المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمود الرامي
محمود الرامي

أثر مناهج وأدوات التحليل السياسي على التنبؤ بمسار الأحداث السياسية

الثلاثاء 23/مايو/2023 - 12:19 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

ملخص البحث باللغة العربية

إن التحليل السياسي يعني خلاصةً تحليل المعنى المقصود من الكلام المنطوق أو المكتوب أو تحليل الحدث السياسي وربطه مع التصريح السياسي ومدى تطابقه مع سلسلة الأحداث التي تجري، والتصريحات التي تُنطق، وإن علم التحليل السياسي في غاية الأهمية لتنوير الرأي العام بحقيقة الأحداث وخلفية التصريحات.‏

والمحلل السياسي هو مفسر، لكن ليس كمن يفسر الأحلام الذي يعتمد تحليله على علم الغيب، الذي لا يمكن لمسه، إنما يعتمد على تحليل اللغة المستخدمة بقواعدها وعلومها المتنوعة، وبزمن النطق بها والحالة وسياق الكلام والمفاهيم السياسية الثابتة، ويخاطب المحلل السياسي، العقل والمشاعر والعواطف من خلال تسلسل منطقي لجمله وعباراته التي يجب أن تكون معبرة وسهلة الوصول إلى المتلقي.‏

ويستخدم المحلل السياسي في ذلك أسلوبًا لغويًا مؤثرًا يعرف كيف يختار كلماته وجمله وعباراته، وكيف ينطق بها بشكل مؤثر من خلال: أسلوبه، حيويته، دماثته، هدوئه، ملامح وجهه، نبرة صوته، رده على محدثه، سرعة بديهته، إضافةً إلى معرفته الوثيقة بالموضوع الذي يتحدث عنه وخلفية الأحداث ومدى تطابقها وانسجامها مع ما يقوله أو النتيجة التي يتوصل إليها.‏

ويعد المحلل السياسي، المراقب الدقيق لأي حدث أو تصريح، يقيّم ما يرى وما يسمع، وتقييمه هو ذاتي لكن وفق معايير ومقاييس ومؤشرات أتيت ذكرها في هذا البحث، عندما ذكرت خطوات وقواعد وطرق التحليل السياسي، وعددت ما يجب أن يتبعه المحلل وما يجب أن يتجنبه.‏

والمحلل السياسي عليه أن يفهم معنى الكلام المنطوق أو المكتوب ويغوص إلى أعماق الكلمة والجملة والفقرة والنص، ويستكشف المخبأ منها، وفق آليات لغوية منها: علم الرموز، علم البراغماتيا، علم السيمائيات، علم الاجتماع، علم النفس؛ لأن من لا يفهم لا يستطيع أن يُفهم، فالآخر يمكن أن يكون مثقفًا أو غير مثقف، بالتالي على المحلل السياسي أن يعرف من يخاطب حسب الحال بطريقة تصل إلى المخاطب، لأن همه وهدفه هو إيصال فكره ورسالته إلى أوسع شريحة من الجمهور وبأبسط أسلوب.

Research Summary

Political analysis means analysis of the intended meaning of logical or written speech or analysis of the political event and its linkage with the political statement and its compatibility with the series of events taking place and the statements made. Political analysis is very important to enlighten public opinion about the reality of events and background statements.

The political analyst is an interpreter, but not as an interpreter of dreams whose analysis relies on the knowledge of the unseen. It is based on the analysis of the language used in its various rules and sciences, its time of pronunciation, the situation, the context of speech and the fixed political concepts. It addresses the mind, emotions and emotions through a logical sequence of its sentence and expressions. Expressive and easy to reach the receiver.

The political analyst uses an effective linguistic method that knows how to choose his words, sentences, phrases, and how to pronounce them in an effective way through his style, vitality, gentleness, calmness, facial features, the tone of his voice, his response to the audience and his speed of intimacy as well as his close knowledge of the topic he is talking about and the background of the events and their compatibility with what he says Or outcome.

The political analyst acts as a close observer of any event or statement and according to standards, measures and indicators I mentioned in the chapters of this book when I mentioned the steps and rules and methods of political analysis and enumerated what the analyst should follow and what should avoid.

The political analyst must understand the meaning of spoken or written words and dive into the depths of the word, sentence, paragraph and text, Find out what is behind the text with linguistic mechanisms: Symbology, pragmatics, cosmology, sociology, and psychology because who do not understand can not be understood, The other party may be educated or uneducated, Therefore, the political analyst should know who is addressing depending on the situation in a way that reaches the goal, because his concern and purpose is to communicate his idea and his message to the widest segment of the public in the simplest way.


مقدمة

بات المواطن، يحتاج إلى مزيد من التفسيرات، ومعرفة أبعاد القضايا، التي تدور حوله، لا سيما، الشائكة منها، وأن العالم الآن، أصبح منطقة فاعلة بالأحداث بصورة متتالية وسريعة؛ وبالتالي استمدت فكرة التحليل السياسي وجاهتها وأهميتها، من أنها تقدم للمواطن، من خلال الباحثين والمفكرين، والمهتمين بالشأن السياسي، من ذوي سعة الأفق، الذين يمكنهم التحدث في شؤون العامة، طرقًا لمعالجة تلك الأحداث، وتفسيرها، والوقوف على الحقائق المجردة العلمية، من خلال قواعد ثابتة في التحليل السياسي، وتقديم تنبؤات، وسيناريوهات محتملة، للأحداث السياسية، ويعد التعريف الدقيق للتحليل السياسي هو: الفهم الدقيق لمسار الأحداث السياسية وإدراك دوافعها والتنبؤ بمساراتها ووضع برامج تنفيذية للتعامل معها.

     ويحقق التحليل السياسي عملية الوقاية أو الحماية للمجتمع من تفاقم الأزمة ومنع تكرارها من خلال برامج العمل التي يعدها الباحث للتعامل معها، وسيتم التطرق في هذا المبحث لاحقًا.

     سيناقش هذا البحث أربعة مناهج بحثية: الأول: المنهج الاستقرائي، الثاني: المنهج التاريخي، الثالث: المنهج الوصفي، الرابع: المنهج الوصفي التحليلي، وسيتم شرحهم والمقارنة بينهم باستخدام المنهج الأقرب إلى الواقعية، وهو المنهج الاستقرائي، وأحيانًا أخرى نلجأ إلى إستعارة لمحات من المنهج الوصفي التحليلي.

     ويهدف المنهج الاستقرائي إلى جمع البيانات والعلاقات المترابطة بطريقة دقيقة من أجل الربط بينها بمجموعة من العلاقات الكلية العامة، ومن خلال المنهج الاستقرائي يعمم الباحث الدراسة الخاصة التي أجراها على الدراسة العامة المتعلقة بالموضوع.

الخطوات المتبعة في إجراء هذه الرسالة البحثية:

1-         الملاحظات: وهي عبارة عن بيانات نجمعها ونحللها ونصنفها، ومن ثم نلخصها؛ لكي نساهم في إدراك المنهج الاستقرائي، وذلك من خلال نوعين من الملاحظة:

-            الملاحظة المقصودة: وفيها نحدد نصًا أو معلومة، من المتوقع أنها ستساعدنا في الوصول إلى وصف مناسب لمنهج البحث.

-            الملاحظة البسيطة: هي الملاحظة التي تأتي بشكل مفاجئ ودون تفكير مسبق، ويطلق على هذه الملاحظة اسم الاكتشاف.

2-         الفرضيات: وهي الأفكار التي نطرحها ونفترضها، معتقدين أنها ستقوم بوضع تفسير مناسب للمنهج الاستقرائي، وفي العادة يضع الباحث أكثر من فرضية كي يقارن بينها ويختار من بينها الفرضية التي تناسب بحثه.

3-          التجارب: وهي الاختبارات التي يجريها الباحث حتى يعرف مدى نسبة نجاح المنهج الذي يطبقه ضمن الإطار المخصص له.

أولًا- الإطار العام للبحث

مشكلة البحث:

ما المنهج البحثي الأقرب عند تطبيقه إلى الوصول إلى حقائق مجردة، والقدرة على بناء سيناريوهات محتملة قابلة للوقوع، بين أربعة من المناهج: الاستقرائي، التاريخي، الوصفي، الوصفي التحليلي.

أسئلة البحث:

-       ما مدى استفادة الباحث من المناهج البحثية الثلاثة: الاستقرائي، التاريخي، الوصفي؟

-       ما الأساليب المتبعة في كل منهج بحثي من الثلاثة؟

-       ما مميزات وعيوب المناهج البحثية قيد الدراسة؟

-       ما مدى موافقة النتائج الفعلية للسيناريوهات المتوقعة في كل منهج بحثي؟

-       ما أكثر المناهج البحثية الثلاثة وصولًا بالباحث إلى الحقيقة؟

أهمية البحث:

     تستمد هذه الرسالة البحثية أهميتها، في المقام الأول، من أهمية التحليل السياسي ذاته، بالنسبة للفرد والمجتمع، حيث إن قارات العالم صارت بلدة صغيرة، وما يحدث في أول الأرض تتعدى تبعاته إلى آخر الأرض؛ وتتأثر بها البشرية كلها؛ لذا من المهم والضروري أن نبني مفكرين وباحثين ومحللين أكفاء حتى يستطيعوا إفهام العامة ما يجري في العالم وتبعاته عليهم.

    هذه الرسالة البحثية، تناقش ثلاثة مناهج بحثية؛ لنقدم إلى: الساسة المعنيين باتخاذ القرار، الباحثين والمحللين المعنيين بصنع القرار، المواطنين الذين يسعون لفهم ما يجري حولهم والتعامل معه بكيفية مثلى وعدم الاستسلام له، وهذا  الاستسلام قد ينبع من عدم فهم ما يجري وعدم وجود خطة أو برنامج مسبق للتعامل مع الحدث.

وإن الفرق بين الساسة والباحثين، هو الفرق بين صنع القرار واتخاذ القرار، ونجد الباحث يدرس الحالة والمشكلة ويخطط لحلها ويقدم التوصيات وبرامج العمل للمسؤول، الذي يتخذ القرار بناءً على ما قدمه له الباحث أو المستشار.

أهداف البحث:

يهدف هذا البحث إلى:

-       تقديم دراسة وافية إلى الباحثين تعينهم على اختيار منهج بحثي مناسب لتقديم تحليلات سياسية دقيقة.

-       إزالة الغموض لدى الباحث حول المناهج البحثية المختلفة.

-       مساعدة الباحث في التنبؤ بمسار الأحداث بطريقة علمية ممنهجة.

-       توضيح الفرق بين المناهج البحثية المختلفة.

-       إتاحة قدر من الدراسات السابقة والحديثة حول كل منهج بحثي قيد الدراسة.

-       مساعدة الباحث في معالحة القضايا بعمق وعلم.

حدود البحث:

-       حدود زمانية: في الفترة من عام 1990 إلى 2018.

-       حدود مكانية: ﺇﻗﻠﻴﻡ ﺍﻟﻤﺸﺭﻕ العربي. 

-       حدود موضوعية: دراسة في مناهج التحليل السياسي وأدواته، وتأثيرها في التنبؤ بمسار الأحداث السياسية، في إقليم المشرق العربي، في القترة بين 1990 إلى 2018.

مصطلحات البحث:

تمثلت في:

1-     المنهج الاستقرائي:

 الاستقراء لغةً: من قرأ الأمر أي تتبعه، ونظر في حاله، وهناك من يرى أن الاستقراء أي جمع الشيء وضمم بعضه إلى بعض لرؤية توافقه واختلافه، وكلا الأمرين يعني التتبع لمعرفة أحوال شيء ما .

واصطلاحًا: الاستقراء عند المنطقيين هو الحكم على كلي بما يوجد في جزئياته الكثيرة. ويعرفه الإمام الغزالي بقوله: «هو أن تتصفح جزئيات كثيرة داخلة تحت معنى كلي، حتى إذا وجدت حكمًا في تلك الجزئيات حكم على ذلك الكلي به»، ويعرفه الدكتور عبد الرحمن بدوي بقوله: «تعميم من حالات جزئية تتصف بصفة مشتركة».(1) 

وفي ضوء التعريفات السابقة، يمكن وضع تعريف إجرائي للمنهج الاستقرائي على أنه: المنهج العلمي الدقيق الذي يعتمد على تتبع وجمع المعلومات وتحليلها بشفافية دون الانحياز لكتلة أو التعصب لفكرة، ويكون الهدف الرئيسي هو تصفح كل جزئيات الموضوع لإصدار تحليل سياسي أقرب إلى الحقيقة.

2-     التحليل السياسي:

التحليل السياسي لغةً: (تحليل الجملة) أي بيان أجزائها ووظيفة كل منها.

السياسة: (سياسة البلاد) هي تولي أمورها، وتسيير أعمالها الداخلية والخارجية وتدبير شؤونها.

التحليل السياسي اصطلاحًا: هو بحث في التفاعلات القائمة بين قوى المجتمع السياسي وضوابط العلاقة بينها، وهو محاولة الوصول إلى تفسير علمي واضح لأشكال العلاقة بين القوى السياسية، سواء علي الساحة الداخلية، أو الخارجية، وكذلك هو البحث في كافة الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعل السياسي. (2) 

وفي ضوء التعريفات السابقة، يمكن وضع تعريف إجرائي للتحليل السياسي على أنه: هو الفهم لواقع غالبًا ما يلفه الغموض، ويجب أن ينشأ عن التتبع الدقيق المتواصل والربط الصحيح بالمعلومات السياسية ذات الصلة .

ثانيًا- الإطار النظري للبحث

ماهية التحليل السياسي:

يعرف الدكتور مهند العزاوي التحليل السياسي بأنه الإدراك الفكري العميق بجذور السياسة ومخرجاتها والفكر الاستراتيجي، وعناصره وطبيعة الأحداث، ومساراتها وشكل الدوافع وعناصرها المسؤولة، عن صنع الأحداث والأزمات، والإلمام المتقن بالشواهد التاريخية المماثلة، وهو »الفهم الدقيق والعميق لمسار الأحداث السياسية، وإدراك  الدوافع المتعلقة بها، والإلمام بجذور الأحداث ومخرجاتها، والتنبؤ بالتطورات والنتائج المترتبة عليها، ووضع التوصيات المعنية بالحدث«.

متى نقوم بالتحليل السياسي؟

-       عندما ندرك المتغيرات ونستطيع التفكير بعناصر تلك المتغيرات. 

-       عند وجود أمر غامض يتعلق بالواقع السياسي يتطلب الدراسة والتحليل.

-       عندما تكلف خلية الأزمة بمعالجة مشكلة ما.

-       عندما تستشعر مؤسسات الدولة بمخاطر سياسية ما.

-       عندما يكلف قسم الدراسات والبحوث في الجامعات أو المؤسسات بمهمة التحليل.

-       عند وقوع حدث سياسي مفاجئ.

-       عند الخشية من تطور أزمة ما.

-       عند أداء مهام المتابعة الدورية للواقع السياسي الداخلي والخارجي.

-       عندما يكون هناك قرار استراتيجي يتطلب البحث والتحليل.

-       عند نشوب صراع إقليمي.

-       عند نشوب حرب غير متوقعة. (3)

1- أدوات التحليل السياسي:

 إن التحليل السياسي ينأى عن العواطف والتهويل والتهوين، كما لا يصح أن نبني تحليلاتنا وفقًا لآرائنا الشخصية أو مشاعرنا الهواية، كما أن التحليل السياسي يستخدم لغة مباشرة علمية دون دس إيحاءات مقنعة أو منحازة، ولا يتلاعب بالعبارات التي تحتمل أكثر من معنى وتأويل ومدلول؛ لذا على الباحث أن يحرص في تحليله على استخدام أدوات التحليل السياسي، وهي كالتالي (كما وجدناها في كتاب أوراق في التربية السياسية لفتحي شهاب الدين):

-       المخزون المعرفي الذهني.

-       معطيات الخارطة السياسية والواقع السياسي.

-       مصادر المعلومات الحديثة والمتاحة كالتقارير، النشرات، الإحصاءات، التصريحات الرسمية من  المسؤوليين أو المفكرين أو صانعي الأحداث.

-       مصادر المعلومات الخاصة التي يمكن أن يحصل عليها كاتب التحليل السياسي بحكم موقعه أو اتصالاته أو بحثه، وكذلك مدى عمق خبرته في المجال الذي يكتب فيه.

-       الاستبيان والإحصاء والمقابلة الشخصية واختيار العينات.

-       مصادر التأصيل والإسناد الظرفي والزمني للأحداث والوقائع.

-       الاستطلاع الإعلامي والتغطيات الميدانية.

-       الطرائق العلمية والنظريات الأكاديمية.

-       الحضور الميداني المباشر والاطلاع الشخصي.

-       استخدام الوسائل الحديثة وأدوات البحث العلمي.

2- فوائد التحليل السياسي:

-       تكوين قاعدة بيانات منظمة تحتوي على معلومات دقيقة تتعلق بالأحداث موضوع التحليل وتربطه بالوقائع التاريخية، وتحدد طرق معالجتها التطبيقية؛ ما يتيح هذه المعلومات في كل وقت وخصوصًا عند ظهور أحداث وأزمات مماثلة.

-       البعد عن الأحكام المطلقة، والبحث في كافة الاحتمالات الممكنة، ودرجة القوة في هذه الاحتمالات، مدى تأثيرها، ومن ثم ترك المجال لتعدد وجهات النظر، وقبول الرأي الأخر الذي من المحتمل أن يكون صائبًا.

-       معالجة القضايا والمواقف بشكل أكثر وعيًا وعمقًا، والابتعاد عن الأفكار الفردية، والعقائد الشخصية، والعاطفة، التي لا تستند على أدلة واضحة، وحقائق منطقية، يمكن أن يقنع ها بقية الأطراف.

-       حصر نطاق الأزمات المتفاعلة ومعالجتها وتحقيق عنصر الوقاية الشاملة في الواقع السياسي موضوع الازمة .

-       إدارة المخاطر ومنع وقوع مخاطر مشابهة.

-       المشاركة في صناعة القرار السياسي المتعلق برسم السياسات .

-       طرح منظومات بحث متعددة مقتدرة ذات خبرة في معالجة الاحداث وتحليلها

-       عدم الوقوف عند رأي واحد وإغلاق الباب، أمام آراء الآخرين حتى وإن تميزت بانها مقنعة، أو موضوعية ٬ وبالتالي القدرة علي مناقشة الآراء وتفنيدها يستخرج افكار مغامرة يمكن تحقيقها بحكمة، حيث يجري مراجعة النفس إن وجدت الصواب أكثر في رأي غيرها٬ والتعود علي احترام الرأي الآخر. (4)

ثالثاً- مناهج التحليل السياسي وأدواته

هناك عدد من مناهج التحليل السياسي المختلفة التي تستخدم داخل حقل العلوم السياسية

1- المنهج الاستقرائي:

     المنهج الاستقرائي من المناهج المشتركة التي تصلح للبحث في العلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية، وقد استخدمه العلماء العرب القدماء في دراسة ظواهر اللغة العربية، كما استخدموه في مصنفاتهم الأدبية،يشير الدكتور شوقي ضيف إلى اعتماد العرب على المنهج الاستقرائي في الاهتداء إلى علوم اللغة العربية وقواعدها: »ومن أهم البحوث العلمية التي توضح مدى أخذ العرب بالاستقراء علم النحو، فقد قام على الاعتماد على السماع، سماع القرآن الكريم في لغته المثلى والسماع من البدو الخُلَّص الذين يوثق بفصاحتهم من أهل الحجاز ونجد وتهامة، وجعلوا ذلك أساسًا لا ينقض لقواعده، فلا بد في كل قاعدة من استقراء واسع تعتمد عليه وهي لا تُبَنى إلا على الأعم الأكثر ومثلها القياس، فلا يقاس على شاذ ولا على ما ورد في ضرورة الشعر، إنما يقاس على الكثرة الغالبة المستمدة من الاستقراء الدقيق«.(5)

كذلك تحدث عن كيفية اعتماد العرب هذا المنهج في العديد من الدراسات والمصنفات الأدبية، فذكر كتاب البرهان في وجوه البيان لابن وهب، وكتاب الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، أن الباحثين الغربيين قد أفادوا من العلماء العرب في تجاوز منطق أرسطو، ومنهجه الاستقرائي، والوصول إلى الاستقراء التام الذي تتسم نتائجه بالدقة والثبات، وذكر الفيلسوف الإنجليزي روجر بيكون Roger Bacon) ١٢١٤١٢٩٤م) الذي هاجم المنطق الأرسطي لأنه يؤدي إلى اعتماد العلم على الطريقة القياسية، بدلاً من اعتماده على التجربة، وكذلك الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون Bacon Francis) ١٥٦١١٦٢٦م) الذي حذر من اعتماد الأمثلة الجزئية في وضع القوانين الطبيعية كما هو الحال في الفكر الأرسطي، ورأى ضرورة الاستقراء التام قبل التعميم، وأن المنهج العلمي الصحيح هو الذي يجمع بين الاستقراء القائم على التجارب، وبين القياس العقلي المحكم، والفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت Descartes Rene) ١٥٩٦١٦٥٠م) الذي هاجم أيضاً، الفكر الأرسطي، واستبدل قواعد المنطق الأرسطي بأربع قواعد تختصر المنهج الاستقرائي السديد لكل البحوث النظرية.

وهذه القواعد: قاعدة اليقين التي تحتم على الباحث أن يتخلى عما كان يعرفه كحقيقة علمية، وأن يعمل النظر فيه وألاّ يسلِّم إلا بما هو حق ويقين لا يعتريه الشك. وقاعدة التحليل التي تتطلب تقسيم مشكلة البحث إلى أجزاء بسيطة لكي يسهل حلها. وقاعدة التركيب التي تستدعي من الباحث أن يرتب أفكاره بتدرج بادئًا بأبسط الأمور حتى يصل إلى معرفة أكثرها تركيبًا. وأخيراً قاعدة الاستقراء التام وفيها "يقوم الباحث بالإحصاءات التامة والمراجعات الكاملة حتى يكون عمله دقيقاً وبخاصة من حيث أجزاء الاستدلالات وما ينبغي أن تكون بينها من روابط وثيقة" .

ويضع الأستاذ الدكتور نبيل خالد أبو علي، ثلاث خطوات بحثية للمنهج الاستقرائي:

     1.          مرحلة البحث: وينبغي على الباحث فيها أن يمعن النظر في مفردات بحثه، أو فلنقل فيما يقف عليه من مواد بحثه، وأن يلاحظ ما بينها من أوجه الشبه والاختلاف.

     2.          مرحلة الاكتشاف: وفيها يضع الباحث الفروض التفسيرية التي توضح العلاقة بين الظواهر التي لاحظها ورصدها.

     3.          مرحلة التحقق والتعميم: وفيها يتحقق الباحث من صحة الفروض من خلال الرجوع إلى جميع أجزاء الظاهرة أو موضوع البحث، ويقوم بفحص النتائج قبل أن تصبح ً أحكاما كلية عامة، لكي يحقق الدقة والصحة. (6)

أنواع المنهج الاستقرائي:

1-      الاستقراء الكامل: هو استقراء يقيني يراقب الباحث من خلاله جميع مفردات الظاهرة التي يدرسها، لإصدار الحكم النهائي على هذه المفردات، ويعد هذا النوع من الاستقراء بطيئا، وذلك لأنه يحتاج إلى وقت طويل؛ إذ يتوجب على الباحث مراقبة الظاهرة بدقة كبيرة وحرص شديد، وهناك تعريف آخر للاستقراء الكامل، وهو انتقال الذهن من الحكم على جميع الجزئيات إلى الحكم على الكل، وذلك من خلال تأكد الباحث من أن هذا الأثر هو أمر شامل ومستمر على جميع أفراد عينة الدراسة التي يدرسها، ومن خلال هذا النوع من الاستقراء يتأكد الباحث من صحة النتيجة ويعممها، ومن ثم يبني قاعدة كلية ذات أساس علمي واضح وثابت عليها، ولكن لن يستطيع الباحث تعميم نتيجة الاستقراء الكامل إلا بعد أن تتوفر ثلاثة من الشروط وهي:

-       يجب أن تكون نتيجة الاستقراء تم تكرار تقريرها في النصوص أو الملاحظات، أو في القواعد التي تتصل بتلك الظاهرة أو المشكلة المبحوثة.

-       التأكيد بأن نتيجة الاستقراء قد تم تأكيد مضمونها في مواضع كثيرة، بحيث يجب أن يكون المضمون صحيحًا وغير مختل، كما يجب أنلا يتغير المضمون، ولا يظهر بنفس النتيجة التي ظهر فيها في مواضع ثانية سابقة.

-       الانتشار وهذا يعني أن ينتشر المعنى في المجالات التي تتعلق بالمشكلة أو الظاهرة التي يتم دراستها، بشرط ألا يقتصر الانتشار على باب واحد من أبواب هذه المشكلة.

-       وإذا كانت الجزئيات التي تم استقراؤها في قضية واحدة أو مشكلة واحدة فإن مسألة انتظام الاستقراء وتعميمه وانتشاره وشموله قد لا يكون قطعيًا، وذلك لأن نتيجة الاستقراء قد تكون ظنية وغير مقطوع بها.

2-     الاستقراء الناقص: ويطلق عليه الاستقراء غير اليقيني، وهو انتقال الذهن من الحكم على الجزئيات إلى الحكم على الكليات، أي أن الباحث ينتقل فيه من الجزء إلى الكل، ومن خلاله يقوم الباحث بدراسة جزء من مفردات الظاهرة ، بحيث يتناول هذا الجزء من كافة جوانبه فيحدد طبيعته، ويضع الأمثلة عليه، وبعد أن يصل إلى النتيجة يقوم بتعميمها على الكل، وعلى الرغم من شيوع استخدامه إلا أنه لا يقدم معلومات كافية، فقد ينسى الباحث دراسة معلومات مهمة فيه. ومن أهم سماته أن الاستدلال به استدلال معرض للاختلال ولاحتمال سقوطه وذلك لأن الباحث لن يقوم باستقراء كافة الجزئيات، حيث إن الاستقراء الناقص لن يتيح للباحث المرور على كافة الجزئيات ليقوم بالتأكد من الأثر هو عينة في كافة الجزئيات. ولقد تم توجيه العديد من الإشكاليات للمنهج الاستقرائي، وكانت هذه الإشكاليات منطقية فلسفية، ومن أبرز هذه الإشكاليات نذكر:

-       كيف يعمم الباحث نتيجة بحثه على كافة أفراد مجتمع الدراسة في حين أنه لم يدرس إلا جزءًا محددًا؟

-       كيف يعمم الباحث نتائج دراسته على الزمن المستقبل مع أنه فحص الأفراد في الفترة الحالية أو في فترة سابقة؟

     ويتميز هذا المنهج بانتقال الباحث فيه من الجزء نحو الكل، أو من الخاص إلى العالم، حيث ينتقل الباحث في بحثه من الجزء إلى الكل أو من الخاص إلى العام، فيعمم الباحث في بداية الأمر النتائج على الجزء وبعد أن يتأكد من صحتها يعممها على الكل.

ويعد المنهج الاستقرائي هو المنهج الذي يعاكس المنهج الاستدلالي، حيث إن المنهج الاستقرائي يقوم بإنتاج تعليمات واسعة من مجموعة محددة من الملاحظات، بينما الأمر يكون معاكسًا بالنسبة للمنهج الاستدلالي أو الاستنباطي.

ومن خلال المنهج الاستقرائي يقوم الباحث بتحويل العديد من الملاحظات إلى قواعد عامة، بينما في المنهج الاستنباطي يكون الأمر معكوسًا تمامًا حيث تتجزأ القاعدة الكيلة إلى مجموعة من الملاحظات، واجتماع هذه الملاحظات مرة أخرى سيؤدي إلى إعادة تشكيل القاعدة الكلية.

ولقد عبر واسرتيل سمولر عن العلاقة بين المنهج الاستقرائي والمنهج الاستنباطي فقال: في العلم يوجد هناك تفاعل يستمر بشكل دائم بين المنهج الاستقرائي الذي يستند إلى الملاحظات، وبين الاستدلال الاستنتاجي الذي يعتمد على أساس النظرية، ومن خلالهما نستطيع الاقتراب من الحقيقة. وللمنهج الاستقرائي مكانة كبيرة لدى العلماء، ولدى المنهج العلمي، حيث إن العلماء يعتمدون عليه بشكل رئيسي من أجل أن يقوموا بتشكيل الفرضيات والنظريات، بينما يلجأون إلى المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي من أجل أن يقوموا بتطبيق هذه النظريات والفرضيات، ويتأكدوا من صحتها، لكن على نظريات وحالات محددة فقط. (7)

2- المنهج التاريخي:

هو إعادة للماضي بواسطة جمع الأدلة وتقويمها، ومن ثم تمحيصها وأخيرًا تأليفها؛ ليتم عرض الحقائق أولًا عرضًا صحيحًا في مدلولاتها وفي تأليفها، وحتى يتم التوصل حينئذٍ إلى استنتاج مجموعة من النتائج ذات البراهين العلمية الواضحة.

وهو أيضًا ذلك البحث الذي يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث الماضي ويدرسها ويفسرها ويحللها على أسس علمية منهجية ودقيقة؛ بقصد التوصل إلى حقائق وتعميمات تساعدنا في فهم الحاضر على ضوء الماضي والتنبؤ بالمستقبل.

كما يعرف، بأنه ذلك المنهج المعني بوصف الأحداث التي وقعت في الماضي وصفًا كيفيًا، يتناول رصد عناصرها وتحليلها ومناقشتها وتفسيرها، والاستناد على ذلك الوصف في استيعاب الواقع الحالي، وتوقع اتجاهاتها المستقبلية القريبة والبعيدة.

أهمية المنهج التاريخي:

في ضوء التعاريف السابقة للمنهج التاريخي، يمكن إبراز أهمية هذا المنهج في:

-       يمكّن استخدام المنهج التاريخي في حل مشكلات معاصرة على ضوء خبرات الماضي.

-       يساعد على إلقاء الضوء على اتجاهات حاضرة ومستقبلية .

-       يؤكد الأهمية النسبية للتفاعلات المختلفة التي توجد في الأزمنة الماضية وتأثيرها.

-       يتيح الفرصة لإعادة تقييم البيانات بالنسبة لفروض معينة أو نظريات أو تعميمات ظهرت في الزمن الحاضر دون الماضي.

خطوات تطبيق المنهج التاريخي:

يتبع الباحث الذي يريد دراسة ظاهرة حدثت في الماضي بواسطة المنهج التاريخي الخطوات التالية :

§      توضيح ماهية مشكلة البحث:

أي تحديد مشكلة البحث التاريخية: يتطلب توضيح ماهية مشكلة البحث تناول خطوات الأسلوب العلمي في البحث، وهي: التمهيد للموضوع، تحديده، صياغة أسئلة له، فرض الفروض، أهداف البحث، أهمية البحث، الإطار النظري للبحث، حدوده، جوانب القصور فيه، مصطلحات البحث، تحديد الظاهرة أو الحادثة التاريخية المراد دراستها.

ويتم هذا التحديد وفق نسقين محددين: البعد المكاني، والمجال الزماني.

ويشترط في مشكلة البحث توافر شروط مثل: أهميتها، مناسبة المنهج التاريخي لها، توافر الإمكانات اللازمة، أهمية النتائج التي سيتوصل إليها الباحث.

§      جمع البيانات اللازمة :

أي جمع المادة التاريخية: وهذه الخطوة تتطلب مراجعة المصادر الأولية والثانوية، واختيار البيانات التي ترتبط بمشكلة بحثه، ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن على الباحث التمييز بين نوعي المصادر؛ إذ تتمثل المصادر الأولية في السجلات والوثائق، والآثار، وتتمثل المصادر الثانوية في: الصحف المجلات، شهود العيان، المذكرات والسير الذاتية، الدراسات السابقة، الكتابات الأدبية، الأعمال الفنية، القصص، القصائد، الأمثال، الأعمال والألعاب والرقصات المتوارثة، التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية، أشرطة التسجيل، أشرطة الفيديو، النشرات، الكتب، الدوريات، الرسومات التوضيحية، الخرائط.

§      نقد مصادر البيانات:

وتتطلب هذه الخطوة فحص الباحث للبيانات التي جمعها بواسطة نقدها، والتأكد من مدى فائدتها لبحثه، ويوجد نوعان للنقد، الأول، ويسمى بالنقد الخارجي، والثاني، ويسمى بالنقد الداخلي، ولكل منهما توصيف خاص به.

§      تسجيل نتائج البحث وتفسيرها:

وهذه الخطوة تتطلب من الباحث أن يعرض النتائج التي توصل إليها البحث تبعًا لأهداف أو أسئلة البحث مع مناقشتها وتفسيرها، وغالبًا ما يتبع الباحث عند كتابة نتائج بحثه ترتيب زمني أو جغرافي أو موضوعي يتناسب ومشكلة البحث محل الدراسة.

§      ملخص البحث:

 وهذه هي الخطوة الأخيرة من خطوات المنهج التاريخي، وتتطلب أن يعرض الباحث ملخصًا لما تم عرضه فيالجزء النظري والميداني في البحث، كما يقدم توصيات البحث التي توصل إليها، ومقترحات لبحوث مستقبلية.

مزايا المنهج التاريخي:

يعتمد المنهج التاريخي الأسلوب العلمي في البحث، فالباحث يتبع خطوات الأسلوب  العلمي مرتبة، وهي: الشعور بالمشكلة، وتحديدها، وصياغة الفروض المناسبة، ومراجعة الكتابات السابقة، وتحليل النتائج وتفسيرها وتعميمها.

اعتماد الباحث على المصادر الأولية والثانوية لجمع البيانات ذات الصلة بمشكلة البحث لا يمثل نقطة ضعف في البحث إذا ما تم القيام بالنقد الداخلي والنقد الخارجي لهذه المصادر.

عيوب المنهج التاريخي:

-       أن المعرفة التاريخية ليست كاملة، بل تقدم صورة جزئية للماضي؛ نظرًا لطبيعة هذه المعرفة المتعلقة بالماضي، ولطبيعة المصادر التاريخية وتعرضها للعوامل التي تقلل من درجة الثقة بها مثل: التلف والتزوير والتحيز .

-       صعوبة تطبيق الأسلوب العلمي في البحث في الظاهرة التاريخية محل الدراسة؛ نظرًا لأن دراستها بواسطة المنهج التاريخي يتطلب أسلوبا ًمختلفًا وتفسيرًا مختلفًا.

-       صعوبة تكوين الفروض والتحقق من صحتها؛ وذلك لأن البيانات التاريخية معقدة، إذ يصعب تحديد علاقة السبب بالنتيجة على غرار ما يحدث في العلوم الطبيعية.

-       صعوبة إخضاع البيانات التاريخية للتجريب، الأمر الذي يجعل الباحث يكتفي بإجراء النقد بنوعية الداخلي والخارجي.

-       صعوبة التعميم والتنبؤ؛ وذلك لارتباط الظواهر التاريخية بظروف زمنية ومكانية محددة يصعب تكرارها مرة أخرى من جهة، كما يصعب على المؤرخين توقع المستقبل. (7)

3- المنهج الوصفي:

المنهج الوصفي هو أحد مناهج البحث العلمي، ويعد من أكثر المناهج استخدامًا من قبل الباحثين وذلك بسبب نتائجه الدقيقة التي يقدمها، وبفضل مساعدته على التعرف على أسباب حدوث مشكلة البحث، ويدرس هذا المنهج الظاهرة كما هي في الواقع، ويصف هذه الظاهرة بشكل دقيق، ويعبر عن هذه الظاهرة بشكل كمي وكيفي.

 ويتميز المنهج الوصفي بشموليته فهو يشمل كافة المناهج باستثناء التاريخي، والتجريبي، وينتقي الباحث في المنهج الوصفي ما يخدم بحثه ودراسته، ومن ثم يدرسها ليتوصل إلى إثبات الحقيقة العلمية.

ويعد المنهج الوصفي من أهم المناهج في الدراسات الاجتماعية والإنسانية، ويعد هذا المنهج ملائمًا للدراسات الاجتماعية ولقد ظهر في القرن الثامن عشر، في نفس الوقت الذي ظهر فيه علم الاجتماع .

ويحاول المنهج الوصفي الإجابة عن السؤال الرئيسي من خلال تحليل بيانات الظاهرة المدروسة، وتكون تقارير البحوث الوصفية تقريرية .

خصائص المنهج الوصفي:

-       يتميز المنهج الوصفي باستخدام الأسلوب الكمي والكيفي معًا أو أحدهما .

-       يهتم بجمع عدد كبير من المعلومات المتعلقة بمجال البحث.

-       يتميز المنهج الوصفي باعتماده على التحليل، كما أنه يعد من المناهج الموضوعية التي تعتمد على العقل.

-       يتم استخدام كافة الأدوات الممكنة في جمع البيانات، وذلك من خلال طرح الأسئلة والابتعاد عن الفروض .

خطوات المنهج الوصفي:

1-     في البداية يحدد الباحث بمشكلة بحثه، ومن ثم يجمع البيانات والمعلومات والتفاصيل المتعلقة بها.

2-     بعد ذلك يصيغ الباحث هذه المشكلة على شكل سؤال أو أسئلة متعددة، ومن ثم يضع الباحث الحلول الممكنة لمشكلة البحث ويختبرها.

3-     بعد ذلك يختبر الباحث الأدوات التي ستتم عليها الدراسة، كما يجب على الباحث أن يشرح العينة، ويختار أدوات البحث التي تناسب مشكلة البحث .

4-     وبعدها يصل الباحث إلى مرحلة جمع البيانات المطلوبة، من خلال إتباعه لطرق دقيقة       ومنظمة بشكل علمي، وفي النهاية يصل الباحث إلى المرحلة النهائية في البحث وهي إظهار النتائج وتفسيرها، واستخلاص التعميمات.

سلبيات المنهج الوصفي:

-       صعوبة تعميم النتائج وذلك لأن المشكلة التي يدرسها الباحث مرتبطة بزمان ومكان معينين.

-       قد تتعرض مشكلة البحث لعوامل قد تؤدي إلى تغيرها أو تسبب تطورها، وبالتالي يكون التنبؤ محدودًا في المنهج الوصفي.

-       قد يفضل الباحث اختيار مصادر يفضلها لجمع البيانات على حساب مصادر أخرى قد تفيد بحثه، الأمر الذي يوقعه في التحيز.

-       قد يحصل الباحث على معلومات خاطئة أثناء جمع المعلومات في حال عدم تأكده من صحة المعلومات الموجودة في المصادر التي عاد إليها.

4- المنهج الوصفي التحليلي

المنهج الوصفي التحليلي: المنهج الوصفي هو المنهج الذي يعتمد على تحليل ودراسة مجموعة من الظواهر، ويصف هذه الظواهر وصفًا دقيقًا محدد، ويعبر عنها عنها من خلال إعطائها صفات رقمية، وكتابة جداول وبيانات تحدد هذه الظواهر ومدى ارتباطها مع الظواهر الأخرى، حيث يعد المنهج الوصفي منهجًا واسعًا يتضمن العديد من المناهج والأساليب الفرعية.

     كذلك يشمل المنهج الوصفي كافة المناهج الأخرى، ما عدا المنهج التاريخي، والمنهج التجريبي، حيث تكون مسألة الوصف والتحليل الظاهري مسألة موجودة ومشتركة في جميع أنواع البحوث العلمية، ويتم استخدام المنهج الوصفي في الدراسة التي تصف وتفسر الظواهر والوضع الراهن، ويتم تكوين الدراسات التي تهتم بعمل الفرضيات واختبار هذه الفرضيات.

     ويعد هذا النوع من الأبحاث ذا أهمية كبيرة خاصة في مجال الدراسة الإنسانية، حيث يتم الكشف عن آراء الناس ومعتقداتهم وصفاتهم، واتجاهاتهم من موقف معين، حيث يستخدم هذا الموضوع للوقوف على قضية ورأي معين متعلق بفئة معينة وخاصة من فئات المجتمع، حيث لا يتوقف المنهج الوصفي التحليلي على جمع بيانات وصفية حول ظاهرة معينة.

     يربط البحث الوصفي التحليلي ويفسر البيانات ويصنفها ويبين نوعية علاقة المتغيرات والأسباب والاتجاهات، ويتم استخلاص النتائج, والتعرف على حقيقة هذه النتائج بشأن الوصول والوقوف على ظاهرة معينة متعلقة بموضوع البحث، حيث إن الهدف الرئيسي للمنهج الوصفي هو معرفة الحاضر لرسم وبناء خطة للمستقبل، حيث يتم فيها تنبؤ أحداث للمستقبل وما هي الأحداث والظواهر التي سوف يدرسها، حيث يتم فيها تقديم صورة عن مدى التغيير الحاصل في الظواهر السابقة، يستطيع الباحث من خلالها دراسة المستقبل، للدراسات الوصفية قدرة هائلة على التوقع ولكن تبقى قدرتها محدودة، لأن صعوبة هذه الظواهر الاجتماعية تؤثر على سرعة تطور الدراسات الوصفية وتغيرها.

     حيث لا يمكن أن تقف البحوث الوصفية عند حدود الوصف التشخيصي، بل وتهتم بما يجب عليه أن تكون الظواهر التي يتناولها البحث، ويتم تقييم معايير محددة وإيجاد خطوات وأساليب يجب اتباعها والمشي على نهجها للوصول إلى الصورة الصحيحة التي ينبغي أن تكون في ظل وجود مقاييس وقيم معينة ويطلق عليها اسم البحوث المعيارية.

     ويتم أيضا استخدام الأبحاث الوصفية في الحصول أو جمع بيانات ومعلومات عن طريق استخدام أدوات معينة في المنهج الوصفي ومن هذه الأدوات: الملاحظة، المقابلات، الاختبارات، المقاييس المتدرجة.

     والقاعدة الأساسية في البحوث الوصفية هي أن الباحثين لا يقدمون اعتقادات خاصة وملاحظات سطحية، بل جميع ما يقدموه يكون مبنيًا على هيئة نظريات وفرضيات مبنية على دراسات مستمدة من أدلة وبراهين معينة, ويقومون بتحليلها بعمق والعناية بها للوصول لوصف تحليلي دقيق جدًا.

     هناك عدة خطوات يخطوها الباحثون في المنهج الوصفي التحليلي ومنها:

1.     تحديد المشكلة وأن يتم جمع البيانات المتعلقة بهذه المشكلة التي تساعد على حلها.

2.     تحديد طبيعة المعلومات التي يتم جمعها.

3.     أن يتم تحديد الفرضيات والتساؤلات الخاصة بموضوع الدراسة.

4.     التعرف على الجوانب غير الواضحة من الدراسة.

5.     أن يتم تحديد متغيرات المشكلة وطبيعة علاقتها.

رابعاً- الدراسات السابقة

·       (فايز الشهري 2017 - الرياض):

وهنا عرض ملخّص لأبرز القواعد التي قد تساعد المحلل السياسي على الإضافة الإيجابيّة للمهنة واكتساب احترام الجماهير:

القاعدة الأولى: احترم التخصّص والخبرة التي تملكها. وهذا يتطلّب منك ألّا تتحدّث إلّا فيما تجيد فلكل قضيّة سياسيّة موضوع رئيس وتشعبات تحتاج مع الاستعداد إلى إدراك أبجدياتها العلميّة ومفاهيمها في التطبيقات السياسيّة.

القاعدة الثانية: لا تبني تحليلك السياسي على مقدرتك البلاغيّة وحدها. تأكّد أنّ مهارتك اللغويّة مهما كانت فريدة ستخذلك حين يتطلب الموقف تلخيصًا محددًا لحدث أو تقديم رؤية محددة الأركان.

القاعدة الثالثة: تذكّر أن المعلومات الحصريّة والمصادر الخاصة هي أغلى ما يملك المحلّل السياسي وهي سلعته الثمينة في مهنته. لا يكفي أن تعيد تدوير ما يقرأه الناس دون إضافاتك من مخزنك المعلوماتي الخاص الذي اكتسبته من مصداقيتك مع المؤثرين ووسط الجماهير.

القاعدة الرابعة: تنبّه جيدًا حتى لا تستهويك شهوة الميكرفون فتدّعي شيئًا غير حقيقي سواء كانت المغامرة بمعلومة أو التلميح إلى توجّه سياسي معين.

القاعدة الخامسة: عزّز التحليل السياسي بالأرقام والوقائع واربط بين الأحداث ونظم أفكارك حتى تصل مضامينها لمتابعيك مكتملة وثريّة موقنا أنّك (وسط) عصر المعلومات ومجتمع المعرفة.

القاعدة السادسة: اعتمد اللغة الهادئة والعبارات الرصينة دون رتابة وإملال واحترم محاوريك والمشاركين معك. واعلم أن الصراخ والشتيمة في وجه معارضيك (انفعال) لا علاقة له بالتحليل السياسي ولن يكسبك إلّا جماهير المصارعة الحرّة وهؤلاء لا يصنعون نجمًا ولا يحافظون على من صنعه الغضب نجمًا.

القاعدة السابعة: كن على يقين أن الأزمات السياسيّة هي جزء من صراع الإرادات السياسيّة في عالم اليوم فلا تظن أنّ حماسك غير المرشّد سيكسر إرادة خصم أو يغيّر مجريات قضيّة. ومن هنا عليك أن تفرّق بين التحليل السياسي أمام الجماهير والمشورة السياسيّة الوطنيّة التي قد تبادر بها أو تقدمّها بناء على طلب.

القاعدة الثامنة: اعلم أن المحلّل السياسي الناجح هو في الحقيقة قارئ ثاقب النظر ومتابع حصيف. ومن هنا فالنجاح في تحليل الأحداث السياسيّة لن يتأتى إلا برصيد كبير من المعرفة وبعد النظر.

القاعدة التاسعة: تذكر أن السياسة تعني »فن الممكن« وهذا يعني أن لا مستحيل في السياسة فلا تجازف بالأحكام القطعيّة مدركًا أن التحليل السياسي في مجمله هو فن استشراف المآلات وتوقع الاحتمالات.

القاعدة العاشرة: اعلم أن الظهور المتكرّر محرقة إعلاميّة علنيّة فلا تكن مكثارًا ثرثارًا تتنقل بذات البضاعة من محطة تلفزيونيّة إلى أخرى ومن ندوة جماهيريّة إلى ملتقى. إذا لم تتنبه فسيأتي عليك يوم وستسمع بأذنك عبارة (فلان احترق). (9)

·      (غالب حسن الشابندر - 2015 - الحوار المتمدن):

     كلام طويل عن ماهية التحليل السياسي، هل هو فن أو علم، أو هو كلا الميدانين معا، وهناك مدارس في التحليل السياسي، فإن هناك من يحكم على الحدث السياسي - كأحد موضوعات التحليل السياسي - في ضوء رؤية كونية يؤمن بها، فالقول بأن الصراع الطبقي هو الذي يحرك التاريخ، يهبه الصلاحية الكاملة والحصرية لمهمة التحليل السياسي العلمي الناضج، فهو بمثابة قنديل سياسي يزيح الظلام عن أسباب الحدث السياسي، حيث يشخص الصراع بين طبقتين اجتماعيتين ظالمة ومظلومة، مفتاحًا للدخول إلى مغاليق الحدث، وأي قراءة لنص سياسي إنّما تصلح أن تكون قراءة واعية وكاشفة فيما حكّمنا قوانين الصراع الطبقي، فيما هناك المدرسة الواقعية في التحليل، التي تؤمن بأن الواقع هو المصدر الأول والأخير في تحليل أي موضوعة من هذه الموضوعات، فنحن لا نركن إلى سبب واحد في التحليل، بل هناك جملة عوامل واقعية تفسر وتعلل وتكشف، فلا نستبعد دور المزاج والتاريخ في اتخاذ القرار السياسي، وفي فهم الحدث السياسي، والظاهرة السياسية، غيرها من موضوعات التحليل السياسي المطروحة.

ولا نستبعد دور الذكريات المرة والحلوة بين الدول والشعوب والقوميات والأديان والمذاهب المسؤولة عن الحدث السياسي وتعميقه وصيرورته، فأي دراسة لهذا الحدث يجب ألا تبعد الاقتصاد، والجغرافيا، والتاريخ، والمزاج الشخصي، والكثير من العوامل الأخرى التي نرجع في تشخيصها إلى الواقع، وهكذا مع بقية موضوعات التحليل السياسي المعروفة، مدرسة ثالثة تحلل هذه الموضوعات بلحاظ النظرية القومية، أي تلك النظرة التي ترى أن القومية هي جوهر الصراع، أو هي التي تطبع حقيقة الصراع في العالم، فهناك قوميات في العالم، والمحصلة النهائية للتاريخ في أي لحظة من لحظات مسيرته الطويلة هي حصيلة التنافس والنزاع والتسابق بين هذه القوميات. وهكذا تتعدد مدارس التحليل السياسي، ولكل مدرسة مبرراتها ومسوغاتها وآلياتها بشكل عام، ومن الصعب الارتكان إلى مدرسة بحد ذاتها لتكون هي المفصل النهائي والمحطة الأخيرة، وليس هنا مجال لنقد الأحادية في التحليل السياسي، ولكن في قناعتي أن المدرسة الواقعية أقرب من غيرها لممارسة هذه المهمة على مستوى أكثر دقة وموضوعية. (10)

خامساً- نتائج البحث والمقترحات والتوصيات

نتائج البحث:

التحليل السياسي إذن عملية ليست سهلة، بل هي صعبة، ولكنها تتحول إلى ممارسة من كثرة العمل بها، ومعايشتها، وهي لا تستوجب تواصلًا مع علوم الدولة وأساليب الحكم، ولكنها تستوجب إلمامًا ببعض قواعد اللعبة السياسية، وأصولها، مثل لعبة الدومينو، ولعبة رفع سقف المطالب، ولعبة العصا والجزرة، ولعبة العض على الأصابع، ولعبة القط والفأر، ولعبة عجز القوة وقوّة العجز، ولعبة توازن القوى، فإن هذه اللعب فنون، ويمكن أن تفسر لنا ما يحصل، وتكشف لنا عن بعض أسباب التحرك والقرارات التي تتخذها بعض الدولة والأنظمة والأحزاب والمنظمات.

آفات التحليل السياسي:

يتعرض التحليل السياسي، وتحليل الحدث السياسي مثل الانقلابات العسكرية، والحروب، وتغيير الحكومة، وعقد المعاهدات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها من الأحداث السياسية إلى الكثير من الآفات التي تفسده، ومن أشهر هذه الآفات:

-       التوسل بالأخبار التي تنسجم مع مسبقات استولت على ذهن المحلل ورؤيته.

-       الرجوع للاسترشاد بأيديولوجية متبناة، وهو المذهب الذي يتضاد مع المدرسة الواقعية في التحليل، التي تنظر إلى الواقع وتعتمد عليه، وفي ضمن ذلك الإيمان أن ما يجري من عمل وحدث سياسي يندرج في سياق الصراع من أجل القوة والمصلحة.

-       عدم التفريق الجاد والفني بين اللعبة السياسية والهدف السياسي، فإن لعبة توازن القوى ليست هي الهدف، بل هي وسيلة لتأخير الحروب مثلًا، فيما يتورط بعضهم ليؤكد أنها هي الهدف من بعض الأعمال السياسية، وهذا خطأ فادح يمكن أن يقع في شباكه كثيرون من المحللين السياسيين، فإن مثل هذا الخلط يضيع الفهم الحقيقي أو الفهم الدقيق للأعمال والأحداث السياسية، فالحرب الهادفة إلى إضعاف طرف دولي مثلًا، قد يكون الهدف القريب منها صنع ميزان قوى جديد في المنطقة أو العالم، ولكن ليس التوازن بحد ذاته هو المطلوب، بل هو آلية لمنع حروب أخرى، أو لمنع هيمنة طرف معين، أو لكسر هيبة دولة معينة.

-       ومن المخاطر التي تهدد الموضوعية في التحليل السياسي أن ننكر كل إرادة للحكام ونتصورهم جميعًا لعبًا أو دمى أو أدوات شطرنج لا تفكر ولا تخطط ولا تفرض، واليوم يميل كثير من المحللين السياسيين إلى اقتراح معادلة تبادل المصالح في تفسير العلاقات الدولية والأحداث السياسية، وهجروا منطق المؤامرة و العمالة البحت. إن مخاطر التحليل السياسي كثيرة، وكما للتحليل السياسي آلياته كذلك للصراع السياسي آلياته، ولهذا الموضوع كلام آخر.

المقترحات والتوصيات:

(أنقل عشرة توصيات للحصول على تحليل سياسي محايد.. هذه التوصيات وجدتها على موقع نور سورية، وأنقلها لما فيها من استفادة مع ذكر المصدر، وأرى أن كاتب هذه التوصيات منحازًا انحيازًا أيديولوجيًا فيما يذكره عن المذاهب الدينية والسياسية، لذا هو يعبر عن رأيه الشخصي حين يعرج على هذه المسائل).

ولذا نقترح الآتي:

-       الاعتماد على أكثر من مصدر للخبر الواحد: لا تقتصر على مشاهدة أو سماع أحداث الخبر على قناة فضائية معينة، أو إذاعة، أو صحيفة، أو موقع إلكتروني، أو شخص ما تعتقد أنه ثقة مهما كان ذلك المصدر مشهورًا كالجزيرة مثلًا، أيضًا لا تكترث نهائيًا بما يقال أو يروج له حول عدم الثقة بأحد المصادر كالفضائية العربية مثلًا، فقد يكون هذا الكلام مجرد تشهيرًا من المنافسين، أو حتى ربما من بعض الجهات أو الدول أو الأحزاب التي تتعارض مصالحها معها. وهكذا سوف تتحصل على تغطية للحدث أو الخبر من عدة زوايا، ويصبح لديك من التفاصيل أكثر مما يقدمه كل مصدر منفصلًا.

-       الفصل بين الخبر ورأي المحلل أو الكاتب: سوف تجد أن مصادر الأخبار تورد الخبر أو الحدث مُغلفًا وموجهًا برأي الكاتب أو المحلل السياسي، وفي عدة صيغ أو قوالب بعضها سلبي وبعضها إيجابي، وذلك باختلاف نظرة المحلل، كما أن المصدر كثيرًا ما يميل لإحدى الجهات ذات العلاقة بالحدث وتجده يتعاطف معها مرجحًا التحليل السياسي الذي يخدمها، وهذا ما تفعله غالب القنوات الإخبارية التي تعرض آراء متعددة، فضلًا عن الصحف الحزبية والكتاب المسيّسين أو المؤدلجين، وحتى كثير من مراكز الدراسات تكون ذات توجه سياسي معين وترى الأحداث من منظورها الخاص. فالمطلوب من القاريء في مثل هذه الحالات أن ينتبه جيدًا لنفسه من أن تتسلل إلى عقله آراء المحلل نفسه بحيث تطغي على واقع الحدث وبُعده الحقيقي، وهذا الحذر أدعى لقراءة الحدث وتحليله على طبيعته، وبالتالي الوصول إلى المعرفة الحقيقة لواقع الحدث بأسره. ثم لا تكترث كثيرًا باختلاف الآراء لأن الحقيقة واحدة بالنسبة لأغلب الأحداث، والخلافات غالبًا ما تكون بسبب الجهل أو التسييس أو قصد الإخفاء والتعتيم، وفي حالات قليلة يكون الخلاف حقيقيًا ومعتبرًا، وفي هذه الحالة لن تكون هناك مشكلة لأنها قضايا فرعية.

-       اتخاذ معايير التحسين والتقبيح في تحليل الحدث: لكي يتيسر لك الوصول إلى معرفة واقعية حقيقية لحسن أو قبح الحدث بشكل قطعي لا يكتنفه غموض ولا تشوبه شائبة، فإن عليك أن تعرض أثر الحدث أو تلك الدعوة على الأصول الخمسة للحياة الإنسانية وهي: الدين، النفس، النسل، العقل، المال، فإن وجدت أن هذا الحدث أو تلك الدعوة كان حافظًا صائنًا لهذه الأصول، فيمكنك أن تحكم على الحدث بالحسن والإيجاب، أما إذا وجدته مضيعًا ومهدرًا لأصل أو أكثر من تلك الأصول فإنه يجب عليك أن تحكم عليه بالقبح والسلبية. وهذه المعايير لا يختلف عليها اثنان، فكل الناس تحتاجها وتحتاج إلى الدين، ولكن مع اختلاف وتنوع بينهم، أما الشيوعية والإلحاد فهي شأن آخر ولها بحثها الخاص، فواضعوها هم من اليهود وهم يريدونها فقط لغيرهم لا لهم، فماركس مثلًا كان متدينًا، وكان يعلم أن المادية هي كذبة كبرى يقدمها كخطوة ومرحلة أولى لاستعباد الإنسان. ولينين كان يهوديًا ولا يعمل يوم السبت.

-       التمييز بين العقل و العاطفة في تفسير الحدث: بعد أن تقوم المصادر بإيراد الخبر، تقوم باستضافة المحللين أو تجلبهم لبرامج حوارية، فمن المهم جدًا في هذه الأثناء التمييز بين التحليل المبني على التفكير الهاديء الذي يخاطب العقل وينطلق من قراءة الأصول والعقائد ويدعو للتفكير، وبين التحليل العاطفي الذي يستثير العواطف والانفعالات بسرعة كبيرة قبل أن تتمكن عقول أغلبنا من تمييز ذلك، وعادة لا يكترث بقراءة الأصول والعقائد ذات العلاقة بالحدث وبأصحابه. وفي هذه الحالة سيكون من السهل جدًا على هذا المحلل أن يجير عواطف الجمهور بسهولة بالغة في الاتجاه الذي يريده هو، ويجعل منهم رعاعًا أو غثاءً، ولا شك أن مثل هذا ليس له موقع من الإعراب في طريق محاولة الوصول للحقيقة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، عندما ارتكبت إسرائيل المجرمة مجزرة أسطول الحرية، قام بعض المحللين باستغلال عواطف الجماهير الجياشة الكارهة جدًا لإسرائيل، محاولًا تجييرها باتجاه الكراهية للحكومات العربية. ومهما يكن من أمر فإن هذا التجيير يؤول في اللا شعور أو في العقل الباطن لدى المشاهد إلى تخفيف مشاعره العدائية والكارهة لإسرائيل التي هي المجرم والمرتكب لهذه المجزرة المروعة.

-       الاعتماد أولًا على دراسة العقيدة والأيديولوجيا في الحكم على الأفراد والأنظمة والجماعات: يخطئ من يظن أن المصالح أو أي عوامل أخرى قد أصبحت أكثر أهمية من العقيدة والأيديولوجيا في تحليل وتوقع أفعال الأفراد أو الهيئات والجماعات، كما يخطئ كثيرًا من يعتمد على المظاهر الخارجية أو الأقوال أو حتى الأفعال، وذلك لإمكانية المخادعة فيها بقصد التضليل، أما العقيدة أو الأيديولوجيا فهي المعبر الحقيقي عن الدوافع والأهداف، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يجب توخي الدقة والحذر ودراسة العقائد أو المبادىء من مصادرها الأصلية وليس من الشعارات التي يطرحها أصحابها فقط، لأن الكذب والتقية هي أصل من أصول الأفكار والحركات الهدامة، ومن أبرزها اليهودية والصهيونية والرافضة والحركات اليسارية الثورية بمختلف مسمياتها، وبعض الحركات العلمانية والليبرالية التي تضمر الأيديولوجيا الشيوعية. ومن هذا نستفيد قاعدة ذهبية أن كل من انتسب إلى عقيدة أو دين أو فكر يجيز لأتباعه الكذب لجلب المصالح ودرء المفاسد سواء في حالة الاختيار أو الاضطرار، أي بمعنى آخر تبني مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) كمن ذكرنا من الأيديولوجيات السابقة، فإن روايته مردودة ابتداءً حتى يثبت لنا صدقه من طرق أو قرائن أخرى، وهذا النوع من الكذب يسمى »كذبًا مؤسسيًا«. وإن كل من انتسب إلى عقيدة أو دين أو فكر يُحًرّم على أتباعه الكذب كالإسلام فإن روايته مقبولة ابتداء حتى يثبت لنا كذبه من طرق أو قرائن أخرى لإمكانية وقوعه فيه لغرض من الأغراض، وهذا الكذب يسمى »كذبا شخصيًا«.

-       التفريق بين الشعارات الزائفة و الواقع المعاش:عليك ألا تلتفت ابتداءً في التحليل إلى نوعية الشعار (إسلامي، ديموقراطي، اشتراكي) أو غيره لكي تصل إلى الحقيقة، وما عليك في هذا الحال إلا أن تتجرد من الإسقاطات السابقة للشعار المرفوع حتى لو كان إسلاميًا، وتعرض النتيجة التي على أرض الواقع للحدث أو الشعار على الأصول الخمسة للحياة الإنسانية: الدين، النفس، النسل، العقل، المال؛ فإنها هي الكاشف الحقيقي لصحة الشعار من دجله. فحين ترفع راية ليبرالية أو اشتراكية ـ وهي في أصولها وتعاليمها معادية للدين ـ شعارًا مقبولًا لدى المسلمين مثلًا، فيجب أن لا يعطيها ذلك منا التأييد والنصرة أو التعاطف، خاصة وأن الكذب أصل من أصول دعوتها. وحين يرفع شعارُ مّا راية أو يافطة إسلامية، كالرافضة في إيران، فعلينا أن نحمل هذه الراية على ما يخدم عقيدتهم هم، لا على عقيدتنا، ومن عقيدتهم إبادة أهل السنة فيما يعتقدون.

-       تفعيل ذاكرة الاستفادة من التجارب السابقة وتعلم منها: لا شك أن كل واحد منا قد شاهد أحد الأحداث الكبيرة واقتنع ببعض التحليلات السياسية التي تم طرحها، ثم تبين بعد وقت طويل أنها كانت مجرد أباطيل فارغة، لكننا للأسف الشديد في الغالب لا نأخذ منها عبرة ولا نصبح أكثر تدقيقًا ووعيًا في الحالات المشابهة لها التي تأتي في المستقبل، رغم أننا نأخذ العبر ونستفيد منها في كافة شؤون حياتنا إلا في هذا الأمر المهم بالذات، فلماذا؟ لماذا ذاكرتنا ضعيفة في هذا الشأن تحديدًا؟

-       في حالة مجيء فتنة يجب أن نعلم بها وهي قادمة وليس بعد أن تذهب: للأسف الشديد فإن كثيرًا من المحللين وحتى بعض المشايخ والدعاة الذين يتصدون لتحليل الأحداث السياسية ذات الأثر المصيري على الأمة، للأسف يقعون في الفتنة أو الخدعة السياسية التي خطط لنا أعداؤنا (خاصة اليهود) للوقوع فيها، ثم بعد انتهاء الخدعة وفوات الأوان ينتبهون لها. مثل خدعة التقريب بين المذاهب التي طرحها الرافضة، وهذه من أكبر الكوارث ومن أكبر أسباب عدم اقتراب النصر منا، فالمفروض بالدعاة أن يروا الفتنة وهي مقبلة ويحذروا مسبقا من الوقوع فيها، لا أن يروها وهي مدبرة بعد فوات الأوان، وللأسف فإن البعض لا يراها ولا يقتنع بها حتى بعد فوات الأوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. مثل أيضا خدعة الشيوعيين والاشتراكيين قديمًا في تبنيهم للقضية الفلسطينية لأجل تحريرها بزعمهم، ثم تبين لنا فيما بعد أنهم بهذا التبني الزائف خدموا إسرائيل لا العرب، ثم بعد كل هذا ننخدع مرة أخرى بشعارات ثورية جديدة تخلط مرحليًا بين الإسلام واليسار مثل شعارات حزب الله.

-       عدم إهمال الأخذ بنظرية المؤامرة وعدم المبالغة بها: كثرت في فترة ماضية الانتقادات للتحليلات المبنية على ما يسمى بنظرية المؤامرة، حيث كثرت المبالغة بها، وهذا أدى لرد فعل معاكس يطالب بإبعادها تمامًا، لكن الواقع الإنساني والتاريخي شاهد على كثير من المؤامرات والمخططات؛ لذا من الغباء الإهمال بأخذها، كما لا يجوز إهمال العوامل الإنسانية والبيئية الأخرى، ومن أكبر حقائق المؤامرات التاريخية هي المؤامرة اليهودية الكبرى للسيطرة على العالم، ومن ينكرونها يقعون حتمًا في نظرية مؤامرة معاكسة، حيث يتحتم اتهام كافة شعوب العالم في كل زمان ومكان بالتآمر على اليهود والكيد بهم، أي أنه لا مفر من نظرية المؤآمرة، لكن الضابط هنا هي الأدلة والبراهين العلمية الواقعية. فمن المؤامرة رفض نظرية المؤآمرة بالكلية، والغريب أن فريقًا من الذي يروجون ببطلان نظرية المؤامرة تراهم متناقضين مع أنفسهم، فهم ينفون نظرية المؤامرة اليهودية ويثبتونها للرأسمالية أو الصليبية، وهذا من أغرب الأحكام.

-       التفريق بين النيات الحسنة والأعمال السيئة: الإعجاب بالنية الحسنة لوحدها تصنف من مزالق المغفلين. وللوصول إلى نتيجة حقيقية واقعية في تحليل حدث ما يجب أن نفرق بين نية صاحب العمل وعمله، فإن كانت نيته حسنة وكان عمله حسنًا، فقطعًا يجب أن يكون التحليل للحدث إيجابيًا وحسنًا، ومن قال غير ذلك فقد ادّعى. وإن كانت نيّة صاحب العمل حسنة، وكان عمله سيئًا ـ بعد عرضه على معايير التحسين والتقبيح وهي الأصول الخمسة للحياة الإنسانية ـ رددنا عمله وقبّحناه، واحترمنا نيّته. أما إن كانت نيّة صاحب العمل سيئةً وكان عمله سيئًا، فهذه هي أقبح الحالات على الإطلاق، أما إن كانت نيته سيئة وعمله صالحًا، فعلينا في هذه الحالة أن نكون حذرين منه، فنقبل صلاح عمله، ونَحذَر أن يجرّنا من خلاله إلى ما يريده من الإذلال والإهلاك والاستعباد مستقبلًا، وهذا النوع من الناس هم أصحاب الدعوات الهدامة الباطنية كالشيوعية والليبرالية والرافضة والاشتراكية. (11)

المراجع

1-    أ.د محمود أحمد درويش، مناهج البحث في العلوم الإنسانية، مؤسسة الأمة العربية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2018.

2-    فتحي شهاب الدين، أوراق في التربية السياسية، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 2011.

3-      د. مهند العزاوي (14 أكتوبر 2014)، منهجية التحليل السياسي وأدواته، تم استرجاعه في 15 - 4 - 2018 على الرابط (مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية - لندن):

www.asharqalarabi.org.uk/مقتطات-من-كتاب-مهارات-التحليل-السياسي_ad-id!306178.ks#.Ya_Sq9BBzce

4-  عبد المعطي زكي (17 يوليو 2011)، كيف تكون محللًا سياسيًا ناجحًا؟، وتم استرجاعه في 16 - 4- 2018 على الرابط (الراصد):

www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=3568

5-      د. شوقي ضيف، البحث الأدبي طبيعته. مناهجه. أصوله. مصادره، دار المعارف، الطبعة السابعة، 1972.

6-    أ.د نبيل خالد أبو علي، البحث الأدبي واللغوي طبيعته - مناهجه - إجراءاته، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 2013.

7-      (لا يوجد اسم الكاتب)، (13 يوليو 2017)، ما الفرق بين الاستدلال الاستنتاجي والاستدلال الاستقرائي؟، تم استرجاعه في 15 - 4 - 2018 على الرابط (أنا أصدق العلم):

www.ibelieveinsci.com/?p=31428

8-      د. حيدر عبد الكريم محسن الزهيري، مناهج البحث التربوي، مركز ديبونو لتعليم التفكير، الطبعة الأولى، 2017.

9-      فايز الشهري (21 أغسطس 2017)، القواعد العشر للتحليل السياسي الإعلامي، تم استرجاعه في 17 - 4 -2018، على الرابط (العربية):

www.alarabiya.net/saudi-today/2017/08/21/القواعد-العشر-للتحليل-السياسي-الإعلامي

10-  غالب حسن الشابندر، (31 - 3- 2009)، في التحليل السياسي.. موضوعات وآليات ومخاطر، تم استرجاعه في 17 - 4 - 2018، على الرابط (الحوار المتمدن):

elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/3/424144

11-  (لا يوجد اسم الكاتب)، (14 - 7 -2016)، عشرة من أهم النصائح للحصول على تحليل سياسي محايد لأي حدث كبير، تم استرجاعه في  18 - 4 - 2018، على الرابط (نور سورية):

syrianoor.net/article/17187

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟