المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ثورة 30 يونيو، وإشكالية الإسلام السياسي في المنطقة العربية

الأحد 23/يونيو/2019 - 05:23 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. شريف درويش اللبان - د. جيهان سباق علي خليفة

تعتبر الثورات فى مرحلة ما نوعًا من التجديد الحضاري لإكساب المشهد لحظةً  تاريخيةً تمنح الشعوب نشوة الانتصار السياسي والتمكين الاجتماعي والكفاية الاقتصادية، وفيما يتصل بمعامل إنتاج الثورة السياسية تم الاتفاق  إلى درجة تقل عن الإجماع بقليل بأن الشأن السياسي والشأن الاقتصادي وتفاعلهما معًا بإطار اجتماعي هو ما يهيئ الظروف لقيام الثورات، فكارل ماركس يذهب باتجاه السببية الاقتصادية لقيام الثورات، ويربط البعض الفعل الثوري بالشأن السياسي، كما هو حال أفلاطون بحيث وصف التغييرات التي تطرأ على دساتير الدول بالثورة، وإلى جانبه أرسطو، وبوليبيوس، ولوك الذي يراها بصــورةٍ ما الطريقة المقررة للحفاظ على الحقوق السياسية.

إلا أن حركات الإسلام السياسي أخذت منحى آخر، وانقسمت إلى ثلاثة تيارات رئيسة، تيار انغلاقي شمولي، يؤمن إيمانًا راسخًا بفكرة الحاكمية الإلهية، وتطبيق الشريعة، وثنائية دار الإسلام ودار الكفر، تيار مؤيد للدولة المدنية،  شرط أن تكون ذات مرجعية إسلامية، تيار مقاصدي وبراجماتي، يؤكد بوضوح تأييده للدولة المدنية وفق قاعدة (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة)، وهو ما يمكن تفسيره بأنها لم تقدم فكريًا ما يشير إلى عزمها على تجديد الفكر السياسي الإسلامي، بما يتفق مع مستجدات العصر، وافتقدت هذه الحركات إلى مؤسسات للبحث والتفكير تعالج القضايا الشائكة بين الدين والدولة، والقضايا ذات الصلة بمفاهيم وممارسات الحرية والتعددية والاختلاف وغيرها.

وعلى الصعيد الاقتصادي أحزاب النهضة، والحرية والعدالة، والعدالة والتنمية لا تمتلك خططًا اقتصادية شاملة ومتكاملة يمكنها إحداث الإصلاح الاقتصادي والتنمية الاجتماعية المرغوب فيها، وبالنسبة للمدخل الحقوقي، إن تجربة الحكم أثبتت أن هذه الحركات – باستثناء حزب النهضة - لا تتحمس للحركية الفكرية والدينية، وما زالت مترددة على مستوى تعزيز حقوق المرأة ودورها في الحياة العامة، وكذلك على مستوى التعاطي مع الحقوق المرتبطة بالتعدد اللغوي والثقافي والديني، ويبدو أن هذه الحركات بعد انتقالها من المعارضة إلى السلطة، سقطت في هُوة الارتباك، وحدث انفصام بين شعاراتها وخطاباتها من جهة، ورؤاها وسياستها العملية من جهة أخرى، وهو ما يعكس ضعف الخبرة السياسية.

فشل حزب "الحرية والعدالة" في إدارة الدولة المصرية

عجز حزب "الحرية والعدالة" عجز على مدى عام كامل عن قيادة الدولة المصرية وإدارتها بكفاءة وفاعلية، إلا أن أكثر المعوقات التي واجهت هذه الحركات في تجربتها، وهي الثنائية التنظيمية بين الحركة والجماعة والحزب التابع لها، ولم تفطن قيادات هذه الحركات إلى أن الفضاء العام يخضع لدوافع دنيوية محضة وثيقة الصلة بقدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية بصرف النظر عن مرجعياتها العقيدية والفكرية، غير أن هذه الحركات أصرت، ربما خوفًا من أن تفقد شعبيتها بين المتدينين، على تفعيل الخطاب المثالي جنبًا إلى جنب مع خطاب واقعي بدا أنه يتسم بالضعف الشديد وقلة الخبرة، وفي المقابل فإن القوى المدنية في بلدان الربيع العربي باتت تشعر، بأن هذه الحركات تختزل الصراع السياسي في صراع حول الدين والهوية، ببساطة فإن تجربة الحكم للإسلام السياسي أظهرت حصيلة متواضعة في كل من تونس والمغرب، ومخيبة للآمال في مصر.

إن الحقيقة الواضحة أن الجماهير نجحت فى إزاحة أنظمة تسلطية تمسكت بالحكم لسنوات طويلة؛ فخلعت بن على ومبارك والقذافى من سُدة الحكم، وهو ما غير المعادلة السياسية على نحو دراماتيكى بالنسبة لحركات الإسلام السياسى فى تونس ومصر وليبيا، ثم فى العالم العربى، وراح الإسلاميون الذين قُمعوا طويلاً يلعبون دورًا قياديًا فى ثورات 2011، وأصبحوا أحد أهم ركائز التغيير فى دولهم وفى المنطقة، إلا أن الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلي سدة الحكم، سواء قبل أو بعد اندلاع الثورات العربية واجهت إشكاليات كبرى عصفت أو كادت أن تعصف بها بشكل كامل، دون بلورة سياسات بديلة أو استراتيجيات مضادة، لزيادة مناعتها وإطالة أمد بقائها في الحكم، وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة تتمثل في التحول السريع من المعارضة إلى السلطة دون توافر خبرة كافية بشئون الحكم، فضلا عن اتساع الفجوة بين الرؤى النظرية التي تطرحها والسياسات العملية التي تنفذها، على نحو خلق مناطق رمادية كثيرة في الأداء، والتأثيرات المضاعفة لـذهنية الإنكار، وتكرار أخطاء الأنظمة السابقة، على نحو يطرح دلالة مهمة مفادها أن التعثر هو الملمح الحاكم لأداء هذه الأحزاب في حال وصولها إلى السلطة، مثلما كان التعثر هو سبيلها للوصول إلى الحكم، على مدى سنوات طويلة مضت.

أزمات متعددة واجهت الإسلام السياسي في عصر ما قبل الثورات وبعدها

في مرحلة ما قبل الثورات العربية، وتحديدًا في عقد التسعينيات من القرن الماضي، شهدت الحركة الإسلامية فى الجزائر تراجعًا كبيرًا بعد اندلاع الصراع بين النظام و"جبهة الإنقاذ الإسلامية" علي خلفية إلغاء نتائج الجولة الأولي للانتخابات البرلمانية التي أجريت في العام 1991، فيما وصلت حركة "طالبان" إلي السلطة في أفغانستان، وتسببت في أزمات متعددة داخلية وخارجية إلي أن انتهي الأمر بسقوط نظامها عقب نشوب الحرب الأمريكية علي أفغانستان في العام 2001، بينما تبني نظام الرئيس السوداني عمر البشير سياسات أدت إلي تصاعد حده النزعات الانفصالية وتعرض السودان لضغوط دولية غير مسبوقة، وفي مرحلة ما بعد الثورات العربية، واجهت الأحزاب الإسلامية حزمة من التحديات، هي التي أدت إلي سقوط حكم جماعة "الإخوان" فى مصر، وهو السيناريو الذي تكرر في حالة حزب "النهضة" التونسي الذي يواجه حالة رفض شعبي، سعى إلي احتوائها عبر الدخول في حوار وطني مع القوى السياسية الأخرى والتوافق علي تشكيل حكومة جديدة. لكن يبدو أن عبد الإله بنكيران رئيس الوزراء المغربي أمين عام حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، قد انتبه إلي هذا الخطر، وهو ما دفعه إلي مطالبة أعضاء حزبه بضرورة التحلي بالواقعية السياسية وسط مناخ إقليمي يشهد ارتدادات سلبية فى وجه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، في حين بدأ حزب "العدالة والتنمية" في تركيا يواجه أزمات عديدة كان آخرها قضية الفساد التي أدت إلي استقالة عدد من وزراء الحكومة والانخفاض الحاد في سعر الليرة التركية وزيادة معدلات التضخم بشكلٍ غير مسبوق.

 

إشكاليات متباينة

تتنوع الإشكاليات التي واجهت الأحزاب الإسلامية بعد وصولها إلي السلطة، بين إشكاليات هيكلية بنيوية تتعلق بالأحزاب ذاتها، وأخري ثانوية ترتبط بنمط تفاعل تلك الأحزاب مع البيئة الخارجية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

القفز السريع من المعارضة إلى السلطة

فعلى الرغم من وجود التيارات الإسلامية فى الساحات السياسية لدول الإقليم منذ عقود طويلة، إلا أنها كانت دائمًا فى معسكر المعارضة. لكن الثورات العربية دفعت بتلك التيارات، بشكلٍ سريع ومفاجئ، إلى سُدة الحكم، حيث لم تكن مستعدة لتلك المهمة، فيما يعرف بـ"حرق المراحل" التي لم تساعد في القفز إلى الحُكم بقدر القفز في الهواء قفزة سياسية غير مسبوقة، وهو ما حدت فى حالتيْ مصر وتونس، إذ وصل حزب "الحرية والعدالة" في مصر وحزب "النهضة" في تونس إلى السلطة بشكل مفاجئ دون استعدادات كافية أو تحضيرات مناسبة تتعلق بتجهيز الكوادر القادرة على إدارة دفة السلطة، والتي تختلف بالضرورة عن تلك التى عاشت عقودًا طويلة في صفوف المعارضة.

عدم القدرة على استغلال الاضطهاد في ظل حكم الأنظمة السابقة

أو ما يسمي بـ "المظلومية التاريخية" التي كانت أحد أبرز الآليات التي روجت لها تلك التيارات فى مرحلة السعي للوصول للسلطة، بشكل أكسبها تعاطفًا شعبيًا، دفع الكثيرين إلى انتخاب كوادرها لقيادة المرحلة الجديدة، لكن مع وصولها إلي سدة الحكم، بدأت فكرة "المظلومية التاريخية" تخفت تدريجيًا، ولعل عدم قدرة تلك التيارات على تعميق مفعول تلك الفكرة يعد أحد أبرز الأخطاء التي عجلت بسقوطها فى مصر وزعزعة حكمها فى تونس.

اتساع الفجوة بين المفاهيم النظرية والسياسات العملية

إذ تبنت تيارات الإسلام السياسي حزمة من المفاهيم النظرية ذات الصبغة الدينية قبل الوصول إلى السلطة، في مقدمتها قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن بعد الوصول إلى السلطة بدأت تلك المفاهيم في التغير، وتجلى ذلك فى العديد من السياسات أبرزها الاعتماد على القروض الخارجية فى مصر، وعدم تبنى إخوان تونس الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع فى الدستور التونسي، وهو ما يمكن أن نصيغه بعبارات أخرى، بأن الإسلاميون استخدموا "الشريعة الإسلامية" كورقة توت يغطون بها عوراتهم للوصول إلى الحكم، لكنهم بعد الوصول إليه نزعوها فانكشفوا أمام الجماهير وخاصةً المتدينين منهم.

الآثار المضاعفة لسياسة الإنكار

بعد الفشل الذي واجهته تلك التيارات فى دولها وتصاعد موجة الاحتجاجات المطالبة برحيلها، ظلت تلك التيارات فى حالة إنكار كامل لإمكانية زوالها أو حتى زعزعة حكمها، وقد تجلي ذلك بشدة فى حالة جماعة "الإخوان" فى مصر، خاصة قبيل ثورة  30يونيو وعزل الرئيس السابق محمد مرسى. ولعل حالة الإنكار – والتي لا تزال مستمرة حتى الآن - هى التي أدت إلى تفاقم الأوضاع حتى وصلت إلى عزل الرئيس الإخواني، وذلك لكون الجماعة كانت تستبعد فكرة السقوط بشكل كامل، وهو ما دفعها لعدم تقديم أي تنازلات والإصرار علي مواقفها، كما لم تقدم الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى السلطة حلولاً جذرية للأزمات التي تواجه المجتمعات العربية، لا سيما وأن الأوضاع الاقتصادية المتردية كانت قد لعبت دورًا مهمًا فى تحريك الشارع العربي للثورة ضد أنظمة الحكم السابقة.

تبني الاستراتيجيات السلطوية للأنظمة السابقة

وفي هذا السياق، اعتمدت الأحزاب الإسلامية في السلطة على الاستراتيجيات نفسها التي اتبعتها الأنظمة السابقة، والتي تأسست على الإقصاء والاستبعاد بدلاً من الإدماج والاستيعاب، وعلى المغالبة بدلا من المشاركة. فقد اتبعت الأحزاب الإسلامية نهجًا سياسيًا يعتمد على تهميش التيارات السياسية الأخرى في عملية صنع القرار ولكن بنسب متفاوتة. إذ سيطرت جماعة "الإخوان" فى مصر بشكلٍ شبه كامل على عملية صياغة بنود الدستور في عام 2012 واستأثرت بالمناصب التنفيذية والحكومية والمحلية، فى الوقت الذي استبعد فيه أنصار التيارات الأخرى، لا سيما الليبرالية واليسارية والقومية. وقد تكرر ذلك بدرجة أقل فى تونس، إذ لم تستأثر حركة "النهضة" بشكلٍ كامل بالحكومة بل دخلت فى ائتلاف حكومي ثلاثي مع كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي، وتركت رئاسة الجمهورية لمنصف المرزوقي، ورئاسة المجلس التأسيسي لمصطفى بن جعفر، إلا أن ضعف شعبية تلك الأحزاب أفرغ فكرة التحالف من مضمونها، حيث ظلت حركة "النهضة" هي المسيطر والمتحكم الأول فى عملية صنع القرار بشكل تام.

كما اعتمدت الأحزاب الحاكمة على الأداة الأمنية لمواجهة قوى المعارضة، وهو ما طبقته جماعة "الإخوان" في مصر، وهو النهج ذاته الذي اعتمدت عليه حركة "النهضة" فى تونس، ولعل هذا المنهج الذي يعتمد على العنف والحشد المضاد يرتبط بشكلٍ مباشر بعدم قدرة تلك التيارات على التأقلم مع الخروج من دائرة المعارضة إلى دائرة السلطة والحكم.

سيناريوهات محتملة

يتأرجح مستقبل طريقة تعامل الأحزاب الإسلامية التي لا زالت فى السلطة مع تلك الإشكاليات بين سيناريوهين رئيسيين: الأول، سيناريو تدارك الأخطاء، وهو المسار الأقرب لحالة حزب العدالة والتنمية المغربي، والذي اتخذ خطوات عديدة في هذا السياق عبر إدماج حزب التجمع الوطني للأحرار- والذي يعد الغريم السياسي لحزب العدالة والتنمية- في الحكومة بعد انسحاب حزب الاستقلال منها فى محاولة لعدم تطبيق منهج الإقصاء السياسي للمعارضين مثلما حدث فى حالتي مصر وتونس.

والثاني، سيناريو المراوغة والاستمرار، والذي يعتمد على أسلوب المماطلة ويراهن على عنصر الزمن، ومدى قدرة المعارضة على الصمود، وهو المسار المرجح لحالة تونس والسودان. إذ أن حزب النهضة التونسي ما زال مصرًا علي تكرار الأخطاء ذاتها خلال جولات الحوار الوطني، وهو ما يمكن أن يزيد من معدلات الاحتقان الشعبي فى تونس. وفى السودان أيضًا يبدو أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم الإسلامي يسير على النهج ذاته عبر اعتماده ليس فقط على العنف فى التعامل مع المعارضة بل أيضًا علي استهداف الإصلاحيين بداخله عبر فصلهم من الحزب.

لكن سقوط نظام الإخوان المسلمين فى مصر أحدث صدمة زلزالية لتيارات الإسلام السياسي في العالم العربي، كان متوقعا أن ينهار(حكم المرشد) لعوامل عدة بعضها يرتبط بنهج الجماعة التي لا تملك الخبرة الكافية في إدارة  شؤون الدولة، بعدما وفدت بالصدفة التاريخية من المساجد إلى السلطة، وأخرى لها علاقة بإستراتيجية التمكين واللهفة الشديدة لأخونة المؤسسات الرسمية...إن فشل الإخوانية المصرية، الحركة الأم، دفع ويدفع الحركات الإسلامية التي اختارت العمل السياسي إلى إعادة وربما إجراء مراجعات جادة تلافيا لتكرار السيناريو المصري.

وفى هذا السياق يتضح أن الأحزاب الإسلامية التى جاءت إلى السلطة في  تونس ومصر والمغرب، واجهت و لو كان ذلك  بنسب متفاوتة  تحدياتٍ كبرى أهمها:

- غياب الخبرة في  قضايا تسيير الشؤون العامة

ينظر إلى الحركات الإسلامية على أنها حركات احتجاجية بالدرجة الأولى، أي أنها، و بسبب ظروف القمع و التسلط التي مورست ضدها منذ  الاستقلال تدربت و لمدة طويلة على طرق الاحتجاج الاجتماعي والخطاب السياسي الحماسي /الانفعالي حول فساد الأنظمة و استبدادها، لكنها بالمقابل تفتقر إلى الخبرة  في ميادين الإدارة وتسيير الشأن العام، كما أنها غير متواجدة في دواليب الإدارة أو ما أصبح يسمى بـ"الدولة العميقة"، لاسيما ما يتعلق منها بإدارة المرحلة الانتقالية، بالنظر لما  تتطلبه من عمل سياسي هادئ ودءوب نحو توسيع دائرة المشاركة لأكبر قدر من الفعاليات المجتمعية والتيارات السياسية،  بما يحقق التوافق حول القضايا الجوهرية المطروحة .

- تبعثر القوى السياسية و غياب التوافقات الوطنية

أفرزت انتفاضات الربيع العربي خريطة سياسية واسعة و متعددة، تتسم  بغياب التقارب و الانتظام في تكتلات سياسية يجمعها حدٌّ معينٌ من التوافق حول قضايا وسياسات، وتمتد هذه الظاهرة إلى كافة التوجهات السياسية سواء الإسلامية منها أو العلمانية، الأمر الذي يضاعف من تعقيدات المرحلة، و"يزيد من احتمالات الانزلاق  نحو الطائفية و التعصب بدلا من التوافق و الاجماع، فكثير هي الثورات التي فشلت وانحرفت عن مسارها أو أفرغت من مضمونها و تحولت، إلى مواجهات مدمرة، و تقع المسؤولية على النخب الحاكمة الجديدة لضبط الحراك السياسي الاجتماعي لمرحلة ما بعد الثورة".

- الطابع الزبائني لمؤسسات الدولة و أجهزتها الإدارية

ورثت الأحزاب الإسلامية  القادمة إلى السلطة  مؤسسات و أجهزة إدارية من صنع الأنظمة السابقة و على أسس شخصية و زبائنية بحتة، وبالتالي فهي تشكل في الواقع استمرارية لأدوات وأجزاء خطيرة من مكونات النظم السابقة أو ما يصطلح على تسميته بالفلول، و تبرز خطورة هذه الوضعية في عدة أشكال أهمها امتداد الظاهرة إلى مختلف مفاصل الدولة، صعوبة إن لم نقل استحالة معالجتها في ظرف وجيز، واحتمال تعاونها مع القوى المعادية في الداخل والخارج.

- قضايا اجتماعية و اقتصادية حارقة

ردد الإسلاميون و لمدة طويلة شعار (الإسلام هو الحل)، وقد سمح لهم هذا الشعار الواسع جداً بتفادي تقديم مواقف واقتراحات محددة حول قضايا اجتماعية واقتصادية حيوية، لكن ومنذ تسلمهم السلطة، وجد الإسلاميون أنفسهم أمام وضع اجتماعي واقتصادي حارق، فقد اقتصر خطابهم على امتداد سنوات على تقديم وعود واسعة، لكنهم الآن مطالبون  بتجسيد هذه الوعود ميدانياً وبسرعة، وفي هذا الصدد يؤكد جيلبير آشكار (Gilbert Achcar) على "أن الإسلاميين ليس لهم أي حلول بديلة لمشاكل بلدانهم الاجتماعية والاقتصادية...وهم يمارسون رأسمالية متطرفة برهنت على فشلها ومحدوديتها  في ظل الأنظمة الاستبدادية العربية السابقة"، حيث يواجه هذا النموذج  بتركة ثقيلة، وتحديات كبرى وجسيمة داخلية وخارجية منها: "أن اقتصاديات الدول المعنية  تعتمد على الخارج بقوة بسبب المعونات و التبعية للمؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، كما يواجه الإسلاميون تراجعا خطيرا جدا في مؤشرات النمو لاقتصادي وصلت إلى ما دون الصفر في تونس مثلا"، وتدهورت في مصر إلى حافة الإفلاس وشهدت الساحة المغربية احتقانا متزايدًا.

- الاصطفاف السياسي الحاد وغياب الثقة

تشهد الساحة السياسية في بلدان الربيع العربي ولا سيما في مصر وتونس  اصطفافا حاداً يفصل التيارات الإسلامية من جهة والتيارات العلمانية والمدنية عموماً من جهة ثانية، وفي الوقت الذي تتطلب المرحلة وبسرعة العمل على بناء  توافقات وطنية واسعة، يتمحور الجدل السياسي بين الطرفين حول العديد من الاتهامات والاتهامات المضادة، وفي هذا السياق تتلقى التيارات الإسلامية اتهامات قوية بالسعي للتفرد بالسلطة و هيمنة الحزب الحاكم على الدولة  (مصطلحات (أسلمه) الدولة و(أخونة) الدولة كما يقال في مصر)، وبالتالي عودة النظام السابق – يقول المعارضون لهم -  تحت لافتات جديدة. 

القضايا الخلافية للمرحلة الجديدة

تجمع الآراء على اعتبار الإسلاميين قوة سياسية أساسية فاعلة في التحولات التي تشهدها المنطقة العربية عمومًا، و هي القوة التي جرى إقصاؤها وقمعها بشدة لفترة طويلة، وحرمت من الاعتراف الرسمي وحرية التعبير والمشاركة في إدارة الشأن العام.

1-    طبيعة الدولة (دينية / مدنية) ومدى احترام قيم الجمهورية:

يطرح نهوض الإسلاميين الجدد مع الربيع العربي مشاكل جوهرية، تكمن في مدى احترام أسس العقد الاجتماعي والدولة اللذين يمكنانهم من التعبير عن آرائهم والوصول إلى البرلمانات والسلطة التنفيذية، ففي تونس ومصر كما  في غزة و مناطق آخرى، هناك مزج بين شرعية هذه التيارات وبين حقّها في تغيير أسس الديمقراطية والمواطنة، في ظل صمت هذه التيارات حول هذا الالتباس الخطير.

أ-عدم التمييز بين السلطة و الدولة:

اتسم الخطاب الإسلامي الصادر حول العديد من قضايا تسيير الشأن العام بالغموض أحيانا والازدواجية أحيانا أخرى، وفي هذا الإطار عمومًا، يستمر خطاب  الأحزاب الإسلامية القادمة إلى السلطة بعدم التمييز الواضح  بين مفهومي السلطة والدولة، ذلك أن ما هو مخول بممارسته  حسب العملية الديموقراطية هي الأفعال والحقوق المنوطة بالسلطة التنفيذية فحسب، وبالتالي فهي لا تشمل كل ممارسات أجهزة الدولة المختلفة.

ب-السعي لبسط السيطرة على الحقل العام:

الشيء الآخر غير المدرك في الوعي السياسي للتيارات الإسلامية الجديدة، هو التمييز الواجب بين السلطة السياسية في الأجهزة التنفيذية وبين سلطة الهيمنة على الحقل العام.

2- مبدأ التداول على السلطة:

مكنت الانتخابات في مصر وتونس الأحزاب الإسلامية (حركة الإخوان في مصر والنهضة في تونس) من الحصول على حصة كبيرة من الهيئات المنتخبة، وجعلتهم في مواقع السلطة والحكم، لكن هل يخدم هذا الفوز فكرة التعددية والتوافق ويسمح بالتداول السلمي على السلطة؟.

3 - مسألة احترام الحقوق والحريات:

أصبحت مسالة الحقوق والحريات وكيفية تعامل الإسلاميين معها محور انشغال جل الأوساط السياسية والأكاديمية والإعلامية  سواء في البلدان المعنية وفي مقدمتها تونس ومصر أو في بقية البلدان العربية.

تيار الإسلام السياسي لم يعرف كيف يستثمر بعض نجاحات مثيرة حققها في السبعينيات والثمانينيات إلى انتصارات حقيقية عبر العقد الأخير من القرن العشرين، حتى عندما نجح فى الوصول إلى الحكم فى الألفية الثالثة كما حدث فى النموذج المصرى و"نتيجة استئثار الإخوان بالسلطة، تمثلت فى عزل الجماعة نفسها عن الواقع معتقدة أن ضعفها امتداد وجودى لضعف أهل الحق واستهدافهم على مر التاريخ، وتبعاً لذلك كانت عمليتا الأخونة والتمكين بمثابة الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق التاريخى، ولقطع دابر الأشكال نهائيًا، ويعتقد أن الرغبة الجامحة فى تملك السلطة أجبرتهم على تكوين جبهات سياسية على أساس عقيدى وأيديولوجى معًا، فتم استبعاد كل من يختلف معهم من حيث هذه الرؤية الثُنائية".

لذا فقد خرجت الاحتجاجات الشعبية مناهضة للرئيس محمد مرسي يوم  30يونيو/ حزيران ، وما تبعها من خطوة الإطاحة به في الثالث من يوليو/ تموز من العام نفسه، وبينما يعتبر أنصار مرسي الإطاحة به (انقلابًا عسكريًا)، يرى فيه مناهضون له (ثورة شعبية) استجاب لها وزير الدفاع في عهد مرسي، الرئيس المصري الآن عبد الفتاح السيسى، ومع تزايد أعمال العنف في الشارع المصري والعمليات الإرهابية عقب عزل الرئيس "محمد مرسي" من الحكم في الثالث من يوليو 2013، أعلنت الحكومة الانتقالية المصرية في الخامس والعشرين من ديسمبر 2013 الجماعة (تنظيمًا إرهابيًّا)، كما تم حل الجماعة وذراعها السياسي حزب (الحرية والعدالة).

وقد سعت الدولة المصرية -إقليميًا ودوليًا- إلى تصنيف الجماعة (تنظيمًا إرهابيًا) ونجاحًا لتلك المحاولات إقليميا صنفت المملكة العربية السعودية الجماعة (تنظيمًا إرهابيًا) في مارس من عام 2014، وتوعدت بمعاقبة من ينتمي للجماعة، أو يقدم لها يد العون (المادي والمعنوي)، أو يتعاطف معها، وهو الأمر الذي تبنته دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن الموقف الإماراتي لم يكن وليد التصنيف المصري، بل كان منذ بداية بزوغ نجم الجماعة سياسيًّا بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير2011.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟