المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
نهال أحمد
نهال أحمد

تكليف جديد .. هل يتجاوز الزرفي تحديات المشهد العراقي أم سيلقى مصير علاوي؟

الأحد 29/مارس/2020 - 12:17 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

أثار تكليف "عدنان الزرفي" بتشكيل حكومة عراقية جديدة، حالة من الإنقسام بين القوى الشيعية العراقية بعد انسحاب "توفيق علاوي" وفشل اللجنة السباعية داخل البرلمان من التوافق حول مرشح واحد، وهو ما أفسح المجال أمام رئيس الجمهورية "برهم صالح" لاختيار من يرتأيه لهذا المنصب، ليقع الاختيار على "الزرفي" الذي خاض على مدار الأشهر القليلة الماضية سجال شديد مع الميليشيات الإيرانية داخل العراق.

تكمن المفارقة أن اختيار "الزرفي" لم يشهد رفضًا شيعيًا كليًا، لكنه شطر القوى الشيعية لشطرين، حيث أعلن مقتدى الصدر زعيم كتلة "سائرون" تأييده لرئيس الوزراء الجديد في المقابل رفض زعيم كتلة "الفتح" الشيعية "هادي العامري" هذا الترشيح، ومع ذلك لا يعكس انقسام القوى الشيعية التحدي الأهم، لكن تشكله المستجدات المحلية والعالمية الأخيرة التي تستوجب على رئيس الوزراء الجديد وضع خطط بعيدة المدى لاحتوائها.

بطاقة تعريفية برئيس الوزراء الجديد

"عدنان خضير الزرفي" من مواليد محافظة النجف عام 1966، حصل على الدكتوراه من كلية الفقه جامعة الكوفة، انتمى لحزب الدعوة الإسلامية في بداية حياته السياسية بالثمانينات، ووجهت إليه عدة تهم ليحكم عليه بالسجن المؤبد، إلا أنه تمكن من الفرار والهرب إلى السعودية عقب الانتفاضة الشعبية التي جابت البلاد عام 1991، وفي عام 1994 هاجر إلى الولايات المتحدة، وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003عاد إلى البلاد مجددًا وشارك في العملية السياسية لكن بهوية علمانية مستقلة متجردًا من أفكاره ومعتقداته الإسلامية السالفة(1).

تولى "الزرفي" عدة مناصب سياسية وإدارية وأمنية، فشغل منصب وكيل للإستخبارات الأمنية في وزارة الداخلية، كما تولى منصب محافظ للنجف لمدة ثلاث دورات، وأخيرًا شغل منصب نائب في البرلمان عن إتلاف "النصر" بالبرلمان العراقي .

يعد "الزرفي" من الشخصيات الإستثنائية في محافظة النجف نتيجة لهويته ومرجعيته السياسية والمتعارضة بشكل تام مع مرجعية مواطني تلك المدينة.

جدير بالذكر أن محافظة النجف تتشارك مع كربلاء في كونهما الموطنين الرئيسيين لتخريج آلاف من طلبة الفقه الشيعي، كما تتضمنا مراقد لأئمة شيعية بارزة كالإمام "على ابن أبي طالب" وابنيه، ورغم ما سبق جاء "الزرفي" كطارئ واستثناء على ما هو شائع بتلك المحافظة بعدما تبنى خطاب اتخذ من العلمانية السياسية محددًا وملمحًا له.

ورغم تعارض هويته مع هوية مواطنى محافظته، لكنه تمكن من كسب الجماهير المعدمة اقتصاديا بعدما تمكن من النهوض بدخولهم وتوجيه واردات المحافظة إلى المدن والقرى المعدمة التي تتعالى عليها هيمنة أرستقراطية شيعية من رجال الدين والسياسة والتجار، وقد ساهم ذلك في تمكينه من تولى منصب المحافظ لفترتين آخريين  من 2009 وحتى 2014 ، ما أدى لمزيد من الحقد والضغينة بينه وبين رموز الشيعة(2).

انقسامات داخلية

شهدت الكتلة السياسية الشيعية حالة من الانقسام بعد تكليف "عدنان الزرفي" بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، لتتصاعد بذلك لهجة تهديد وخطاب تخوين يعكس صدام المصالح بين تلك القوى.

يرجع الجدل بشأن شخصية "الزرفي" نتيجة لهويته السياسية وتحوله من الإسلام السياسي إلى العلمانية وهو الأمر الذي تسبب في حالة من الرفض من قبل القوى الدينية، يضاف إلى ذلك الصراع الطبقي الذي خاضه "الزرفي" مع الرموز الدينية الشيعية وحلفائهم من الساسة والتجار داخل مدينة النجف وهو ما جعله العدو الأبرز للإسلاميين المتشبسين بالحكم منذ 2005.

فعقب تكليف الرئيس "برهم صالح" "للزرفي" بتشكيل الحكومة، بدأ تحالف "فتح" المقرب من طهران بافتعال المشكلات كان أولها اتهام الرئيس "صالح" باختراق الدستور، بعدما كلف "الزرفي" بشكل فردي وتجاهل الكتلة الأكبر التي يمثلها تحالف "فتح"، لتبدأ بذلك وسائل الإعلام التابعة للكتلة الشيعية في توجيه إتهامات "لصالح" بالعمالة للولايات المتحدة(3).

وأعلن التحالف عبر بيان له رفض الخطوة غير الدستورية التي قام بها رئيس الجمهورية متهمين إياه بعدم الإلتزام بتحقيق التوازن بين القوى السياسية ومهددين باتخاذ كافة الإجراءات لمنع الإستخفاف بالقانون والدستور.

في المقابل يتضح من خطاب تحالف "سائرون" الذي أعقب تكليف "الزرفي" حالة من الإرتياح، حيث أوضح بيان التحالف أن الشعب هو الكتلة الأكبر وأن مصلحته هي الدستور الذي ينبغي أن يوضع رهن الإعتبار قبل اتخاذ أي قرار سياسي. من ناحية أخرى أبدت القوى الكردية والسنية ترحيبهما بتكليف "الزرفي" بإدارة المرحلة المؤقتة.

أبرز التحديات التي تواجه الرئيس المكلف

يواجه رئيس الحكومة الجديد عدة تحديات على مختلف الأصعدة، لاسيما مع خصوصية التوقيت الذي جاء فيه، عقب موجة من الإحتجاجات التي سادت البلاد في الأشهر الأخيرة من 2019 يمكن إبرازها على هذا النحو:

التحدي الأول .. تشكيل حكومة جديدة

أصبح لزامًا على رئيس الحكومة التمكن من تشكيل حكومة جديدة خلال الثلاثين يومًا المقبلة، فمنذ استقالة الحكومة العراقية ديسمبر 2019، تحت ضغوط شعبية لم يتمكن أي مرشح بمنصب رئيس الوزراء من الحصول على الموافقة والإجماع،كان آخر هؤلاء المكلفين السيد "محمد علاوي" الذي تم تكليفه في فبراير 2020، لكنه أعلن انسحابه بعد فشل جهوده في إقناع المحتجين واكتساب ثقة البرلمان والحصول على الأصوات اللازمة لتمرير حكومته.

التحدي الثاني .. تدني أسعار النفط

يقع على عاتق رئيس الوزراء الجديد مسؤولية كبيرة تتعلق بوضع خطط لمواجهة الأزمة الإقتصادية المرتقبة على خلفية هبوط أسعار النفط نتيجة لتفشي فيروس كورونا، فالعراق تصنف  باعتبارها مصدر أوبك الثاني للنفط حيث تشكل الموارد النفطية العراقية قرابة 90% من مبيعات النفط.

من ناحية أخرى تشكل تلك المبيعات المصدر الرئيسي والأول للموازنة العراقية، لذلك أدى انخفاض الطلب الصيني على الهيدروكربونات، كذلك حرب الأسعار المشتعلة بين السعودية وروسيا إلى تراجع الطلب المحلى على النفط وهو ما يؤثر بالسلب على الموازنة العراقية في وقت الدولة فيه بأمس الحاجة إلى العوائد المالية لمواجهة أزماتها الداخلية وتحقيق استقرار البلاد(4).

التحدي الثالث .. التوترات الأمنية

لا يمكن تجاهل التحدي الأمني لاسيما مع تصاعد التوترات الأمنية بعد السيطرة الشيعية على مفاصل الدولة العراقية وهيمنتها على هياكل المؤسسات الرسمية، ومن ناحية أخرى استمرار السجال الأمريكي الإيراني على الأراضي العراقية وما لذلك من تأثير سلبي بالغ الخطورة على استقرار الدولة وسيادتها.

حيث تفتح الضربات العسكرية المتناوبة والمتبادلة بين الولايات المتحدة والأذرع الإيرانية داخل العراق الكثير من التساؤلات، لاسيما مع حالة عدم الإستقرار والتدهور الأمني الذي تشهده البلاد، فهل ستخلق تلك الهجمات بيئة خصبة لاستقطاب عناصر داعش الفارين من الحرب في سوريا، أم ستهيأ الأجواء لنشأة تنظيم إرهابي جديد مناظر لداعش، ويعزز من خطورة الوضع التغلغل الإيراني الواضح داخل مفاصل الدولة وهو ما يقلص من محدودية الدولة في مواجهة هذا التحدي.

ورغم رفض الولايات المتحدة إعادة استنساخ تجربتها في أفغانستان إلا أن تغلغل الفصائل الشيعية داخل مؤسسات الدولة هو ما دفع واشنطن للتعامل معها بطرق أكثر دموية من خلال إطلاق عمليات اغتيال لرموز مهمة بالنسبة لتلك الفصائل إلى جانب استهداف مخازن وبنى تحتية، كل ذلك دفع الفصائل الشيعية أن ترعى عدة إعتبارات في تعاملها مع الولايات المتحدة.

يكمن الإعتبار الأول في محاولة استقطاب الأمريكيين وجرهم إلى معركة، شريطة أن تراعي كافة الإعتبارات في هذا الشأن، لعل أبرزها فارق القوى العسكرية، حيث تتجنب الميليشيات استهداف مواقع ذات كثافة عددية أمريكية، كذلك تجنب إحداث خسائر كبيرة في صفوف القوات الأمريكية تجنبًا لتصعيد رد الفعل الأمريكي بشكل مبالغ فيه ضد الميليشيات، وبناءًا على ذلك ينصب الإعتبار الأول على محاولة  ضبط إيقاع المواجهات بالقصف المتبادل بدون تصعيد(5).

فيما يتمحور الإعتبار الثاني حول تهميش الحكومة العراقية وإبعادها عن المشهد كلية واستفراد تلك الميليشيات بالمواجهة المباشرة مع القوات الأمريكية، ثالثًا تركيز الميليشيات الإيرانية على أهمية الحفاظ على قواعد الاشتباك أي عدم ظهور إيران مباشرة في المشهد ولكن ضرب القوات الأمريكية بظل إيراني ممثل في الميليشيات الشيعية، أي تبني إستراتيجية المواجهة غير المباشرة مع واشنطن .

التحدي الرابع .. انتشار فيروس كورونا المستجد

يضاف إلى ما سبق التحدي الأكثر خطورة والذي لا يقتصر على العراق فحسب لكنه أصبح التحدي الأبرز عالميًا والمتمثل في خطر انتشار مرض كورونا المستجد في العراق بعد تسجيل أكثر من 154 إصابة و11 حالة وفاة بين العراقيين جراء إصابتهم بالفيروس وفقا لوزارة الصحة العراقية، ما دفع الحكومة العراقية لفرض حظر التجول لمدة أسبوعين.

فتداعيات كورونا لا تقتصر على الجانب الصحي فحسب لكنها تمتد لتشكل تحديات سياسية واقتصادية، وما يزيد الوضع سوءا معاناة العراق الشديدة من فشل النظام الصحي مثله مثل المنظومات الأخرى التي تعاني من استشراء الفساد وعدم كفاءة الإدارة، وهو ما يستوجب ضرورة وضع خطة لتعزيز منظومة الأمن الصحي لإحتواء تلك الأزمة.

أخيرًا يبدو أن مهمة رئيس الوزراء العراقي الجديد ليست هينة على الإطلاق، بمرور الوقت تتزايد المشكلات وتتصاعد التحديات، ليبقى التساؤل قائمًا، فعل سيتمكن "الزرفي" من تجاوز المشكلات المتفاقمة ومواجهة انقسام القوى السياسية إزاءه أم سيلقى مصير من سبقه؟

المراجع

1ـ محمود أمين، الزرفي العلماني يشطر المشهد السياسي بعد تكليفه تشكيل الحكومة العراقية،موقع حفريات، 19/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/xkcVp

2ـ رانج علاء الدين، هذه التحديات تواجه رئيس وزراء العراق الجديد، 15/3/2020، بروكينجز الدوحة، متاح على الرابط: https://cutt.us/egC6A

التصعيد العسكري: العنوان بين واشنطن وطهران في العراق،مركز  روابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية،16/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/WKhPj

4ـ مثنى عبد الله، واشنطن وطهران: اشتباكات الضرورة فوق الأراضي العراقية، 17/3/2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/MRj7r

5ـ نهال أحمد، خسائر متتالية: تأثير التصعيد الأمريكي _ الإيراني على الدولة العراقية، المركز العربي للبحوث والدراسات، 19/3/2020، متاح على الرابط: http://acrseg.org/41531

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟