المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
صفاء محمد محمد
صفاء محمد محمد

أفريقيا والثورة الصناعية الرابعة

الجمعة 06/سبتمبر/2019 - 10:05 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

مع انطلاق لأول مرة المنتدى الاقتصادي العالمي في منطقة جنوب الصحراء بجنوب أفريقيا في سبتمبر 2019، جاءت أهم المحاور لتناقش تحقيق التنمية والنمو الاقتصادي في القارة في ضوء الثورة الصناعية الرابعة. حيث جاء إعلان منتدى الاقتصادي العالمي في عام 2016 عن بزوغ الثورة الصناعية الرابعة لتعبر عن التغير الجذري الذي ستشهده البشرية خلال العقود القادمة. فمن المتوقع مساهمة هذه الثورة في إحداث نقلة نوعية في طبيعة الحياة والعلاقات وطرق التواصل بين البشر، وسيمتد تأثيرها إلى كافة مجالات الحياة من زراعة، صناعة وتجارة وصحة وتعليم وغيرها من المجالات.  وقد تختلف هذه الثورة عن سابقاتها باعتبارها أكثر تعقيداً وذات نطاق أوسع، بالإضافة إلى العوائد المتوقعة الضخمة جراء تطبيق تقنيات هذه الثورة والتكلفة المرتفعة التي قد تترتب جراء استخدام هذه التقنيات.

وقد كشفت هذه الثورة عن الحجم الهائل من التقنيات المتقدمة والتي من شأنها أن تساهم في إحداث هذه التغييرات الجذرية، حيث ظهرت مصطلحات مثل الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، البيانات الضخمة، تعلم الآلة والروبوتات وغيرها من المصطلحات التي أصبحت تعبر عن الوجه الجديد لهذه الثورة. وأصبحت هذه التقنيات مجالاً للتنافس بين الدول لامتلاكها، حيث أدركت الدول ضرورة السعي للاعتماد على هذا النوع الجديد من التكنولوجيا وتطويرها من أجل تحقيق مكانة كبرى على المستويين العالمي والإقليمي، بالإضافة إلى تحقيق الرفاهية والرخاء لشعوبهم.

موقع القارة الأفريقية على خريطة جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي حول العالم

وأثارت ظهور بوادر هذه الثورة المخاوف مجددأ من حدوث فجوة هائلة بين الدول على غرار ما حدث في الثورة الصناعية الأولى والثانية والثالثة. حيث نجحت الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية وبعض الدول الآسيوية من مواكبة هذه المراحل من الثورة وتحقيق التقدم المنشود والسيطرة الاقتصادية على العالم، بينما شهدت الدول الأفريقية عجزاً عن مواكبة هذه المراحل المتقدمة من الثورة، واستمرت معاناة الكثير من الشعوب الأفريقية من الجوع والفقر نتيجة فشل دولهم أن يقوموا بالاستغلال الأمثل لهذه الثورات الصناعية.

وجاءت الثورة الصناعية الرابعة لتنذر الدول الأفريقية من تكرار الأخطاء السابقة. فإذا فشلت دول القارة من الاستفادة القصوى من حجم التقنيات المتقدمة التي يتم استخدامها من أجل إحداث طفرة في عملية التنمية الشاملة، فستكون القارة الأفريقية هي الخاسرة من هذه الثورة الصناعية. يُضاف إلى ما سبق، سيترتب عن عدم إدراك دول القارة لأهمية تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وجود فجوة رقمية بين الدول نتيجة تبني بعض الدول لهذه التقنيات، بينما دول أخرى تتخلف عن مسايرة متطلبات هذا العصر.بل قد يمتد الأمر إلى وجود "فجوة ذكاء" وذلك إشارة إلى مصطلح الذكاء الاصطناعي كما يذكر وزير الاتصالات والمعلومات الكيني.

وفي ضوء ما سبق، صدر تقريراً بعنوان" مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2019، وقدشمل هذا المؤشر 194 دولة من أجل قياس مدى جاهزيتهم لاستخدام الذكاء الاصطناعي. ويتألف هذا المؤشر من 11 مقياس يتم استخدامهم لقياس أربع مجالات أساسية وهم: الحوكمة، البنية التحتية والبيانات، المهارات والتعليم وأخيراً الحكومة والخدمات العامة.

وفي ضوء هذا التقرير، تم التوقع أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستضيف حوالي 15 تريليون دولار للاقتصاد العالمي. ووفقاً لهذا المؤشر، إن حكومات دول الشمال ستكون هي المستفيد الأكبر من مكاسب هذه الثورة مقارنة بدول الجنوب. لذلك دائما تتجدد المخاوف من أن تتخلف دول الجنوب بشكل عام والدول الأفريقية بشكل خاص عن ملاحقة هذه الثورة، بل قد يمتد الأمر إلى زيادة حدة عدم المساواة بين شعوب هذه الدول. وطبقاً للتقرير، تٌعتبر القارة الأفريقية أكثر المناطق غير الجاهزة لتبني الذكاء الاصطناعي، حيث لا توجد دولة أفريقية في أعلى 20 دولة على مستوى العالم في هذا التقرير، على الجانب الآخر، تستمر منطقة أمريكا الشمالية لكونها من أفضل المناطق في هذ التقرير.

وتظهر سلبية مؤشرات القارة الأفريقية  حيث غابت الدول الأفريقية عن المراكز الخمسين الأولى، بينما توجد 12 دولة أفريقية في قائمة أفضل 100 دولة. وجاءت أهم الدول التي احتلت مراكز متقدمة مقارنة ببقية الدول الأفريقية وهم; كينيا، تونس، موريشيوس، جنوب أفريقيا وغانا. وقد لوحظ المرتبة المتقدمة التي احتلتها كينيا على مستوى القارة الأفريقية حيث احتلت المركز الأول، بينما حصلت على المرتبة 52 على مستوى العالم. وجاءت تونس لتحتل المركز الثاني على مستوى القارة الأفريقية ، والمركز 54 على مستوى العالم.

تحديات ضخمة وفرص واعدة أمام القارة الأفريقية

ويٌلاحظ مما سبق استمرارية تأخر القارة الأفريقية لمواكبة هذه التقنيات المتقدمة، خاصة في ظل وجود العديد من التحديات التي تواجه دول القارة لتبني مثل هذه التقنيات من حيث ضرورة وجود بنية تحتية متقدمة، إطار تنظيمي وقانوني ملائم لهذه البيئة الجديدة، بالإضافة إلى وجود المهارات والتعليم اللازم من أجل تخريج شباب قادر على التعامل بكفاءة مع هذه التقنيات الحديثة. ومع ذلك توجد العديد من النقاط المضيئة لإدراك العديد من القادة بالمنطقة الأفريقية أهمية تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرهم من أجل اللحاق بركب التنمية.

حيث شهدت العديد من الدول عدد من التطورات على مدار العام الماضي تعكس الاهتمام المتنامي بمجال الذكاء الاصطناعي في الكثير من المناطق بالقارة. حيث انتشرت العديد من مختبرات ومراكز البحوث المحلية  المعنية بمجال الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء أفريقيا ، حيث أعلنت شركة جوجل في يونيو 2018 عن اعتزامها بافتتاح أول مركز بحثي للذكاء الاصطناعي في أكرا بغانا. أيضاً، شهدت رواندا أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي وذلك من خلال تطويرها طائرات ذاتية القيادة لاستخدامها في مجالات هامة مثل توصيل المستلزمات الطبية والأدوية إلى مناطق أخرى.

سيظل القرار الأخير حول مدى اللحاق بهذه الثورة من عدمه في أيدي قادة الدول الأفريقية وشعوبهم فقط. فإما أن تستمر القارة الأفريقية مجرد مستهلكة للتقنيات دون وجود نهضة أو تنمية حقيقية تساعد دولها على مواجهة التحديات المختلفة، أو تسعى دول القارة  لامتلاك القدرة على تطوير هذه التقنيات الحديثة لمساعدة أنفسهم لتحقيق انطلاقة تجعل دول القارة في مصاف الدول المتقدمة. لذلك ستظل هناك فرصة حقيقية أمام أفريقيا من أجل سد الفجوة التنموية بينها وبين بقية العالم وذلك من خلال تمكين الشباب واحتضان القدرة على التغيير وتقبل التغيرات الجذرية التي يشهدها العالم. فمن الضروري أن  يتكاتف كافة الأطراف من القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني وذلك لتطوير رؤية شاملة من أجل مواكبة متطلبات هذه الثورة ومحاولة جني الثمار  بما يفيد الشعوب والأمم. 

 

الهوامش

1-Aan Adeoye, ”Google has opened its first Africa Artificial intelligence lab in Ghana”, CNN, April 16, 2019, available at: https://edition.cnn.com/2019/04/14/africa/google-ai-center-accra-intl/index.html

(Accessed on August 2,2019)

2- “Government Artificial intelligence Readiness Index”, Canada’s International Development Research Centre & Oxford Insights,  2019

3-Iraki, X. N. "The Fourth Industrial Revolution is Africa's to Lose." Journal of Future Studies, 2018, available at: https://jfsdigital.org/articles-and-essays/2018-2/the-fourth-industrial-revolution-is-africas-to-lose/(Accessed on August 8, 2019)

4-“Inside Kenya’s silent tech revolution”, African Business Magazine, December 9, 2015, available at: https://africanbusinessmagazine.com/sectors/technology/kenyas-silent-tech-revolution/# (Accessed on August 3, 2019)

5-“Shaping Inclusive Growth and Shared Futures in the Fourth Industrial revolution”, World Economic Forum, available at: https://www.weforum.org/events/world-economic-forum-on-africa-2019 (Accessed on August 1, 2019)

6-” Using tech to leapfrog Kenya’s development challenges: H.E. Joseph Mucheru”, ITU News, November 6, 2018, available at: https://news.itu.int/leapfrogging-development-technology-kenya-joseph-mucheru/(Accessed on August 8, 2019).

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟