المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

قراءة في تقرير المخاطر السياسية العالمية 2020

الأحد 26/يناير/2020 - 02:18 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
إيان بريمير، عرض: ريم عبدالمجيد

شهد العالم عدد متزايد من المخاطر الجيوسياسية في كل دوله وقاراته، ولكن دون أن تمثل أزمة حقيقية للنظام الدولي. هذا الوضع تغير الآن حيث أضحى العالم يمر بمخاطر جوهرية وفارقة في تاريخه لم يشهدها منذ عقود عدة مضت. هذه المخاطر في مجملها قد تسهم في تغيير طبيعة النظام الدولي وموازين القوى به فتؤدي إلى  تحوله من أحادي إلى ثنائي أو متعدد الأقطاب، من مستقر  إلى مضطرب. وتحاول مجموعة أورسيا كل عام في تقرير سنوي أن تضع تنبؤً بأكثر الأزمات خطورة على المجتمع الدولي التي من المرجح أن تلعب دورًا في تحوله كونها جعلته أكثر استقطابًا من ذي قبل. وفيما يلي عرض لتلك المخاطر التسع التي جاءت في تقرير المجموعة لعام 2020. (1)

1. من يحكم الولايات المتحدة؟

فيما سبق لم تكن المؤسسات الأمريكية تدرج بين أهم المخاطر في التقارير الدولية المعنية لأنها من بين أقوى المؤسسات وأكثرها مرونة في العام، إلا أنها أضحت الخطر الجيوسياسي العالمي الأكبر لهذا العام في تقرير مجموعة أورسيا، انطلاقًا من وجود اختبار حقيقي لها غير مسبوق متمثل في الانتخابات الأمريكية ونتائجها حيث ترى المجموعة أن الاستقطاب المتزايد في الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى فقدان الجمهور ثقته في نتائجها. وهو ما بدأ بالفعل في الظهور، فقد أوضح استطلاع رأي في عام 2019 أن 53% فقط من الجمهور الأمريكي يعتقدون أن الانتخابات ستكون نزيهة. ومع مطالب محاكمة ترامب تمهيدًا لعزله من قبل مجلس النواب، توقع التقرير أن يتم تبرئته من قبل مجلس الشيوخ، إلا أن هذه التبرئة –رغم أنها ستضفي شرعية على الانتخابات الرئاسية- ستؤدي إلى تراجع نفوذ الديمقراطيين في البرلمان مقابل زيادة نفوذ الرئيس. وفي الوقت نفسه تتوقع أوراسيا مزيدًا من التدخل الخارجي في الانتخابات الأمريكية –خاصة من روسيا- بما يطعن في مقدرة مؤسسات الدولة على إجراء انتخابات نزيهة. ورجحت أوراسيا اعتبار نتائج الانتخابات مزورة بما يحيلها إلى المحكمة العليا –ذات التوجه المحافظ- والتي يمكن أن تحكم لصالح ترامب بما يزيد من السخط الشعبي. وقد أعتبر المشهد السياسي في الولايات المتحدة هو أسوأ مناخ سياسي لإجراء انتخابات وطنية تشهدها الولايات المتحدة منذ انتخابات عام 1876.

2. استقلال الصين التكنولوجي عن الولايات المتحدة

أوضح التقرير أن الخطر الأكبر التالي الذي يواجه العالم هو انتهاء اعتماد الصين على الولايات المتحدة كليًا فيما يتعلق بمجال التكنولوجيا الذي يعد الأداة الأكثر تأثيرًا للعولمة بما يعني أن هذا القطاع بالإضافة إلى العديد من الصناعات الأخرى ستتأثر سلبًا إثر الاضطرار إلى الاختيار بين القوتين العظميين. يأتي هذا عقب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي تفاقمت بسبب إلقاء القبض على مسؤولين في شركة منج وانزهو بسبب انتهاكاتها –المزعومة- للعقوبات الأمريكية ضد إيران. واعتبرت الصين هذا بمثابة تدخل سافر من جانب الولايات المتحدة في العلاقات التجارية بين الصين وإيران، بما دفعها لتوسيع وتكثيف جهودها لإعادة تشكيل التكنولوجيا الدولية بما يعزز مصالحها بشكل أفضل في عالم يتسم بانقسام مطرد.

ويوضح التقرير أن الاستقلال الصين التكنولوجي عن الولايات المتحدة ستكون نتيجته الحتمية حرب باردة للتكنولوجيا بين البلدين يعززها زيادة المنافسة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة وشبكات الجيل الخامس وأشباه الموصلات. وفي هذا السياق يرى التقرير أنه من الصعب عدم الوقوع في تبادل لإطلاق النار في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتوتر العلاقات بينهما حيث رأت أوراسيا أنها ستؤدي إلى صدام حول الأمن القومي والنفوذ والقيم.

3. خسائر الشركات متعددة الجنسيات

تشير أوراسيا إلى أن الشركات متعددة الجنسيات (MNCs) كان يعتقد يومًا أنها أهم فاعلًا في التجارة العالمية، ويُنظر إليها على أنها تساعد على سد الفجوات التي خلفتها الحكومات في قضايا مثل تغير المناخ وتخفيف وطأة الفقر وتحرير التجارة والاستثمار. فرغم أن الشركات العالمية تمثل أكثر من 50 ٪ من التجارة العالمية -ربع العمالة العالمية- مما يجعلها من أهم "الجهات الفاعلة السياسية المؤثرة"، إلا أنها لم تكن فعالة في قضايا كبيرة مثل تغير المناخ والتجارة التحرر بما أفسح المجال للدول القومية لإعادة تأكيد نفسها بشكل متزايد، وهو ما أنتج مخاطر جديدة على رأس مال الشركات وأصولها. ففي الاتحاد الأوروبي، تتجه الحكومات إلى سياسات صناعية تشجع الشركات المحلية ومناهضة للشركات العالمية، بما أدى لتحرك تلك الحكومات بعيدًا عن الاتفاقات متعددة الأطراف إلى اتفاقيات ثنائية وهو ما يضعف قدرة الشركات العالمية الكبرى على إحداث التغيير ويحد من أهميتها.

4. انتشار الفوضى في الهند

قامت الهند مؤخرًا بتطبيق نظام لتحديد لمهاجرين غير الشرعيين في شمال شرق البلاد، مما أدى إلى تجريد 1.9 مليون شخص من الجنسية. وقد أقرت الحكومة أيضًا قانونًا يجعل الدين، لأول مرة، معيارًا للمهاجرين من الدول المجاورة. من المحتمل أن تؤدي هذه السياسات الجديدة إلى صراع طائفي وديني داخلي، وكذلك تأزم الوضع مع كشمير. كما أنها أثارت احتجاجات جماعية في أنحاء كثيرة من الهند. وفي ظل عدم وجود مؤشرات على تراجع رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن هذه القرارات من المرجح أن تشهد الهند انخفاض في النمو الاقتصادي، وضعف الإقرارات الضريبية بما يؤثر سلبًا على مكانة الهند كواحدة من أكبر الاقتصاديات في العالم. جل هذه الأحداث التي تشهدها الهند دفعت مجموعة أوراسيا لتصنيفها كمصدر لقلق عالمي في عام 2020.

5. الاتحاد الأوروبي وسياساته العدوانية

أدت القيادة الجديدة داخل المنظمات الأوروبية إلى جعل الاتحاد الأوروبي أكثر حزمًا، والذي حذرت أوراسيا من أنه قد يأتي بنتائج عكسية. فرأت أن استمرار الاتحاد الأوروبي في سياساته العدوانية مثل دفعه للدول الكبرى للامتثال لاتفاقية تغير المناخ، أو قمعه لعمالقة التكنولوجيا في أمريكا الشمالية قد يزعج الولايات المتحدة خاصة وأن ترامب ليس مؤيدًا للاتحاد الأوروبي، فيمكنه فرض تعريفة انتقامية إذا مضت بروكسل قدمًا في فرض ضريبة رقمية على مستوى أوروبا. جدير بالذكر أن فرنسا فرضت بالفعل ضريبة بنسبة 3 ٪ على المبيعات من قبل الشركات متعددة الجنسيات مثل جوجل وفيسبوك. تدفع شركات الإنترنت الضرائب من 8٪ إلى 9٪ في أوروبا ، بينما يدفع المزيد من الشركات التقليدية ما متوسطه 23٪.

6. سياسات المناخ

تمثل سياسة تغير المناخ خطرًا آخر يواجه العالم، وفقًا لمجموعة أوراسيا. هذه الأزمة ظهرت بسبب تخلف البلدان عن أهدافها الخاصة بانبعاثات الكربون المنصوص عليها باتفاق باريس، كما أن أكبر دول تتسبب في الانبعاثات، الصين والولايات المتحدة والهند، غير مستعدة للتضحية بالنمو الاقتصادي لتقليل تأثيره على درجات الحرارة العالمية. وما يعقد الأزمة أكثر ظهور رد فعل عنيف مناهض للنخبة تجاه المناخ، في جميع أنحاء العالم. وأشارت أوراسيا أن الدول التي يكون لدى قادتها السياسيين خططًا طموحة للمناخ لن يكون من اليسير تنفيذها لأنها تضر نسبة كبيرة من المستثمرين والشركات.

7. تصاعد الخطر الشيعي  في الشرق الأوسط

على الرغم من أن العالم قد تراجع عن شفا صراع إقليمي كبير بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن هذا الصراع لا يزال يمثل تهديدًا قائمًا مزعزعًا للاستقرار في ظل توقع فشل السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إيران والعراق وسوريا في هذا العام مع احتلال إيران مركز الصدارة. وترى مجموعة أورواسيا أن من المحتمل حدوث مناوشات حادة في العراق بين القوات الأمريكية والإيرانية في أعقاب اغتيال قاسم السليماني، وأن إيران ستواصل تعطيل حركة ناقلات النفط في الخليج وتهديد أمن واستقرار الإقليم.

8. تفاقم عدم الاستقرار في أمريكا اللاتينية

يقلل السخط العام من الأرجنتين إلى الإكوادور في أمريكا اللاتينية، من الفساد وتراجع الخدمات العامة من قدرة الحكومات على فرض سياسات التقشف. فقد أصبحت المجتمعات مستقطبة بشكل متزايد وحتى الطبقات الوسطى تخرج إلى الشوارع للاحتجاج على التخفيضات في الدعم والخدمات العامة مطالبة بمزيد من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية. تسبب هذا في تراجع معدلات تأييد الرؤساء في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية حيث أصبحت منخفضة للغاية، مثال على ذلك حصول نيكولاس مادورو في فنزويلا على 13٪، كما يتعرض البرتو فرنانديز لضغوط كبيرة لزيادة تدخل الدولة، ونفس الأمر يحدث في تشيلي، كولومبيا، والإكوادور. وتتوقع مجموعة أوراسيا أن خطر عدم الاستقرار السياسي سيظل مرتفعًا في جميع أنحاء القارة هذا العام.

9. تركيا آخذة في الانهيار

رأت مجموعة أوراسيا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعاني من تراجع شعبيته وسيستمر هذا التراجع في العام الجاري لأن لأردوغان تاريخ طويل من السلوك الاستفزازي آثار  غضب المواطنين في الداخل. ورأت أن ضعف أردوغان سيقوده إلى مزيد من الهجوم بما يلحق الضرر بالاقتصاد الهش بالفعل مما يجعل الأوضاع في تركيا تزداد سواءًا.

 

الهوامش

Ian Bremmer And Cliff Kupchan, “Top Risks 2020”, Eurasia Group, January 2020, available at:

https://www.eurasiagroup.net/issues/top-risks-2020.


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟