المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بين معضلتيّ الأمن والتمويل .. انتخابات المجالس البلدية فى غرب ليبيا

الأحد 14/أبريل/2019 - 07:37 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عبد الهادي

شهدت ليبيا، في 30 مارس 2019، إجراء انتخابات محلية في عدد (9) بلديات غربي البلاد بإشراف حكومة الوفاق الوطني، هي الأولى منذ (5) سنوات حينما أجريت الانتخابات البرلمانية عام 2014، ومنذ 2011، تعاني ليبيا صراعا على الشرعية وتقاسم القوة السياسية بوجهيها (السلطة والنفوذ) يتركز حاليا، بين حكومة "الوفاق الوطنى" المعترف بها دوليا بالعاصمة طرابلس (غرب) وخليفة حفتر، قائد القوات المدعومة من مجلس نواب طبرق (شرق).

تعني القوة السياسية بدراسة من يملك القدرة علي التأثير في سلوك وأفعال الآخرين، ذلك من خلال وجهيها؛ الرسمي الذي يتمثل في السلطة السياسية وغير الرسمي وهو النفوذ. إن نمط الدولة الموحدة، كما هو متبع فى دولة ليبيا من حيث تنظيم وتوزيع السلطة جغرافياً أو مساحياً هو النمط البسيط أو الموحد، وقد أكدت التجربة الليبية والتى تتسم بمجتمعات محلية يغلب عليها الطابع التقليدي، وتعد من الدول الغنية ذات الوفرة الاقتصادية، حيث تتمتع بموارد وفيرة في مقدمتها النفط والغاز الطبيعي، إلا أن عدم نجاح الدولة في الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة قد جعل ليبيا دولة غنية ذات شعب فقير، خلال السنوات الأخيرة شهدت ليبيا وما تزال تقاسم السلطة والإقصاء والتهديدات الإرهابية، مما انعكس على القطاعات الخدمية، وهى دور يمكن أن تتولى المجالس البلدية معالجته في البلاد، مما تضحي ليبيا حالة دراسية بالغة الأهمية لفهم الانتقالات السياسية المعقدة التي أثارها "الربيع العربي" فضلا عن السياسات الإقليمية والدولية والأممية إزاء "الدول التي تشهد النزاعات أو الصراع السياسى".

وبالتالي يمكن القول في ذلك الصدد أنَّ حالة تشكيل مجالس بلدية منتخبة في ظل حالة التقاسم، وربما قد تشير إلى إمكانية تحقيق استقرار في إحدى مكونات وهياكل النظام السياسي، إلا أن هذا الاستقرار في حقيقة الأمر يحمل بداخله خطر الانهيار المفاجئ، حيث يمثل تجسيد لتقاسم مناطق النفوذ في ليبيا، كما أصبحت السيطرة على قطاع الأمن مورداً أساسياً في الميدان السياسي الليبى ومهمّة بالنسبة لمَن يسعون إلى السلطة. فإلى أى مدى تمثل انتخابات وتشكيل المجالس البلدية الرهنة التى تجرى حاليا في غرب ليبيا عملية ناجعة لبناء مجالس تمارس أدوارها نحو تلبية احتياجات المواطنين في البلديات المختلفة، مع الأخذ في الاعتبار المكون القبلى الليبى، والبعدين الأمنى والاقتصادى مما انعكس على اقتصار عقد هذه الانتخابات في المناطق الغربية دون بقية المناطق في الشرق، وعبر عدة مراحل زمنية؟.

تأثير الصراع السياسى والتدهور الأمني على اللامركزية .. مدخل نظري

يمكن القول أن كل دولة قومية حديثة تقريباً قد قامت بتنفيذ اللامركزية إلي حد ما، وعادة ما يُنظر إليها باعتبارها مكوناً من مكونات عملية التحول الديمقراطي، وتعد المجالس البلدية والمحلية من أهم مؤسسات الدولة على المستويات المحلية، فهي تشكل عن طريق الانتخاب، وبتوليها توفير الخدمات العامة الأساسية، وكما أنها تتسم بعدة مزايا ونقاط قوة، وتعاني كذلك من نقاط ضعف تجعل اللامركزية غير فعالة، على سبيل المثال لا الحصر، هناك نقاط ضعف تقيد من فعالية اللامركزية تتمثل في الانخفاض أو المحدودية في تمويل الوحدات المحلية، أو كون الإدارات المحلية غير مؤهلة بشكل جيد، أو عندما تفتقر إلى الخبرة التقنية اللازمة لأداء مهامها. وثمة نقطة ضعف هامة أخرى تعنى بالدول الموحدة ذات النظم شديدة اللامركزية المقسمة وفقاً لخلفيات دينية و/أو عرقية تؤدي أحياناً إلى مزيد من التفتيت لدول هي غير مستقرة أصلاً، من هنا تتنامى أهمية اللامركزية فى الدول التى تشهد نزاعات مسلحة، وفيما يلى استعراض موجز لانعكاس الصراع السياسى والنزاع على طبيعة وشكل اللامركزية وبالتالى وجود المجالس البلدية والمحلية وممارستها لاختصاصاتها(1):

1.   إن اشتداد النزاع أو الصراع السياسى يؤثر بشكل كبير على تمويل وأمن المجالس المحلية، مقوضاً قدرتها على تقديم الخدمات بشكل فعال في معظم مناطق البلاد، حيث أن التنازع المستمر، يمثل تحديا لكفاءة عمل المجالس المحلية  وتمنعها من العمل في بيئة آمنة.

2.   إن المجالس المحلية عرضة لتدخل الميليشيات المسلحة والأطراف المتصارعة الحريصة على تأكيد نفسها على المستوى المحلي في نشاط وأعمال أعضاء المجالس المحلية لتعزيز أجنداتهم وتوجهاتهم.

على أثر ذلك هناك تداعيات انعكست على هيكل وأداء المجالس المحلية فى ظل النزاع ومعالجة جميع هذه الاحتياجات في الدول الضعيفة والمجتمعات المنقسمة تتطلّب إيجاد توازن جديد بين أنماط الحكم المركزية واللامركزية.

اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية طرابلس – ليبيا

تُعني اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية طرابلس – ليبيا باتخاذ الاجراءات اللازمة للإنتخابات الخاصة بالمجالس البلدية والتحضير لها، وينظم عملها قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم 18 لسنة 2019 بتعديل لائحة الأسس والضوابط الخاصة بإنتخابات المجالس البلدية، ويقتصر نطاق اختصاصها فى الوقت الراهن فى غرب ليبيا(2).


أوكلت للجنة المركزية مهام اتخاذ الإجراءات اللازمة للإنتخابات الخاصة بالمجالس البلدية والتحضير لها على أن تكفل النزاهة فيها بحسب قرار مجلس الوزراء رقم 160 لسنة 2013، وتتمثل المهام فيما يلى(3):

·       تنظيم وإدارة العملية الإنتخابية والإشراف عليها ومراقبتها.

·       تسجيل الناخبين وإعداد سجلاتهم وتحديد شروط وضوابط القيد فيها.

·       تحديد نماذج قبول طلبات الترشيح وتسجيل المرشحين.

·       تحديد مراكز الإقتراع.

·       إعداد وتنفيذ عمليات الإقتراع والفرز.

·       إعتماد وإعلان النتائج الانتخابات المحلية.

·       إصدار بطاقات إعتماد المراقبين على الانتخابات والوكلاء والإعلاميين وتسهيل عملهم.

·       تحديد مواعيد الانتخابات المحلية.

·       وضع الميزانية التقديرية اللازمة لعملية الانتخابات وعرضها على وزير الحكم المحلي لإتخاذ الإجراءات اللازمة لإعتمادها.

·       إصدار القرارات المتعلقة بالمسائل الفنيّة المنظمة للعملية الانتخابية.

تشكيل المجالس البلدية .. الدوافع والمبررات

أتاحت السلطات الليبية إجراء انتخابات المجالس البلدية في عام 2013 بهدف إنهاء مركزية الإدارة التي دامت عقودا ومساعدة المجتمعات المحلية على إدارة شؤونها، لكن تدهور الأوضاع الأمنية بعد سقوط حكم العقيد معمر القذافي وعدم انتظام التمويل، إضافة إلى انقسام البلاد بين حكومة في الغرب مدعومة دوليا وحكومة مؤقتة وقوات خليفة حفتر في الشرق التى تؤيدها قوى عربية إقليمية نافذة، جميع ما سبق أدى إلى عرقلة عملية الانتخابات فى حينها. وقد اقتصرت توجهات إجراء الإنتخابات البلدية في المدن التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني، فى ما لا يقل عن 69 مجلساً بلدياً من 120 مجلساً تحاول عقد هذه الانتخابات، رغم نقص التمويل من الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة، إضافة إلى الانقسام السياسي، وستجري عملية الانتخاب على مراحل زمنية وبتوقيت مختلف لكل بلدية أو مجموعات بلديات، بعد التأكد من جاهزية المدن من الناحية الأمنية واللوجستية لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي، وقد عقدت انتخابات فى بلديتى بنى وليد ودرج فى العام 2018، وتستكمل وفقا لتوقيتات حددتها اللجنة المركزية للانتخابات البلدية فى غرب ليبيا(4).

يقوم النظام الانتخابي على انتخاب وتمثيل الفئات، وهى: (العامة، والمرأة، والأشخاص ذوى الإعاقة)، ومؤخرا فى 2019 أعيد فتح باب تسجيل أسماء الناخبين حيث سجل أكثر من 800 ألف ناخب أسماءهم منهن تقريبا 504136 من النساء، وذلك بشأن عقد الانتخابات المحلية فى الغرب. فيما لم تبدأ أى اجراءات بشأن جاهزية المدن التي تتبع الحكومة الموازية فى الشرق، حتى يتم إجراء الانتخابات في كل المدن.  ودعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الحكومة في طرابلس لتوفير التمويل اللازم لإجراء انتخابات المجالس البلدية، وتقدم البعثة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي دعما فنيًا ولوجيستيًا للجنة الانتخابات منذ شهر مارس من العام 2018.

العملية الانتخابية الحالية

عقدت اللجنة المركزية للانتخابات البلدية إنتخابات المجالس البلدية التي تشرف عليها حكومة الوفاق الوطني (غرب) يوم 30 مارس 2019 في (9) بلديات، هى: وادي عتبة، بنت بية، زوارة، باطن الجبل، القلعة، الريانية، نالوت، الحوامد، غدامس، ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وذلك  في  68 مركز اقتراع في بلدات أقصى الغرب الليبي. وأعلنت اللجنة المركزية للانتخابات البلدية، أن نسبة المشاركة فى الاقتراع من الناخبين بالبلديات التسع بلغت 40%(5).

والتي تبين تقدم بلدية الحوامد فى تسجيل نسبة المشاركة فى الاقتراع وتليها بنت بية وفي المركز الثالث وادي عتبة، والتى تميزت بأعلى نسبة مشاركة للنساء حيث وصلت لنسبة 9%. ولم تسجل أي خروقات أمنية خلال الانتخابات، وستعلن اللجنة المركزية للانتخابات البلدية عن نتائج الانتخابات في البلديات التسع خلال الأيام المقبلة، وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن ارتياحها لعملية الاقتراع التى جرت. مشيرة إلى أن ذلك يعد "إشارة قوية بالتزام الليبيين بانتخاب مجالسهم المحلية بطريقة ديمقراطية"، معربة عن تطلعها للعمل مع المجالس المنتخبة(6).

الانتخابات المقبلة ومستقبل المجالس البلدية

ستجرى الانتخابات البلدية في بقية المدن التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني الفترة المقبلة، فيما لا تتوفر أنباء عن ما مدى جاهزية المدن شرقي البلاد الخاضعة لسيطرة قوات المشير خليفة حفتر، في ظل المعادلات والخيارات الراهنة للأزمة الليبية بتقاسم السلطة ومؤسساتها. ومن المقرر وفق مواعيد الإجراءات الانتخابية التى حددتها وأعلنت عنها اللجنة ستعقد فى  (7) بلديات أخرى، وهى: (رقدالين، وازن، الغريفة، ككلة، الأصابعة، البوانيس، الزاوية الجنوب) والتي سيكون موعد اقتراعها يوم 6 ابريل 2019(7)

مما يؤكد استمرار العملية لانتخابية للمجالس البلدية في دورتها الثانية، إلا أن ذلك يعبر عن ترسيخ لتقاسم المؤسسات وتباين آليات وميكانزمات العمل بين المناطق الليبية شرقا وغربا، ويؤشر لضعف المجالس البلدية وفق صيغتها الراهنة.

هوامش البحث

1.    محمد عبدالهادى، اللامركزية خلالل النزاع: النموذج اليمنى، مركز الحوكمة وبناء السلام، 24 أكتوبر 2018، فى الرابط التالى:

http://menaacdp.com/%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A%D8%A9%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86/

2.    مهام اللجنة، اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية طرابلس – ليبيا، فى الرابط التالى:

http://ccmce.ly

3.    قرار مجلس الوزراء رقم 160 لسنة 2013بشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة للإنتخابات الخاصة بالمجالس البلدية، فى الرابط التالى:

http://ccmce.ly/%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a9

4.    انتخابات المجالس الليبية، AFRICAN DAILY VOICE – ADV، 30/ 3/ 2019، فى الرابط التالى:

https://africandailyvoice.com/ar/category/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9/

5.    نسبة المشاركين في التصويت في البلديات 9 حتى الساعة 5:00 مساء، اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية طرابلس – ليبيا، 30 مارس، 2019، في الرابط التالى:

http://ccmce.ly/%d9%86%d8%b3%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%83%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%88%d9%8a%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%84%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-9/

6.    ليبيا: 40% نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية بـ9 بلديات، الخليج أونلاين، الأحد، 31-03-2019 الساعة 08:24، فى الرابط الرابط المختصر: http://khaleej.online/G7ZEQa

7.    ليبيا: انتخابات محلية بـ9 بلديات في أول اقتراع منذ 5 سنوات، شبكة مواقع الأناضول، 31/ 3/ 2019، فى الرابط التالى:

https://www.aa.com.tr/ar/search/?s=%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3&tag=1

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟