المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

آبعاد خطرة ... مأزق تسريبات ظريف والاستحقاقات الرئاسية في إيران

الأحد 30/مايو/2021 - 07:50 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

رغم اعتياد وزير الخارجية الإيراني جواد على إجراء المقابلات خلال ما يقرب من ثماني سنوات في هذا المنصب مع مئات الصحفيين من جميع أنحاء العالم، لكن أثار حواره في  24 فبراير الفائت مع الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز نوعًا مختلفًا من الجدل؛ حيث كانت المقابلة جزءًا من مشروع التاريخ الشفوي الذي يهدف إلى منح وزراء الحكومة الإيرانية مساحة للتحدث بصراحة للأجيال القادمة، مع حذف المواد السرية من هذه السجلات، لكن تم تسريب حوالي 11 دقيقة كانت عبارة عن انتقادات لبعض القضايا التى تخص الأمن القومي الإيراني، الأمر الذى فرض تداعيات قد لا تبدو هينة على مستويات عدة ولاسيما فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة في إيران والمزمع عقدها في 18 يونيو 2021، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

صعود المحافظين

تحدث ظريف خلال هذه المقابلة عن سلطة صنع القرار الكبيرة الممنوحة للحرس الثورى الإيراني ولاسيما فيما يتعلق بإدارة السياسة الخارجية في الإقليم وتجاهل نصائح وزارة الخارجية في هذا الإطار؛ حيث أشار ظريف إلى أن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني – الذى اغتالته واشنطن بصحبة نائب قائد هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد الدولي في يناير 2020- سافر إلى موسكو في عام 2015 لتقويض المفاوضات النووية، كما أعرب ظريف عن إحباطه من بعض قرارات الحرس الثوري مثل إرسال قوات برية إلى سوريا واستخدام الخطوط الجوية الإيرانية دون علم أو موافقة الجهة المعنية بذلك.

وعليه، بدأ التيار المتشدد في استغلال هذه الفرصة لفتح جبهة جديدة ضد الدبلوماسي الذي لطالما اتهمه قادة هذا التيار بالخنوع للغرب؛ حيث قال أحد أبرز نواب التيار المحافظ داخل مجلس الشوى الإسلامي حسين هاغفيردي في ذلك:" كان من الأفضل أن يكون ظريف حكيماً بما يكفي للتنحي وإلا سيتم عزله وإقالته من قبل البرلمان ". كما وصفت صحيفة وطن إمروز الأصولية ظريف بأنه "تافه" وادعت أن وفاة سليماني كانت نتيجة دبلوماسيتة السلبية. بينما ربط التيار الإصلاحي بين هذا الحوار وقرب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، الأمر الذى أدى ببعض قادته لانتقاد ظريف واتهامه بالتهرب من المسؤولية، وخاصًة في ظل بعض التنبؤات التى أشارت إلى إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو 2021، لكن بعد تسريب هذا الحوار، ربما تم القضاء على أي خطة لترشح ظريف للرئاسة، وهو ما يفرض بعض التداعيات السلبية على موقف التيار الإصلاحى، وخاصًة أن ظريف كان يعتبر من السياسين الأوفر حظًا للفوز خلال هذه الاستحقاقات. 

وفي ضوء ذلك، يأتى تسريب هذا التسجيل في إطار المكايدات الانتخابية ورغبة بعض قادة التيار المحافظ في إظهار الإصلاحيين بموقف الضعف والعجز، وإبراز حجم القوة الهائلة التى يتمتع بها الحرس الثوري والتيار المتشدد بشكل عام، بما يضيف لرصيد مرشحيه خلال الاستحقاقات الرئاسية القادمة، فإلى جانب إعلان مستشار المرشد الأعلى للشؤون العسكرية والدفاعية حسين دهقان لترشحه في أواخر نوفمبر 2020، يتزامن ذلك مع إعلان رئيس السلطة القضائية الحالي  إبراهيم رئيسي عن ترشحه في 15 مايو الجاري، الأمر الذى يزيد من فرص التيار المحافظ بالفوز، ولاسيما في ظل الدعم غير المسبوق الموجه لرئيسي من قبل المرشد الأعلى والمتشددين في إيران.

تعثر محادثات فيينا

جاء  هذا التسريب في نفس اليوم الذي ظهرت فيه تقارير تشير إلى قيام  وزير الخارجية الإيراني  جواد ظريف بالكتابة إلى المرشد الأعلى على خامنئي في مارس الفائت بهدف احتواء منتقدي الاتفاق النووي ووقف الضغط على فريقه المفاوض، مما يشير إلى أن طلبه قد قوبل بالتجاهل أو أن خامنئي وضع مبادئ توجيهية جديدة، وبالتالي من المتوقع أن تستخدم واشنطن هذه الحادثة للضغط على طهران خلال التفاهمات النووية الجارية في فيينا. ويتوازى ذلك، مع الانتقادات الحادة التى توجهها الصحف المحسوبة على التيار المحافظ حول المفاوضات، مشيرة إلى أن الفريق المفاوض لن يلتزم بالخطوط الحمراء التى وضعها خامنئي، بما يتضمن رفع كافة العقوبات لعودة إيران لالتزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة.

وتتمثل القضة الأخرى التي ارتكزت عليها تسريبات ظريف في الانتقادات الحادة التى وجهها إلى موسكو؛ حيث كشف ظريف عن أن روسيا كانت من أولى الدول التى سعت  إلى تخريب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 لأن التقارب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية يعمل ضد مصالحها، واستشهد ظريف في هذا الإطار بالدعوة التى وجهتها روسيا إلى قاسم سليماني لزيارتها، والتى تم خلالها الاتفاق على الدور الإيراني في الحرب الأهلية السورية بما تضمن استخدام القوات الجوية الروسية للقاعدة الجوية في إيران، وهو ما كان يهدف إلى التأثير بالسلب على التفاهمات النووية بين إيران ومجموعة (5+1) في ذلك الوقت. وعليه، أدت تصريحات ظريف إلى استياء شديد من قبل موسكو؛ حيث أكدت صحيفة فزجلياد الحكومية على أن انتقادات طهران لموسكو ليست بالجديدة، كما أن المشكلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لا تنحصر فقط في القضية النووية، فضلاً عن أن لروسيا مصالحها الخاصة في عودة إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي. 

لكن تشير بعض التقديرات إلى أنه لطالما تخشى روسيا أن يؤدى رفع العقوبات الاقتصادية إلى زيادة الصادرات البترولية الإيرانية، وبالتالي، انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي العالمي، بما يؤثر بالسلب على المصادر الأساسية لدخلها القومي. وهو ما يتوافق مع ما ذكره مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون في مذكراته، بأن يوتين كان سعيدًا لانسحاب واشنطن من خطة العمل المشتركة الشاملة في عام 2018، فضلاً عن أن لموسكو مصلحة في بقاء إيران متورطة عسكريًا في سوريا ليس لمجرد تقاسم عبء الدفاع عن نظام الأسد، ولكن لأن ذلك من شأنه أن يمنع تطور العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى درجة كبيرة.  

تعطيل المصالحات الإقليمية

ربما تؤدى تسريبات حوار ظريف الذى انتقد فيه سيطرة الحرس الثوري على السياسة الخارجية الإقليمية إلى تعثر المحادثات الجارية بين كل من المملكة العربية السعودية وإيران التى بدأت الجولة الأولى منها في 9 أبريل 2021 لتصفية الملفات الخلافية فيما بينهما، والتى يتمثل أبرزها في القضية اليمنية والبرنامج النووي الإيراني، ولاسيما أن قادة التيار الإصلاحي من الداعمين بشدة لتحسين علاقات إيران مع دول جوارها الإقليمي. واللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن الجدل حول هذه التسريبات اشتد بعد تصريح ولى العهد السعودى محمد بن سلمان  الذى قال فيه:"  إيران دولة مجاورة، لذا، نسعى إلى إقامة علاقات جيدة معها، انطلاقًا من مصالحنا الموجودة هناك، لكن تتمثل مشكلتنا الأساسية في سلوكها السلبي، فيما يتعلق ببرنامجها النووي، ودعمها للميليشيات غير الشرعية في بعض الدول، وبرنامج الصواريخ الباليستية، وهو ما نحاول التغلب عليه بالتفاهم مع شركائنا في المنطقة ".

لذا، سلطت تسريبات ظريف الضوء على السلطة الموازية التى يتمتع بها الحرس الثورى داخل إيران، وهو الأمر الذى لطالما انتقدته الرياض فيما يتعلق بسياسة إيران الخارجية؛ حيث تشير رسالة وزير الخارجية الإيراني إلى أن الدبلوماسية يتم اتباعها فقط عندما تتناسب مع أهداف أولئك المرتبطين بالمؤسسة العسكرية ولاسيما قادة الحرس الثوري، في حين أن العكس ليس صحيحًا.

 ومن المتوقع، أن يؤثر ذلك على جهود الجولة الإقليمية التى قام بها ظريف في آواخر إبريل الفائت والتى تضمنت العراق، والكويت، وقطر فضلاً عن سلطنة عمان. كما يمكن لهذه التسريبات أيضًا أن تشجع إسرائيل على توجيه مزيد من الضربات إلى إيران، ولاسيما في ظل إثبات تل أبيب أنها قادرة على اختراق الداخل الإيراني، الأمر الذى اتضح في الهجوم على منشأة نطنز النووية واغتيال مدير مؤسسة التطوير والابتكار التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية في قلب العاصمة طهران في نوفمبر 2021، بالتوازى مع تصاعد حالة الصراع الداخلي بين مؤسسات الدولة.

 والشاهد على ذلك، هى حالة التعارض الواضح بين فيلق القدس التابع للحرس الثورى ووزارة الخارجية، على خلفية ما كشف عنه العضو البارز في هذه الجماعة رستم قاسمي مؤخرًا من أن إيران أرسلت تكنولوجيا أسلحة وعددًا صغيرًا من المستشارين العسكريين إلى اليمن. فبعد الانتقادات التى وجهتها وزارة الخارجية له بعد هذا التصريح، رد قاسمي على ذلك بنشر فيديو سابق لرئيس أركان القوات المسلحة، اللواء محمد باقري يؤكد فيه على هذا الأمر، وقال قاسمي في ذلك:" إن السادة في وزارة الخارجية مشاركون أيضًا في لعبة المفاوضات غير المثمرة مع الغرب لدرجة أنهم نسوا سياسات الثورة الإسلامية الإيرانية  ".

في النهاية: تكشف أزمة تسجيل حوار ظريف عن إشكالية المؤسسات الموازية في إيران والتى قد  تتحول يومًا بعد يوم إلى معضلة ضاغطة على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما يؤكد على أن هناك حالة من الصراع الدائر بقوة حول الشكل المراد لإيران في المستقبل، فمن الواضح أن هناك تيار سياسي له مُنظّروه يتحرك بشكل مؤسسي نحو الغرب، ولديه قناعة بضرورة حل معضلة العلاقة مع واشنطن، كمقدمة لحل مشكلات إيران الأخرى وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية، وهو ما لا يتوافق مع سياسات التيار المحافظ الذى يرغب في تأجيل أية حلول للأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما بعد الاستحقاقات الرئاسية القادمة حتى ينسب إليه الفضل في ذلك، ويضاف لرصيده من الإنجازات مع حرمان التيار الإصلاحي الذى لم يعلن بعد عن أي مرشح محتمل من هذه الفرصة، أما الجانب الأهم في هذه الإشكالية هو العنصر  المتعلق بالتحولات التي يشهدها المجتمع الإيراني خلال هذه الفترة والتى تطرح اسئلة كثيرة حول مدى ادراك المنخرطين في هذا الصراع لهذه التغييرات المتسارعة.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟