المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

استغلال الأوضاع .. هل تستثمر تركيا انتشار فيروس كورونا في تعزيز نفوذها الإقليمي؟

الأحد 29/مارس/2020 - 01:16 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

يشهد العالم منذ ديسمبر 2019 حالة من الاضطرابات الكبيرة بسبب الإعلان عن فيروس كورونا المستجد في الصين وانتقاله إلى معظم دول العالم وهو الأمر الذي تسبب في اتخاذ الدول العديد من السياسات على المستويين الداخلي والخارجي مثل وقف الرحلات الجوية داخل وخارج الدول، وإغلاق الحدود، وهو الأمر الذي انعكس بصورة كبيرة على الأوضاع الداخلية والخارجية للكثير من دول العالم، وكذلك مناطق النزاعات.

وضمن هذا السياق ذهب الكثير من الخبراء في العلاقات الدولية إلى أن هناك متغيرات كبرى ستلحق بعالم ما بعد فيروس كورونا، وقد تفضي إلى زعزعة ركائز النظام الدولي الراهن، ليفسح المجال واسعًا لإرساء نظام دولي جديد بملامح مختلفة عن النظام السابق، وعلى الرغم من أن هذا الفيروس تسبب في الكثير من الأوضاع الإيجابية المتمثلة في زيادة الشعور بالمواطنة، وتحفّيز التضامن في عدد من البلدان، وأبرز أيضًا أهمية توفير بنيات طبية في مستوى المخاطر والتحديات، وحيوية الاستثمار في مجال البحث العلمي باعتباره البوابة الحقيقية نحو التقدم، وتحقيق الأمن بمفهومه الإنساني الشامل، إلا أنه هناك الكثير من المظاهر السلبية مثل تراجع النمو الاقتصادي وتراجع في أسعار النفط والنشاط السياحي واستغلال بعض الجماعات المسلحة لهذه الأوضاع في تعزيز نفوذها وقدرتها العسكرية، بالإضافة إلى قيام بعض الدول  بتمويل هذه الجماعات، أو استثمار هذا المناخ في التأثير في بعض مناطق النزاعات في العالم.

وبناء عليه تشير الكثير من الشواهد إلى قيام تركيا باستثمار هذه الظروف التي تمر بها دول العالم لتعزيز نفوذها الإقليمي في الكثير من الملفات بعضها يخص توظيف ملف اللاجئين وانتشار الفيروس بينهم، إلى خرق الهدنة الموقعة مع الجانب الروسي في منطقة إدلب السورية، بالإضافة إلى دعم الجماعات المسلحة التابعة لها في ليبيا، وهو سيتم مناقشته خلال محاور التقرير.

تركيا واستثمار  انتشار الفيروس

هناك الكثير من الملفات المرتبطة بصورة بكبيرة بتحقيق المصالح التركية والتي يمكن أن يتم استثمارها لتعزيز المصالح التركية، ويُعد انتشار فيروس كورونا في دول العالم فرصة ذهبية لها لتحقيق بعض النجاحات السياسية والاقتصادية وذلك على النحو التالي:

1) ملف اللاجئين وفيروس كورونا

                تحاول تركيا تعزيز موقفها السياسي والاقتصادي والعسكري في مواجهة دول الاتحاد الأوروبي من خلال استثمار ملف اللاجئين في سياستها الخارجية، ويزيد من أهمية هذا الملف عوامل مختلفة من أهمها الخوف الدولي بصورة عامة والأوروبي بصورة خاصة من تفاقم أزمة اللاجئين في الكثير من المناطق، وانتقال العدوى لمثل هذه المجموعات في ظل تدني مستويات الرعاية الطبية في الظروف العادية، كما أن هذه القضية ترتبط بصورة كبيرة بالأمن الإقليمي الأوروبي وهو ما دفعها إلى انتهاج العديد من السياسات التي من شأنها مواجهة هذه الأزمة والحد من تأثيرها خاصة مع انتشار الفيروس في العديد من الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وضمن نفس السياق قامت الدول الأوروبية بتوجيه المخصصات المالية  إلى تركيا كمساهمة منها في تحسين الأوضاع الخاصة باللاجئين ولكن مع تزايد الإصابات بمرض كورونا فمن المحتمل أن تتزايد في هذا الشأن أعداد الإصابات بين صفوف اللاجئين خاصة وأنه ينتشر بسرعة كبيرة في الكثير من المناطق ومن بين هذه الدول تركيا.

2) دعم الجماعات المسلحة

                تنخرط تركيا في الكثير من مناطق الصراع في المنطقة العربية وخاصة في الأزمتين السورية والليبية من خلال دعمها للجماعات المسلحة التابعة لها في داخلهما لتعزيز نفوذهما، وكامتداد للسياسة التركية القائمة على عدم احترام الإتفاقيات الدولية المتعلقة بوقف إطلاق النار في هذه المناطق أو تقديم دعم بعض الجماعات بما يساهم في زيادة حدة الصراعات فلم تتخذ تركيا العديد من الإجراءات الخاصة بوقف الرحلات الجوية والبحرية مع ليبيا؛ حيث يستغل انشغال المجتمع الدولي بمكافحة فيروس كورونا المستجد، ويزود المليشيات الإرهابية التي تسيطر على طرابلس بالسلاح والذخيرة، بالإضافة إلى تدفق المزيد من المرتزقة السوريين.

                ويجب الإشارة هنا إلى أن الجماعات المسلحة دائمًا ما تنشط في أوقات الأزمات سواء على مستوى الداخل أو الخارج، وهو ما يمكن أن تستغله بعض الدول في استثمارها لهذه الظروف في دعم الجماعات التابعة لها، كما أن السياسة التركية مستمرة في دعم الجماعات المسلحة لتحقيق مصالحها، وعلى الرغم من أن العالم يمر بأزمة إنسانية كبيرة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، فإن ذلك لن يوقف أنقرة عن إرسالها المعدات والأسلحة للجماعات المسلحة في ليبيا خاصة في ظل انشغال الدول الأوروبية بمكافحة الوباء، فلن يجد أردوغان من يواجه تحركاته في ليبيا، لا سيما أن الدول الأوروبية التي كانت تعترض على سياسات أردوغان مثل "فرنسا وألمانيا وإيطاليا" تواجه كارثة إنسانية، ومن ثم قد تساهم هذه السياسات بصورة واضحة من إمكانية تعزيز الجماعات المسلحة في ليبيا لترسانتها العسكرية، وما يؤكدعلى ذلك ما أعلنه العميد خالد المحجوب، مدير مكتب التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، في 22 مارس 2020 من أن المليشيات في مدينة مصراتة استقبلت شحنة سلاح جديدة قادمة من تركيا، كما أكد عقيلة صالح مدير المكتب الإعلامي لغرفة عمليات إجدابيا بالجيش الليبي أن مليشيات حكومة الوفاق غير الشرعية اخترقت في 21 مارس 2020 وقف الإطلاق النار المعلن، لتوحيد الجهود لمواجهة فيروس كورونا.

3) خرق الهدنة مع روسيا في إدلب

                تم الاتفاق بين كل من تركيا وروسيا في 5 مارس 2020، على اتفاق لوقف إطلاق النار في مناطق التماس بإدلب والذي دخل حيز التنفيذ اعتبارًا من هذا اليوم، ويعد هذا الاتفاق بمثابة امتداد لاتفاق سوتشي الموقع بين الجانبين في سبتمبر 2018 بشأن خفض التصعيد في منطقة إدلب أو بروتكولًا إضافيًا لها،  ولكن هذا الاتفاق يأتي في ظل العديد من التطورات الميدانية في هذه المنطقة بعد سيطرة الجيش العربي السوري في  29 يناير 2020، على الكثير من المناطق التي كانت في السابق تخضع لنفوذ الجماعات المسلحة المدعومة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا من جانب تركيا، وضمن هذا السياق فقد جاءت التحركات السورية والروسية بسبب قيام تركيا بدعم الجماعات التابعة لها في سوريا خاصة بعد اتفاق سوتشي الموقع بين كل من تركيا وروسيا في سبتمبر 2018؛ حيث أعلن رئيس مركز التنسيق الروسي في سوريا التابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء البحري أوليغ جورافليوف في بيان نقلته وكالة أنباء "سبوتنيك"، أنه تم رصد 19 انتهاكًا لاتفاق وقف الأعمال القتالية من قبل المجموعات الإرهابية خلال 24 ساعة فقط من توقيع الاتفاق، ومن ثم يمكن لتركيا في ظل انشغال العالم بإنعكاسات فيروس كورونا على الكثير من أوضاعها الداخلية والخارجية الإستمرار في تعزيز دعمها للجماعات المسلحة في إدلب.

انعكاسات محتملة

في ظل الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وتسوية النزاعات في الكثير من مناطق العالم، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم بهدف حماية من يواجهون خطر التعرض لخسائر مدمرة بسبب فيروس كورونا المستجد وذلك خلال كلمة له في الأمم المتحدة، وهذا الأمر من الممكن أن ينعكس على الكثير من مناطق الصراعات في دول العالم، ولكن على الرغم من ذلك إلا أن هناك دول مختلفة تسعى إلى استغلال هذه الظروف الإستثنائية لتحقيق مصالحها القومية، وضمن هذا السياق قد تشهد تركيا مسارات عديدة تتعلق بسياستها في هذه المرحلة وذلك على النحو التالي:

1) تعزيز نفوذ تركيا الإقليمي

                هناك دلائل عديدة تشير إلى اعتماد تركيا على هذه السياسات في تعزيز نفوذها الإقليمي في ظل انشغال العالم بمواجهة هذا الفيروس الذي ينتشر بسرعة كبيرة في الكثير من دول العالم ومن بينها تلك الدول التي تعارض التوجهات الخارجية التركية في المنطقة العربية بصورة عامة، ولعل هذه الشواهد التي تم الإشارة إليها يمكن أن تساهم في تعزيز تركيا لنفوذها في سوريا وليبيا والعراق وغيرها من الدول سواء من خلال أدوات القوة الناعمة أو الصلبة.

2) مواجهة مستقبلية

                تتجه الكثير من التقارير والتحليلات إلى أن هناك سياسة جديدة سيشهدها النظام الدولي بعد انتشار هذا الفيروس وهو ما قد يؤثر على مستقبل الصراعات خاصة وأن هذه التوجهات تحاول استغلال هذه الأوضاع الجديدة في تسوية الكثير من الصراعات والنزاعات، والتي سيترتب عليها انحصار التدخلات التركية ونفوذها الإقليمي وتراجع سياساتها القائمة على تصعيد التوترات سواء في سوريا أو ليبيا أو في منطقة شرق المتوسط، ومن ثم فإن هذه التوجهات الدولية ستتعارض بصورة كاملة مع السياسة التركية وهو ما سوف ينعكس على مستقبل هذه النزاعات وحدود الدور التركي داخلها.

3) تراجع النفوذ التركي

                على الرغم من التوجهات الخارجية التركية القائمة على توظيف هذه الأوضاع الحالية من خلال انتشار فيروس كورونا في دول العالم إلا أن هناك حالات متزايدة تم اكتشافها في تركيا وهو ما قد يؤثر على هذه التوجهات لصالح مواجهة انعكاسات هذا الأمر داخليًا وهو ما يمكن أن يساهم في تراجع سياستها الخارجية بصورة تدريجية لصالح الأولويات الداخلية خاصة وأن هناك الكثير من الأزمات الداخلية قبل ظهور هذا الفيروس من تراجع في سعر صرف الليرة، وتنامي المعارضة الداخلية للسياسة الخارجية التركية التي أقحمت تركيا في الكثير من أزمات المنطقة، وهو ما قد يشكل عوامل ضاغطة على سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم.

المراجع

1) متحدث الجيش الليبي يكشف نتائج خرق تركيا للهدنة، على الرابط: https://cutt.us/Wxt6K

2) الحرب السورية على «كورونا»: مدخل جديد لضغوطات وتفاهمات، على الرابط: https://cutt.us/AVxd0

3) في ظل تهديدات فيروس كوفيد-19 ، الأمين العام للأمم المتحدة يطلق نداء لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم، على الرابط: https://cutt.us/yDe9h

4) إدلب.. تركيا تخرق الهدنة وتروع المدنيين بالقذائف، على الرابط: https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2020-03-08-1.3798050

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟