المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مئة عام من السياسة الخارجية للعراق 1921 – 2021

السبت 25/ديسمبر/2021 - 02:15 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.ياسر عبد الحسين- عرض: وحدة الدراسات الإقليمية

بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الدولة العراقية الحديثة، صدر حديثا عن وزارة الثقافة العراقية كتاب مئة عام من السياسة الخارجية للعراق 1921- 2021 للدبلوماسي العراقي الدكتور ياسر عبد الحسين عن دار الشؤون الثقافية العراقية وضمن سلسة مئويات التي تصدرها الوزارة التي توثق احداث العراق وتاريخه وهويته الوطنية.

 يبحث هذا الكتاب عالم السياسة الخارجية العراقية والدبلوماسية وتفاعلاتها المختلفة من حروب وحصارات وانقلابات واحتلالات واحداث ومجريات وتحالفات أنعكست على العراق خلال قرن كامل، ويكشف عن ابرز التحديات التي واجهتها الدولة العراقية الحديثة من الولادة عام 1921  وصولا الى وقتنا الراهن،  يقدم المؤلف في مقدمته التي حملت عنوان من الألواح الطينية إلى الصفحات الرقمية موجزا عن تاريخ العراق الدبلوماسي في العصور البابلية والسومرية القديمة وعن اول لغة دبلوماسية في العالم كانت اللغة الاكدية، واول معاهدة واتفاقية دبلوماسية في التاريخ بين بلاد ما بين النهرين والمراسلات مع الحضارة المصرية الفرعونية القديمة، كان للعراقيين قصب السبق في تنظيم العلاقات بين الدول في السياسة الخارجية من خلال مجموعة من المعاهدات السياسية والاتفاقيات التي تم عقدها على مدى العصور التاريخية، حيث كان العراقيون القدماء أول من عقد معاهدة سياسية معروفة في التاريخ حتى الآن، وأيضا كانوا أصحاب أول معاهدة مع دولة أجنبية.

ثم يحمل الفصل الاول عنوان سياسة العراق الخارجية بين الجغرافيا و النفط، متحدثا عن هاذين العاملين المهمين في التاثير على سياسة العراق الخارجية، وعن ما أسماه (العراق.. خارطة الاهتمام المؤجّل)، ثم الفصل الثالث يحمل عنوان ( النفط العراقي وثلاثية: الحرب، الدبلوماسية، الأمن) الذي يناقش فيه الأهمية المتزايدة للنفط في أسواق الطاقة العالمية إلى تحوله من سلعة تجارية عالمية ضرورية للطاقة والتطور التكنولوجي إلى سلعة استراتيجية لها أهميتها في الحرب والسلم في عالم العلاقات الدولية، فأصبح له تأثير مباشر على السياسة الخارجية، وصار موضوع تنويع مصادر الطاقة أولوية في سياسة الطاقة للدول الصناعية وعُدّ عند بعض الدول مطلبا ضروريا لتحقيق أمن إمداداتها من الطاقة، ثم يتحدث المؤلف عن سؤال الهوية في السياسة الخارجية.

حيث ان القضية الاكثر صعوبة ان السياسة الخارجية لأي بلد هي ترتبط بشكل أو اخر بالسياسة الداخلية وبطبيعة الظروف المحيطة به من عناصر اجتماعية وشعبية وطبيعة النظام السياسي القائم ونمط التفكير لدى صناع القرار فضلا عن الابعاد الخارجية، لذلك تبقى القاعدة الاساس في التحليل السياسي هي ان السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية، وعليه لا يمكن الفصل بين البيئة الداخلية والخارجية، والكتاب ليس في محل تقييم السياسات الخارجية للمراحل المختلفة، فقد اختلف المؤرخون في تقييم نظام الحكم الملكي، او الحكم الجمهوري او مرحلة ما بعد 2003، ونعتقد ان التاريخ والاجيال ستكون هي المحكمة لكل المراحل التي مرت بها الدولة العراقية.

ويؤكد الدبلوماسي العراقي بانه لا يتفق مع معظم الكتابات التي ترى أن السياسة الخارجية العراقية خلال حقبة التأسيس غير مستقلة تماما، أو على الأقل لم تشهد محاولات حقيقية للاستقلال، على الرغم من أن السياسة الخارجية انعكاس للسياسة الداخلية، وقد شهدت تلك الحقبة حالة واضحة من عدم الاستقرار، لكن الحقيقة الواقعة أن في كثير من الأحيان لم تتم الإشارة للمحاولات العراقية المستمرة بحثا عن البدايات الأساسية لبناء الدولة الفتية في هذا المجال لأسباب تتعلق بعدم الاستقرار السياسي وعدم حصول الانتقال السلمي للسلطة فضلا عن كونها بداية تكوين جنين للدولة.

ويذكر جملة من الانجازات التي عبر عنها المؤلف بالتفاوض مع القوة التي لا تغيب عنها الشمس، وعن انجاز العراق في عصبة الأمم، وقضية الموصل وانتصار الدبلوماسية امام الجانب البريطاني والتركي، وعن مواقف العراق في الحرب العالمية الثانية، وفي فصول لاحقة عن فكرة الاتحاد العربي والجامعة العربية ، وكيف اصبح العراق عضوا مؤسّساً في الأمم المتحدة، وعن سياسة العراق الخارجية بين معاهدة بورتسموث و القضية الفلسطينة، وعن حلف بغداد، واصفا عملية صنع القرار في العهد الملكي.

ولكون الكتابة عن العراق من اصعبها واعقدها بحكم الظروف التاريخية والسيسيولوجيا التي مرت بها الدولة العراقية، بداية التأسيس بالظروف المحيطة عام 1921 يمثل البداية الحقيقة للعراق الحديث مع تغيرات العالم ذاته عبر تحلل الإمبراطوريات إلى عالم الدولة المركزية والدولة القومية والهويات الفرعية وعلى اعتاب تحول مشروع الأمم الى دول، ولكن ان كانت هناك حسنة التشكيل المشوه للدولة.

حيث سعى هذا الكتاب الاشارة الى ابرز محطات السياسة الخارجية العراقية منذ بداية تأسيس الدولة في المراحل التاريخية المختلفة، بغض النظر عن عملية تقييمها منذ عام 1925 ولم تكن سياسته الخارجية بارزة بحكم التحكم الخارجي بالنظام الملكي، فضلا انه  لم يحدد الدستور الصادر عام 1925 ادوار هياكل الحكومة العراقية في عملية صنع السياسة الخارجية بصورة دقيقة الذي جعل فيها مساهمتها متباينة.

ثم يشرح الكتاب السياسة الخارجية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، وعن الاحداث التي جرت في علاقاته مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والعلاقة مع سوريا، ومساهمة العراق في تأسيس اوبك، ثم يتطرق الى السياسة الخارجية العراقية لحكم عبد السلام عارف، وعن العلاقات العراقية المصرية في العهد العارفي.

ثم يتطرق الى السياسة الخارجية العراقية في عهد البعث، ويرى موت الدبلوماسية في الحرب العراقية الإيرانية ، ومع بروز النزعة المعادية للنظام الملكي في العراق، الذي أطيح به ليؤسس عام 1958 نظاما سياسيا قائما على الحكم الجمهوري لينحدر هذا النظام إلى صيغة أكثر استبدادية مع صعود نظام حزب البعث بعد القضاء على حكم عبد الكريم قاسم وحكم الأخوين العارفين أدخل نظام صدام حسين الدولة العراقية في صراعات خارجية بدأها من الحرب الثمان سنوات المتواصلة مع إيران مثلت حرب الخليج الاولى، ومن ثم الثانية الحرب مع الخليج أثر دخول الكويت، كما ينشر الكتاب وثائق مهمة عن البرنامج النووي العراقي.

وصولا الى سلسة الحروب وتصفير الدبلوماسية منذ عام 1979  مع الانفراد السلطوي في العراق، ظهرت الإفرازات التي أنتجتها السياسة الخارجية في العراق، وكانت في مقدمتها الحرب الايرانية – العراقية 1980 – 1988 ، وهي نتاج طبيعي لغياب الدبلوماسية وسريان مبدأ الاعتماد على اطراف دولية معينة دون الاطراف الاخرى، وانعكست بشكل عام نتائج الاستقرار في طبيعة السياسة الخارجية، وجعلت البلد اقرب الى حالة العزلة الدولية التي انتهت بشكل حقيقي لهذا المصداق في حرب الخليج الثانية عام 1991، حيث الحصار الاقتصادي والعزلة والتراكمات الداخلية والانهاك الاقتصادي والاجتماعي، ووصل عدد بعثات العراق الى ٢٩ بعثة فقط في كل دول العالم.

ثم يتحدث الكتاب بشكل مفصل عن لقاء صدام حسين مع السفيرة الامريكية ابريل غلاسبي ووصف الكاتب المحضر الدبلوماسي للقاء الذي دمّر العراق، وعن الطبيعة المتشابكة للعراق مع الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن، بعد حرب الكويت، ثم اجتماع خيمة صفوان عن العزلة السياسية و الانحسار الدبلوماسي، وكما يتحدث المؤلف عن موضوع حظر الطيران والتفتيش الذي تقوم به اللجان الاممية، ويفرد فصلا عن الخطاب الديني في السياسة الخارجية العراقية.

أما المرحلة الجديدة بعد 2003 ،وفيها دخلت السياسة الخارجية العراقية مرحلة جديدة اثر التحول السياسي الكبير، وقيام الانتخابات الوطنية، اصبح الحديث عن ضرورة الاهتمام بهذه الفرصة لبناء سياسة خارجية قائمة على الحوار والتفاهم، ومعالجة تراكمات الماضي، وخصوصا مع دول الجوار، لكن الموقف حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في العراق، بعد تصاعد الظواهر الارهابية اثرت بشكل كبير على التوجه الدبلوماسي، فضلا عن قلق بعض الدول من الوجود الامريكي.

فيما مثلت مرحلة ما بعد الانسحاب الامريكي والحراك العربي 2011 فرصة مهمة لصانع القرار السياسي العراقي بصناعة سياسة خارجية متزنة تجاه المنطقة والعالم بعد الانسحاب الامريكي من العراق  لكن وجود البلد وسط انظمة اقليمية لم تعتد على هكذا تحولات، وعلى الرغم من خروج العراق من الفصل السابع، وعقد القمة العربية في بغداد 2012، فيما شكلت مرحلة  ما بعد 2014 ، التي يمكن تسميتها بمرحلة ( دبلوماسية الحرب على الارهاب )، حيث دفعت الظروف التي حصلت في 10 حزيران بالموصل 2014 ، الى انتهاج الدبلوماسية العراقية خطا جديدا لم يسبق له نظير منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ، واتخاذ سياسة الانفتاح على الرغم من الأزمات المتموجة التي تعيشها المنطقة والتحالفات الاقليمية والسياسات الدولية، وبالتالي تقف في مراحلها الأولية باتجاه التدويل الحاضر بالملف العراقي عقب تلك الاحداث في المحافل الدولية والاقليمية وخصوصا ان المنطقة تعيش اتجاهات اعادة التشكيل، فيما كانت المرحلة الاخيرة بعد تحرير الموصل التي انطلقت عام 2017 وصولا الى التحرير الكامل من تنظيم داعش، مرحلة اعادة الاندماج كدولة تريد الاستقرار وليست ساحة حرب عالمية لمواجهة داعش، وفي محاولة لفهم بوادر توافق الامن مع الدبلوماسية.

ويتناول الكتاب دور المفاوض العراقي في سحب القوات الأمريكية، ولهذا حاولت السياسة الخارجية من بعد عام 2018 وصولا الى عام 2021 البحث عن مرحلة اعادة الاعمار لتجاوز المحن والصعوبات الكبيرة التي واجتها الدولية العراقية اثر الحرب على الارهاب، والبحث عن السند والدعم لإعادة البناء واستمرار سياسة الانفتاح التي مثلت فيها زيارة قداسة البابا فرانسيس الى العراق في اذار عام 2021 فرصة مهمة كرسالة سلام ومحبة واعادة دور الدبلوماسية الدينية والروحية في العراق مع مختلف دول العالم، حييث اعتمد العراق خلال سياسته الخارجية على استثمار الزخم الحضاري والموروث الثقافي المتراكم والسجل التاريخي فضلا عن المكانة الاستراتيجية وهويته الجغرافية التي وقعت في خضم ستة دول جوار مختلفة في أنظمتها وسياقاتها السياسية والاجتماعية وتوجهاتها في المنطقة، دفعت البلد الى اتخاذ مقاربات جديدة في سياسته الخارجية تعتمد على تلك المتغيرات، وخصوصا في عالم السياسة الذي يكون فيه الثابت متغير، والسعي لا يجاد موقع فاعل في المسرح الاقليمي اعتمادا على مكانته الجيوبولوتكية، والانفتاح قدر الامكان على بقية دول المنطقة التي تعيش على مسارات متعددة من الاحلاف والمحاور، كما يتطرق المؤلف الى القمة الثلاثية التي عقدت بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس السيسي والملك عبد الله، وكذلك مؤتمر الشراكة والتعاون الذي عقد عام 2021 في بغداد، ويختتم الكتاب بالحديث عن عملية صنع القرار في السياسة الخارجية العراقية.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟