المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

حسابات التفاهم: ماذا تعني زيارة بلينكن للصين؟

الأحد 25/يونيو/2023 - 10:18 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين في زيارة هي الأولى لوزير خارجية أميركي منذ خمس سنوات وسط توتر العلاقات الثنائية وآمال ضئيلة في تحقيق تقارب فيما يتعلق بقائمة طويلة من الخلافات بين أكبر اقتصادين في العالم، وجاءت الزيارة بعد تأجيل الزيارة في فبراير بسبب تحليق ما يشتبه بأنه منطاد تجسس صيني في المجال الجوي الأمريكي.

وعقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وكبير مسؤولي الشئون الخارجية الصيني وانغ يي محادثات حيال عدد من القضايا الشائكة بينهما مثل تايوان والعلاقات التجارية. ولم يتوصل الطرفان لاتفاق يذكر على ما يبدو فيما عدا استمرار الحوار وعقد اجتماع آخر في واشنطن، وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت أن وزير الخارجية الصيني وافق على القيام بزيارة إلى واشنطن بعد إجرائه محادثات بناءة مع نظيره الأمريكي، من جهته، أكد وزير الخارجية الصيني أن ملف تايوان يمثل التهديد الأبرز للعلاقات مع الولايات المتحدة.

وهذه الزيارة سيكون على رأس محادثتها الأزمة التجارية بين البلدين والخلاف حول تايوان، وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإنه من المقرر أن يلتقي بلينكن الرئيس الصيني شي جين بينغ ومجموعة من كبار الدبلوماسيين. وتأتي هذه الزيارة في وقت شهدت العلاقات الصينية الأميركية توترات كبيرة إثر حرب تجارية غير معلنة بين البلدين مع تشديد أميركي لمنع وصول الصين لتكنولوجيا تخص الرقائق الإلكترونية. وأوضح مسؤولون أمريكيون أن الهدف الرئيسي للزيارة هو تهدئة العلاقات بين البلدين، والتي توترت بشدة في الفترة الماضية.

ملفات عديدة

قال بلينكن في واشنطن إن هذه الزيارة يجب أن تفتح خطوط اتصال مباشرة حتى يتمكن بلدانا من إدارة علاقتنا بمسؤولية، بما في ذلك من خلال معالجة بعض التحديات والتصورات السيئة ومن أجل تجنب الحسابات الخاطئة.

وتتعدد نقاط الخلاف بين القوتين اللتين تخوضان منافسة شرسة، وتتضمن أجندة المحادثات أيضًا قضايا عدة مثل الحرب في أوكرانيا، وأزمة تايوان مرورًا بالمطالبات الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي، وصولا إلى معركة الرقائق الإلكترونية. وتمثل تايوان أكثر ملف شائك بين القوتين، إذ نفذت بكين مناورات عسكرية تاريخية حول الجزيرة في أغسطس 2022 ردًا على زيارة لتايوان أجرتها رئيسة مجلس النواب الأمريكية آنذاك نانسي بيلوزي في إطار جولة آسيوية. وقبل زيارة بلينكن قال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ون بين إن الولايات المتحدة: "يجب على الولايات المتحدة التخلي عن وهم التعامل مع الصين من موقع قوّة. يجب على الصين والولايات المتحدة تطوير علاقات على أساس الاحترام المتبادل والمساواة، واحترام خلافاتهما.

وشعرت بكين بالانزعاج خصوصًا من القيود التي فرضتها إدارة بايدن على تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين في ظل تخوّف الولايات المتحدة من استخدامها عسكريًا وسعيها لمنع الدولة الشيوعية من الهيمنة في مجال التكنولوجيا المتقدمة.

وفي ملف يمثّل أهمية متزايدة بالنسبة للولايات المتحدة على الصعيد الداخلي، قال مساعد لبلينكن إنه من المتوقع أن يضغط على الصين لفرض قيود على السلائف الكيميائية التي تُرسل إلى أميركا اللاتينية من أجل إنتاج الفينتانيل، وهو مسكن قوي مسؤول عن مشكلة الإدمان التي تودي بعشرات آلاف الأمريكيين سنويًا. كما نددت واشنطن بملف الصين في مجال حقوق الإنسان، علمًا بأن زيارة بلينكن هي الأولى لمسؤول في الحكومة منذ اتهمت الولايات المتحدة رسميا بكين بإبادة أقلية الأويغور وأغلب أفرادها مسلمون.

من ناحية أخرى، يشعر جيران الصين وحلفاؤها الأميركيون بالقلق من أن انهيار الاتصال بين القوى العظمى في العالم قد يعرقل الاقتصاد العالمي أو يؤدي إلى صدام عرضي، حيث يسيء كل طرف تفسير نوايا الطرف الآخر. لكن الصين ترى القليل من الأهمية في متابعة المحادثات مع إدارة بايدن بشأن التجارة أو غيرها من القضايا، بعد أن خلصت إلى أن الولايات المتحدة تسعى لعرقلة تقدمها الاقتصادي وتطويق جيشها.

سياقات متغيرة

على المستوى الرسمي، يُنظر إلى تلك المحادثات على أنها إعادة فتح قنوات الاتصال رفيعة المستوى وتحقيق الاستقرار في العلاقات التي يسودها التوتر منذ حادث المنطاد، وأكدت الخارجية الأميركية أن بلينكن طرح القضايا المثيرة للقلق، فضلا عن فرص التعاون في القضايا المشتركة مع الصين. كما أفادت بأن الوزير الأميركي دعا نظيره الصيني إلى زيارة واشنطن لاستكمال المناقشات. وأعلن الجانبان أن وزير الخارجية تشين غانج وافق على زيارة واشنطن في وقت لاحق، خاصة أن التوترات بين البلدين الفترة الماضية هددت باشتعال نزاع في أي وقت.

وتؤشر هذه الرغبة من جانب واشنطن وبكين على أن أي من الحكومتين لا تريد أن ينظر إليها على أنها ضعيفة عن طريق المبادرة بالدعوة للحوار، وذلك بعدما انقطعت قنوات الاتصال التي كادت أن تتسبب في أزمة بين الجيشين والجميع شاهد كيف كانت تعترض الصين السفن والطائرات الأميركية في منطقة بحر الصين الجنوبي، ويمكن القول أن الأزمة الكبرى بين الجانبين تجارية وعدم حلها يعقد ملفات أخرى، وأنه في حال توصل الجانبين لحل بخصوص هذه الأزمة ستهدأ الأمور في تايوان، كما تخشى الولايات المتحدة من النمو التجاري الصيني في كثير من المجالات وقد أضر هذا باقتصادها، في حين أبدى مسئولون صينيون فتورًا إزاء زيارة بلينكن، متسائلين عما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى بإخلاص إلى إصلاح العلاقات مع بلادهم.

وضمن السياق ذاته، فإن استعادة الحوار البناء بين الولايات المتحدة والصين أصبح ضرورة ملحة؛ حيث أن البلدين ما زالا لديهما مصالح اقتصادية مشتركة، ومن المحتمل أن تطلب الصين من الولايات المتحدة وقف الأعمال الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي والتوقف عن دعم وتسليح تايوان، وشددت الصين على ضرورة احترام الولايات المتحدة مبدأ الصين واحدة أي عدم إقامة علاقات رسمية مع تايوان واحترام التزامها عدم دعم الانفصاليين التايوانيين، كما بعث أطفال مواطنين أمريكيين تقول واشنطن إنهم محتجزون بشكل غير قانوني من قبل السلطات الصينية رسالة إلى بلينكن حملت عنوان وراء كل رهينة عائلة تعاني كل يوم، قصد حثه على إثارة القضية مع المسؤولين الصينيين. ومن بين هذه الملفات أيضًا المنافسة التكنولوجية والعقوبات الأميركية المفروضة على شركات صينية عملاقة في المجال الرقمي.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن هذه الزيارة ستكون بداية لسلسلة من اللقاءات المباشرة التي ستشهدها الدولتان سواء خلال المؤتمرات والاجتماعات العالمية أو على مستوى الاجتماعات الثنائية، ويرجّح أن يحضر الرئيسان قمة مجموعة العشرين المقبلة المقررة في سبتمبر 2023 في نيودلهي، بينما تم توجيه دعوة إلى شي جين بينج للتوجّه إلى سان فرانسيسكو في نوفمبر 2023 عندما تستضيف الولايات المتحدة منتدى التعاون الاقتصادي بين آسيا والهادئ.

 

في الختام: مرت العلاقات الأمريكية – الصينية، بعدد من المراحل، تراوحت بين العداء والتعاون والتحالف خلال الحقبة الأخيرة من الحرب الباردة. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين لم تصل إلى أدنى درجاتها اليوم، ولكنها في تدهور مستمر. وقد ساهم دعم بكين لموسكو في هذا التدهور. من جانبه رأى الرئيس الصيني أن العلاقات بين الدول يجب أن تستند دائمًا إلى الاحترام المتبادل والصدق. كما تابع أنه لا ينبغي لأي طرف فرض إرادته على الآخر، مؤكدًا أن الصين تحترم مصالح الولايات المتحدة ولا تسعى لتحديها.

وتتمثل الأهداف الأولية لرحلة بلينكن تتمثل في إعادة إنشاء قنوات اتصال رفيعة المستوى والتعبير عن وجهات نظر صريحة واستكشاف مجالات التعاون المحتملة. ولكن من المستبعد أن تحقق هذه الزيارة اختراق للمشكلات في العلاقة بين بكين وواشنطن خاصة وأن هناك قضايا كثيرة موضع المباحثات بعد أن رفضت الصين عرضًا أمريكيًا بإقامة خط اتصال عسكري مباشر بين واشنطن وبكين، من أجل تهدئة التوترات بسرعة والتراجع عن المواجهات المباشرة والبعد عن الحسابات الخاطئة.

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟