المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الدبلوماسية... واستراتجية الخروج الأمريكي من الشرق الأوسط

السبت 21/نوفمبر/2020 - 09:32 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
فالي نصر- عرض: مرﭬت زكريا

لطالما جعلت الولايات المتحدة الأمريكية من احتواء إيران محورًا رئيسيًا لجهودها في الشرق الأوسط، بداية من نشر القوات إلى عقد الصفقات الدبلوماسية. لكن أثبتت استراتجية الاحتواء فشلها إلى حد كبير حتى الآن؛ حيث انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 واتبعت استراتجية الضغوط القصوى على طهران، فضلاً عن أنها نقلت 20 ألف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط. وفي المقابل تصاعد النفوذ الإيراني، الأمر الذى تمثل في التوسع بالبرامج النووية والصاروخية ودعم الميليشيات المسلحة التابعة لها، انتاج الطائرات بدون طيار، والقدرات الإلكترونية، وهو الأمر الذى يزعم منتقدو الاتفاق النووي الإيراني في أن الاتفاق فشل في كبحه، لذا لابد من عقد اتفاق جديد يعالج أوجه القصور هذه.  

ولكن يؤكد الخبير الإيراني الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وأستاذ السياسة الدولية في مدرسة فليتشر للحقوق والديبلوماسية بجامعة تافتس بالولايات المتحدة الأمريكية أن طهران لا يمكنها التفريط بسهولة في الأصول التى كانت ولازالت تنفق عليها الكثير من النفقات الباهظة، ولاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في مايو لعام 2018 ، ويشير إلى  أنه من الأفضل لواشنطن أن تبذل جهدًا دبلوماسيًا مستدامًا، بما يتضمن حل النزاعات المتعددة  وإبرام صفقات للحد من التسلح.

فيمكن لمثل هذه العملية أن تعمل على بناء الثقة التي تحتاجها إيران للتوصل إلى اتفاقيات كبيرة مع الولايات المتحدة وجيرانها؛ حيث يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تدرك أن نهجًا مختلفًا للشرق الأوسط يجب اتباعه، الأمر الذى يتضمن اعتماد اقل على القوة العسكرية في مقابل الدبلوماسية، بما يؤدى للتخفيف من حدة التوترات، حل النزاعات وتقليل التهديدات.

أولاً- الدوافع الإيرانية

يؤكد الكاتب على أن الاستقرار الإقليمي يجب أن يكون بمثابة الهدف الأسمى للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، فبمجرد تحقيق هذا الهدف، يمكن لواشنطن أن تقلل من وجود قواتها في المنطقة بسهولة أكبر. حيث أدى عقد الاتفاق النووي  في عام 2015 إلى سباق تسلح إقليمي بين طهران ودول الخليج، وهو الأمر الذى ردت عليه إيران بزيادة استثماراتها في أنظمة الصواريخ ودعم الوكلاء التابعين لها في المنطقة، وهو ما يشير إلى أن الاتفاق النووي في حد ذاته لم يؤد إلى عدم الاستقرار الإقليمي، كما زعم منتقدوه، ولكن الطريقة التي أشعلت بها واشنطن سباق التسلح الاقليمي هى ما فعلت ذلك.

في السياق ذاته، تضع الصراعات الطاحنة التى يعانى منها الشرق الأوسط الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن ، والاضطرابات في العراق ولبنان واشنطن في مأزق كبير؛ حيث يمكن القول أن هذا السبب هو ما يجعل واشنطن مقيدة بالمنطقة إلى حد كبير. ويؤكد الكاتب على أنه في حالة حدوث انسحاب مفاجئ للولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة، من المتوقع أن لا تتصارع إيران مع الدول العربية فحسب، بل ستتدخل كل من إسرائيل وتركيا أيضًا، ثم الصين وروسيا. ستجد إيران مساحة أكبر للمناورة في الخليج العربي، من خلال الضغط العسكرى  على جيرانها، ستكون النتيجة ما سعى الاحتواء الأمريكي إلى منعه في العقود الأربعة الماضية: تنامي الهيمنة الإيرانية.

ولتحقيق الاستقرار الإقليمي، يرى الكاتب أنه يجب أن تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة ولكن بشكل بناء، يقوم على تبي نهجًا جديدًا - نهج يأخذ في الاعتبار مخاوف القوى الرئيسية الموجودة بالمنطقة، بما في ذلك إيران. يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تبدأ باستعادة الاتفاق النووي الإيراني الممزق لعام 2015 ، والذي من شأنه توفير الضوابط التي ترغب بها واشنطن بشأن برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات على إيران. عندها فقط يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الضغط من أجل مزيد من المحادثات وتشديد الإجراءات الوقائية. لكن بشكل منفصل، يجب على المسؤولين الأمريكيين السعي لتهدئة النزاعات الإقليمية، مثل الحرب في اليمن على سبيل المثال، الأمر الذى يتطلب  من واشنطن فهم أولويات جميع اللاعبين في المنطقة بشكل أفضل.

فيرى المنافسون الرئيسيون لإيران فى المنطقة مثل المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة و إسرائيل في الصواريخ التي تقوم طهران بتطويرهاودعمها للجماعات المسلحة  إيران دليل كبير على أجندتها التوسعية. وفي المقابل، ترى إيران في هذه القدرات ضوابط ضرورية للتفوق العسكري التقليدي في مواجهة الخصوم. ويمكن القول أن  تصرفات طهران في المنطقة حالة تعكس عدم الأمان العميقة للدولة الشيعية المحاطة بقوى سنية مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية. فلا تزال ذكرى غزو العراق واحتلاله لأجزاء من جنوب غرب إيران في ثمانينيات القرن الماضي تشكل المنظور الاستراتيجي لإيران؛ فمنذ هذه الحرب عززت إيران حلفاء وعملاء وحافظت على مواقع استيطانية في الدول العربية كجزء مما يسميه الإيرانيون استراتيجية "الدفاع الاستباقي".

كما شجع انهيار النظام في العالم العربي منذ الغزو الأمريكي للعراق إيران على اتباع هذه الاستراتيجية ، لكنه دفعها أيضًا إلى تجاوزها، الأمر الذى تمثل في احتجاجات المواطنين في كل من العراق ولبنان في السنوات الأخيرة على التدخل الإيراني الكبير في بلادهم. من ناحية أخرى، أدى التصعيد الخطير للتوتر مع إسرائيل إلى حرب استنزاف، وهو الأمر الذى يتضح من القصف الإسرائيلي لأهداف إيرانية في العراق وسوريا، تفجيرات غامضة في منشآت نووية وصاروخية إيرانية، هجمات إلكترونية متبادلة؛ تخشى إسرائيل من أن يؤدي توسع الوجود الإيراني في سوريا إلى تطويقها من خلال دعم حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة.

لكن اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن إيران لا تريد تأجيج القومية العربية المعادية لها، ولا ترغب في الحرب مع إسرائيل، ولكن إذا أرادت التراجع عن استراتيجية الدفاعية الأستباقي، التى تتبعها فسيتعين عليها محاولة إصلاح العلاقات مع منافسيها الإقليميين. ولكن من غير المرجح إجراء مفاوضات مباشرة بين إيران وإسرائيل، لكن المفاوضات بين إيران وخصومها العرب يمكن أن تساعد في معالجة بعض المخاوف الإسرائيلية. على سبيل المثال، ستعمل الاتفاقات الإقليمية التي تحد من عدد ومدى الصواريخ في ترسانة إيران على تهدئة المخاوف بين جيران إيران العرب وكذلك في إسرائيل.

ثانيًا- المفاوضات بين إيران ومنافسيها في المنطقة

يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تشجع إيران على أن تكون قوة بناءة أكثر في المنطقة إذا ساعدتها على تحقيق مصالحها بشكل أفضل؛ حيث ترغب إيران من ,واشنطن إنهاء سياسة الاحتواء ، سحب العديد من القوات الأمريكية إن لم يكن كلها من المنطقة، فضلاً عن  الاعتراف بإيران كقوة إقليمية لها مصالح مشروعة. على مدى السنوات الأربعين الماضية، اعتمدت إيران على المواجهة لتحقيق هذه الأهداف، وهو الأمر الذى اثبت فشله بمقتل الجنرال الإيراني المسؤول إلى حد كبير عن تنفيذ استراتيجية المواجهة قاسم سليمانى في يناير الماضي برفقة قائد الحشد الشعبي أبو مهدى المهندس بالقرب من مطار بغداد الدولى مما أوضح حدود النهج الإيراني.

وعليه، فاقمت السياسة الخارجية المتعسرة لطهران المصاعب الاقتصادية والاضطرابات السياسية في الداخل، لذا، من المرجح أن يتعامل قادة إيران مع هذه النتائج السلبية إذا عرضت الولايات المتحدة طريقًا بديلًا، على الرغم من تشككهم في مبادرات الولايات المتحدة ووعودها بالتسوية. ولكن، كما كان الحال عندما تعاملت إيران مع إدارة أوباما، فإن قادتها ليسوا منيعين أمام جهود دبلوماسية جادة قد تجعلهم أقرب إلى الأهداف التي استعصت عليهم حتى الآن.

يجب أن تتكشف خيوط العملية الدبلوماسية من خلال هندسة معقدة للمحادثات التي تربط إيران والأنظمة الملكية في الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يجب أن تأخذ المفاوضات مسارين، يجب على الدبلوماسيين السعي لتحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال إنهاء الصراعات في سوريا واليمن ودعم الدول الهشة في العراق ولبنان، بما في ذلك من خلال وضع ترتيبات جديدة لتقاسم السلطة. فعلت إيران والمملكة العربية السعودية ذلك من قبل، بتنفيذ اتفاق الطائف لعام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، كما حققت إيران والولايات المتحدة الامريكية شيئًا مشابهًا في اتفاقية بون لعام 2001 التي أعادت تشكيل أفغانستان بعد سقوط طالبان.

يحتاج المفاوضون أيضًا إلى معالجة المخاوف بشأن برنامج الصواريخ الإيراني واستخدامها للوكلاء الإقليميين؛ يجب أن يسعوا جاهدين لبناء اتفاقيات إقليمية بشأن المدى والقدرات المسموح بها للصواريخ، حجم التعزيزات العسكرية التقليدية، ونشر تقنيات الأسلحة الجديدة. قد تساعد مثل هذه الاتفاقات في إقناع إيران، بتقليل الدعم للجماعات التي تعمل بالوكالة عنها في المنطقة.

ومن المؤكد أن المفاوضون سيحرزون تقدمًا على أحد المسارين نحو تسوية النزاعات الإقليمية ، وعلى المسار الآخر نحو الحد من تطوير الأسلحة النووية والحروب بالوكالة. من خلال القيام بذلك، سوف يضعون الأساس لاتفاقيات أوسع نطاقًا، بما في ذلك واحدة بشأن الأمن البحري في الخليج العربي بين إيران ودول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية. في النهاية؛ يجب أن يكون الهدف هو صياغة إطار أمني إقليمي يمكنه إقامة ترتيب في الشرق الأوسط شبيه بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو الاتحاد الأفريقي.

ثالثًا- التوقيت الصحيح

تعيد الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا التفكير في سياستها المتعلقة بالشرق الأوسط بشكل أكثر شمولاً من أي وقت مضى منذ الثورة الإيرانية عام 1979، فالعجز المحلي المتزايد والمواجهة الوشيكة مع الصين يجبران الولايات المتحدة الأمريكية على انتزاع نفسها من ورطة التواجد في هذه المنطقة المشحونة بالصراعات.  

فنفس القوى الهيكلية التي تجبر واشنطن على إعادة التوازن إلى أولوياتها العالمية تمزق الشرق الأوسط أيضًا؛ حيث ضربت جائحة فيروس كورونا إيران بشدة ، مما دفع اقتصاد البلاد المتعثر إلى حافة الانهيار، وأدى انخفاض أسعار النفط والركود الاقتصادي العالمي المطول إلى إلحاق الضرر بالمملكة العربية السعودية وحلفائها.

لذا، يمكن التأكيد على أن جسامة الكارثة ستجبر طهران على إحداث تحولات في الأولويات الوطنية. سيكون لدى إيران ودول الخليج العربي رغبة أقل في سباقات التسلح أو الإنفاق السخي على العملاء والوكلاء الإقليميين. بالفعل، بدأت إيران والإمارات العربية المتحدة بالنظر إلى الملفات العالقة فيما بينهما، ويبدو أن كل من إيران والمملكة العربية السعودية تميلان إلى إنهاء الحرب في اليمن. كما سحبت طهران بعض قواتها من سوريا وتراجع نفوذها في العراق، الأمر الذى ادى لدعمها انتخاب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى المتوافق عليه مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 في النهاية، يشير الكاتب إلى أن الظروف مهيأة لدبلوماسية يمكنها التخفيف من حدة التوترات في المنطقة وتعزيز الاستقرار، لذا، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تستغل هذه اللحظة، وإلا فانها تخاطر بهدر فرصة نادرة وحيوية.

 

Vali Nasr, The Only Way Out of the Middle East Is Through It: Patient Engagement Will Finally Allow the United States to Withdraw, Foreign Affairs, August 26, 2020, available at:

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟