المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
شروق إبراهيم أصلان
شروق إبراهيم أصلان

ملاحظات وتوازنات .. قراءة في الهجوم التركي على سوريا

الثلاثاء 05/نوفمبر/2019 - 10:13 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

يحاول حزب العدالة والتنمية في تركيا التوسع بصور كثيرة وكان آخرها هجومها على شمال شرق سوريا حيث تعتقد تركيا أن المكاسب التي حققها الأكراد السوريين سوف تشجعهم على إقامة ولاية صغيرة تابعة لحزب العمل الكردستاني على حدودها وهي ترفض ذلك بشدة لذلك فهي تحاول تأمين شريط بعمق 32 كيلومترًا وطول 480 كيلومترًا داخل سوريا على طول الحدود لحماية أمنها, فهي تحاول توطين ما يصل إلى مليونين من اللاجئين السوريين, ولكن على الرغم من تلك التوسعات التي يقوم بها الرئيس التركي " رجب طيب أردوغان" التي تم وصفها من قبل البعض بجنون العظمة نتيجة لما حدث في شمال شرق سوريا إلا أن العديد من رجال هذا الحزب قاموا بتقديم إستقالتهم بسبب ما يقوم به "أردوغان" وسياسته التوسعية. ويعتبر من أهم الإستقالات رئيس الوزراء الأسبق "أحمد داود أوغلو" ورئيس الإقتصاد الأسبق " علي باباجات" وادى ذلك إلى توالي الإستقالات(1).

تزعم تركيا بأن ما قامت به في شمال شرق سوريا وقيامها بعمليات عسكرية فيها في إطار عملية " نبع السلام" كان من أجل تطهير المنطقة من التنظيمات الإرهابية وأهمها "وحدات حماية الشعب الكردية" التي تعتبرها إمتداد لحزب "العمال الكردستاني" الذي يشن هجمات عسكرية مسلحة منذ ثلاثة عقود في جنوب شرق تركيا,  وقد أكد على ذلك وكيل رئيس حزب العدالة والتنمية "قورتولموش", ويعتبر الهجوم التركي على شمال شرق سوريا أطماع تركية قديمة تهدد مستقبل الأكراد فقد قامت تركيا بالتوغل في وقت سابق بالتدخل في شمال سوريا مرتين في عام 2016 وفي عام 2018 التي أطلق عليها عملية "غصن الزيتون". العملية الأولى التي أطلق عليها " درع الفرات" من أجل القضاء على تنظيم داعش ومواجهة وحدات حماية الشعب الكردية, وبالتالي فقد كان هناك وجود لتركيا في هذه المنطقة فقد قامت بإنشاء المدارس وتدريس اللغة التركية بها وإنشاء المستشفيات بها قبل ذلك, وتقوم تركيا بالتخطيط من أجل شن هذه الهجمات المتكررة مع مجموعة من حلفائها المتمردين في سوريا(2).

 كانت الولايات المتحدة الأمريكية دائما تقدم المساعدات لقوات سوريا الديمقراطية وكان ذلك يؤدي إلى توتر تركيا, وقد توصلا كل من الولايات المتحدة وتركيا إلى إقامة منطقة امنه تمتد 20 ميلا في شمال شرق سوريا وطالبت تركيا بسحب المقاتلين الأكراد التي تعتبرهم إرهابين من هذ المنطقة الامنة, ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلتزم بتعدتها تجاه سوريا وقامت بسحب قواتها من منطقة شمال شرق سوريا القريبة من الحدود التركية في الوقت التي كانت تستعد فيه تركيا لشن الهجمات العسكرية. وبالتالي أصبح الطريق ممهدا أمام القوات التركية لتنفيذ عملياتها ضد قوات سوريا الديمقراطية, ويعد هذا الضوء الأخضر الذي أعطاه الرئيس الأمريكي "رونالد ترامب" لتركيا, لكن قوات سوريا الديمقراطية أكدت بأنها تتصدى للقوات التركية مهما كان الثمن وأنها تمتلك ما يقدر ب60 الف مقاتل, وقالت أن إنشغالها بالهجوم التركي سوف يؤدي إلى خروج حوالي 11 ألف داعشي من السجون السورية.

 لقد صرح وزير الدفاع الأمريكي " مارك إسبر" بأن سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا نتيجة لعدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التدخل في صراع  اخر في منطقة الشرق الأوسط يعود إلى حوالى 200 عام بين الأتراك والأكراد, وهذا الوضع لا يمكن الدفاع عنه(3).  

لم يعد أمام قوات سوريا الديمقراطية سوى نظام بشار الأسد وحليفته روسيا للتحالف لمواجهة الهجوم التركي بعد إنسحاب قوات الولايات المتحدة الأمريكية, ونتيجة لطلب المقاتلين الأكراد المساعدة من الأسد والقوات الروسية في المدن المتواجدين بها فقد أدي ذلك إلى قلق "أردوغان" وأنه لابد من المناقشة مع روسيا بشأن المنطقة الامنه التي حددها. وقد إستغل نظام " بشار الأسد" الهجوم التركي وإحتياج قوات سوريا الديمقراطية لهم من محاولة إعادة السيطره على الأراضي التي خرجوا منها من قبل. ونتيجة لمصالح روسيا المتعلقة مع سوريا وتركيا فإنها كانت تحاول أن تقوم بعمل مناقشات بين الأطراف الثلاثة وهي سوريا والأكراد وتركيا.

تدور التساؤلات الرئيسية حول وضع تنظيم الدولة الإسلامية, حيث تعتبر قوات سوريا الديمقراطية هي الأساس في مواجهة هذا التنظيم من خلال مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية فقد ساعدتها في إسترداد الكثير من الأراضي السورية ومنها مدينة الرقة العاصمة الفعلية لدولة الخلافة التي أعلنها التنظيم, وتؤكد قوات سوريا الديمقراطية بأن الهجوم التركي ساهم في تنشيط خلايا نائمة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وحدوث إضطرابات في السجون والمخيمات. وبالنسبة لإيران خليفة نظام الأسد فمن المتوقع أن تستفاد من التدخل في شمال شرق سوريا(4).

 تعتبر تركيا في عهد " أردوغان"  من أكثر الدول الصانعة للإرهاب ويوجد تحالف قوي بينها وبين "داعش", ولذلك يعتبر مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابى "أبو بكر البغدادى" خسارة كبيرة لتركيا الذي فجر نفسه بحزام ناسف بعد فشله في الهروب من حصار القوات الأمريكية لمكان إقامته في سوريا, وبعد مقتل "البغدادي" أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أنها ستقوم بإتخاذ إجراءات أمنية في سوريا خوفا من رد الجماعة الإرهابية على مقتل زعيمهم, وقد أكدت العراق على مقتل زعيمهم وعدد من قيادات التنظيم في "إدلب" السورية. كما أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية عن مقتل زعيم تنظيم "داعش" في عملية عسكرية نفذتها القوات الأمريكية الخاصة في 27 أكتوبر2019(5). 

من خلال ما سبق, يبدو أن هناك موقفين بشأن ما حدث من الهجوم التركي على سوريا, الموقف الأول: وهو أنه يوجد إتفاق بين كل من روسيا وتركيا وسوريا" نظام الأسد" والولايات المتحدة الأمريكية هدفه تحجيم دور الأكراد في منطقة شمال شرق سوريا نتيجة لتطلعهم لقيام ولاية مستقلة, والموقف الثاني: هو أن الولايات المتحدة تفعل مع " أردوغان" كما فعلت من قبل مع "صدام حسين" في العراق عندما دفعته لغزو الكويت ونتيجة لذلك قامت بسحب قواتها من سوريا. وإذا كان الموقف الثاني هو الصحيح فإن ما يعتبره "أردوغان" في الوقت الحالي مكسب له من خلال إتفاق المنطقة الامنة التي كان يريدها فإنه يعتبر خسارة له بعد ذلك إذا لم ينسحب الأكراد من المنطقة الامنه. وبالتالي فإن العلاقات التركية السورية على مر الزمن تمثل إشكالية على الصعيد الإقليمي والدولي وهي ظاهرة تاريخية وتطورية.

أدان المجمتع الدولي بأكمله ما قامت به تركيا في شمال شرق سوريا وكان لمعظم الدول موقف مما حدث, فقد أكد وزير خارجية النمسا أن هذا العدوان يزعزع الأمن والإستقرار في المنطقة بأكملها, وأدان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الغزو التركي وعرض المساعدة  على الأكراد, ورفض وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" العملية الأحادية التي أطلقتها تركيا في سوريا, كما هدد الرئيس الأمريكي بتدمير الإقتصاد التركي إذا إستمر ذلك الوضع, كما تم التأكيد على إتخاذ موقف واضح من قبل وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي ضد العدوان التركي, وكذلك الأمين العام لحلف شمال الأطلسي, والإمارات والسعودية وأكدت مصر على أن ما فعلته تركيا يتنافى مع القانون الدولي, لكن قطر إمتنعت عن إدانة الغزو التركي لسوريا.

الهوامش

(1)محمود العمري, حزب أردوغان ينهار.. استقالة جديدة بصفوف "العدالة والتنمية" بسبب سياسة القمع, "اليوم السابع", تاريخ الدخول: 14/10/2019, متاحعلى الرابط التالي: https://www.youm7.com/story/2019/10/27/حزب-أردوغان-ينهار-استقالة-جديدة-بصفوف-العدالة-والتنمية-بسبب-سياسة/4476368

(2)وسائل إعلام تركيا, حزب أردوغان: ندخل حربا إلى سوريا وسنخرج منها منتصرين, "أخبار العالم العربي" تاريخ الدخول على الرابط: 18/10/2019, متاح على الرابط التالي: https://arabic.rt.com/middle_east/1049973-حزب-أردوغان-ندخل-حربا-سوريا-سنخرج-منها-منتصرة

(3)(د ب أ), إسبر: ترامب أمر بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا, "جريدة الشروق", تاريخ الدخول على الرابط: 17/10/2019, متاح على الرابط التالي: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=13102019&id=8ee25387-8400-4644-b776-b0099f7e4f85  

(4) رويترز, حسابات الربح والخسارة: بوتين يدير الخيوط في سوريا والأكراد أكبر الخاسرين, تحليل سياسي, تاريخ الدخول على الرابط: 14/10/2019, متاح على الرابط التالي: https://ar.qantara.de/content/تحليل-سياسي-لتداعيات-العملية-التركية-حسابات-الربح-والخسارة-بوتين-يدير-الخيوط-في-سوريا

(5) قدري عبدالله, قط ب7 أرواح..كم مره قتل فيها أبو بكر البغدادي؟, "جريدة الشروق", تاريخ الدخول على الرابط 27/10/2019, متاح على الرابط التالي:

  https://www.shorouknews.com/news/view.aspx

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟