المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

داعش وجبهة النصرة .. أنماط تفاعل الجمهور مع إعلام التنظيمات الإرهابية (1-2)

الخميس 21/نوفمبر/2019 - 06:56 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. شريف درويش اللبان - د. نهى إبراهيم محمد

شهدت منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة نموًا لافتًا في ظهور الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي باتت تهدد أمن وسلامة المجتمعات والدول، والجدير بالملاحظة أن تلك التنظيمات والتي تصف نفسها بالجهادية أولت أهميةً خاصة للإعلام، وجعلت منه أحد أهم الأسلحة التي استخدمتها في الصراعات التي خاضتها حتى احتلت منشورات وخُطب ومقاطع الفيديو التي تبثها تلك التنظيمات موقعًا متقدمًا لدى متابعيها الذين تزايدت أعدادهم بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، حيث سعت هذه التنظيمات - طيلة المعارك التي خاضتها- إلي توظيف الإعلام التقليدي والجديد، وتم ذلك ضمن مسار شهد قفزات نوعية من التطور، فتحول إعلام التنظيمات الإرهابية من نقل البيانات والكلمات إلي ذراع دعائية قادرة علي تجييش الرأي العام.

لم تعد الجماعات المتطرفة تلجأ إلى المساجد والزوايا الصغيرة من أجل نشر أفكارها، أو يحاولون الولوج إلى التجمعات الشبابية بالجامعات، أو استقطابهم من خلال مراكز الشباب البعيدة عن دوائر الضوء بل أصبحت عمليات الاستقطاب والتجنيد ونشر الأفكار المتطرفة وتوجيه الرسائل للعالم كلها تتم عبر شبكة الإنترنت ومنصاتها المختلفة سواء مواقع للفيديوهات أو مدونات أو مواقع تواصل اجتماعي، وهذا ما يعرف في عالم التنظيمات الإرهابية بـالجهاد الإعلامي.

لقد استطاعت التنظيمات الإرهابية أن تدير شبكاتٍ إعلامية متكاملة ومتماسكة بدءًا من إصدار الصحف والمجلات وتأسيس الإذاعات والتفكير في إطلاق التلفزيونات، ومرورًا بإنشاء عشرات الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي: يوتيوب وفيسبوك وتويتر وإنستجرام وتمبلر، وانتهاءً بتطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والفيروسات المتطورة، مما ساعد في زيادة نشاطاتها الإجرامية، وإبراز قوة التنظيم والتسويق له وتعزيز الانتشار لأفكارها وإنجازاتها، بطريقة الدعاية الناعمة في أحيانٍ معينة، والخشنة في أحيانٍ كثيرة، كما تمكنت من استقطاب عددٍ من العقول المريضة والقلوب الطامحة في بحثها عن العمل الجهادي، بغض النظر عن مدى مشروعية هذا العمل والأهداف التي تكمن وراءه.

أدركت التنظيمات المتطرفة منذ وقت مبكر أهمية شبكة الانترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، واعتبرتها بديلًا آمنًا لنشر وتنفيذ مشروعها الأيديولوجي، ومن ثم استقطاب عناصر جديد تنضم لصفوفها، خاصة بعد الإقرار بفشل عمل التنظيمات السرية والتجنيد المباشر، وهو ما يؤكد استيعاب تلك الجماعات لضرورة تغير أساليب التجنيد والإقناع بما يتوافق مع ما تواجهه من تحديات. فقد كانت أغلب الجماعات الإرهابية تستخدم المنتديات المغلقة لنشر رسائلها الإعلامية ولاستقطاب الأعضاء الجدد، في حين أن الجماعات الإرهابية الآن أمثال تنظيمي الدراسة تعتمد أكثر على الشبكات المفتوحة للجميع، مثل تويتر وفيسبوك وإنستجرام، وبالتالي تصل لعدد أكبر من الناس وشرائح متنوعة من الجمهور؛ فمواقع التواصل الاجتماعي تتيح لتلك الجماعات قدرة على التواصل مع الاخرين وبخاصة من فئة الشباب عبر العالم لبث افكارهم بطرق مدروسة بشكل دقيق لإقناع هؤلاء الشباب بالفكر المتطرف مستغلة في سبيل ذلك اندفاع وطاقات الشباب ورغبتهم في الوصول للأفضل وعدم المامهم بتلك الافكار ومعرفتهم لهويتهم الدينية السليمة في تضليلهم واجتذابهم للإيمان بها وبأفكارها، ومن ثم جعلهم عناصر فاعلة في تنفيذ عملياتهم الإرهابية كلٌ في وطنه، وهو ما يتيح لها انتشارًا واسعَ النطاق في كل أنحاء العالم.

في هذا الإطار تأتي هذه الدراسة المهمة التي أجريناها وسعت للتعرف على أنماط تفاعل الجمهور مع إعلام التنظيمات المتطرفة، والتعرف على طبيعة المضمون الإعلامي الذي قام أفراد العينة بمتابعته عبر المنصات الإعلامية المختلفة الخاصة بالتنظيمات الإرهابية بالتطبيق على تنظيمي داعش وجبهة النصرة، والوقوف علي أسباب متابعتهم لها وتقيمهم لدورها في الترويج لأخبار التنظيم المتطرف، ومعرفة القنوات الإعلامية الأكثر متابعة من قبل أفراد العينة ومدى سهولة أو صعوبة وصولهم للمحتوى الإعلامي المقدم من قبل تنظيمي الدراسة عبر تلك القنوات وأسباب ذلك، بالإضافة إلي التعرف علي مدى مساهمة اطلاعهم على مضامين المحتوى المقدم لتنظيمي الدراسة في تغيير رأيهم عن تلك التنظيمات، ورأيهم عما إذا ساهمت تغطية وسائل الإعلام لأخبار التنظيمات الإرهابية في زيادة متابعتهم لأخبار تلك التنظيمات ونشر أخبارها على نطاق واسع أم لا.

وقد تم تطبيق الدراسة على عينة العمدية قوامها 400 مبحوثًا ممن يهتمون بمتابعة المحتوى الإعلامي المقدم من التنظيمات المتطرفة محل الدراسة (داعش وجبهة النصرة)، من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي ومتابعي الصفحات الإعلامية لهذه التنظيمات على تويتر ويوتيوب والمواقع الإليكترونية، وقد تم إجراء الدراسة الميدانية عن طريق الاستبيان الإلكتروني E-Survey، وذلك خلال شهري فبراير ومارس 2018.

السمات الشخصية لعينة الدراسة الميدانية

تم تطبيق الدراسة على 400 مفردة عمدية جاءت بواقع 236 من الذكور و164 من الاناث، حيث كان تمثيل الذكور (59%) أكثر من الاناث (41%) في العينة التي تم التطبيق عليها، وعن الفئات العمرية فتراوحت أعمارهم ما بين 18 إلى أقل من 35 عامًا بواقع 289 مفردة، ومن 35 إلي أقل من 50 عامًا بواقع 99 مفردة، وأكثر من 50 عامًا بواقع 12 مفردة، وهذا يعنى أن معظم العينة كان يمثلها فئة الشباب بنسبة 72% من إجمالي عينة الدراسة و24.7% للفئة من 35 لأقل من 50 عامًا، و3% فقط للفئة الأكبر 50 عامًا.

أما المستوى التعليمي فتراوحت العينة بين مؤهل متوسط بواقع 76 مفردة، ومؤهل عالٍ بكالوريوس/ ليسانس بواقع 271 مفردة، والدراسات العليا بواقع 53 مفردة، مما يعنى أن التمثيل الأكبر في العينة كان لحملة المؤهلات العليا بنسبة 67.75%، ثم أصحاب المؤهلات المتوسطة بنسبة 19%، وأخيرًا جاء تمثيل الدراسات العليا 13.25%.

تعرض أفراد العينة لوسائل الاعلام الجديدة والتقليدية لتنظيميْ الدراسة

أشارت الدراسة إلي تعرض أفراد العينة لقراءة ومتابعة أخبار التنظيمات الإرهابية محل الدراسة؛ حيث أفاد 68.5% من أفراد العينة أنهم يقومون بمتابعة أخبار تنظيم داعش أحيانًا بينما أفاد 31.5% أنهم يقومون بمتابعة أخبار التنظيم بشكل دائم، أما تنظيم جبهة النصرة فقد أفاد 49% من أفراد العينة أنهم يقومون بمتابعة أخبار التنظيم أحيانًا و9.5% فقط يقومون بالمتابعة بشكل دائم، وتوضح هذه النتائج أن تعرض أفراد العينة لأخبار داعش قد فاق تعرضهم لأخبار جبهة النصرة بنسبة ملحوظة حيث أفاد 41.5% لا يقومون بمتابعة أخبار تنظيم جبهة النصرة على الإطلاق.

وأوضحت الدراسة معدلات تعرض أفراد العينة لوسائل الاعلام الجديدة والتقليدية لتنظيميْ الدراسة؛ فبالنسبة لتنظيم داعش أشار 53% بتعرضهم لصفحات التنظيم على تويتر أحيانًا، و25.75% يتعرضون لصفحات تويتر التابعة لتنظيم داعش دائمًا، بينما أشار 21.25% بعدم التعرض لتلك الصفحات.

أما التعرض للمواقع الإلكترونية التي تهتم بنشر أخبار داعش، فقد أشار 39.75% من أفراد العينة بعدم التعرض لتلك المواقع، و37% أشاروا بالتعرض أحيانًا لها، بينما أفاد 23.25% بالتعرض دائمًا لتلك المواقع. وعن التعرض للقنوات التابعة لداعش على موقع يوتيوب التي تقوم بنشر مقاطع الفيديو الخاصة بالتنظيم، أفاد 75.5% بعدم التعرض لتلك القنوات، و18.5% بالتعرض أحيانًا لها، بينما أشار 5.75% إلى حرصهم على متابعة القنوات التي تقوم بالنشر على شبكة يوتيوب. وبالنسبة للصحف التابعة لداعش، فقد أفاد 71.5% من أفراد العينة بعدم التعرض لها، و16.75% بالتعرض أحيانًا لصحف صادرة عن داعش، بينما أشار 11.75% بالحرص على التعرض للصحف الصادرة عن داعش.

أما معدلات التعرض لوسائل الإعلام الخاصة بجبهة النصرة، فقد أفاد 40% بتعرضهم أحيانًا للصفحات التابعة للتنظيم على موقع تويتر، و35.5% بتعرضهم دائمًا لتلك الصفحات، بينما أفاد 24.5% بعدم التعرض لتلك الصفحات.

أما التعرض للمواقع الإلكترونية التي تهتم بنشر أخبار جبهة النصرة، فقد أشار 40.6% من أفراد العينة بعدم التعرض لتلك المواقع، و36.8% أشاروا بالتعرض لها أحيانًا، بينما أفاد 22.6% من أفراد العينة بالتعرض لها دائمًا. وعن التعرض للقنوات التابعة لجبهة النصرة على موقع يوتيوب التي تقوم بنشر مقاطع الفيديو الخاصة بالتنظيم، أفاد 62.4% بعدم التعرض لتلك القنوات، و27.4% بالتعرض لها أحيانًا، بينما أشار 10.2% لحرصهم على متابعة القنوات التي تقوم بالنشر على شبكة يوتيوب. أما عن التعرض لصحف تابعة لجبهة النصرة، فقد أفاد 90.6% من أفراد العينة بعدم التعرض لأية صحف صادرة عن جبهة النصرة، و6.8% بالتعرض لها أحيانًا، بينما أشار 2.6% بالتعرض الدائم لها.  

وتشير النتائج إلى أن تويتر كان الوسيلة الأولي التي يتابع من خلالها أفراد العينة أخبار تنظيميْ الدراسة، يليه المواقع الإلكترونية التي تهتم بنشر أخبار التنظيميْن، الأمر الذي أرجعته الباحثة إلى ما يتمتع به تويتر من مميزات يجعله الوسيلة الأولي من حيث سعة الانتشار للمحتوى المنشور من خلاله وعدم التقيد بالحدود والمسافات وسهولة الوصول، فضلًا عن التفاعلية مع المحتوى المقدم بين مرتادي الموقع وسهولة رصد ومتابعة ردود الفعل تجاه حدث معين.

   أسباب متابعة أخبار التنظيمات الإرهابية

 تنوعت أسباب متابعة أفراد عينة الدراسة لأخبار داعش وجبهة النصرة، واتفق أفراد العينة حول السبب الأول الذي يدفعهم لمتابعة أخبار تنظيميْ الدراسة وهو معرفة أيديولوجية التنظيم وأفكاره وسياساته بنسبة 24.75%، وجاءت مناهضة أفكار تنظيم داعش والرغبة في متابعة أخباره والأسباب الدينية والعقائدية في مرتبة واحدة من حيث دوافع تعرض أفراد العينة لأخبار داعش بنسبة 21.75%، في حين أفاد 14% من أفراد العينة أنهم يقومون بمتابعة أخبار داعش بسبب عوامل الإبهار الإعلامي التي تصاحب إصدارات داعش وهو ما يشير لقدرة التنظيم للفت النظر إليه عبر المحتوى الإعلامي الذي يقدمه، بينما أفاد 13% من أفراد العينة أن دوافع متابعتها لأخبار داعش هي تأييدهم وتعاطفهم مع سياسات التنظيم.

أما عن أسباب متابعة أفراد العينة لأخبار تنظيم جبهة النصرة، فجاء في المرتبة الثانية بعد الرغبة في التعرف على أيدولوجية التنظيم وأفكاره، مناهضة أفكار التنظيم بنسبة 20.5% يليها الرغبة في الحصول على المعلومات من مصادر التنظيم بشكل مباشر بنسبة 18.5%، ومن ثم التعاطف والتأييد لسياسات جبهة النصرة بنسبة 17.5%، وفي المرتبة الأخيرة جاءت الأسباب الدينية والعقائدية بنسبة 14%.

ولعل ما يجب الوقوف عليه في النتائج السابقة ما أشارت إليه من وجود بعض المتابعين لأخبار التنظيمات الإرهابية بدافع التأييد أو التعاطف مع سياسات التنظيم حتى وإن كانت نسب المتعاطفين أو المؤيدين جاءت محدودة، فمن يتابع بدافع التعاطف هو فريسة سهلة للتجنيد في وقت ما إن توافرت العناصر الكاملة للإقناع والتأثير على قراراته ودفعه للتنفيذ والانضمام لأي تنظيم إرهابي إن توافرت الفرصة المناسبة لذلك، وبسؤال المتعاطفين مع تنظيميْ الدراسة عن أسباب تعاطفهم ذكر بعضهم أنه يرى في داعش القوة الوحيدة التي تستطيع مواجهة الغرب، وذكر البعض الآخر أن سبب تعاطفه مع التنظيم هو أنه يرى في التنظيم الالتزام بالتعاليم الإسلامية وإحياء فكرة الخلافة الإسلامية والدفاع عن المسلمين بكل مكان، ورأى آخرون أن داعش هو سبيل الفرار من بطش وظلم الحكومات والأنظمة السياسية الفاسدة، بينما ذكر المتعاطفون مع جبهة النصرة أنهم يرون أن التنظيم هو الكيان العسكري الوحيد الذي دعم الثورة السورية في مواجهة نظام بشار الأسد.

وبسؤال المناهضين لتنظيميْ الدراسة عن أسبابهم ذكروا أسبابًا مختلفة؛ فمناهضو داعش رأوا أنه تنظيم متطرف إرهابي يدعو للفوضى ولا يمثل الإسلام بأي شكل من الاشكال ويسعى للقضاء على كل من يخالفه فكريا ودينيًا ومذهبيًا، أما مناهضو جبهة النصرة فقد ذكروا أن جبهة النصرة هى السبب الرئيس في الفوضى التي لحقت بالثورة السورية وتحويل مسارها من ثورة تدعو للتحرر من الظلم والفساد إلى صراع عصابات مسلحة تعمل لأجندة خاصة بها أدت إلى تدمير سوريا.

واتفق أفراد العينة في الدافع الأول وراء متابعتهم أخبار تنظيميْ الدراسة وهو الرغبة في معرفة أيديولوجية وسياسات وأفكار داعش وجبهة النصرة، وهو ما يشير إلي نجاح هذه التنظيمات الإرهابية في إثارة حالة من اللغط حولها وإثارة اهتمام الرأي العام، وخاصةً المهتمين بمتابعة أخبار تلك الجماعات لمحاول فهم وتحليل تصرفات تلك التنظيمات، والوقوف على حقيقة التنظيم ومعرفة من يدعمه ويقف وراءه، والأهداف التي يسعون لتحقيقها ومدى قدرتها علي التمدد والانتشار، ومعرفة هل هى مجرد عصابات مسلحة أم تنظيمات قوية لها تأثير علي أرض الواقع.

مدى مساهمة القنوات الإعلامية لتنظيمي الدراسة في الترويج لها ونشر أخبارها

أوضحت الدراسة مدى مساهمة القنوات الإعلامية لتنظيميْ الدراسة في الترويج لأفكارهما ونشر أخبارهما على نطاق واسع، حيث يري 48.5% أن وسائل الاعلام الخاصة بتنظيم داعش قد ساهمت بشكل كبير في الترويج لأخبار التنظيم و 38.3% تبنوا الرأي المحايد، بينما رأي 13.2% من أفراد العينة أن تلك القنوات لم تقم بأي دور في الترويج لأخبار داعش، في حين رأي 14% فقط من أفراد العينة أن القنوات الخاصة بجبهة النصرة قامت بدور في نشر أخبارها و25% تبنوا الرأي المحايد، بينما رأت الغالبية العظمى من العينة 61% أن تلك القنوات لم تقم بدور يُذكر في الترويج لأخبار جبهة النصرة.

مما سبق يتضح اختلاف أفراد العينة حول دور القنوات الإعلامية لتنظيمي الدراسة في الترويج لكل تنظيم، حيث اتفق معظم أفراد العينة على الدور الذي قامت به وسائل الاعلام الجديدة والتقليدية في الترويج لتنظيم داعش بشكل يفوق تنظيم جبهة النصرة، وهو ما يؤكد قدرات داعش على توظيف تلك الوسائل في خدمة وتحقيق أهدافه ووصول أخباره للجمهور وتوظيفه كل الوسائل المتاحة لنشر المحتوى الإعلامي الخاص به.

صعوبات الاطلاع على المحتوى الاعلامي التابع لتنظيمي الدراسة

بالنسبة لوجود صعوبات للاطلاع والوصول للمحتوى الإعلامي المقدم من قبل تنظيمات الدراسة عبر الوسائل المختلفة من عدمه، يرى 50.75% وجود صعوبات بدرجة كبيرة في الوصول والاطلاع على المحتوى الإعلامي المقدم من قبل تنظيم داعش، ويرى 44.7% وجود صعوبات بدرجة متوسطة للوصول للمحتوى الخاص بداعش، بينما يرى 4.5% وجود صعوبة بسيطة في الوصول للمحتوى المطلوب. أما عن رأي العينة في مدى صعوبة الوصول للمحتوى الإعلامي المقدم من جبهة النصرة فيري 46.5% وجود صعوبة بدرجة كبيرة للوصول للمحتوى الإعلامي، ويري 36% من أفراد العينة وجود صعوبة بدرجة متوسطة للوصول للمحتوى بينما يرى 17.5% وجود صعوبة بدرجة بسيط للوصول للمحتوى الإعلامي لجبهة النصرة.

اتفق معظم أفراد العينة على وجود صعوبة بدرجة كبيرة أو متوسطة للوصول للمحتوى الإعلامي المقدم من قبل تنظيمي الدراسة عبر القنوات المختلفة، فلم يكون الوصول لهذا المحتوى بالأمر المتاح والسهل لمعظم أفراد العينة فيما يتعلق بالتنظيمين، وهو ما يؤكد علي التحديات التي تواجه تلك التنظيمات في الاستمرار في تقديم محتوى إعلامي خاص بها وهو ما حدث بالفعل حيث تأثر الإنتاج الإعلامي لتنظيمي الدراسة وبشكل خاص وملفت لتنظيم داعش مقارنة بفترة التوهج الإعلامي في الفترة من 2014-2016 بالتحديد، الأمر الذي يمكن إرجاعه لعدة أسباب منها التحديات التي واجهها التنظيم في حذف المحتوى الإعلامي المتطرف من شبكة الإنترنت، حيث أثرت المبادرات التي قامت بها الحكومات وشركات التقنية الكبرى بهدف منع المحتوى الإعلامي المتطرف من التمدد والاستمرار في بث الدعاية والتجنيد في الفضاء الرقمي، وجاء الحصار الرقمي داعمًا وموازيًا للحرب التي تستهدف داعش على الأرض، والأمر الثاني لضعف الإنتاج الإعلامي لداعش في ظل الخسائر العسكرية التي لحقت بالتنظيم ومقتل الكثير من جنوده والضربات التي وجهت لمقراته الإعلامية والتي أدت لمقتل الكثير من العاملين بمجال الاعلام لدى التنظيم، بالإضافة إلي الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تعرض لها.

ولا شك أن هذه الصعوبات أدت إلى انخفاض كمية ونوعية المنشورات التي يروجها التنظيم؛ فبحسب تقرير صادر عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في عام 2017، للكاتب تشارلى وينتون فإن تنظيم داعش أنتج في سبتمبر 2017 ثلث ما أنتجه في أغسطس 2015.

طبيعة الصعوبات التي واجهت المبحوثين في الوصول للمحتوى الإعلامي

يرى 43% من عينة الدراسة وجود صعوبة في الاطلاع على مقاطع الفيديو الخاصة بتنظيم داعش بسبب حذف مقاطع الفيديو التابعة للتنظيمات من موقع يوتيوب وإغلاق القنوات الخاصة به، بينما وجد 29.25% صعوبة في الاطلاع علي صفحات داعش على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب إغلاق صفحات التنظيم وكذلك صفحات الاعضاء والمؤيدين بشكل مستمر، ووجد 17.75% صعوبة في الوصول للمحتوى المقدم بسبب التعطيل المستمر للمواقع الإلكترونية التي تهتم بنشر أخبار داعش، بينما وجد 10% من أفراد العينة صعوبة في الاطلاع علي المطبوعات الصادرة عن التنظيم.

أما بالنسبة للصعوبات التي واجهت أفراد العينة في الوصول للمحتوى الإعلامي المقدم من جبهة النصرة، فوجد 36.8% صعوبة في الاطلاع على مقاطع الفيديو الصادرة عن التنظيم بسبب حذف مقاطع الفيديو التابعة لجبهة النصرة من موقع يوتيوب وإغلاق القنوات الخاصة به، بينما وجد 29.5% صعوبة في الوصول للمواقع الإلكترونية التي تقوم بنشر أخبار جبهة النصرة بسبب تعطيل تلك المواقع ومنع الوصول إليها، ووجد 28.7% صعوبة في الوصول لصفحات جبهة النصرة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب إغلاق صفحات التنظيم وكذلك صفحات الأعضاء والمؤيدين بشكل مستمر.

ويتضح من ذلك أن أفراد العينة وجدوا صعوبة في الوصول للمحتوى المقدم عبر موقع يوتيوب في المقام الأول، وهو ما يؤكد أن إجراءات يوتيوب كانت الأكثر حزمًا وصرامة لحجب المحتوى الإرهابي عبر موقعها، يليها صعوبات الوصول لحسابات تويتر وذلك بسبب الإغلاق المتكرر لحسابات التنظيميْن على الموقع، يليه تعرض المواقع الإلكترونية للتعطيل المستمر والحجب ومنع الوصول إليها أو البحث عنها في محركات البحث، إلا أنه لوحظ أثناء الدراسة التحليلية اتباع تلك التنظيمات لعدة أساليب للتغلب علي إغلاق المواقع منها وضع عنوان IP بديل في حال تعرض الموقع للإغلاق بالإضافة إلي الترويج لـ URL الخاص بمواقعها عبر القنوات الإعلامية المختلفة، مع إتاحة أكثر من رابط كبدائل يمكن للمتابعين والمهتمين من الوصول للمحتوى في حالة عدم عمل الرابط الأساسي.

ورغم ما تشير إليه النتائج السابقة من وجود تحديات أمام التنظيمات المتطرفة لنشر المحتوى الإعلامي الخاص بها وتقلص إنتاجها الإعلامي بشكل كبير وملحوظ، إلا أن هذا الأمر لا يدعو للاطمئنان والاعتقاد بأن جهود مكافحة نشر المحتوى الإرهابي قد نجحت بشكل نهائي بل يدعونا الأمر لبذل مزيد من الجهد للتضييق على نشر هذا المحتوى، حيث يتسم الوجود الإرهابي النشط على الشبكة بالتنوع الكبير، فهو في حالة تجديد دائم سرعان ما يغير نمطه الإلكتروني حال اكتشافه، ثم يختفى ليظهر بصورة أخرى بعنوان إلكتروني جديد.

إن أهم ما يميز الكثير من القنوات الإعلامية التي تروج للتطرف والعنف أنها دائمة التجدد، وتلاحق الحدث، ويرجع ذلك لإيمان العاملين عليها بأنهم في جهاد، ويبدو هذا واضحًا في التصميم واختيار العناوين المشحونة بالشجن والتدفق العاطفي مثل ذكر الثواب والجنة، كما يلاحظ أن المواقع الإلكترونية لتلك المنظمات لا تخاطب أعوانها ومموليها فحسب، وإنما توجه رسائلها أيضًا للإعلام والجمهور الخاص بالمجتمعات التي تقوم بترويعها وإرهابها، وذلك بهدف شن حملات نفسية ضد التيارات والدول المعادية لها؛ فرغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بتنظيم داعش بشكل خاص في السنتين الماضيتين 2017-2018، إلا أننا لا يمكننا أن نستبعد قيام عناصر داعش وقادته بإعادة البناء مرة أخرى وتجنيد مقاتلين جدد وتأسيس مراكز جديدة في المناطق التي تسيطر عليها الفوضى.

واتضح ذلك في الرسالة الصوتية لأبو بكر البغدادي التي نُشرت في سبتمبر 2017، والتي يحث فيها المقاتلين على الصمود والثبات، والتركيز على النصر وعدم اليأس، وأيًا ما كان تصنيفنا لهذه المحاولات بالجدية والواقعية أو أنها تأكيد على انهيار التنظيم التام، إلا أننا يجب أن نأخذها بعين الاعتبار خوفًا من نجاح التنظيم بلم شمله وإعاده تكوين عناصره مرة أخرى.

وفي هذا الصدد يشير تقرير أمريكي جديد نشرته دورية "ناشونال إنترست" National Interest الأمريكية بتاريخ 6 يناير 2019 أن "الجماعة الإرهابية تقوم ببساطة باستيفاء وقتها في بلدها الأم العراق قبل عودة جديدة قاتلة وأنها أسست موطئ قدم إقليمي في جبال "قرة شيخ" في العراق، بعد فقدان معقلها الرئيس في الموصل فلا يمكننا الاستهانة بهذه المعلومات حتى وإن كانت مجرد شائعة لتمرير سياسات معينة، وأشار التقرير إلى المواقع التي يتواجد فيها وبخاصة المناطق الجبلية كما أعلن حتى عن الأعداد المتواجدة في كل من العراق وسوريا، وأشار التقرير إضافة إلى تقرير البنتاجون الصيف الماضي أن "داعش يحشد ما بين 15.500 و17.100 مقاتل في العراق، بالإضافة إلى 14.000 مقاتل في سوريا. كما ذكر تقرير صدر من لجنة للخبراء في مجال الإرهاب إن داعش "لديه ما يصل إلى 30 ألف مقاتل موزعين بالتساوي تقريبًا بين سوريا والعراق. ولا تدعو الأعداد إلى الاستهزاء والاستهانة بها كما يفعل من ليس له عقل ودراية بقتال العصابات ويجهل إمكاناتها ونشاطاتها المختلفة الوجوه، فضلًا عن الدعم المتنوع لوجستيًا من قبل قوى من خارج الحدود تمتلك إمكانات تقارن بإمكانات دول في المنطقة أو في العالم لخدمة أهدافها وتوجهاتها وسياستها للتدخل والهيمنة على دول أخرى.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟