المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

لماذا يجب أن تُبقي واشنطن على دعم القوات المسلحة اللبنانية؟

السبت 14/ديسمبر/2019 - 09:41 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
روبرت رابيل- عرض: مرﭬت زكريا

تعتبر القوات المسلحة اللبنانية بمثابة المؤسسة التي تتصدى لسلطة حزب الله وتجمع معظم اللبنانيين حول الوحدة في البلاد، و لكن يرغب الكونغرس الأمريكي في الحد من سلطتها؛ لكن بفضل الدعم السياسي والعسكري الأمريكي واصلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة دعمها للقوات المسلحة، التي حاولت قدر الإمكان ألا تتحيز لفكرة الطائفية، فضلاً عن تمتعها بقدرة مستقلة على اتخاذ القرارات رغم خضوعها للسلطة المدنية.  

ومن هنا، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلوريدا أتلانتك بالولايات المتحدة الأمريكية روبرت رابيل أن إعادة إنعاش القوات المسلحة اللبنانية كقوة محلية ذات مصداقية وموثوق بها، على عكس المؤسسات الأخرى من قبل معظم اللبنانيين، ولكن عمق العلاقة المتناقضة بين حزب الله / الجيش اللبناني، أدى لإساءة فهم هذه العلاقة إلى حد كبير من قبل عدد من المحافظين الأمريكيين الجدد ومؤيديهم الذين اعتبروا الجيش اللبناني بمثابة ذراع لحزب الله وبالتالي حاولوا مساواة حزب الله بالجيش اللبناني.

وبالمقابل، دعم البنتاغون، وكالة الاستخبارات الأمريكية و السفارة الأمريكية في بيروت الجيش اللبناني كحليف قوى و مستقر ضد الإرهاب، كما كشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن عملية سرية من نوع Cedar Sweep؛ حيث قام الجيش الأمريكي بإطلاق الطائرات فوق لبنان في عام 2008 لتحديد مواقع "حزب الله"، فضلاً عن منح وزير الدفاع ميشيل المر الدبلوماسيين الأمريكيين نصيحة بالانتقال إلى إسرائيل كمساعدة في مهاجمة "حزب الله" مع إبقاء الجيش اللبناني بدون تورط. ومن الجدير بالذكر، أن تسريب البرقيات الأمريكية السرية الخاصة بهذا الشأن وضع القادة المناهضين لـ"حزب الله" في وضع دفاعي وجعل بعضهم هدفًا للاغتيالات.

دعم التعاون السري مع الجيش الأمريكي قرار حزب الله بالاستيلاء على بيروت في أيار / مايو 2008 عندما شعر بأن أمنه قد تعرض للخطر من قبل الحكومة اللبنانية، ولكن القوات المسلحة اللبنانية نأت بنفسها عن التدخل حتى انتهاء القتال، ثم دافع قائد الجيش ميشال سليمان عن موقفه بالقول أن الأحداث في بيروت وفي جميع أنحاء البلاد تمثل حربًا أهلية حقيقية لا يمكن لأي جيش وطني في العالم مواجهتها.

و أشار الكاتب إلي أن أحداث صيف عام 2008 أبرزت مدى صعوبة العلاقة بين حزب الله والقوات المسلحة اللبنانية؛ فمن ناحية، يمثل حزب الله الطائفة الشيعية الموحدة في لبنان التي تتمثل مهمة الجيش اللبناني في تأمينها بغض النظر عن كونها طائفة؛ من ناحية أخرى، يعتبر حزب الله بمثابة قوة بارزة تهدد استقرار وتماسك القوات المسلحة اللبنانية.  كما أن أحداث 2006 و 2007 و 2008 أثبتت مدى ضرورة بناء القوات المسلحة اللبنانية لتصبح قوة حديثة قادرة على تأصيل عميق لفرقها كدرع لتماسكها. لقد تابعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية هذا الهدف الوطني الذي يعمل على تجاوز فكرة الطائفية السياسية، ومع ذلك، من الجدير بالذكر أن الطائفية السياسية أثرت على العلاقة بين الجيش اللبناني وحزب الله في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية السورية لعام 2011.

نتيجة لما سبق،  كان للحرب الأهلية السورية تداعيات أمنية خطيرة على لبنان، فعلى الرغم من تدفق ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري إليها، أسست "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة (المعروفة حاليًا باسم حياة التحرير) والدولة الإسلامية خلايا سرية على طول الحدود اللبنانية السورية واستولت على بلدة عرسال الحدودية الشمالية الشرقية وتلالها، وفي مواجهة هذا التحدي وضعت القوات المسلحة اللبنانية خطة أمنية شاملة لمواجهة هذا التهديد الجهادي المتزايد؛ تمثلت في إقامة نقاط تفتيش على طول الحدود مع سوريا وحول بلدة عرسال والمناطق المحيطة بها، فضلاً عن  تعزيز القوات المسلحة اللبنانية لجهودها العسكرية والاستخبارية بهدف حرمان تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية من الملاذ الآمن في مخيمات اللاجئين الفلسطينية المكتظة بالسكان.

وفي عام 2017، وضعت القوات المسلحة اللبنانية خطة عسكرية لهزيمة الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) في بلدة عرسال وتلالها، و يوضح التنفيذ الدقيق و القدرة على القتال مدى الاحترافية التي يتمتع بها الجيش اللبناني، ولكن الحملة العسكرية الناجحة كانت موضع خلاف في اللحظة الأخيرة باتفاق حزب الله الأحادي مع داعش  على الانسحاب من لبنان، وفي الوقت نفسه، روج "حزب الله" إلي أن هذا الأمر كان بالتنسيق مع الجيش اللبناني لتضم المعادلة الشعب والجيش والمقاومة، ولكن استهجن الجيش تصرفات حزب الله السياسية والأمنية، التي ولدت تضامنًا بالإجماع بين الضباط الجيش اللبناني على ضرورة تمييز نفسه عن جماعة "حزب الله".

حيث أشار الكاتب إلي أنه على الرغم من أن هذه الأحداث أدت إلي  ظهور التوتر الشديد في العلاقات بين الجيش اللبناني وحزب الله، لكنها أدت في الوقت ذاته إلي التحسن النوعي والكمي للجيش اللبناني كقوة مقاتلة مستقرة في دولة تعاني من ضعف الهوية الوطنية، الطائفية السياسية والفساد المستشري. لكن هذه النظرة التكميلية للجيش اللبناني التي تتبناها المخابرات الأمريكية خضعت لرقابة كبيرة من قبل  بعض المحافظين و الدبلوماسيين الجدد و الذين يشعرون بالقلق  تجاه تحالف "حزب الله" مع إيران وتداعياته على المنطقة في وقت الذي تسعى فيه إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد  ترامب"  إلى  تطبيق ما يعرف بسياسة "الحد الأقصى من الضغوط" على طهران.

                اكتسب هذا التطور تأييداً كبيرًا بعد "عملية الدرع الشمالي" التي قامت بها إسرائيل في ديسمبر 2018 ، سيما بعد أن تم اكتشاف أنفاقًا حفرها حزب الله تصل بين الأراضي اللبنانية و إسرائيل، ويبدو أنها ستستخدم في هجوم "حزب الله" في المستقبل على شمال إسرائيل. كما عزز هذا الاكتشاف الاتهامات الإسرائيلية بأن القوات المسلحة اللبنانية  تخلت عن دورها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 ، الذي أنهى حرب 2006  باعتبارها القوة الشرعية الوحيدة في جنوب لبنان من خلال السماح لحزب الله بإقامة بنية تحتية عسكرية هجومية في جنوب لبنان.

ولفت الكاتب الانتباه إلى أن هذا الأمر أثار حفيظة بعض المحافظين الجدد في واشنطن لربط حزب الله بالقوات المسلحة اللبنانية؛ على أساس أنه مكون عسكري يجب أن يكون جزء أساسي من  بنية الجيش اللبناني، إلي الحد الذي وصل بالبعض للقول  بأن لبنان سقطت بالكامل تحت سيطرة إيران وحزب الله وأن الجيش اللبناني أصبح في جوهره ذراع لهذه الجماعة، لذا، تم التأكيد على  أن الدعم العسكري الأمريكي للقوات المسلحة اللبنانية بات مضلل بشكل  كبير ويجب إيقافه.

ومن الجدير بالذكر، أن بعض المخاوف التي تبثها إسرائيل والدبلوماسيون الأمريكيون مشروعة ويجب أخذها بعين الاعتبار عندما تقدم الحكومة الأمريكية دعمها العسكري للبنان، الأمر الذي أجبر الجناح المحافظ في الولايات المتحدة الأمريكية لإصدار مشروع قانون تحت عنوان "مواجهة حزب الله بموجب القانون العسكري اللبناني لعام 2019"  وتقديمه إلى الكونغرس لمعالجة بعض المخاوف بشأن العلاقة بين الجيش اللبناني و حزب الله. يدعو مشروع القانون الرئيس الأمريكي إلى تقديم تقرير إلى الكونغرس يقر بأن القوات المسلحة اللبنانية اتخذت خطوات جادة للحد من نفوذه أو الاستغناء عن أعضاء القوات المسلحة اللبنانية المقربين من حزب الله وإظهار التزامها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، ما لم يتنازل الرئيس الأمريكي عن هذه الشهادة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، سوف يقيد الكونغرس الدعم العسكري الأمريكي للقوات المسلحة اللبنانية بنسبة 20 %.

من ناحية أخري، يحاول مشروع القانون هذا معالجة المخاوف التي أثيرت بعناية حول علاقة القوات المسلحة اللبنانية بحزب الله؛ على خلفية الجهود المبذولة لربط حزب الله بالقوات المسلحة اللبنانية. ولكن من اللافت للانتباه، أن هذا الجهد غير مبال باستقرار لبنان مسترشداً على ما يبدو بالاعتبارات السياسية والأمنية المتعلقة بإيران فقط، مما يبالغ في تبسيط التحديات المحلية والإقليمية التي تواجه لبنان.

وعليه، أقر رئيس الوزراء سعد الحريري بأن هذا الإجراء يمثل مشكلة كبيرة؛ فمما لا شك فيه أنه قد يكون هناك عدد قليل من الضباط الذين يدعمون حزب الله لأسباب إيديولوجية / أو طائفية. لكن الأمر الذي يدعو للاطمئنان أن معظم الضباط، ذوي الرتب، الموظفين في القوات المسلحة اللبنانية فخورون بخدمة الأمن والاستقرار للدولة اللبنانية بأكملها بغض النظر عن الطائفة و المواقف الإقليمية.

و اشار الكاتب إلى أن الاحتجاجات الأخيرة التي تجتاح لبنان و  المستمرة بين الطوائف ضد الفقر المؤسسي للجماهير والفساد المستشري في صفوف النخبة السياسية، بما يتضمن قيادة حزب الله عززت نزاهة ووطنية الجيش اللبناني، فضلاً عن خلق  تعاطفًا واسعًا بين قيادات الجيش اللبناني ورتبه، الأمر الذي تمثل في قيام القوات المسلحة اللبنانية بحماية المتظاهرين من بطش جماعة حزب الله في ساحة الشهداء في بيروت، رغم أنه تم تطويقها في بعض البلدات الأخرى ذات الأغلبية الشيعية.

 وبالمقابل، اعتمد المعسكر السياسي الموالي لحزب الله على وحدات بعينها في المخابرات العسكرية لتطهير الطرق على طول الطريق الجنوبي المتقاطع للعاصمة، مما أدى إلى مناوشات عنيفة مع المتظاهرين وقتل ناشط درزي،  الأمر الذي أثار  شغف كبار ضباط الجيش المتقاعدين بانتقاد النخبة السياسية، بما في ذلك القيادة الموالية لحزب الله، ودعم الاحتجاجات الشعبية العابرة لفكرة الطائفية.

لذا، وبعد أن ظهرت أهمية الجيش اللبناني في حماية المتظاهرين من بطش جماعة حزب الله الموالية لطهران، بات من المهم الإشارة إلي أن قطع المساعدات الأميركية لوحدات الجيش اللبناني  من الممكن أن يقوض استقلاليته وتماسكه؛ فعلى الرغم من الفساد المستشري في لبنان و شيوع فكرة الطائفية، فإن القوات المسلحة اللبنانية هي المؤسسة الوحيدة التي يمكنها أن تتصدى لسلطة حزب الله وتجمع معظم اللبنانيين بكافة طوائفهم، و بالتالي، فإن محاولات تقويض هذه المؤسسة سيؤدي بالتأكيد إلى زعزعة استقرار البلاد وتحويلها إلى مجرد تابع لنظام ولاية الفقيه في إيران.

Robert G. Rabil, Why America Should Keep Supporting the Lebanese Armed  Forces,National Interest, December 4, 2019, available at

 https://cutt.ly/0e50KEP


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟