المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريم عبد المجيد
ريم عبد المجيد

الولايات المتحدة الأمريكية ومسألة تمويل الأمم المتحدة

الجمعة 15/نوفمبر/2019 - 04:25 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

الأمم المتحدة هي المنظمة الأولى في العالم المعنيةبحفظ السلام ومنع نشوب الصراعات رغبة في تفادي ويلات الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن عملها يشمل أكثر من تلك المهام. فهي تضم عشرات الكيانات المتخصصة في مجالات عديدة تشمل التنمية الاقتصادية والثقافية والإنسانية، والبيئة، وحقوق الإنسان، ...الخ. هذه المهام يهدد استمرار أداءها الأزمة المالية التي أعلن عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس واصفًا إياها قائلًا "إنها أسوأ أزمة نقدية تواجه الأمم المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمان". (1)

مصادر تمويل الأمم المتحدة

تعتمد الأمم المتحدة على نوعين من مصادر التمويل؛ الأول المساهمات الإلزامية والأخرى المساهمات الطوعية. فيما يتعلق بالأولى فيتم تحصيلها من قبل الأعضاء بالمنظمة كشرط للعضوية، ويختلف المبلغ المالي الذي يجب أن يدفعه كل عضو حسب والذي يتم تحديده بناءً على إجمالي الدخل القومي والسكان. تساعد هذه المساهمات الإلزامية على تمويل الميزانية العادية للأمم المتحدة، والتي تغطي النفقات الإدارية وعدد قليل من برامجها وهيئاتها، بالإضافة إلى عمليات حفظ السلام. أما المساهمات الطوعية فيقدمها الأعضاء كمساعدة منهم للأمم المتحدة، حيث يعتمد الكثير من منظمات الأمم المتحدة بشكل أساسي على هذه المساهمات مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي.

مظاهر الأزمة

تعاني الأمم المتحدة من عجز مالي يهدد استمرارها واستمرار أنشطتها وأداء مهامها بلغ أكثر من 230 مليون دولار، فحتى نهاية شهر سبتمبر عام 2019 تم سداد 70% فقط من إجمالي المساهمات، وحتى 8 أكتوبر من نفس العام دفعت الدول الأعضاء 1.99 مليار دولار فقط، أي ما زال هناك مبلغًا مستحقًا يبلغ حوالي 1.3 مليار دولار لهذا العام.(2)

 جدير بالذكر أن الأزمة المالية ليست جديدة، ففي عدة سنوات مضت عانت الأمم المتحدة من عجز مالي بسبب تأخر الدول الأعضاء في دفع ما تدين به للمنظمة. فقد بلغ في عام 2018 عجز الميزانية حوالي 139 مليون دولار. وبرغم هذا، تعد هذه الأزمة تعد أكثر خطورة من سابقاتها نظرًا لأنها عرضت الأممم المتحدة لخطر استنفاد احتياطياتها من السيولة بحلول نهاية شهر أكتوبر لعام 2019 بما يجعلها عاجزة عن سداد مدفوعات الموظفين. فضلًا عن ارتفاع احتمال تفاقم العجز إن لم تتخذ الأمم المتحدة إجراءات تخفيض الإنفاق، فقد أشار غوتيريس إلى أن العجز سيصل إلى 600 مليون دولار. (3)

وفي سبيل تقليل النفقات لمنع ازدياد العجز، اُقترح تأجيل المؤتمرات والاجتماعات، وخفض الخدمات، إلغاء الأنشطة غير الضرورية. كما اقترح الاقتراض من الاحتياطات المخصصة لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام من أجل تلبية الاحتياجات العاجلة بما يعني الدخول في نوفمبر 2019 دون توافر مبالغ نقدية كافية لتغطية مرتبات الموظفين بجانب التأثير ليس فقط على العمليات في المراكز الرئيسية للأمم المتحدة في نيويورك وجينيف وفيينا ونيروبي بل أيضًا على اللجان الإقليمية، بالإضافة إلى تعطل حفظ السلام.

الولايات المتحدة المساهم الأكبر في الأزمة

إن السبب العجز المالي الذي تعاني منه الأمم المتحدة يتجسد بشكل أساسي في تأخر الكثير من الدول الأعضاء عن دفع مساهماتها للمنظمة. ورغم عدم الإعلان عن هذه الدول حتى الآن إلا أن بعض المصادر أشارت إلى عددهم 64 دولة منهم: الولايات المتحدة، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، فنزويلا، كوريا الشمالية، كوريا الجنوبية. (4) ويعد هذا التقاعس عن الدفع انتهاكًا من قبل تلك الدول للمادة 17 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على تحمل الأعضاء مصروفات المنظمة كما تقسمها الجمعية العامة.

وتتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الأزمة الولايات المتحدة الأمريكية التي ولا تزال ممولًا رئيسيًا للأمم المتحدة حيث تبلغ حصتها من الميزانية 22%، فضلًا عن أن 40% من تكاليف تشغيل المنظمة تتحملها واشنطن. وقد ساهمت بأكثر من 10 مليار دولار في عام 2017 –وهي آخر سنة مالية تتوافر فيها بيانات كاملة- 7 مليار دولار من هذا المجموع هي مساهمة طوعية منها. ويمثل هذا المبلغ خمس ما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية على المساعدات الخارجية.

ومع إثارة الرئيس دونالد ترامب تساؤلات استنكارية –تعكس بشكل كبير توجهه الانسحابي من المنظمات الدولية والتنصل من الالتزامات تجاهها- حول حصة الولايات المتحدة الأمريكية في الميزانية كونها لا تعود النفع عليها مطالبًا إلغاءها. ففي مقترح الميزانية لعام 2018 طلب الرئيس ترامب خفض أكثر من نصف التمويل الأمريكي لبرامج الأمم المتحدة وإلغاء تمويل بعضها مثل برامج تغير المناخ. وقد أفضى هذا المقترح إلى تخفيض مساهماتها في عمليات حفظ السلام التابعة للأمن المتحدة بما قلل المساهمات الأمريكية من 28 إلى 25% من ميزانية إدارة عمليات حفظ السلام. كما أعلنت إدارة ترامب وقف مساهمات الولايات المتحدة الأمريكية في المساعدات الإنسانية لوكالة وكالة الأمم المتحدة لللاجئين الفلسطينيين، الأونروا، بدعوى أنها وكالة فاسدة وغير فعالة ولا تساعد في حفظ السلام، جاء ذلك على الرغم من تهديد الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم للاجئين. وقال في خطاب له أمام الجمعية العامة عام 2018 "إن الولايات المتحدة ملتزمة بجعل الأمم المتحدة أكثر فعالية فقط عندما يقوم كل واحد منا بدورنا ويسهم فيها بنصيبنا".

وفي مقترح الرئيس ترامب للميزانية لعام 2019 قام مرة أخرى بوضع حدًا للعديد من هيئات وبرامج الأمم المتحدة، مما خفض مساهمات المساعدات الخارجية ووضع حدًا لمدفوعات الولايات المتحدة الطوعية. لم يتوقف الأمر عند حد تخفيض مساهماتها، بل أعربت الإدارة الأمريكية عن تخفيض وإلغاء المساعدات للدول الأعضاء التي تصوت ضد المصالح الأمريكية في الأمم المتحدة. (5)

ولكون الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة عن جزء كبير من ميزانيات الكثير من هيئات الأمم المتحدة لذلك بالنسبة لتلك الهيئات وخاصة التي تعتمد على التمويل الطوعي ستكون التخفيضات في المساهمات الأمريكية ذات انعكاس سلبي عليها. على سبيل المثال، قالت وكالة الأونروا، التي كانت تعتمد في السابق على الولايات المتحدة لنحو ثلث ميزانيتها، إنها ستضطر إلى إلغاء 250 وظيفة في عام 2018 بعد أن ألغت إدارة ترامب أكثر من 300 مليون دولار من التمويل. وفي خطاب أُلقي في سبتمبر 2018، حذر أكثر من ثلاثين من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الإدارة من أن التخفيضات قد تمنع 140000 شخص من الحصول على مساعدات غذائية وأكثر من 70000 شخص من الحصول على المياه النظيفة، على الرغم من أن المانحين الأوروبيين والخليجيين ساعدوا في تعويض جزء من العجز.

ختامًا، يمكن القول إن تلك العجز المالي-غير المسبوق- الذي تشهده الأمم المتحدة من شأنه حال استمراره وقت طويل أن يؤدي إلى التأثير سلبًا على فعالية دور الأمم المتحدة في حل الأزمات الدولية والإقليمية التي تؤثر على سلام وأمن المجتمع الدولي مثل الغزو التركي لسوريا، النشاط الإيراني في منطقة الخليج، الصراعات والحروب الأهلية في ليبيا واليمن على سبيل المثال، والأزمات الإنسانية مثل الهجرة، الأقليات، المناخ، الإرهاب، وغيرها من التهديدات التي تواجه العالم، ومن ثم يجعلها عاجزة عن تحقيق الأهداف التي أنشأت من أجلها وبالتبعية إلغاء مبرر استمرارها.

الهوامش

[1] "Uncooperative Member States & Debt Defaults: Why the UN is Scrambling to Pay its Staff", News 18, 9 October 2019, available at: https://bit.ly/32vjLEw.

[1] UN, "Work and reforms of the UN ‘at risk’, Guterres warns Member States, amidst ‘record-level’ cash crisis", 8 October 2019, available at: https://bit.ly/2P0zrMv.

[1] Mattha Busby, "UN is running out of money and member states should pay what they owe, warns secretary-general", Independent, 27 July 2018, available at: https://bit.ly/32kOGn0.

[1] "Uncooperative Member States & Debt Defaults: Why the UN is Scrambling to Pay its Staff", Ibid.

[1] Laura Hillard and Amanda Shendruk, "Funding the United Nations: What Impact Do U.S. Contributions Have on UN Agencies and Programs?", CFR, 2 April 2019, available on: https://on.cfr.org/2fFXOMK.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟