المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د.أحمد أبو جبل
د.أحمد أبو جبل

بوتين والناتو....من سينتصر في جولة ربيع 2023 ؟

الثلاثاء 21/فبراير/2023 - 12:02 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

مع اقتراب الغزو الروسي لأوكرانيا من عامه الاول في 24 فبراير 2023، اصبحت نظرة كل طرف من أطراف الصراع مختلفة، رغم ثبات الاهداف لكلا الطرفين. فبعد أن كان هم الرئيس بوتين الاول، هو انهاء الغزو لأوكرانيا  بحرب خاطفة لا تتعدى الايام بهدف نزع اوكرانيا من تبعية مستقبلية للناتو و جعلها دولة على الحياد ولكن في فلك روسيا، و بالتالي نزع اسلحتها و منع التسليح الغربي من الوصول إلى أيدي جيشها، والضغط على الناتو ليعودوا في تموضعهم العسكري بعيداً عن دول شرق أوروبا، و بعد أن ظن الغرب أن خسائر الروس في الحرب في أكتوبر ونوفمبر الماضي وانسحابهم من كييف و خاركيف و محيطهما، وكذلك غرب خيرسون جنوباُ هو نهاية للغزو الروسي لأوكرانيا،  وقبول روسيا لشروطهم التي ستكون حتما قاسية على روسيا، إلا أن الحرب لم تحقق لكلا الطرفين أهدافهما، ولكن إلى أين تتجه بوصلة النصر؟

 

أولاً- بوتين و هجوم الربيع الكاسح لأستعادة الزخم

ما اقتراب ربيع 2023 اصبح لكلا الطرفين أهدافهما فبات الروس مصممين على تحقيق انتصارات على جبهات القتال الأوكرانية في هذا الربيع في معارك هي الأكثر دمويه إلى حد كبير منذ بدء الحرب،  بعد أن حشدوا لتلك المعركة أكثر من 300 ألف مقاتل روسي آخرين، ولتحقيق ما تبقي من بنك الأهداف الروسية، ولتفادي غضب الشعب الروسي من أداء الجيش الروسي في المعارك،  ولرفع الروح المعنوية للشعب والقوات المقاتلة  ولتحقيق التغيير الجذري في إدارة المعارك  قام الرئيس بوتين بتعيين رئيس أركان القوات المسلحة لروسيا ، الجنرال فاليري غيراسيموف، "قائدا لمجموعة القوات المشتركة" المنتشرة في أوكرانيا، لأستعادة الزخم و تحقيق انتصار روسي كبير في ذلك الربيع،  و أدخل مجموعة فاغنرالخاصة الروسية و المحترفة في معارك بهذا الشكل ، و القتال داخل المدن و الذي يحقق خسائر كبيرة للجيوش النظامية.

وتحت وطأة الضربات الروسية على البنية التحتية الاوكرانية ومحطات الطاقة بها في كييف وخاركيف  واوديسا و زابوريجيا و و دينيبر و بيتروفيسك بالطائرات المسيرة "شاهد" الإيرانية و صواريخ كروز التي مرت من البارجات الروسية في البحر الاسود عبر أجواء مولدوفا لأرسال رسالة تهديد لها هي الاخرى، حتى لا تفكر في الانضمام للناتو أسوه بجارتها اوكرانيا.

وفي هذا السياق،  مهد الروس لهجومهم الواسع النطاق بالسيطرة على مدينة " سوليدار "أولا بواسطة مجموعة فاجنر الروسية، والقرى المتاخمة لها، ومنها قرية "غريانيكوفكا " بمنطقة "خاركيف" والتي تقع شمال  مدينة "باخموت "( و هي الهدف الرئيسي للروس الان) بالدبابات و ضربات المدفعية و المورتر و إن كانت القوات الروسية ومجموعة فاجنر قد تكبدت خسائر كبيرة في القوات لتحقيق ذلك.

 

ولكن لماذا باخموت و سوليدار؟ و الى ماذا تسعى روسيا؟ فهذة المدن كما صرح البنتاجون ليست لها أهمية استراتيجية، لا انها تسيطر على نقاط التقاء محاور هامة في منطقة الدونباس،  وتمنح التفوق فيها ولأن سوليدار  أرض مرتفعة حاكمة ومشرفة على خطوط الامداد الأوكرانية، وبسيطرة القوات الروسية عليها، سيتم تقسيم الدفاعات الاوكرانية إلى شمال وجنوب، تمهيداً لاختراق تلك الدفاعات مستقبلاً نحو شمال شرق أوكرانيا في إتجاه خاركيف واستكمال ضم أراضي اقليم منطقة لوغانسك التي اعلنت روسيا ضمها لها ضمن أربع مناطق أوكرانية. ولاسيما التقدم بعرض جبهة تقدر بـ 280 ميل لأستكمال ضم باقي إقليم الدونباس لروسيا، والتي  يمكن منها تطويق " باخموت" شمالاً والتي بضمها سيتم إستكمال عملية الهجوم من وسط أوكرانيا وتهديد "خاركيف" شمالاً و"زابورجيا" جنوبا من جديد.

 

وإلى ماذا يخطط بوتين لجنوب أوكرانيا ؟ بعد أن تخلى الجيش الروسي على 3000 كم تقريبا شرق نهر دينيبرو  في خيرسون في نوفمبر الماضي خوفاً من حصارهم من القوات الاوكرانية، اصبح الطريق البري الذي يربط روسيا بالقرم مهددا من القوات الأوكرانية. و لتامين ذلك الطريق، يبدو أن القيادة الروسية  تخطط لدفع القوات  للتقدم نحو منطقة ريفنا الغربية، والتي إن حدثت ستسمح لموسكو بعرقلة تدفق الأسلحة الغربية من بولندا وعرقلة دعم اوكرانيا بأسلحة غربية ثقيلة، لحين تحقيق اقصى ما تم تخطيطه في بنك الأهداف الروسي قبل جلوس الرؤساء على مائدة المفاوضات لأنهاء حالة الحرب لصالح روسيا بالضربة القاضية.

 

ولكن، هل حقا سيتحقق ذلك بتلك السهولة ؟فعلى الجانب الاخر،  لأوكرانيا و الناتو قولا آخر، مناقض لأهداف بوتين.

 

ثانياً- أوكرانيا تطلب امدادات الاسلحة الثقيلة من الغرب

بعد أن نجح الاوكران في صد الهجوم الروسي في العام المنقضى،  و هم في حالة عسكرية أقل 4 مرات من  تلك التي هم عليها الان، فالمتوقع أنهم الان في حال عسكري افضل بكثير بعد تدريبهم و تسليحهم بالاسلحة الغربية ودعمهم بمئات المليارات من الدولارات. ولقد كبدوا القوات الروسية خسائر ليست بالقليلة العام الفائت، اجبرت الروس على الخروج من فخ كييف، والهروب من جحيم خاركيف، والانسحاب من غرب خيرسون دون قتال تجنبا للخسائر، لدرجة إعلان البنتاجون ووزارة الدفاع النرويجية  أن خسائر روسيا من الدبابات قد وصلت للنصف تقريباً.  

ومن الأفراد إلى حوالي 135 الف قتيل، أو 200 الف بين قتيل وجريح مقابل 100 ألف قتيل أو جريح اوكراني، وأن كانت تلك التقديرات لا أدلة كافية لها، وقد يهدف بها الجانب الغربي إلي تحطيم معنويات الشعب الروسي واحباطهم، وتشكيكهم في قدرات القوات الروسية فأنه في خلال الشتاء، إتخذ الأوكرانيين "الاوضاع الدفاعية "،  للحفاظ على المكتسبات التي حققوها في تحرير أراضيهم، ومقاومة عودة الروس مرة أخرى، لحين مرور الشتاء القارس، وانتظار نجاح جولة الرئيس زيلينسكي الاوروبية في بريطانيا وفرنسا وبروكسل لدفع الغرب الى تقديم دعم غربي ثقيل لعمل هجمات مضادة ضد الهجوم الروسي ، يشارك فيها الدبابات الليوبارد 2 الالمانية،   وتشالنجر البريطانية و ابرامز ام وان الأمريكية.

وكذلك الطائرات التايفون الاوروبية و ال أف 16 الأمريكية وغيرها من انظمة الدفاع الجوي مثل باتريوت الامريكية،  وكذلك الضغط للحصول على القبه الحديدية اللاسرائيلية من إسرائيل، فضلاً عن استمرار تدفق المسيرات البيرقدار التركية وانظمة الصواريخ المحمولة جوا المضادة لردارات الدفاع الجوي مثل أنظمة  صواريخ عالية السرعة والمضادة للإشعاع التي تعرف اختصارا باسم "هارم"، والتي تعمل على ضرب أنظمة الدفاع الجوي بنظرية " اكتشفني لأقتلك ". ولحث الاوروبين على الاسراع بتزويده بتلك الاسلحة الحديثة والمتقدمة،   قام زيلينسكي بتحذيرهم " بأن روسيا أذا انتصرت في الحرب، فستغزو دول اخرى"، و" انه المدافع عنهم الان ".

ولكن ما هو رد دول الناتو على طلبات زيلينسكي العسكرية؛ رغم سعادة الاوروبيين بخسائر الروس، فهي  لن تنسيهم خطورة " بوتين " عليهم، و لا قدرات روسيا العسكرية  وانها دولة نووية يمكنها أن تبيد أوروبا في أزمنه تقاس بعشرات الثواني.  ولذلك، و رغم الترحيب بزيارة زيلينسكي و السماع لكلماته، الا انهم اتفقوا على تزويده بالدبابات الالمانية ليوبارد و تشالجر البريطانية فقط، الان، وبكميات بسيطة قد تصل الى 100 دبابة،   ولأن 100 دبابة مجتمعة لا تمثل الا أقل من لواء مدرع، فهي لن تمثل تأثيراً عسكرياً على الجبهة، غير أنها بالتأكيد سيتم توزيعها على جبهات القتال المختلفة.

وبالنسبة للطائرات المقاتلة الغربية، فلقد تجنبوا دعمه بها, خاصة بعد تحذير روسيا لهم وتعهدها بالرد، مما دعا "ماكرون" رئيس فرنسا إلى رفض تسليم أي طائرات لزيلينسكي، مع الموافقة على تزويده بمدافع قيصر ونظام الدفاع الجوي متوسط المدى " أم ايه أم بي أيه ". أما "سوناك" رئيس وزراء بريطانيا  فقد عرض استعداده لتدريب الطيارين الأوكرانيين على المقاتلة الاوروبية " تايفون"، وإن كان ذلك قد يحتاج وقتا ليس بالقصير. ولذلك فلقد صرح " بن والاس " وزير الدفاع البريطاني  بان ذلك التدريب هو لتحسين قدرات الطيارين الاوكرانيين ربما و لكن سيكون ذلك ( بعد إنتهاء النزاع )!.

ومع إستعداد بريطانيا  في الدخول في التصنيع المشترك لمنصات المدفعية والعربات المصفحة لبيعها" تجاريا " مستقبلاً لتحل محل الأسلحة الروسية والصينية في" الشرق الاوسط "، في إطار المنافسة على أسواق السلاح. وقد قامت بريطانيا بالفعل بتدريب 10000 جندي أوكراني حتى الان  للاشتراك في الحرب.

ولا يخفي على أحد تخوفات الاوروبيين من الاستمرار في تسليح اوكرانيا، و الذي بدأ يؤثر على انتاج الأسلحة لديهم و لمستودعاتهم، و قدراتهم الدفاعية على مواجهة روسيا في حالة حدوث مواجهه مباشرة، وذلك التخوف سيظل واردا. هذا غير النقص في العمالة المؤهلة لتلك الصناعة،  والاعتماد على الصين في مواد التصنيع،  مما قد يجبرهم لبناء خطوط انتاج جديدة، و التي يستغرق بنائها عامين على الاقل.

 

ثالثاً- بايدن...و حزمة العقوبات العاشرة على روسيا

أما الرئيس بايدن، والذي يرتب مع البنتاجون الان برنامج سري لاستخدام قوات مخابرات ميدان أمريكية  في أوكرانيا لتدعيم أوكرانيا ميدانياً، وهذا الذي يحذر منه أعضاء الكونجرس بأنه قد يهدد مستقبلاً بدخول مباشر في الحرب.  وقد كان لنجاح الجمهوريين في السيطرة على الكونجرس، ورؤيتهم أن الولايات المتحدة قد بالغت كثيراً في الدعم المالي لأوكرانيا والذي وصل إلى 196 مليار دولار حسب "الواشنطن بوست الأمريكية، مما قد يؤثر على كثير من الدعم الامريكي المفتوح مستقبلاً، والذي قد يظهر تأثيره على ميادين القتال الأوكرانية، و يستعد بايدن للسفر لبولندا في الفترة من 20-22 فبراير للأجتماع مع قادة الدول الاوروبية وحلف الناتو لإعلان حزمة العقوبات العاشرة على روسيا، بمناسبة مرور سنة على العملية العسكرية الروسية، واستكمالا للحرب العالمية الاقتصادية عليها والتي ستكون العقوبات الاشد قسوة، ومن المتوقع أن تشمل تسقيف أخر لسعر النفط الروسي للتأثير على الواردات المادية الروسية لتحجيمها اقتصادياً.

وقد كان لحرب تكسير العظام الاستخباراتية التي تمت على خطوط الانابيب الروسية، بتفجيرها لقطع الواردات الروسية لأوروبا، تأثير كبير على الواردات الروسية من الغاز لاوروبا  والتي اتهم الصحفي الاستقصائي الامريكي "هيرش" الولايات المتحدة بتفجيرها لقطع الصلة الاقتصادية بين الروس والاوروبيين، و الذي اراه قد يكون السبب الرئيسي للأمريكان لدفع الروس للحرب و عدم الميل للتهدئة معهم.

وقد عقب على ذلك لافروف، قائلا "في واقع الأمر، يعترف المسئولون الأمريكيون بأن الانفجارات، التي وقعت في التيار الشمالي 1 والتيار الشمالي 2 كانت من صنع أيديهم، وهم حاليا يتحدثون عن ذلك بكل سرور، وأن الولايات المتحدة فعلت ذلك للقضاء على التحالف القوي القائم على موارد الطاقة الروسية والتكنولوجيا الألمانية، حيث بدأ يهدد الوضع الاحتكاري للعديد من الشركات الأمريكية ".

ولذلك، حتى لو هددت روسيا الدول الاوروبية الساعية للأنضمام للتسقيف بخفض الواردات الروسية لها، الا أن روسيا بالفعل تأثرت، وستتاثر، وستبقى الصين والهند هما الملاذ الأمن لواردات النفط والغاز الروسي حتى الان .

 

و ماذا بعد ..

إذا عدنا الى سؤالنا الأول  في صدر المقال حول من سينتصر في ربيع 2023 في  تلك الحرب، فقد يبدو  للقارىء أن روسيا ستتمكن من الانتصار على أوكرانيا  خلال شهور ربيع 2023،  فلو اعتبرنا أن ذلك سيناريو وارد، لكن أيضا، قد يرى القارئ أن النصر قد يتحقق لصالح اوكرانيا والناتو من خلفه، الا إنه يبدو أن حسابات الطرفين الحقيقية قد تزعجك عندما تعلم أن كلا الطرفين قد اعطوا اشارات واضحة باستمرار الحرب لسنوات" ولن يوجد منتصر نهائي أو منهزم في ذلك الربيع ".

فترى تصريح لافروف بأن "الوضع يهدد بخطر الهيمنة الكاملة"، معتبرًا أنّ "مسار تشكيل العالم المتعدد، هو مسار طويل ويحتاج إلى حقبة كاملة " و هذا يعني  10 سنوات كاملة،  وتصريح رئيس فاغنر "يفجيني برغوجين"  والذي تنبأ باستمرار الحرب لسنوات قد تصل لعامين آخرين حتى تتمكن روسيا من تأمين منطقة الدونباس فقط، أو ثلاثة لو قررت موسكو الاستيلاء على شرقي نهر دينيبرو، وهو هنا يعني اوديسا لفصل أوكرانيا عن البحر الأسود و جعلها دولة حبيسة.

وكذلك الغرب، الذي ترى" كامالا هاريس" نائبة الرئيس الامريكي  و"سوناك" رئيس وزراء بريطانيا ، أن الحرب الاوكرانية،  هي حربا عالمية، ويرى الباقون إنه لا يمكن الاستخفاف ببوتين، ويرون أن روسيا تجهز لحرب طويلة. و على الغرب أن يستعد لها، وعليهم استنزاف روسيا ببطأ للقضاء على جيشها واقتصادها، وبدون تدخل مباشر و حاسم منهم، و نرى ذلك في تصريح" فون دير لايين " رئيسة الاتحاد الاوروبي والتي أعلنت "أن الحرب يجب أن تفضي إلى هزيمة روسيا، هزيمة لن تتعافى منها لعقود".

لكن وماذا عن أوكرانيا وشعبها حتى يتحقق ذلك النصر؟ الذي سيرى اياما مظلمة كما صرحت "هاريس"، و ماذا عن العالم ؟ و ماذا عن مصر؟وكل تلك المؤشرات تعني أن على مصر، والتي تعتبر واحدة من اكثر الدول التي تأثرت بتداعيات الحرب اقتصاديا، ان تبدأ في التأقلم مع سيناريو أستمرار تلك الحرب لسنوات والتعامل مع تداعيات  الحرب وتلك العاصفة الاقتصادية بما يحقق الصالح العام لمصر، والاستفادة من كلا الطرفين دون الاخلال بمبدأ "الحياد". وحقيقة يجب ذكرها، هو الوعي السياسي و الدبلوماسي للادارة المصرية  الواضح خلال الفترة الفائته مع طرفي النزاع  في البقاء على الحياد،مع التعاون مع كلا الطرفين، واستمرار العلاقات الودية معهم.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟