المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مريم عبد السلام موسى
مريم عبد السلام موسى

المتغير الهيدروبلتيكي في الصراع العربي الإسرائيلي

الثلاثاء 14/يناير/2020 - 06:27 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تعاني معظم الدول العربية من ندرة نسبية في موارد المياه المتاحة نظرًا لعوامل عدة منها السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه الرئيسية في الأردن وفلسطين وسوريا. وإذا كان الميزان المائي مختلا لغير صالح العرب فإن هذا الخلل يزداد مع الابتلاع الإسرائيلي المستمر لموارد المياه العربية نظرا لأن المشروع الصهيوني نفسه كان يربط منذ ما قبل قيام إسرائيل بين الأرض والمياه وكان توسعه مقترنًا بموارد المياه، كما اقترنت عمليات مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان الصهيوني المتصاعد بالسيطرة الإسرائيلية على موارد المياه في المناطق المحتلة وفرض قيود شديدة على استخدامها من قبل المواطنين العرب وإطلاق يد المستوطنين في الاستهلاك. مكن احتلال إسرائيل لكامل فلسطين مع عدوان 1967 تل أبيب من إكمال السيطرة على موارد المياه في القدس والضفة الغربية وغزة وبموجب الأمر العسكري رقم 158 لعام 1967 في قطاع غزة والأمر العسكري رقم 281 لعام 1968 في الضفة الغربية تم اعتبار المياه مملوكة لإسرائيل وخاضعة لإشراف الحكم العسكري، وبالتالي سوف نتناول المحدد المائي في الصراع العربي الإسرائيلي على النحو التالي:

أولاً- المكانة المحورية للمياه في الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي

يمكن الاستدلال علي المكانة المحورية للمياه في الفكر الإسرائيلي الصهيوني من خلال التدقيق في تصريحات رموز العمل السياسي والاقتصادي للدولة العبرية وكذلك تصريحات الآباء المؤسسين للكيان الإسرائيلي فقد كان رواد المشروع الصهيوني متيقظين من البداية إلي أهمية المياه لإنجاح المشروع الاستيطاني واستمراره ، بل يمكن تفسير شعارهم المعروف "حدودك يا إسرائيل من الفرات للنيل "تفسيراً مائياً بمعني أن البعد المائي كان حاضراً وبامتياز في تكوين الأبعاد الجغرافية للمشروع الذي يتوقف نجاح المشروع واستمراره عليه.

فهنا قد وضعت المياه في الاعتبار عند صياغة أهداف وغايات الدولة اليهودية المنشودة وذلك لأن المياه دعامة قوية وأساسية ترتكز عليها أهداف الصهيونية العالمية في ضرورة التوسع الزراعي والاستيطاني لجلب المزيد من المهاجرين ، فهنا كانت المسألة المائية قضية أساسية واكبت الحركة الصهيونية منذ نشأتها ، حيث أن مفهوم الحدود الآمنة يدخل فيها منابع المياه في المنطقة وأساساً نهر الأردن ونهر اليرموك ومياه جبل الشيخ ونهر الليطاني(1).

كما يلاحظ أن هناك ندرة للمياه في إسرائيل حيث تعاني إسرائيل نقصاً حاداً في مصادرها المائية ، وقد زادت حدة هذا الوضع بعد موجات الهجرة اليهودية الكثيفة من دول أوروبا الشرقية والإتحاد السوفيتي السابق ، حيث أن وفقاً للعديد من المصادر المحلية الإسرائيلية ، فإن مصادر المياه الإسرائيلية لا تزيد عن 1850 مليون متر مكعب وهي موزعة علي النحو التالي :-

·       500 مليون متر مكعب من نهر الأردن وبحيرة طبرية .

·       145 مليون متر مكعب من الحصباني والوزاني بعد عملية الليطاني 1978، وإحتياج عام 1982.

·       80 مليون متر مكعب من بانياس واليرموك من سوريا بعد عام 1967 .

·       450 مليون متر مكعب مياه الضفة الغربية .

·       450 مليون متر مكعب مياه المنطقة الساحلية .

·       100 مليون متر مكعب مياه النقب وقطاع غزة .

·       125 مليون متر مكعب مياه صرف ومياه معالجة .

ثانياً- الصراع حول مياه نهر النيل

v   الإستراتيجيات الإسرائيلية في حوض النيل:-

تلجأ إسرائيل إلي تبني إستراتيجية عسكرة المياه water militarization strategy" " سواء علي الصعيد الداخلي أو الخارجي،فعلي الصعيد الداخلي حتي تزداد سيطرتها علي مصادر المياه التي إحتلتها بالقوة ، أما علي الصعيد الخارجي يتميز سلوكها بالسعي إلي السيطرة المباشرة أو غير المباشرة علي مصادر المياه المحيطة بها لسد إحتياجتها المائية المتزايدة ،فهنا تتبني إسرائيل إستراتيجيتين متباينتين ومتزامنيتين لتحقيق أهداف سياساتها المائية التوسعية وسوف يتم عرض الإستراتيجيتين كما يلي :-

الإستراتيجية الأولي : إستراتيجية الدور المباشر وتسعي من خلاله إلي محاصصة مصر في مياه النيل وذلك من خلال تنفيذ مشروعات لنقل مياه النيل من مصر إليها .

فوفقاً للإستراتيجية الأولي قد تستند المطامع الإسرائيلية في نهر النيل إلي نص التوراه القائل " فقطع مع إبراهيم ميثاقاً بأن يعطي لنسله هذه الأرض من نهر مصر إلي النيل الكبير نهر الفرات "، فلم يكن هناك حلم إستعماري ارتبط بالمياه كما كان الحلم الصهيوني وإرتباطه بمياه النيل وحتي الفرات ، مروراً بدجلة والأردن واليرموك والليطاني ، ولذلك تطرح الصفوة الإسرائيلية (التكنوقراط) في إطار تطبيع العلاقات مع مصر وتوزيع الموارد المائية في المنطقة نموذجين للتكامل المائي هما:

1-      مشروع هيرتزل 1903 (2)

2-      مشروع اليشع كالي 1974:

3-      نموذج “يؤر” أو النيل الأزرق – الأبيض :

الإستراتيجية الثانية : وهي إستراتيجة الدور الغير مباشر وتسعي من خلاله إلي محاصرة مصر في محيط دائرتها النيلية .

بعد أن فشلت إسرائيل خلال قرن كامل في تحقيق حلمها التاريخي بجر مياه النيل عبر صحراء سيناء إلي النقب لتعمير صحاريها فقد بدأت تخطط للضغط علي مصر والسودان من خلال اتباع إستراتيجية التطويق "containment strategy" لمحاصرة دولتي المصب والمجري وخصوصاً مصر في دائرتها الإقليمية النيلية  وذلك بالعمل علي شد أطراف السياسة المصرية وتشتيت انتباهها بإثارة المشكلات تارة وافتعال المشكلات تارة آخري للتأثير علي المحيط الإقليمي لمصر وهي تقوم بذلك مستندة إلي آلية التغلغل penetration والتي تتجلي مؤشراته في العديد من المظاهر الاقتصادية بالأساس والسياسية والعسكرية – والأمنية الثقافية(3).

ثالثاً- المياه الأردنية في الصراع العربي الإسرائيلي

يعتبر نهر الأردن سبباً مباشراً في الصراع العربي الإسرائيلي والذي أدى إلى اندلاع الحرب بين العرب وإسرائيل ومماطلة إسرائيل في التخلي عن الأراضي المحتلة لما توفره من مياه لمستوطنيها ومشروعاتها التوسعية.

فحرب الأيام الستة عام 1967 كانت نتيجة حتمية للخطة العربية لتحويل منابع نهر الأردن مما تسبب في إشعال فتيل الحرب بين إسرائيل وسوريا، وهذا أدى بشكل مباشر إلى قيام إسرائيل بتوجيه ضربات تدميرية إلى سوريا ومصر، وهكذا لعبت المياه دوراً رئيسياً فى الحرب بين إسرائيل والعرب عام 1967 وكذلك في الحرب الأهلية الدموية فى الأردن 1970.(4)

رابعاً- المياه السورية في الصراع العربي الإسرائيلي    

يعتبر نهر الفرات الأكثر أهمية بسبب مجراه، إذ إنه يخترق المنطقة الشمالية قادماً من تركيا ليعبر باتجاه المنطقة الشرقية ومنطقة الجزيرة قبل أن يغادر الحدود السورية العراقية. تعتمد عليه الحكومة السورية بشكل رئيسي في توليد الطاقة الكهربائية واستثمار المنطقة المسماة حوض الفرات زراعياً. أقيم على مجرى النهر سد الفرات، كما أنشئت بحيرة الأسد الاصطناعية(5).

 

المشاريع التي اقترحت لتقاسم المياه في المنطقة(6):

مشروع جونستون:

في مطلع عام 1951 بـدأت إسرائيل بتجفيف مياه بحيرة الحولة وتحويل المياه إلى النقب، واعتبر هذا خرقا لاتفاقية الهدنة، فأصدر مجلس الأمن قراراً بوقف أعمال تحويل المياه. وفي عام 1953 أرسل الرئيس الأمريكي ايزنهاور مندوبه ايريك جونستون، إلى الدول المعنية وهي سوريا والأردن ولبنان وإسرائيل، ليفاوض على توزيع المياه بين دول المنطقة، ويهدف المشروع وفق المصادر "الإسرائيلية" إلى تنمية الزراعة وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المذكورة، إلا أن لبنان أستثني من هذا المشروع. وتصل كميه المياه المقرر تقسيمها في مشروع جونستون وفق المصادر "الإسرائيلية" إلى 1213 مليون متر مكعب سنوياً ،في حين تصل التقديرات العربية إلى 1429 مليون متر مكعب بما فيها حصة لبنان. لكن المشروع لم يستمر بسبب احتلال إسرائيل لمنابع نهر الأردن إثر عدوان 1967.

خامساً- المياه الفلسطينية في الصراع العربي الإسرائيلي

                تعتبر المياه عنصر أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تشكل أحد أهم عناصر الإستراتيجية الإسرائيلية سياسياً وعسكرياً وذلك لارتباطها بخططها التوسعية والاستيطانية في الأراضي العربية وقد احتلت المياه موقعاً هاماً في الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ بدء التفكير بإنشاء دولة إسرائيل، حيث استند هذا الفكر إلى ادعاءات دينية وتاريخية باطلة وهو ما دعى الحركة الصهيونية لإيفاد الخبراء واللجان العلمية خلال القرن التاسع عشر لدراسة الموارد المائية في فلسطين، ومدى الاستفادة من مياه نهر الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية وظلت المياه على رأس أولويات الدولة اليهودية حتى بعد قيامها عام 1948، إذ تم إعداد الخطط لاستثمار كل الموارد المائية من مصادرها المختلفة تمهيداً لاستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود إليها.

المياه في المفاوضات النهائية

                بدأت إسرائيل ومنذ احتلال الأراضي الفلسطينية في نهب واستنزاف الموارد المائية الفلسطينية  وظهر ذلك في الاتفاقيات التي وقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وهذه الاتفاقيات هي:

المياه في اتفاق "إعلان المبادئ" :-

                في 13 أيلول سبتمبر عام 1993 تم التوقيع على إعلان المبادئ والذي نص على إنشاء سلطة فلسطينية لإدارة المياه؛ وإنشاء لجنة اقتصادية فلسطينية – إسرائيلية للتعاون في مجال المياه.

المياه في اتفاقية "غزة وأريحا" وملاحقهما الموقعة في 4 مايو 1994:

                ورد في الاتفاق(7): "تقوم السلطة الفلسطينية بتشكيل وإدارة وتنمية كافة شبكات وموارد المياه والصرف الصحي بطريقة تحول دون حدوث أي ضرر لموارد المياه. ، يستثنى شركة "ميكروت"، حيث يقول: "ستستمر شركة مياه ميكروت في تشغيل وإدارة شبكات المياه القائمة التي تزود المستوطنات ومنطقة المنشآت العسكرية بالمياه وشبكات وموارد المياه داخلها"(8)، كما أن البند "ج" من نفس المادة ينص على أن: "تتم كافة عمليات الضخ من موارد المياه في المستوطنات ومنطقة المنشآت العسكرية، وفق الكميات الحالية لمياه الشرب ومياه الري، مقابل ذلك فإن السلطة الفلسطينية لن تؤثر على الكميات بصورة سلبية".

الاتفاق الانتقالي حول الضفة الغربية وقطاع غزة "أوسلو:-

                وفيه ("تعترف إسرائيل بحقوق الفلسطينيين في المياه في الضفة الغربية")، وهذه هي المرة الأولى التي يتم الاعتراف بها بالحقوق المائية للفلسطينيين بوضوح؛ رغم عدم تعريف أي الموارد الأساسية التي اعترف بها الجانب الإسرائيلي، وبقي الموضوع بشكل عام؛ ما يعطى دلالة أفضل للاستنتاج "أن المعني بذلك كل الموارد التي فيها حق للفلسطينيين".  وكذلك، (يعترف الجانب الإسرائيلي أن الاحتياجات الحقيقة للشعب الفلسطيني من المياه للأغراض المنزلية من 70 إلى 80 مليون متر مكعب سنوياً، وزيادة حصة المياه المخصصة للفلسطينيين خلال المرحلة الانتقالية إلى 26.6 مليون متر مكعب سنوياً، وكذلك تشكيل لجنة مشتركة لها مهام محددة تتخذ قراراتها بالإجماع) وعلى العموم، فقد تم تأجيل حل مشكلة المياه لـ(مفاوضات الوضع النهائي).

                وعلى الرغم من وجود هذه الاتفاقيات الموقعة وبرعاية الدول الكبرى والأمم المتحدة إلا أن إسرائيل لم تلتزم بما ورد في هذه الاتفاقيات، وما زالت مستمرة في تجاوزاتها، تستنزف المياه الفلسطينية بشكل يهدد الخزان الجوفي بالنضوب أو عدم صلاحية مياهه للاستهلاك لجميع الأغراض، كذلك تفرض حصارها المائي على التجمعات السكانية الفلسطينية وترفض زيادة كمية المياه اللازمة للقرى والمدن الفلسطينية، الأمر الذي يؤدي إلى انقطاع المياه عن المواطنين الفلسطينيين فترات طويلة خصوصاً في فصل الصيف.

سادساً- الأطماع الإسرائيلية في مياه لبنان:

المياه اللبنانية في الاستراتيجية الإسرائيلية  

1- أطماع اسرائيل في مياه نهر الليطاني

                بعد إعلان قيام الكيان الإسرائيلي مباشرة ، أثار مندوبها في الأمم المتحدة قضية نهر الليطاني لدي لجنة التوفيق الدولي – التي كانت تعالج القضية الفلسطينية بتكليف من الأمم المتحدة – وقد أوصت اللجنة آنذاك بتأجير سبعة أثمان مياه نهر الليطاني للكيان الإسرائيلي.

                وفي مؤتمر القدس الذي عقده الكيان الإسرائيلي عام 1953م لدراسة احتياجاته المستقبلية من المياه ، وضع في الحسبان حصوله علاي مياه نهر الليطاني لمواجهة التوسع المقبل لهذا الكيان خلال الستينات.

                وزاد وضوح مطامع هذا الكيان في مياه نهر الليطاني في المشروع الذي قدمه عام 1954م تحت مسمي مشروع كوتون ، الذي يطالب فيه بتحويل 400 مليون متر مكعب من مياه النهر إليه ، مستوليا بذلك علي نحو 55% من مياه نهر الليطاني ولا يترك لدولة لبنان صاحبة النهر إلا حوالي 45% منها فقط. وبعد حرب عام 1967م أكد بن جوريون – رئيس وزراء إسرائيل الأسبق – أمنيته بجعل نهر الليطاني حدودا شمالية للكيان الإسرائيلي.(9)

2-  أطماع اسرائيل فى نهر الحاصباني

                تعود سرقة اسرائيل لمياه نهر الحاصباني الى 1967 حينما استولت على منابع نهر الاردن واحتلت شريطا ضيقا من جنوب لبنان ثم شقت طريقا الى الضفة الجنوبية للنهر بطول 12 كم بعد ان قامت باقتطاع 5 هيكتارات من الاراضي المحيطة لتستولي بذلك على 80 ملبون متر مكعب من المياه, ثم سارعت الى تحويل نبع (الدردارة) لاستغلاله فى ري المناطق الحدودية.

                وفى عام 1978 طمرت اسرائيل عدة انانبيب ومعدات تحت الارض لسحب المياه الجوفية فى سهل المرج التى تتغذي من تسريب مياه الحاصباني, ثم اعدت اسرائيل مشروع هندسي يهدف لتحويل ضخ مياه الحاصباني من نبع داخل لبنان الى فلسطين المحتلة ليعاد ضخ المياه مره اخرى الى بحيرة طبرية .

                فى عام1989 مدت اسرائيل انابيب بقطر 6 بوصات من نبع العين المتفرع من نهر الجوز احد رافد الحاصباني الى المستوطنات فى شمال اسرائيل, ثم نقلت فى 1990 الشريط الشائك بين لبنان وفلسطين المحتلة بطول 5 كم ثم شقت طريقا الى الضفة الجنوبية لنهر الحاصباني, وذكرت صحيفة هآرتس بان اسرائيل استخدمت خط انابيب النفط الذى يخترق الجولان لتحويل مياه نهر الحاصباني  الى داخل اسرائيل.

                وفى عام 1993 منعت اسرائيل اى مزارع لبنانى من حفر اى بئر بالقرب من النهر الا بموافقة اسرائيل, ثم حفرت اسرائيل 50 بئر بالقرب من منطقة مرج الخوف لتستولى بذلك على 120 مليون متر مكعب من مياه الحاصبانى, كذلك لاتزال تستولى اسرائيل على مزارع شبعا بحجة ان يهودا قد اشتروا اراضى من هذه المنطقة .(10)

3- الأطماع الاسرائيلية فى مياه نهر الوزانى

                باشرت اسرائيل منذ عام 1982 باستنزاف وسرقة مياه نهر الوزرانى وتحويلها إلى المناطق الشمالية, وفى 1986 قامت اسرائيل بتسيج عدة هكتارات بالقرب من نبع الوزانى بعد طرد المزارعين اللبنانين من اماكنهم ثم سيجت منطقة زراعية بطول كيلومتر واحد حول منابع النهر, ووضعت مخطط لتحويل مياه النهر عبر انابيب تحت الارض الى قناه بجانب بحيرة طبرية بعد ان منعت مراقبي الامم المتحدة من الاقتراب من المنطقة, كما ان استمرار احتلالها لمنزارع شبعا هو للسيطرة على مياه نهر الوزانى.(11)

وضع المياه فى التسوية اللبنانية الإسرائيلية:

                احتلت قضية المياه وضعًا مهمًا فى مرحلة المواجهة حيث يعتبر كثير من المحللين أن الصراع على المياه كان عاملا أساسيًا فى كل الحروب السابقة، فالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 جاء بعد فشل المبعوث الأمريكي جونستون فى تحقيق مهمته حول تقسيم المياه في المنطقة ، وحرب 1967 جاءت بعد محاولة العرب تنفيذ مشروعهم فى استثمار مياه نهر الأردن عقب اجتماع القاهرة عام 1964، غزو لبنان عام 1982 جاء لسيطرة إسرائيل على نهر الليطاني, ولهذا لم يكن غريبًا أن يقوم راعيا مؤتمر مدريد في 1991/10/30 بتخصيص لجنة لدراسة ملف المياه فى إطار المفاوضات المتعددة الأطراف فى الشرق الأوسط. (12)

                ودخلت إسرائيل مفاوضات السلام وهي معززة باستراتيجية واضحة المعالم تجاه مصادر المياه والحصة التي تنوى الإصرار عليها أو الاحتفاظ بها, فمع الاهتمام الدولي بمحاولة إقرار السلام فى المنطقة والبحث عن وسائل نزع فتيل التوتر المستمر الذي يسببه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية تراهن إسرائيل فى مشاريعها تحقيق السلام باتفاقيات إقليمية لتوزيع المياه تحقق لها نصيب الأسد وتحقق لها السيطرة القانونية جنبًا إلى جنب مع السيطرة الفعلية على مصادر الأنهار العربية فى الأردن وهضبة الجولان وجنوب لبنان بالإضافة إلى استغلالها للمياه الجوفية فى الضفة الغربية وتطلعها لمياه النيل فى مصر ومياه تركيا.

                انبثق من مؤتمر مدريد للسلام، وبالتوازي مع قنوات المفاوضات الثنائية، صيغة المفاوضات المتعددة الأطراف، التي تهدف إلى بحث القضايا المحورية فى المنطقة بمشاركة إسرائيل والبلدان العربية وبعض دول الجوار والدول والمجموعات الدولية المعنية، وشملت المفاوضات خمس قضايا هي: المياه، والبيئة، والسيطرة على التسلح واللاجئين، والتنمية الاقتصادية عبر لجان عمل تلتقي دوريًا فى ندوات، تنسق بينها لجنة توجيهية من الوفود الرئيسية تستمع إلى تقارير لجان العمل وتثبت قراراتها، وتنظم أسبقياتها لتوفير الموارد.

                أصرت إسرائيل منذ بداية مؤتمر مدريد على إدخال بند عن المياه فى ملف المفاوضات الثنائية والمتعددة وركزت إسرائيل فى المفاوضات المتعددة الأطراف على ضرورة بحث المياه من وجهة نظر إقليمية وتركز على ضرورة التوصل إلى اتفاقات حول التعاون فى استخدام المياه لأنَّه سيساهم فى إرساء عملية السلام من خلال مشروعات ثنائية أو متعددة الأطراف وتوزيع المياه.

                أما فيما يخص المفاوضات المباشرة بين لبنان واسرائيل, فقد خلت صراحة من عبارات بخصوص المياه, الا انها فى المضمون فان دائما ما تؤكد اسرائيل على الترتيبات الامنية والترتيبات المائية فى كل مفاوضاتها, فى مقابل اصرار لبنان على الانسحاب الإسرائيلي التام والتمسك بقرار 425, وتم الانسحاب الإسرائيلي فعليا فى 2000 ولنها احتفظت بمزارع شبعا كزريعة للوصول الى مياه نهر الليطاني .

مستقبل قضية المياه في الصراع العربي الاسرائيلى والحلول المرجوة:

إن مستقبل المياه العربية ينذر بالخطر، ففي دراسة للبنك الدولي يتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في الوطن العربي من 212.277 مليار م3 من المياه عام 1985 إلى 301.501 مليار م3 عام 2030، لزيادة عدد السكان وزيادة المتطلبات المائية للغذاء والصناعة، وأياً كانت التوقعات فإنه من الضروري للدول العربية أن تأخذ مسألة المياه مأخذ الجد من الآن فصاعداً، لأنها تمس حياة الإنسان العربي وتجعله عرضة لأطماع الدول الأجنبية التي لم تنته منذ عهود الاستعمار وفي ضوء ذلك فإننا نرى:-

1- لابد من تبني إستراتيجية مائية عربية تأخذ في اعتبارها البعد القومي لهذه القضية وذلك من خلال تجاوز الخلافات العربية العربية على الأصعدة السياسية، والتوجه للعمل العربي المشترك بما يخدم المواطن العربي ويؤمن مستقبله. وكذلك من خلال التركيز على مسألة المياه عند إعادة هيكله الجامعة العربية وذلك بإنشاء هيئة عربية للمياه تطلع بمسائل المياه، من حيث الدراسات والأبحاث واقتراح المشاريع المختلفة التي تخدم الشعوب العربية واستغلال مواردهم المائية استغلالاً أمثل.(13)

2- محاولة احتواء المشكلات التركية العراقية السورية من خلال عمل جماعي عربي وبنظرة جيدة إلى المصالح المشتركة العربية التركية والعلاقات التاريخية بين الشعب التركي والشعوب العربية.

3- لابد عند تناول ملف المياه في المفاوضات مع إسرائيلوالاستناد إلى أحكام القانون الدولي في هذا المجال.

في ضؤء الدراسة التحليلية لقضايا المياه في الصراع العربي الاسرائيلى توصلت الدراسة إلى إثبات النتائج التالية في ضؤء فروض الدراسة حيث تم التوصل إلى التالي(14):

1 – إن أزمة المياه تعد احدي الأزمات الرئيسية التي بدأت في الظهور علي السطح في المنطقة موضع الدراسة

2 – إن هناك اهتمام من الأطراف المتناقضة في المنطقة بالمياه والسيطرة عليها ، وان هذا الاهتمام يتزايد مع الوقت.

3 – إن المياه تعد مهمة بالنسبة للفكر والأمن والإستراتيجية الإسرائيلية ، لان السيطرة علي المياه كانت ولازالت من أهم الأهداف التي يضعها هذا الكيان لتحويل الحلم الصهيوني بإقامة “دولته الكبرى” الي واقع مادي في المنطقة العربية ، حيث ارتبطت المياه طرديا بتحقيق أهم المرتكزات الأساسية لهذا الكيان كالهجرة والاستيطان ، والتي تعد عوامل رئيسية في بنائه ، فكلما اتسعت السيطرة الإسرائيلية علي المياه ، اتسعت مساحته الاستيطانية ، وزاد عدد مهاجريه ، وتدعمت بالتالي أركانه.

4 – إن هذا الاهتمام الصهيوني مر بعدة مراحل ، من ظهور فكرة السيطرة علي المياه علي يد مجموعة من الزعماء الصهاينة ، إلي القيام بمحاولات لإيجاد دعم من القوي الاستعمارية آنذاك لتنفيذ ذلك كواقع علي ارض فلسطين قبل إنشاء هذا الكيان ، ثم ظهور توجهات عملية لتطبيق هذا الفكر وجعله واقعا ملموسا بعد نشأته ، وتدعيم ذلك بقوة من خلال حرب عام 1967م.

5 – إن وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة خلق خللا في توزيع المياه ، لأنه كيان استعماري يبحث عن الماء لجذب ثم لإرواء عطش ألاف المستوطنين الذين يهاجرون إليه.

6 – إن الطرف العربي في هذه الدراسة ، لا تزال ردود فعله في مواجهة الأهداف الإسرائيلية عند حدود المواجهة الإعلامية ، لا الفكرية أو التنفيذية أو التنظيمية .

من خلال هذه الدراسة لموضوع أزمة المياه في الصراع العربي الإسرائيلي تتضح مدي الحاجة لإيجاد حلول علمية وعملية لمجابهة هذه المشكلة ومنها :-

1- أهمية إيجاد سياسة عربية مائية موحدة للنظر في هذا الموضوع ودراسته ، وذلك لان مشكلة المياه مشكلة مشتركة بين معظم الدول العربية مما يجعل أية دولة عربية عاجزة عن إيجاد حل لها بمفردها.

2- أنشاء وكالة مستقلة لشئون المياه تابعة لجامعة الدول العربية ، يكون من مهامها وضع هذه السياسة ، والأشراف عليها ، ومتابعة تنفيذها ، ودراسة ثم دعم المشاريع المائية العربية.

3- وضع إستراتيجية عربية لحماية الأمن القومي العربي ، وذلك بوقف الهجرة ، والاستيطان الإسرائيلي ، ووضع حد للسيطرة الإسرائيلية علي الثروات المائية العربية.

4- ضرورة تنبه المفاوض العربي للحسابات الإسرائيلية حول المياه ، أذا ما بدأت مفاوضات تسوية في المنطقة.

5- أن هناك غياب لإستراتيجية عربية لاستثمار الروابط التاريخية والجغرافية بدول الجوار – تركيا وأثيوبيا – وغياب هذه الإستراتيجية العربية يوفر للكيان الإسرائيلي الفرصة لاستغلال ذلك ، مما يدعونا للتأكيد علي أهمية الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع هذه الدول ومواجهة التحركات الإسرائيلية في هذه الشأن.

6- ضمان استمرار تدفق مياه الأنهار في المنطقة بوضع ترتيبات بين الدول الأطراف في الدوائر المائية بشكل مستقل ، أو ضمن ترتيبات جماعية مع دول الجوار كتركيا وأثيوبيا ، وذلك بعقد المعاهدات والاتفاقات اللازمة معها.

7- أهمية دعم المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والباحثين للقيام بالدراسات حول الوضع المائي العربي – موارده وإمكاناته واحتياجاته – ووضع الحلول لذلك.

8- تثقيف وتوعية شعوب هذه المنطقة ، إعلاميا ، وتعليميا ، بأهمية المياه ، وخطورة الصراع حول مصادرها ، وأنها تمثل تهديدا للأجيال القادمة.

9- استغلال المياه المهدرة عند مصبات الأنهار ، مما يقلل التكاليف العالية لتأمين المياه بواسطة التحلية ، أو الخضوع لضغوط الدول المتحكمة في منابع الأنهار.

10- الدعوة لإنشاء كيان موحد – منظمة – لتنمية واستغلال المشاريع المائية في المنطقة لصالح دولها ، وطرح الحلول الجماعية لمواجهة هذه الأزمة.

11- التأكيد علي رفض تجزئة أو تهميش قضيتنا الأولي القضية الفلسطينية ، فهذه القضية كل واحد لا يمكن القبول بتجزئتها أو تهميشها ، وأزمة المياه جزء من تلك التجزئة أو التهميش.

وهكذا نجد أن أزمة المياه من أهم الأزمات أمام دول المنطقة موضع الدراسة ، وأنها في الطريق إلي التفاعل والتفاقم في حال عدم وضع حد لها.(15)

المراجع

1)      نبيل الريس ،"مشكلة المياه في إسرائيل وإنعكاستها "،(القاهرة :أكاديمية ناصر العسكرية ،كلية الدفاع الوطني ،1986 ) ، ص 4 .

2)      سيف الدين حمد عبد الله ،"الأطماع الصهيونية في مياه النيل " ، مجلة العلوم الجنائية والإجتماعية ، العدد8 ، الخرطوم معهد البحوث والدراسات الجنائية والإجتماعية بجامعة الرباط الوطني ، أغسطس 2004، ص 352 .

3)      محمد سلمان طايع ، مرجع سبق ذكره ، ص 429.

4)      - -------------، "حروب المياه الصراع المرتقب فى الشرق الأوسط"، متاح على الرابط http://resourcecrisis.com , in 20/1/2018,at 8pm

5)      حسين خلف موسي ،" قضايا المياه في الصراع العربي الإسرائيلي الرؤي والإشكاليات " ،المركز الديمقراطي العربي  ، متاح علي الرابط التالي : www.democraticac.eg     

6)      أمل السيد سليم ،" الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية "، متاح علي الرابط :

www.k-astal.com

7)      اتفاق القاهرة الملحق الثاني، في المادة 2 – ب، في البند "أ"[1]

8)      " اتفاق القاهرة المادة "2 البند "ب" 

9)      رمزي سلامة, مشكلة المياه في الوطن العربي ,القاهرة,  دار الشروق, 2008.

10)  المرجع السابق

11)  المرجع السابق

12)  نهاد عكاشة, دور المياه في تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي: بالتركيز على إتفاق أوسلو, جامعة الخرطوم, 2010.

13)  عبدالمنعم المشاط ، نظريةالأمن القومي العربي المعاصر ( القاهرة : دارالموقف العربي، 1987م )

14)  حامد ربيع ،نظرية الأمن القومي العربي ( القاهرة :دارالموقف العربي : 1995م) .

15)  المرجع السابق .

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟