المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريم عبد المجيد
ريم عبد المجيد

هل ستصمد تجربة التكامل الأوروبية في مواجهة كورونا؟

الأحد 29/مارس/2020 - 01:03 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

بدأت أزمة فيروس كورونا التي تبدو أشبه بأزمة الهجرة والأزمات المالية –كأحد أعراض العولمة التي لا يمكن منعها من حيث بدأت- وبدأ معها اختبار مدى قدرة الإتحاد الأوروبي على الصمود في وجه أزمة جديدة والتي تعد أكثر خطورة لأنها أتت في ظل وجود انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء، خروج بريطانيا منه، وصعود الأحزاب الشعبية المناهضة للإتحاد. إن التفشي المتفجر حول القارة للفيروس- الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية وباءً رسميًا - يسلط الضوء على وعود وحدود الإتحاد الأوروبي المتمثلة في: تنسيق شامل، سوق واحدة بلا حدود إلى حد كبير تتكون من 27 دولة كل منها بحكوماتها، وناخبون، البيروقراطية، وأنظمة الرعاية الصحية، والمصالح الوطنية. فطوال الأسابيع الماضية، دعا المسؤولون في بروكسل والعواصم الوطنية إلى تنسيق أوروبي شامل لمواجهة الأزمة ولكن تلك الدعاوي لم تكن فعالة بشكل يلزم كل دولة على التنسيق مع نظائرها في الاتحاد. وفي ظل هذه الأزمة يثار عدة تساؤلات حول مقدرة الدول والمؤسسات الأوروبية على الصمود وإثبات أنها ملتزمة حقًا بمشروع تكاملي مشترك. من هذا المنطلق سيعرض المقال مظاهر غياب التنسيق بين الدول الأعضاء والسياسات الوطنية التي اتبعتها الدول المتعارضة مع مبدأ التكامل، وأخيرًا سيتم محاولة تفسير الأمر لمعرفة سبب إدعاء البعض أن الاتحاد في طريقه للتفكك وذلك باستخدام النظرية الواقعية.

غياب التنسيق

في بادئ الأمر ولمواجهة أزمة كورونا، اجتمع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في العاشر من مارس لمناقشة سبل تنسيق الإجراءات  فيما بينهم بما يحد من تأثيره على اقتصاد الإتحاد. وأسفر الإجتماع عن عدة قرارات منه قيام وزراء الصحة بتبادل المعلومات يوميًا مع المفوضية الأوروبية (1)، والتنسيق للبحث عن لقاح وكذلك تعبئة الأدوية ومعدات الحماية، كما تقرر إنشاء صندوق استثماري لمواجهة الفيروس حيث تم تخصيصه لدعم الأنظمة الصحية وكذلك الإقتصادات الضعيفة. ومن الناحية الإقتصادية قرر الإتحاد اتخاذ التدابير اللازمة لمساعدة شركات الطيران المتضررة. ومع الإنتشار السريع للفيروس وتصاعد قلق كل دولة عضو من خروج الأمر عن السيطرة بما دفع كل منها لاتخاذ قرارات وطنية من جانب واحد لمكافحة انتشاره دون التنسيق مع باقي الدول بل إعلاءً من أهمية القومية على حساب الإتحاد. ومن تلك القرارات:

رفض تبادل المعلومات بين الدول: بعد الإتفاق على تبادل المعلومات بين وزراء الصحة، رفض رؤساء الدول تبادل المعلومات حول مخزون المعدات والمستلزمات الطبية لأسباب تتعلق بالأمن القومي الخاص بها وعلل البعض أن الجيش هو من لديه هذه المعلومات ومن الصعب مشاركتها مع دول الإتحاد الأوروبي الأخرى(2).

إغلاق الحدود وحظر السفر: فقامت بعض الدول بإغلاق الحدود تمامًا في وجه مواطني الإتحاد الأوروبي.

السطو على المساعدات الطبية: قامت السلطات التشيكية بالإستيلاء على المستلزمات الطبية التي قدمتها الصين إلى إيطاليا قبل وصولها للأخيرة وأعلنت صعوبة استردادها وإرسالها لإيطاليا لأنه تم توزيعها بالفعل على مستشفياتها وصرح وزير الداخلية التشيكي بأن هذا الإستيلاء لن يضر بإيطاليا (3)، على الرغم من أنها أصبحت الأولى عالميًا من حيث أعداد المصابين بالفيروس وفي أمس الحاجة للمساعدة ولتدارك الأمر وعدت التشيك بإرسال مساعدات لإيطاليا (4).

  منع تصدير المستلزمات الطبية: في الشؤون التجارية، شهد الإتحاد الأوروبي في بداية هذه الأزمة واحدة من أكثر اللحظات الحرجة وغير الداعمة منذ نشأته، عندما حظرت ألمانيا وفرنسا تصدير الأقنعة والمستلزمات الطبية في الوقت الذي كانت فيه إيطاليا في أمس الحاجة إليها (5). فجوهر السوق المشتركة هو أنه، وفقًا للميزة النسبية لديفيد ريكاردو، تتخصص كل دولة فيما تنتجه بكفاءة أكبر مقابل قدرتها على تبادل ما تحتاجه من بقية المنتجين، ومن ثم فإن تقييد بيع المنتجات لباقى الدول الأعضاء في أوقات الأزمات يتنافى مع جوهر السوق الموحدة. هذا القرار أدى إلى الإضرار بالدول المتأثرة بالفيروس بما دفعها للبحث عن مخرج لها خارج الإتحاد الأوروبي، فطلبت إيطاليا من الصين إمدادها بالأدوية والمستلزمات الطبية لمواجهة الأزمة.

غياب التضامن الإقتصادي: بدا هذا واضحًا في المجال الضريبي، فقد كانت التدابير التي اتخذتها مجموعة اليورو في اجتماعها الأخير، مخيبة للآمال. فقد تم الإتفاق على تخصيص 37.000 مليون يورو لمكافحة الفيروس، وأن بنك الإستثمار الأوروبي سيكون لديه 10 مليارات لإقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة، وسيكون هناك 28 مليارًا للصناديق الهيكلية. أما في الواقع نجد أنه رغم المرونة المالية التي أبدتها مجموعة اليورو، نجد أنها تتردد مرة أخرى حول تبادل المخاطر من خلال سندات اليورو أو غيرها من المقترحات التي أكثر مع تشريعات الإتحاد الأوروبي الحالية، لما لها من تداعيات على اقتصاداتها الوطنية. هذا أدى إلى جعل كل دولة تواجه الفيروس بمواردها الخاصة وبمفردها (6).

فشل بعض المؤسسات الأوروبية في دعم الدول الأعضاء: فلم تنجح المفوضية الأوروبية ومجموعة اليورو في الاتفاق على التدابير الممكنة لمساعدة الدول الأكثر تضررًا -من الناحية المالية- من الفيروس، واقتصروا على إعطاء تفويض مطلق للإنفاق العام وخصم حساب العجز وزيادة بنود إعانة البطالة. وعندما تم التوافق على تميكن للبنوك من تمويل نفسها من خلال برنامج TLTRO بمعدل 25 نقطة أقل كنوع من تسهيل الإيداع، حيث يسمح هذا البرنامج للبنوك التجارية طلب احتياطيات بسعر فائدة أقل مما تتلقاه من أجل الإحتفاظ بهذه الإحتياطيات في وديعة البنك المركزي الأوروبي، رفضت كريستين لاغارد رئيس البنك المركزي الأوروبي، هذا المبدأ معللة ذلك بأن الحفاظ على استقرار فارق عائد السندات بين دول منطقة اليورو ليست مهمة البنك المركزي الأوروبي. ورغم تراجع لاغارد عن تصريحها، تسبب التصريح في إثارة الشكوك حول دور البنك المركزي  خاصة في أوقات الأزمات، فدول مثل إيطاليا وإسبانيا أثير لديها مخاوف من عزوف البنك عن تقديم مساعدات المخاطر  كونها الدول الأكثر تأثرًا بالفيروس.

محاولة للتفسير

افترضت نظرية الليبرالية والليبرالية الجديدة أن فوضوية النظام الدولي وتحقيق الأمن سيتحقق فقط من خلال التعاون بين الدول وإنشاء المؤسسات الدولية والتي من خلالها سيتمكن جميع الأطراف من تحقيق مصالحهم المشتركة في جميع المجالات، ورأت أن أمن الدولة الواحدة يساوي أمن الجميع، فإذا تعرضت دولة للخطر فإن هذا يهدد أمن الجميع وبالتالي من خلال التحالف والتنسيق بين أعضاء المؤسسة سيتمكنوا من الحفاظ على أمن بعضهم البعض. وظلت هذه النظرية قادرة على تفسير نشأة واستمرار الاتحاد الأوروبي الذي كان نموذجًا مثاليًا للتكامل الإقليمي، ولكنها الآن تفشل في تفسير سلوك الدول وما اتخدته من إجراءات منفردة مهددة بذلك أمن غيرها من الدول في نفس الإتحاد. ومن هنا تأتي النظرية الواقعية بمقولاتها لتصبح أكثر قدرة على التفسير، فيرى منظروا الواقعية أن النظام الدولي فوضوي وهو ما يتسبب في وجود معضلة أمن، وأن على كل دولة –منفردة- أن تعتمد على نفسها لتحقيق أمنها وهو ما يؤدي إلى تناقص أمن الدول الأخرى.

وبالنظر إلى مواجهة دول الإتحاد الأوروبي لأزمة كورونا يتصح أن تلك الدول أضحت ترى أن الإتحاد مصدرًا للتهديد، أي إن معضلة الأمن أصبحت داخل الإتحاد الأوروبي. فمن ناحية بسبب حرية حركة الناس داخل الإتحاد تم انتشار فيروس كورونا بين الدول بشكل عجزت عن السيطرة عليه وهو ما يفسر سبب قيام كل دولة بإغلاق حدودها بهدف وقف استيراد العدوى من غيرها من الدول الأعضاء. كما قامت باتخاذ عدة إجراءات مثل وقف تصدير السلع الطبية المشار إليها أعلاه، والتي تعكس بشكل واضح سعي الدول لتحقيق أمنها على حساب أمن باقى الدول، لأن هذه الإجراءات التي تم اتخاذها دون إخطار مسبق أو تنسيق مع الشركاء الأوروبيين يهدم مبدأ التكامل لتحل محله الفردية والمصلحة الذاتية وهو ما يفسر أيضًا قيام التشيك بالسطو على المساعدات الطبية القادمة من الصين إلى إيطاليا.

يُضاف لذلك، أن الدول قامت باتخاذ قراراتها بعيدًا عن مؤسسات الإتحاد الأوروبي ككيانات معنية ببحث أزمات ومشكلات الدول الأعضاء، وهو ما يؤكد أن الدولة وليست المؤسسة ستظل الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية، ويؤكد أيضًا فشل المؤسسة في تحقيق الأمن الجماعي للدول وهو ما دفع قادة الإتحاد الأوروبي للسعي لتحقيق أمن دولهم القومي بمعزل عن البقية بل واعتبار أن محاولة مساعدة الآخرين سيضر بأمنهم، وهو ما يفسر رفض الدول تبادل المعلومات فيما بينهم حول المعدات والمستلزمات الطبية المتوافرة لدى كل منها، وكذلك عدم قيام كل منها بدعم الدول المتضررة إثر انتشار الفيروس خاصة إيطاليا وإسبانيا لأن دعمهم اقتصاديًا سيقلل من قدرتهم على مواجهة الفيروس وآثاره الإقتصادية في دولهم بما يؤثر سلبًا على اقتصاداتهم وهوما يرغب القادة الأوروبيون في تفاديه.

جملة الإجراءات المذكورة سابقًا توضح تراجع الإيمان بضرورة الإعتماد على المؤسسات مواجهة الأزمات، فرأى الكثير أن الإتحاد الأوروبي استمر في نجاحه لأن الدول كانت تتقاسم المنافع وكان ناجحًا في تحقيق مكاسب كثيرة لهم وهو ما ساعد على بقاءه، ولكن مع تتابع الأزمات واحدة تلو الأخرى أضحت الدول ترى أن من صالحها اتباع نهج انسحابي لأن الإهتمام بمشكلات وأزمات الدول الأخرى يكلف الدولة الكثير في وقت تشتد فيه الحاجة لتلك الموارد لحفظ أمنها وأمن مواطنيها. يضاف لذلك كشف الأزمة عن عدم صحة ادعاء نظريات التكامل الدولي، والنظرية الليبرالية بأن التعاون الإقتصادي يمهد لتحقيق تعاون شامل في جميع المجالات. فرغم نجاح الإتحاد الأوروبي اقتصاديًا إلا أن الأزمات السياسية والأمنية التي فشل في التعامل معها بالتنسيق والتعاون مثل الأزمات الإقتصادية.

تأسيسًا على ذلك، نخلص إلى وجود معضلة أمن داخل الإتحاد، بروز دور الدولة وتراجع دور المؤسسة، وغيرها من الظواهر التي تنذر باحتمالية تفكك الإتحاد الأوروبي الذي بدأ كمؤسسة تعاونية اقتصادية وتسببت الأزمات السياسية الأمنية في إثبات فشله، أو عدم مقدرته مؤسسة على الإرتقاء لمستوى تعاوني أشمل.

المراجع

(1)Sarah Wheaton, “How coronavirus will test the European Union,” Politico, 11\3\2020, available at: https://www.politico.eu/article/coronavirus-europe-crisis/

(2) Sarantis Michalopoulos, “Coronavirus puts Europe’s solidarity to the test,” Euractiv, 15\3\2020, available at: https://www.euractiv.com/section/coronavirus/news/coronavirus-puts-europes-solidarity-to-the-test/

(3) “Confusion after Czech officials seize China-donated masks bound for Italy,” Straits times, 22\3\2020, available at: https://www.straitstimes.com/world/europe/confusion-after-czech-officials-seize-china-donated-masks-bound-for-italy?fbclid=IwAR3yR30rEpS7jOKl_6ClwxfIZz21pxhe0ANk2BNieGe3n2-Khj2k_ItIM9g.

(4) “The Czech Republic to Send 110,000 Masks to Italy,” Prague Morning, 22\3\2020, available at: https://www.praguemorning.cz/the-czech-republic-to-send-110000-masks-to-italy/.

(5)“Germany blocks medical equipment shipment to Switzerland,” World Radio, 11\3\2020, available at: https://worldradio.ch/news/2020/03/11/germany-blocks-medical-equipment-shipment-to-switzerland/?fbclid=IwAR0PAIwhNoddCfGIEfzWUq4ydYF897rcEOvE4cS-1MX2zBFm8SRkGKFWgz4.

(6) Silvia Amaro, “Italy asks for help from EU crisis fund as death toll spikes,” CNBC, 20\3\2020, available at:

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟