المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

انتخابات البرلمان الأوروبي ما بين الترقب الحذر ومُعضلة "البريكست"

الجمعة 17/مايو/2019 - 02:55 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
آية عبد العزيز

تستعد الدول الأوروبية لخوض أبرز تنافس انتخابي منذ عقود؛ حيث يُمثل استفتاءً على السياسات التي برزت في الآونة الأخيرة، التي ساهمت في تشكيل المجتمع الأوروبي بشكل عميق. الأمر الذي أثار الجدل حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما هو مصيرها تجاه الانتخابات؟ وذلك بعد تصويت أعضاء البرلمان على رفض الخروج من الاتحاد دون أي اتفاق في مارس/ آذار 2019. (1) في أعقاب ثلاث هزائم للصفقة في مجلس العموم، واستمرار الانقسامات راسخة- بعد حوالي ثلاث سنوات من الاستفتاء على الخروج.

وعليه فقد أعلن "ديفيد ليدينجتون" نائب رئيس الوزراء في حكومة "تيريزا ماي" إن بريطانيا ستضطر للمشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي التي من المقرر عقدها في الفترة من 23 إلى 26 مايو/ أيار 2019 لأنه لا يوجد ما يكفي من الوقت للحصول على موافقة البرلمان على اتفاق الخروج قبل هذا الموعد.

وذلك في سياق المحادثات التي جرت حتى الآن مع حزب العمال المعارض بهدف إيجاد طريق للخروج من الاتحاد، لكسر حالة الجمود، التي أدت إلى تمديد عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019. كما إنها ستكلف الحكومة البريطانية ما يقرب من 110 ملايين يورو. لكن الكثيرين من البريطانيين، بما في ذلك "ماي"، يعتقدون أن عملية المشاركة في الانتخابات المقبلة مضيعة للوقت. موضحةً إنها "لا تعتقد أنه من الصواب أن تكون في حالة إجراء انتخابات برلمانية أوروبية بعد ثلاث سنوات من تصويت الأشخاص لمغادرة الاتحاد الأوروبي". (2)

الحراك الانتخابي داخل المملكة المتحدة

ستنتخب المملكة المتحدة 73 عضوًا في البرلمان الأوروبي، من إجمالي 751 حاليًا. وهي مقسمة إلى 12 منطقة انتخابية في المملكة المتحدة -تسع منها في إنجلترا، وثلاثة في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية. وسيتم تخصيص مقاعد متعددة لكل منطقة. ويختلف عدد المقاعد من منطقة إلى أخرى، على حسب عدد السكان. على سبيل المثال، تنتخب منطقة جنوب شرق إنجلترا 10 أعضاء من أعضاء البرلمان الأوروبي، بينما يوجد في الشمال الشرقي ثلاث أعضاء فقط.

وفي إنجلترا واسكتلندا وويلز، أدلى الناخبون بصوت واحد للحزب الذي يختارونه. فيما طرحت الأحزاب عدة مرشحين، لكن الناخبين لن يروا أسماءهم، بموجب نظام "القائمة المغلقة". وسيتم الفوز بالمقاعد وفقًا لحصة التصويت، وذلك باستخدام صيغة تم وضعها وفقًا لما يعرف باسم "نظام العلاقات العامة". وعلى الجانب الأخر، يُعرف نظام التصويت في أيرلندا الشمالية، التي لديها ثلاثة مقاعد، باسم التصويت القابل للتحويل الواحد (STV). الذي يتميز بكونه مختلفًا على عكس بقية المملكة المتحدة؛ حيث يمكن للأشخاص اختيار حزب واحد فقط، ويمكن للناخبين اختيار المرشحين من مختلف الأحزاب، وترتيبهم حسب التفضيل.

 كان الموعد النهائي لأولئك الذين يرغبون في الترشح للانتخابات البرلمانية في المملكة المتحدة هو 25 أبريل/ أذار. وفيما يتعلق بمن لهم حق المشاركة في التصويت في الانتخابات فمن المقرر أن يمنح جميع مواطني المملكة المتحدة حق التصويت، وكذلك "مواطني الكومنولث"، لأن شرط المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي مفتوحة أيضًا لمواطني دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين الأخرى المقيمين في المملكة المتحدة، إذا كان عمرهم 18 عامًا أو أكثر في يوم الانتخابات.

موقف المعارضة

أثار حزب العمال المعارض الجدل هو موقفه الغامض من مدى إمكانية إجراء استفتاء ثاني للخروج من المأزق السياسي الحالي، على عكس الديمقراطيين الليبراليين الذين عادوا إلى الظهور، والذين ظهر في بيان حملتهم لافتة كتب عليها "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" على غلافه، علاوة على موقفه تجاه المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي، وذلك مع رفض "جيريمي كوربين" الدعوات الخاصة بالعمل من أجل أن يصبح حزب العمال حزب البقاء في الانتخابات الأوروبية، وأصراه على أنه سيقف على "أرضية مشتركة". قائلاً في بيان حزبه للانتخابات الأوروبية في تشاتام، "على الناخبين أن يقاوموا تعريفهم ببساطة على أنهم من يخرجون أو باقون، لأن قرار المشاركة لا يعني الإشارة بالبقاء أو الخروج.

فيما شدد "كوربين" على أن حزب "العمال" لن يختار جانبًا. وقال إنه بصفته اشتراكيين ديمقراطيين، لا يمكن للحزب تجاهل نتيجة استفتاء عام 2016. موضحًا "نحن لا نحاول الفوز بأصوات المتسابقين فقط، أو الباقين فقط. بدلاً من ذلك، نحن نتواصل مع الجميع ". ومع انهيار المحادثات قلل كوربين من احتمالات حدوث انفراجه مبكرة، قائلاً: "إنه في الواقع من الصعب للغاية التفاوض مع حكومة متفتته، يتنافس فيها الوزراء على المناصب، [لكن] من مصلحة البلد أن يتم فرز هذا بطريقة أو بأخرى". (4) وهو ما يعين خوض الانتخابات المقبلة لحين التوصل إلى تسوية سلمية بشأن الخروج بين البرلمان والحكومة، للمغادرة في الموعد المحدد.

دلالات التصويت في الانتخابات

بالرغم من تمديد قرار خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي، ومشاركة القوى السياسية البريطانية في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلا إنها من الممكن أن تغادر قبل الموعد المحدد في 31 أكتوبر، إذا أقر البرلمان صفقة الخروج. وفي هذا الحدث، سيتم تخفيض العدد الإجمالي للمقاعد في البرلمان الأوروبي من 751 إلى 705. لن يأخذ أعضاء البرلمان الأوروبي البريطاني مقاعدهم. بدلاً من ذلك، وسيتم إعادة تخصيص مقاعد المملكة المتحدة إلى 14 دولة ناقصة التمثيل، أو مخصصة للدول التي قد تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل.

وفي واقع الأمر ستمثل مشاركة المملكة المتحدة في انتخابات البرلمان الأوروبي هزيمة جديدة لمفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، ليس هذا فحسب بل هزيمة لمشروع الاندماجي الأوروبي، كما ستُساهم في مزيد من الانقسام الداخلي؛ حيث يرى المؤيدون أن المشاركة ستُعد أملًا في استمرار المملكة داخل الاتحاد، وستعمل على كسر حالة الجمود السياسي.

 في المقابل يعتقد العديد من المُعارضين أن عملية المشاركة ستُمثل استنزافًا للحكومة ومواردها خاصة أن قرار الخروج لم يحسم بعد، وهو ما سينعكس بشكل سلبي على الأوضاع الداخلية والخارجية على كافة الأصعدة. وهنا من المتوقع أن يكون التصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي تصويتًا عقابيًا للسياسات الحكومة البريطانية، لعجزها عن حسم القرار النهائي بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد 3 أعوام من الاستفتاء. (3)

واقع المملكة في حالة عدم وجود اتفاق بديل

من المفترض أن تشارك المملكة في الانتخابات إلى حين التوصل إلى اتفاق للخروج؛ حيث أن الموقف القانوني الافتراضي هو أنها ستترك الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر. وعليه سيتم الانسحاب من البرلمان الأوروبي، وتغيير قواعد التعاون والتنسيق المباشر مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن أن القرار سيمثل تحول استراتيجي في الأمن والدفاع الأوروبي، وسينعكس على  إمكانية العودة إلى الحكم المباشر من قبل حكومة المملكة المتحدة في أيرلندا الشمالية، بالإضافة إلى عملية الاندماج التي من أجلها تعاونت الدول الأوروبية على استمراريتها، تجنبًا للسياسات الشعبوية، التي تستند على رفض التعددية الثقافية، وتنامي النزعات الانفصالية، والعداء للقيم الدينية الأخرى.، بجانب أن حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة والبريطانيين في القارة لم تعد محمية على المستوى الأوروبي .

ومع ذلك، يؤكد الداعمون لقرار الخروج على عن المملكة يمكن أن تندمج في سياق العالمي من خلال التزامها بالقيم المنظمة التي تتبنها المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية (WTO). كما إن بريطانيا ستستمر كشريك إقليمي في حماية الأمن الأوروبي من خلال تواجدها في حلف شمال الأطلسي، الضامن التقليدي للأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. (5)

إجمالًا، ستمثل انتخابات البرلمان الأوروبي، استفتاءً ثاني على سياسات الحكومة البريطانية وتوجهاتها الأخيرة، لذا فهناك ترقب حذر من نتيجة هذه الانتخابات، وانعكاساتها على المشروع الأوروبي الاندماجي، في مقابل المشروع الأوروبي الذي يقوده قوى اليمين المتطرف بقيادة "ماتيو سالفيني" زعيم حزب الرابطة الإيطالي، ونائب رئيس الوزراء الإيطالي، الذي يدعم فكرة الانعزالية، وتنامي السياسات القومية الحمائية.

الهوامش

1.            "European election win would revive no-deal Brexit option – Farage", The Guardian, 10/5/2019. https://www.theguardian.com/politics/2019/may/10/brexit-party-win-would-put-no-deal-back-on-the-table-says-nigel-farage

2.            Joao Vitor Da Silva Marques, Vincent McAviney in Devon, “UK government confirms Britain will take part in EU elections on 23 May”, Euro News , 10/5/2019. https://www.euronews.com/2019/05/07/the-eu-elections-in-the-uk-which-were-never-meant-to-be

3.            Alasdair Sandford, “How do European Parliament elections work in the UK and how do I vote?” Euro News 9/5/2019. https://www.euronews.com/2019/04/26/how-do-european-parliament-elections-work-in-the-uk-and-how-do-i-vote

4.            " Jeremy Corbyn urges voters to discard labels of leave and remain” , The Guardian, 9/5/2019. https://www.theguardian.com/politics/2019/may/09/brexit-leave-remain-labour-jeremy-corbyn-campaign-launch-european-elections

5.            Alasdair Sandford, “Brexit Guide: where are we now?”, Euro News, 8/5/2019. https://www.euronews.com/2018/11/20/brexit-draft-deal-first-of-many-hurdles-to-a-smooth-exit#

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟