المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

نظام جديد وتحديات متصاعدة: ماذا تنتظر تونس في عام 2023

الثلاثاء 03/يناير/2023 - 07:37 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

وضعت نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس في 17 ديسمبر 2022 البلاد أمام مفترق طرق شديد الصعوبة بين الاستقرار وعدم الاستقرار. فهذه الانتخابات هي بمثابة الختام لما احتوته خريطة الطريق التي انتهجها الرئيس التونسي قيس سعيّد، لتأسيس عملية سياسية بديلة للسنوات العشر، التي هيمنت فيها حركة النهضة التونسية ذات التوجه الإسلامي على مجمل السياسة والحكم في تونس عقب الثورة التونسية.

يعلق الكثير من التونسيين الآمال على النظام الجديد في الانتخابات التونسية في إنهاء عقدًا من الفساد السياسي والمالي والفوضى الأمنية، حيث تأتي كآخر مرحلة من خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد في يوليو 2021، خاصة وأنها جاءت في ظل أزمة سياسية تعيشها البلاد، منذ إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية.

نظام سياسي جديد

سيأتي عام 2023 في ظل وجود نظام سياسي جديد تمت إرساء قواعده الأساسية خلال المرحلة الانتقالية التي شهدتها تونس بعد الإجراءات التي أعلنها الرئيس سعيد، وبالتالي سيحتاج الرئيس سعيد مجموعة من الأدوات التي يمكن أن تمكنه من إرساء دعائم هذا النظام التي عمل على تقليص العدد الإجمالي لمقاعد البرلمان إلى 161 مقعدا (كان عددها 217)، منها 151 للداخل، و10 مقاعد للدوائر الانتخابية في الخارج. وبموجب هذا القانون أيضًا اختار التونسيون مرشحيهم على أساس فردي بدلا من اختيار قائمة حزبية واحدة، وهو ما سيعمل على تقليص دور الأحزاب السياسية في البرلمان، وستكون صلاحياته محدودة للغاية بموجب الدستور الجديد.

وهناك مجموعة تحديات تتعلق بالمعاناة التونسية بسبب العقبات الاقتصادية التي تواجهها منذ ثورة 2011 والتي تفاقمت نتيجة جائحة كوفيد مع تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة. وكانت تونس، التي تتجاوز ديونها 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، قد أعلنت مؤخرا توصلها إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.

في المقابل، التزمت حكومة الرئيس قيس سعيد بإنجاز إصلاحات تشمل الرفع التدريجي للدعم الحكومي عن منتجات أساسية غذائية وفي مجال الطاقة، وإعادة هيكلة شركات عامة تحتكر العديد من القطاعات.

كما أن هناك انعكاس واضح لطبيعة النظام الانتخابي كتعبير عن الظروف والسياقات التي يعيشها المجتمع التونسي بسبب عشرية حكم الإخوان: إذا كان النظام الفردي، بالإضافة إلى تأثير إصلاحات قيس سعيد على الخريطة الحزبية والسياسية في المجتمع التونسي، وخلق نخبة برلمانية جديدة، تسبب في تراجع نسبة التصويت في انتخابات 2022، فإن النظام الوليد سيعالج الاختلالات في العلاقات الداخلية بالبرلمان وكذلك في علاقته مع أطراف النظام السياسي. بالإضافة إلى ذلك قد تختفي في برلمان 2022، تتمثل في الصراع بين الرئيس والبرلمان، والتي أدت إلى تراجع أداء الرئيس، وكان رئيس الحكومة هو الذي يضع السياسات العامة للدولة، خاصّة وأن تشكيل البرلمان منذ 2011، بالإضافة لأن النظام السياسي، قبل تعديلات قيس سعيد 2022، أعطى للبرلمان سلطة تكليف تشكيل الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحاصل على الأغلبية، ما تسبب في خلق أزمات دائمة بين الحكومة والرئيس كان البرلمان طرفًا رئيسيًا فيها.

محاولة تجاوز الظروف اقتصادية

تُشكّل البطالة والفقر وارتفاع الأسعار أهم مشاغل أغلبية المواطنين، فقد قاربت نسبة التضخم الرّسمية المُعْلَنة 10% واختفت بعض السّلع الغذائية الأساسية من السّوق كالحليب والسّكّر والطّحين (الدّقيق) والأرز، وقد يتفاقم الوضع إثْرَ التطبيق الصّارم لشُرُوط الدّائنين، وفي مقدّمتهم صندوق النقد الدّولي الذي فَرَضَ "توسيع القاعدة الضريبية" أي تحصيل المزيد من الضّرائب المباشرة ( منها فرض ضرائب على القطاع الموازي) والضرائب غير المباشرة على الخدمات واستهلاك السِّلَع، بدَل زيادة ضريبة الممتلكات والعقارات وأرباح المصارف والشّركات وأصحاب المِهَن الحرة.

وتأمل الحكومة التونسية خلال العام المقبل 2023 في أن تخفض عجز الموازنة وترشد النفقات، ويقول البنك الدولي في أحدث تقرير له إن الاقتصاد التونسي سجل نسب نمو ضعيفة على مدى الـ12 عاماً الماضية، إذ إنه خلال الفترة من 2011 إلى 2018 هبط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سنوياً إلى 1.7% بالمتوسط.

ولمواجهة هذه التحديات صدق الرئيس التونسي قيس سعيّد على قانون المالية للسنة الإدارية 2023. لضرورة التصدي للاحتكار وتوفير كل المواد التي يحتاجها المواطن والسيطرة على التضخم. وأشار إلى أن القضايا الحقيقية للشعب التونسي هي قضايا اقتصادية واجتماعية بالأساس وليست القضايا التي يفتعلها كل يوم من يريدون التنكيل بالتونسيات والتونسيين في قوتهم وفي معاشهم وفي كل المرافق بهدف الوصول إلى تحقيق مآربهم التي صارت مفضوحة لدى الجميع.

ويسعى الرئيس إلى ضبط التنظيم الإداري والمالي لخفض عجز الموازنة إلى 5.5% العام المقبل من نحو 7.7% متوقعة للعام الجاري، بدعم من إجراءات تقشف قد تمهد الطريق للتوصل لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ. خاصة وأنها تحتاج البلاد بشكل عاجل إلى مساعدة دولية منذ أشهر، إذ تواجه أزمة في المالية العامة أثارت مخاوف من عجزها عن سداد الديون وأسهمت في نقص الغذاء والوقود، وأن النمو الاقتصادي سيبلغ 1.8% بالمقارنة مع 2.5% متوقعة للعام الجاري. ووفقا لميزانية العام المقبل التي نشرتها وزارة الاقتصاد، فإن تونس تعتزم خفض الإنفاق على الدعم 26.4% إلى 8.8 مليار دينار (12.40 مليار دولار). كما تسعى الحكومة إلى زيادة الإيرادات الضريبية 12.5% إلى 40 مليار دينار (56.35 مليار دولار) مع زيادة النسبة لبعض الوظائف إلى 19% من 13%.

سيناريوهات محتملة

هناك مجموعة من السيناريوهات التي يمكن من خلالها توضيح السيناريوهات التي يمكن أن تكون عليها الأوضاع التونسية خلال الفترة القادمة وذلك على النحو الآتي:

1. الاستقرار السياسي الداخلي: قد تنتهي تركيبة النخبة البرلمانية التي يُنتجها النظام الفردي في انتخابات مجلس نواب الشعب التونسي 2022 إلى تشكيل برلمان متوازن خالٍ من الاستقطاب الحزبي، وظاهرة "التجوال السياسي" التي سيطرت على البرلمان منذ عام 2011، وأضعفت أداءه التشريعي والرقابي. وذلك بعد غياب الائتلافات الحزبية المُعطِلة لعمل البرلمان، وظهور نخبة برلمانية جديدة تستهدف الصالح العام بعيدًا عن الصراعات الحزبية؛ فمن المحتمل أن تؤدى نتائج تطبيق النظام الفردي في انتخابات مجلس نواب الشعب 2022، إلى معالجة المشاكل التي تسبب فيها النظام الانتخابي المُطبَق في تونس منذ 2011 (التمثيل النسبي للقوائم)، الذي تسبب في تشكيل برلمان مشتت ومنقسم، وشهد تقلبات سياسية وبرلمانية تكاد تكون يومية، وتغيرات مستمرة في تركيبة البرلمان، أثّرت بشكل سلبي على أدائه التشريعي والرقابي.

وضمن السياق ذاته، فإن هناك تصاعد في معالجة الاختلالات في العلاقات الداخلية بالبرلمان وكذلك في علاقته مع أطراف النظام السياسي، ومن المحتمل أن يؤدي النظام الانتخابي الفردي في تونس، إلى غياب ثلاثة ظواهر برلمانية أضعفت من أداء البرلمان التونسي خلال العشر سنوات الماضية، بل عزلته عن الشارع، وهي ظاهرة "التجوال السياسي"، و"الصراع بين البرلمان والرئيس"، و"الترضية السياسية" المتبادلة بين الحكومة والأغلبية في البرلمان.

استمرار المعارضة: تشير المعطيات الراهنة إلى أن النهضة لاتزال تناوئ الرئيس سعيد، وتسعى لحشد الشارع التونسي ضد خريطة الطريق التي أعلن عنها الأول، غير أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح، خاصة في ضوء وجود دعم لها من جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، فضلاً عن وجود دعم دولي لخريطة الطريق التي أعلن عنها السعيد، وهو ما يرجح محدودية فرص التظاهرات المعارضة للرئيس سعيد في دفعه للتراجع عن قراراته، وهو ما يعني اتجاهه لتنفيذ الإجراءات المعلن عنها وفق الجداول الزمنية المقررة لها.

3. محاولة تجاوز الأزمات الاقتصادية: على الرغم من الصعوبات التي تواجهها تونس وخاصة فيما يتعلق بالاتفاق مع صندوق النقد للحصول على حزمة تمويلية لمواجهة التحديات الداخلية، إلا أن الرئاسة التونسية تسعى إلى تجاوز هذه المشكلات في ظل رؤية مستقرة للأوضاع الاقتصادية، وقد بٌنيت هذه التقديرات وفق جملة من الفرضيات، كما ورد في تقرير الميزان الاقتصادي لسنة 2023، ومنها تطور الموارد الذاتية للدولة وبشكل خاص موارد الجباية (12.5 %) من خلال تطور مرتقب للضريبة على الشركات (8.7 %) والأداء على القيمة المضافة (12.5 %). جدير بالذكر أن خدمة الدين العمومي ستسجل زيادة بنسبة 44.4 % مقارنة بـ2022 باعتبار ارتفاع نفقات تسديد أصل وفائدة الدين العمومي.

ووفق ذات التقرير، ورد أن السلطات التونسية تطمح لتحقيق نسبة نمو اقتصادي بـ1.8 % خلال سنة 2023، مستندة على "فرضيات حذرة وواقعية تأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة على المستوى الوطني وارتفاع المخاطر على الصعيد الدولي"، وتفسر الحكومة التونسية ما تأمله من تراجع في عجز ميزانية الدولة للسنة 2023 بـ"ارتفاع منتظر في الضرائب بنسبة 12.5 % مقابل تراجع نفقات الدعم بنسبة 26.4 % وانخفاض نفقات العمليات المالية بـ56.5 %".

ولتغطية هذا العجز، السلطات التونسية مطالبة بتعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار متأتية بنسبة 66.2 % من الاقتراض الخارجي دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض خاصة في ظل تأخر نظر صندوق النقد الدولي في ملف القرض الموجه لتونس.

في الختام: تواجه تونس تحديات اقتصادية كبيرة وهو ما يتزامن مع طبيعة النظام السياسي الجديد الذي يحاول الرئيس التونسي تثبيته، ولعل الاستقرار السياسي النسبي سيدفع الكثير من هذه الأوضاع إلى الاستقرار خاصة بعدما تم تحييد الخلافات الداخلية؛ حيث سيكون البرلمان المنتخب بصلاحيات محدودة، وفقاً للدستور الجديد الذي تمّت المصادقة عليه باستفتاء شعبي يوم 25 يوليو الماضي، ويمنح صلاحيات أكبر وأوسع لرئيس الجمهورية، وهو ما يعني تغيير وجهة الشعب التونسي والرأي العام إلى رأس السلطة التنفيذية والمتمثلة في سلطة الرئيس قيس سعيد، كما أنه هذه الانتخابات انعقدت في ظل أزمات اقتصادية وانقسام سياسي داخلي الذي سيفرض على الرئيس تكثيف جهوده لتجاوز هذه الأزمات وبما يساعده على ضمان استمرارية شرعية النظام الذي يحاول إرساء قواعده الجديدة.

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟