المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

مآلات التوظيف .. داعش في استراتيجية تركيا الخارجية

الإثنين 18/نوفمبر/2019 - 06:31 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تحتل قضية العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش الإرهابي مكانة بارزة في العلاقات الدولية كأحد أنماط العلاقات بين الدول ككيان ذات سيادة من جانب وأحد الفاعلين دون مستوى الدول من جانب آخر، خاصة أن هذا النمط من العلاقات أضحى سمة رئيسية في العلاقات الدولية كأحد الآليات غير المشروعة التي تستخدمها الدول في تحقيق أهدافها الخارجية، ولعل العلاقة بين الجانبين أبرزت حالة من التداخل بين الاستراتيجيات الكبرى الدولية الهادفة إلى مكافحة هذه الجماعات وبين التوظيف الخارجي من جانب بعض الدول التي تتقاطع مصالحها من توظيف مثل هذه التنظيمات وبين أهداف السياسة الخارجية التركية على سبيل المثال كأحد الدول التي تتجه بسياساتها الخارجية نحو الاستفادة القصوى من هذه التنظيمات كوسيلة للضغط على بعض الدول لتنفيذ أهدافها، أو لتحقيق منافع اقتصادية خاصة بالدولة نفسها، ولعل هذا النمط من العلاقات ليس بجديد عن الدولة التركية؛ فأنقرة تدعم العديد من الجماعات التي تعدها دولها الأم منظمات إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تحظى باعتراف إقليمي بالتطرف ونواة الفكر المتشدد في الكثير من مناطق العالم.

حدود التعاون والخلاف

بعدما أعلنت تركيا في 11 نوفمبر 2019 ترحيل عدد من المنتمين إلى تنظيم داعش إلى الدول الأم، برزت إلى المقدمة مجددًا إشكالية العودة لهؤلاء الأشخاص خاصة وأن هناك حالة من الرفض الأوروبي وبعد التحفظات الأمريكية حول عودتهم، وأن هناك دولًا غربية قد انتقدت استعادة مواطنيها، وبدأت هذه الإشكالية تتفاعل وسط قلق دولي في كيفية التعاطي مع هذه القضية المحورية. بالنسبة لتركيا فقد انتقدت الدول الأوروبية لرفضهم القبول باستقبال مواطنيهم الذين انضموا إلى التنظيم المتطرف وحذرت من أنها ستعيد المتشددين الأسرى إلى بلادهم حتى لو تم حرمانهم من جنسياتهم، خاصة بعدما أعلن وزير الداخلية التركي "سليمان صويلو"بأن تركيا تعتقل قرابة 1200 من عناصر تنظيم "داعش" الأجانب، وبأنها قبضت على 287 خلال عمليتها الأخيرة في شمال سوريا.

الجدير بالذكر أن تركيا تمتلك تاريخ ممتد من العلاقة مع التنظيم منذ اللحظات الأولى لوجوده، ويؤكد ذلك العديد من الشواهد؛ فتركيا لم تنضم للتحالف الدولي لمحاربة التنظيم، بل إنها كانت تستخدم التنظيم في تحقيق نجاحات ميدانية في مواجهة الأكراد، وعليه سمحت أنقرة بعبور المقاتلين في صفوف التنظيم من وإلى سوريا عبر حدودها، إضافة إلى التعاون مع التنظيم في تهريب النفط، والموقف السلبي من المعارك في كوباني من خلال مواجهة الأكراد من خلال التنسيق بينهما، ومؤخرًا خلال العملية العسكرية التركية في الشمال السوري قصفت تركيا سجن جركين، الذي يضم عناصر من تنظيم داعش في محاولة لإحياء التنظيم للتأثير في المعادلة الداخلية السورية خاصة بعدما تعرضت

كما أن هذا التوجه الخارجي التركي القائم على دعم الجماعات المتطرفة بدأ يتجه نحو انتهاج ازدواجية في المعايير فبعد أن استنفذت مصالحها مع تنظيم داعش في المنطقة، امتد الأمر للتعاون مع الجانب الأمريكي في العملية العسكرية التي أفضت إلى مقتل البغدادي في إدلب، تحديدًا قرية باريشا، على بعد 5 كم من الحدود التركية وتأتي أهمية ذلك في تفسير الازدواجية التركية في التعامل مع التنظيم يمكن الإشارة إلى إن المنطقة التي قُتل بداخلها البغدادي تخضع للنفوذ الأساسي لتركيا.

بالنسبة للتنظيم فقد كان هو الآخر يتعامل بصورة براجماتية مع الأهداف التركية في المنطقة وذلك بعدما استغل التنظيم الجانب التركي لتهريب النفط الذي يستحوذ عليه وبيعه، وكذلك عبور الأفراد التابعين له من وإلى المناطق التي يسيطر عليها عبر الحدود التركية، وفي مرحلة أخرى انعكس الأمر إلى دخول لتركيا في دائرة عمل التنظيم بداية بإعلان البغدادي في 29 أبريل 2019، عن إقامة ولاية له في تركيا بصورة رسمية، ومن قبل شهدت العلاقات بينهما مرحلة من التوترات منذ عام 2015، وتطورت في عام 2016.وهذه الشواهد تعزز أهمية المتغير المتعلق بمبدأ التنسيق والتعاون في ملفات دون التطرق لمسار علاقات على مستوى أكبر، ومن زاوية مغايرة فإن توقيت وموقع تنفيذ العملية يحمل دلالات على تورط النظام التركي في دعم التنظيم وأن داعش انتشرت وترعرعت بدعم كامل من الرئيس التركي أردوغان ومن تركيا، وإن كانت الآن تشهد العلاقة بينهما توترات عدة.

امتداد التوظيف

إن المتتبع للسياسة الخارجية التركية يلاحظ العديد من التوجهات التي تتباين فيها ملامح السياسة الخارجية صعودًا وهبوطًا، مثل ملف اللاجئين وملف العلاقة مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة؛ حيث تستخدم تركيا هذين الملفين للتأثير في مجريات الأحداث الإقليمية والدولية، سواء كل ملف بصورة منفردة أو بصورة جامعة لكلاهما، وهناك العديد من المؤشرات الخاصة بذلك، ففي 5 سبتمبر 2019 صرح الرئيس التركي أردوغان باتجاه بلاده نحو السماح بفتح الأبواب أمام اللاجئين للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي في حال عدم تقديم الدعم المالي اللازم لها، وتوعد الرئيس التركي بفتح أبواب بلاده أمام اللاجئين وخاصة السوريين المتواجدين في تركيا ومن أرسلتهم إلى سوريا للتوجه إلى الدول الأوروبية، في حال لم يقدم الاتحاد الأوروبي المساعدة الضرورية لأنقرة في ظل العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية التي أضحت تعيشها تركيا، متهمًا الاتحاد الأوروبي بعدم الوفاء بصورة كاملة بوعده بشأن المساعدات المالية، لكن الاتحاد الأوروبي نفى هذه الاتهامات.

وفي نفس السياق فإن ما أعلنته تركيا عن إرسال المنتمين للتنظيم المتشدد إلى الدول الأوروبية يأتي في ظل استراتيجية تركيا للضغط على الدول الإقليمية والدولية خاصة بعدما تعرضت لانتقادات عدة حول عمليتها العسكرية الأخيرة في منطقة الشمال السوري، وإمكانية فرض عقوبات بدأت بوقف توريد الأسلحة من الدول الأوروبية مرورًا باتخاذ إجراءات لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على أنقرة بفعل هذه السلوكيات.

وتأسيسًا على ذلك فإن الرئيس أردوغان يتبنى سياسة قائمة على الضغط على الدول الغربية، وتوظيف كافة الأوراق ذات الصلة بالأمن الأوروبي لتمرير أهدافه وسياساته، ولعل عملية إرسال 7 من المنتمين إلى التنظيم (أمريكي و 6 ألمان) إلى دولهم بمثابة الخطوة الأولى في طريق الضغط وذلك من خلال توازن التهديد التي يعتمدها أردوغان؛ فالدول الأوروبية تتخوف من مصير المقاتلين الدواعش المتواجدين لدى تركيا، كما عارضت العملية العسكرية ضد الأكراد في الشمال السوري انطلاقًا من هذا الأمر وإن كان يحمل عدة أهداف أخرى لتقديم الدعم ولكن في هذا الشأن يمكن التركيز على أن هناك توجس أوروبي من أن يستخدم أردوغان هذا الملف لتهديد الأمن الأوروبي لصالح تحقيق بعض المصالح الخاصة به في ظل السجل الحافل بالتوترات التي تشهدها العلاقات بينهما.

إضافة لذلك فإن علمية إرسال الأفراد المنتمين لداعش بأعداد صغيرة إلى أوروبا من المحتمل أن يكون موضع اختبار للدول الغربية، ومحاولة من جانب أنقرة لتفسيخ السياسات الأوروبية المشتركة وبث الرعب داخل تلك المجتمعات، خاصة وإن كان أردوغان يدرك أن هذه القضية محل جدل وخلاف كبير داخل المجتمعات الأوروبية، وتثير مخاوف الغرب من عودة أولئك الجهاديين الذين سيشكلون خطورة على أمن الدول والمجتمعات الأوروبية وسلامتها، ومن ثم فمن المحتمل أنه سيلجأ إلى المزيد من التصعيد والاستمرار بالضغط لحين الموافقة على السياسات التركية أو استخدامهم لاحقًا حين تقتضي الحاجة أو الضرورة.

بين الازدواجية والانتقائية

تتعامل تركيا مع الأعضاء المنضمين لداعش بصورة انتقائية، فهناك أولوية لدى أنقرة إلى التركيز على الأفراد الذين يحملون الجنسيات الأوروبية،  وإبقاء من يحملون جنسيات أخرى لديها في المرحلة الراهنة، وذلك لحين الحاجة لاستخدام ورقتهم، أو استخدامهم في مساومات أخرى، ال

وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى التباين الواضح في توجهات تركيا فبعد أن كانت في السابق تمثل معبرًا للجهاديين المنضمين للتنظيم المتطرف، أضحت الآن تستخدمهم في تحقيق نجاحات في علاقاتها مع الدول الغربية من خلال ترويع الأوروبيين، وعدم إفساح أي مجال أمامهم للتردد في الاستجابة للمطالب التركية التي تستخدم تهديدات مباشرة لأمنها لتحقيق مصالحها.

إن العلاقات التركية – الأوروبية تشهد توترات عدة الأمر الذي شكل بصورة واضحة هذا المتغير التبايني في سياسة تركيا الخارجية إذ شكلت العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية على تركيا ورقة الضغط على سياسة أردوغان في حين شكل ملف المقاتلين الدواعش وملف اللاجئين يظلون أدواتها وأسلحتها للضغط عليهم، وتقوم باستخدامهم للحصول على امتيازات ومكتسبات سياسية واقتصادية، ولا يقبل منهم التهديد والتنديد والضغط في الملفات الشائكة العالقة بينهم، فبعد أن هدد أوروبا بإرسال اللاجئين وفتح الحدود أمامهم للعبور، هدد أيضًا بإرسال الدواعش إلى أوروبا في ظل استمرار تركيا لانتهاج هذه السياسة.

ومن زاوية أخرى فيمكن إرجاء إعادة ظهور هذا الملف مجددًا إلى العملية العسكرية التركية في مناطق الشمال السوري في 9 أكتوبر 2019، والتي يتمركز داخلها الأكراد ويشكلون حصن الأمان بالنسبة للدول الأوروبية فيما يتعلق بالسجون المكتظة بالدواعش، ومن ثم فإن الانتقادات الأوروبية إلى أنقرة  بالتطهير العرقي وتورط مسلحين تابعين لها بارتكاب مجازر ضد المدنيين العزل، دفعت الجانب التركي إلى إعادة التهديد بملف المجاهدين الدواعش، ويحاول أردوغان من خلال ذلك الضغط على الأوروبيين للموافقة على المنطقة الآمنة على الحدود التركية – السورية.

ختامًا: تتضح من خلال المؤشرات السابقة بأن هناك حالة من الاستمرار من جانب تركيا على التعامل مع الجانب الأوروبي والدول الغربية بصورة عامة من خلال توظيف ملف اللاجئين والعائدون من داعش للضغط على سياسة أوروبا الموحدة في مواجهة حالة الضغوط التي تتعرض لها أنقرة، خاصة تلك الأخيرة الأشد وطأة.

المراجع

1) تركيا و"داعش".. علاقة يفضحها الأسرى والنفط، على الرابط: https://cutt.us/Mk3Rw

2) دواعش أردوغان لإعادة التصدير، على الرابط: https://ahvalnews.com/ar/dwash-ardwghan-laadt-altsdyr/dash-wtrkya

3) تركيا و«داعش»... رعاية رسمية للإرهاب، على الرابط: https://cutt.us/t5tHf

4) أميركي و 7 ألمان، تركيا تُعلن بدء ترحيل أسرى داعش، على الرابط: https://ahvalnews.com/ar/amyrky-w-7-alman-trkya-tuln-bd-trhyl-asry-dash/arhab

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟