المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

دوافع انتقامية...دلالات الاستغلال الإيراني للاحتجاجات الأمريكية

السبت 27/يونيو/2020 - 02:10 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

حاولت الجمهورية الإسلامية الإيرانية استغلال حادثة مقتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد قوات الشرطة الأمريكية في 25 مايو 2020 للانتقام من الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس دونالد ترامب على خلفية وجود عدد من الملفات العالقة فيما بينهما والتي يتمثل أبرزها في الأثار السلبية التي ترتبت على الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول (5+1).

وعليه، تم فرض موجات متلاحقة من العقوبات الاقتصادية التي أدت إلى تدهور حاد في قطاعات الاقتصاد الإيراني ولاسيما قطاع النفط، في السياق ذاته، تصاعدت حدة التوتر بين واشنطن وطهران في عدد من دول المنطقة ولاسيما في العراق التي قامت جماعة حزب الله الموجودة فيها بشن مجموعة من الهجمات على بعض المواقع العسكرية الأمريكية فيها، فضلاً عن سوريا واليمن.

ولكن من الواضح أن هناك عدد من الدوافع الخفية التى تقف خلف الاستغلال الإيرانى لهذه الأحداث يمكن توضيحها فيما يلي:-

أولاً- التأثير على موقف ترامب الانتخابي

مازالت إيران تعول على إمكانية التأثير على الاستحقاقات الانتخابية الأمريكية القادمة والتى من المقرر انعقادها في نوفمبر 2020 من خلال العمل على اضعاف الموقف الانتخابي للرئيس الأمريكي دونالد، الأمر الذى من المتوقع أن يؤدى إلى فشله في الحصول على فترة رئاسية ثانية؛ حيث استخدمت طهران الأزمات التي تمر بها واشنطن والتي يتمثل أبرزها في تفشي جائحة كورونا من حيث ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات نتيجة ضعف برنامج الرعاية الصحية الأمريكى، بهدف التأثير على موقف الإدارة الأمريكية الحالية واتباع سياسة النفس الطويل لحين مجئ رئيس ديمقراطى يعمل على عودة واشنطن للاتفاق النووى أو عقد اتفاق جديد يراعى مصالح طهران، وهو الأمر الذي وعد به بالفعل منافسى ترامب من الديمقراطيين.

فعلى الرغم من تحسن مؤشرات الأداء الاقتصادى في عهد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من حيث انخفاض نسبة البطالة، ارتفاع مستوى المعيشة، إلا إنه هناك عدم رضا عن برنامج الرعاية الصحية، فضلاً عن انخراط ترامب الكبير في أزمات الشرق الأوسط وهو الأمر الذى ظهر جليًا في تنديد عدد كبير من المواطنين الأمريكيين وبخاصة الموالين للحزب الديمقراطي بحادثة اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى في يناير 2020(1).  

والجدير بالذكر، أنه طبقًا لـ 4 استطلاعات للرأى أجرها كل من المركز البحثي التابع لمجلة الإيكونوميست، جي ستريت، اتحاد العلاقات العامة للأمريكيين من اصول إيرانية، وجامعة ماريلاند أظهرت أن الشعب الأمريكى يرفض قرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الذى وقعته إدارة أوباما مع إيران في عام 2015، على خلفية الدور السلبي الكبير الذى أحدثه هذا السلوك ولاسيما فيا يتعلق بتشويه صورة الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الدولى(2).

ثانيًا- التنديد بملف حقوق الإنسان

يبدو  وكأن طهران تحاول اتخاذ حادثة مقتل جورج فلويد كزريعة للرد على انتقادات الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بانتهاكات السلطات الإيرانية لحقوق الانسان ولاسيما خلال الاحتجاجات التى اندلعت في نوفمبر لعام 2019 داخل طهران إثر قرار مجلس التنسيق الاقتصادي برفع أسعار الوقود؛ حيث أشار المسؤولين الإيرانيين إلى رفضهم لكل أشكال التمييز ضد السود داخل واشنطن وانتهاكات الشرطة الأمريكية في هذا الإطار. في السياق ذاته، انتقدت الحكومة الإيرانية ردود فعل الإدارة والشرطة الأمريكية على التظاهرات التى اندلعت إثر مقتل فلويد، الأمر الذي جاء على لسان المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية عباس موسوى في 1 يونيو الجارى، قائلاً:" نحث الولايات المتحدة على وقف القمع والتصرفات العدوانية ضد شعبها والسماح لهم بالتنفس"(3).

من ناحية أخرى، حاولت الحكومة الإيرانية كسب ود الشعب الأمريكي ولاسيما فئة الأفارقة من خلال التعويل على المظلوميات والقمع المُمارس ضدهم من قبل الحكومة الأمريكية، وهو الأمر الذي أكده وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف من خلال تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر مستخدمًا هاشتاج "BlackLivesMatter"، وهو الشعار الذى رفعه المتظاهرون الأمريكيون للتعبير عن دعمهم لحقوق السود- وقال في ذلك:" لا يعتقد البعض أن حياة السود مهمة... حتى لمن يعتقد أنها مهمة لقد تأخر كثيراً، لكن حان الوقت لعالم ضد العنصرية"، وهو الأمر الذي كانت تفعله الولايات المتحدة الأمريكية من خلال انتقاد السلطات الإيرانية فيما يتعلق بانتهاك حقوق الأهوازيين من العرب السنة في إيران خلال الفترة الماضية(4).

كما استغلت السلطات الإيرانية هذه الحادثة أيضًا للتعويل على الصمت الأوروبي ازاء ما أطلقت عليه الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان، في إشارة إلى إيصال رسالة غير مباشرة بفشل الدول الأوروبية في الحفاظ على الاتفاق النووي بعد الخروج الأمريكي في مايو لعام 2018، وهو الأمر الذي جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف من خلال تغريده له على تويتر في 2يونيو الجارى قائلاً:" أوروبا التي تسارع إلى لعب دور القاضي ولجنة التحكيم عندما يتعلق الأمر بمجتمعات غير غربية، ها هي تلتزم بصمت يصم الآذان، إذا ما أرادت أوروبا أن تلتزم الصمت الآن، فينبغي عليها أن تصمت دائمًا"(5).

ثالثًا- تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة

تحاول طهران من خلال العمل على تعميق الفجوة بين السلطات الأمريكية والمتظاهرين إثر  حادثة مقتل جورج فلويد خلق أكبر عدد ممكن من الأزمات للإدارة الأمريكية الحالية لشغلها عن المحاولات الإيرانية لاستعادة النفوذ في عدد من دول المنطقة التي فقدت فيها إيران جزء كبير من نفوذها ولاسيما العراق وسوريا؛ حيث تشهد بغداد كل فترة ليست بالقصيرة احتجاجات عارمة ضد النفوذ الإيراني لاسيما في المناطق التى يقطنها الشيعة، على خلفية الوضع المعيشي المتدهور وسيطرة الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، على معظم المحافظات العراقية.

وفي هذا السياق، اتخذ الكاظمى منذ مجيئه في إبريل من العام الجارى خطوات جادة بشأن دمج بعض فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران ضمن سلاسل القيادة والهياكل الحكومية التي كانت موجودة قبل عام 2014(الجماعات المسلحة التي قامت بتقديم الولاء الكامل للحرس الثورى الإيرانى فيما بعد)؛ فمن المتوقع أن يتم ضم هذه الجماعات لخدمة مكافحة الإرهاب في العراق (CTS) - التى لعبت دورًا رئيسيًا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وتم دعمها وتدريبها من قبل التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) - التابعة بشكل مباشر لمكتب رئيس الوزراء، وهو الأمر الذى من شأنه تقليص النفوذ الإيراني في العراق على المدى البعيد(6).

من ناحية أخرى، تواجه إيران تطويق أمريكي – إسرائيلي في سوريا من خلال هجمات تل أبيب المتلاحقة على مصالحها والمواقع العسكرية التابعة لها؛ حيث استهدفت إسرائيل في 6 يونيو الجارى مقراً لقوات موالية لإيران في ريف مدينة دير الزور، مما أدى إلى مصرع 12 مقاتلاً عراقياً وأفغانياً، وتدمير بعض الألات والذخائر بسبب رغبة إسرائيل في حرمان طهران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا ودعم حزب الله اللبناني. وعليه، بدأت إيران طبقًا لبعض المصادر الإسرائيلية في خفض قواتها وإخلاء قواعد عسكرية تابعة لها في سوريا لأول مرة منذ عام 2011، لذا، يمكن القول أن تصاعد العنف الهادف لاستمرار الاحتجاجات الأمريكية من شأنه توفير فرصة سانحة لإيران لاستعادة نفوذها في هذه الدول(7).

الهوامش:

1-          Trump administration briefs Congress on Soleimani killing, Democrats say case was ‘profoundly unconvincing, CNBC Politics, JAN 8 2020, available at https://www.cnbc.com/2020/01/08/trump-administration-briefs-congress-on-soleimani-killing-democrats-say-case-was-profoundly-unconvincing.html

2-     المجتمع الأمريكي، لا يؤيد خطوة ترامب في الانسحاب من الاتفاق النووي، وكالة أنباء التقريب، 9/5/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/IuTyXHB .

3-     إيران تعلق مجددا على احتجاجات أمريكا وتوجه نداء إلى جميع الدول، سبوتنيك عربي، 9/6-2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/6uTSuU8

4-     إيران تنتقد أميركا على خلفية أحداث مينيابوليس، العربي الجديد، 31/5/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/NuTddRz

5-     ظريف يتهم أوروبا بالتغاضي عن "الوحشية" التي تشهدها احتجاجات الولايات المتحدة، روسيا اليوم، 2/6/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/vuTSRVl

6-          Shelly Kittleson, A Powerful Iran-Backed Militia Is Losing Influence in Iraq,  Foreign Policy, MAY 11, 2020,   Accessible at: https://foreignpolicy.com/2020/05/11/a-powerful-iran-backed-militia-is-losing-influence-in-iraq/

7-     إستهداف ميليشيات إيران في سوريا.. غارة إسرائيلية جديدة في دير الزور، جنوبية، 7/6/2020، متاح على الرابط التالى https://cutt.ly/RuTDWrN .


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟