحدًا من خلال العرق والثقافة واللغة، على الرغم من أنه ليس لديهم لهجة موحدة،  لكن هناك التزام  بعدد من الديانات والعقائد المختلفة ، على أن يعتبر أغلبهم من المسلمين السنة.

وبدأ العديد من الأكراد في أوائل القرن العشرين، بالتفكير في إنشاء وطن يعرف باسم "كردستان"، فبعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة الإمبراطورية العثمانية، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون قراراً بتأسيس  دولة كردية في معاهدة سيفر لعام 1920.

لكن تبددت هذه الآمال بعد ثلاث سنوات، عندما لم تنص معاهدة لوزان، التي حددت حدود تركيا الحديثة، على دولة كردية وتركت الأكراد يتمتعون بوضع الأقلية في بلدانهم، و على مدار الثمانين عامًا التالية، استمر  القمع الوحشي لأى تحرك من قبل الأكراد لإقامة دولة مستقلة(1).

ثانياً- حركات التمرد الكردي في تركيا

تعود الانتفاضات الكردية داخل الدولة التركية إلي 1925 ميلادياً؛ حيث قاموا بسبع عشر انتفاضة بين عامي"1925م-1938م"، وقد أحدثت هذه الانتفاضات حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وكان من النتائج المباشرة لهذه السياسة تدهور العلاقة بين الدولة التركية والأكراد وبشكل مستمر، ووفقًا للدولة التركية، اعتبرت النخبة الكمالية الأكراد مجموعة من المتمردين وقطاع طرق يحتاجون إلى العقاب والإصلاح والتهذيب، في المقابل، أصبحت الدولة مؤسسة قمعية للأكراد، بل أصبحت عدوًا ينكر هويتهم، ويخضعهم لشتى أنواع الأعمال الوحشية.

في السياق ذاته، نشأ "حزب العمال الكردستاني" خلال مرحلة انتعاش اليسار الماركسي في تركيا، وكان تأسيسه بداية مرحلة تعميق الوعي الكردي ومزيدًا من اكتشاف الأكراد لهويتهم، ولضمان ديمومته استمد الدعم من قبل الحاضنة الكردية في شمال العراق، التي أفلتت من سيطرة الحكومة العراقية منذ ثمانينيات القرن المنقضي(2).

ومن هنا، بدأت حملات المواجهة بين الأكراد و السلطات الكردية، وفي فبراير /شباط لعام 2019 منعت الشرطة التركية تجمعات لدعم الافراج عن  القائد التاريخي للتمرد الكردي "عبدالله أوجلان" الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة؛ حيث يعتبر  أوجلان رمزاً ليس فقط للتمرّد الكردي في تركيا الذي أسفر نزاعه مع الدولة التركية عن أكثر من 40 ألف قتيلاً منذ عام 1984، لكن أيضاً للحركات الكردية في المنطقة، خصوصاً في سوريا(3).

ثالثاً- حركات التمرد الكردي في طهران

تعد جمهورية "مهاباد" أفضل ما توصل إليه أكراد إيران في سعيهم لتحقيق حلم الدولة والقضاء على الشتات؛ فبعدما دخلت قوات الحلفاء إيران عام 1941م مع القوات الروسية للقضاء على حكم رضا شاه بهلوي، ولإعلان إيران دولةً محايدة إبان الحرب العالمية الثانية، أعلنت أذربيجان إيران عن حكومة يسارية مستقلة بقيادة "الحزب الديموقراطي الأذربيجاني"، التي تم دعمها من الناحية المادية و السياسية من قبل روسيا. كما أن بقاء جزء من الشمال الإيراني، المشغول بالأكراد، بعيدًا عن احتلال دول الحلفاء شجّع الأكراد على طرد القوات الإيرانية واعتبار المنطقة منطقة سيادة كردية، ونشأت جمعية الإحياء الكردي كأول تنظيم سياسي كردي إيراني في منطقة مهاباد.

ولكن بعكس الحالة التركية تحول العنف و التمرد إلي طريقة سلمية للدفاع عن الحقوق بالنسبة لأكراد إيران، سيما في عهد الرئيس الإيراني الأسبق "محمد خاتمي"، وظهرت مجموعة من الأدلة تشير إلي ذلك منها؛

1-      تعزيز وضع الطبقة الوسطى الكردية في طهران ثم في مناطق الشمال، وتزايد أعداد الطلاب الكرد في المدارس والجامعات، وهو ما أدّى لتشكل طبقة من المثقفين الأكراد.

2-     مشاركة أكراد العراق في السلطة السياسية هناك، دفع أكراد إيران لانتهاج السياسة السلمية ذاتها.

3-     شعور النخب الكردية المتصدرة للمشهد العام بعدم جدوى الكفاح المسلح، فلجأوا للسلمية كخيار استراتيجي(4).

ولكن يشير كثير من المحللين إلي تغير هذا الوضع السلمى، لاسيما بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني مع دول (4+1)، وتدهور وضع المواطنين داخل الجمهورية الإسلامية، و خاصًة الأقليات. ففي سبتمبر/ أيلول لعام 2017 عمّ الغضب كافة المدن الكردية احتجاجاً على جرائم القتل الوحشية، التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني ضد العمال الأكراد، في المناطق الحدودية مع العراق؛ حيث خرجت مظاهرات كبيرة في مدينتي "بانة" و"سنندج"، احتجاجاً على قتل الحرس الثوري عاملين كرديين. كما شاركت المدن الكردية في الاحتجاجات ضد النظام الحاكم في بداية 2018، التي عمت مؤخراً مختلف أنحاء البلاد، وما تزال المطالب الكردية حاضرة وتلقى التفافاً من مختلف التيارات السياسية الكردية(5).

مخاوف متصاعدة...

رابعاً- دلالات العملية العسكرية

تعكس العملية التركية الإيرانية ضد "حزب العمال الكردستاني" قدراً كبيراً من القلق ازاء تزايد قوة الأكراد في الشرق الأوسط و تأسيس الدولة الكردية المزعومة المقسمة على أربع دول رئيسية (تركيا، إيران، سوريا، العراق).

وعليه، ظهر هذا الخط الإيراني التركي المعارض بقوة للأكراد و لتأسيس إي كيان خاص بهم في الشرق الأوسط، خلال الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق في  25 سبتمبر/أيلول لعام 2017. فعلى الرغم من اختلاف المواقف التركية الإيرانية من القضية السورية؛ حيث تدعم طهران بقوة نظام الأسد وتساعد بكل الطرق الممكنة على بقاءه، على الناحية الأخرى تعد تركيا من أكبر المعارضين لنظام الأسد في سوريا و تطالب برحيله و من أشد الداعمين للمعارضة، لكن يتفق الطرفان في ضرورة مواجهة القضية الكردية، بل و القضاء عليها.

وعليه، يأتي الاتفاق الايراني التركي على خلفية  الإدراك بأن وجود سلطة كردية قريبة من حدودهما سيعزز تواجد الجماعات والاحزاب الكردية المعارضة لهما فيها وسيجعلها تمارس دورها بشكل اكثر مرونة. وهذا ما يتضح  من الموقف التركي إزاء "حزب العمال الكردستاني" الموجود في شمال العراق، وكذلك الحال مع إيران حيث تتواجد التهديدات الايرانية المتكررة من قبل إقليم كردستان نتيجة وجود مقرات لكثير من الاحزاب الكردية الايرانية المعارضة داخل أراضي الجمهورية الإسلامية(6).

الهوامش

1.             Who are the Kurds? BBC  NEWS, 31 October 2017, available at:

 https://www.bbc.com/news/world-middle-east-29702440

2.       معمر فيصل خولى، المسألة الكردية في تركيا: من الإنكار إلى الاعتراف، 20 يوليو,2014، مركز الروابط للبحوث و الدراسات الاستراتيجية، متاح على الرابط التالي:

 http://rawabetcenter.com/archives/106 

3.       الشرطة التركية تمنع الأكراد من احياء ذكرى اعتقال اوجلان،  15/2/2019، ميدل آيست اونلاين، متاح على الرابط التالي:

 http://cutt.us/gUKOz .

4.       إبراهيم بديوي، أكراد إيران: عودة لساحات التمرد، 11/7/2016 ، إضاءات، متاح على الرابط التالي:

 https://www.ida2at.com/irans-kurds-the-return-of-the-rebel-arenas/

5.       خالد بشير، أكراد إيران: صرخات الجرح التاريخي المنسي، 2018-02-15، حفريات، متاح على الرابط التالي:                                                         http://cutt.us/i7aNs 

6.       حسين أحمد السرحان، اتفاق المواقف الايرانية والتركية يقوض استفتاء استقلال اقليم كردستان، 29/8/2017، مركز الفرات، متاح على الرابط التالي:

 http://fcdrs.com/polotics/883 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟