المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التصعيد: مسارات الخلافات بين كوسفو وصربيا

الأحد 25/يونيو/2023 - 10:44 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

وقعت اشتباكات بين الشرطة الكوسوفية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من جهة ومتظاهرين صرب من سكان كوسوفو من جهة أخرى في المدن ذات الغالبية الصربية شمالي كوسوفو، واندلعت أعمال العنف الأخيرة في كوسوفو على خلفية نزاع طويل الأمد بشأن حقوق الأقلية الصربية في البلد الأوروبي، مما ينذر بالقضاء على جهود استمرت لسنوات من أجل تطبيع العلاقات بين الحكومة المركزية ذات العرق الألباني وبين بلغراد، الداعمة لهؤلاء الصرب، وجاءت الاضطرابات احتجاجًا على تنصيب رؤساء بلديات ألبان في المناطق ذات الغالبية الصربية. وذلك بعد أن قاطع الصرب الانتخابات المحلية في كوسوفو، ما سمح للمواطنين من العرقية الألبانية بالسيطرة على المجالس المحلية بنسبة مشاركة تقل عن 4 في المئة.

وقد رأى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أن الانسحاب العاجل لمن سمّاهم رؤساء البلديات المزيفين وأفراد قوات الشرطة الخاصة في عاصمة كوسوفو هو شرط للحفاظ على السلام في كوسوفو وميتوهيا. وأضاف الرئيس الصربي أن تحركات بريشتينا الأحادية تؤدي إلى العنف ضد المجتمع الصربي وتعرقل السلام، وفق تعبيره. وجاءت تصريحات الرئيس عقب اجتماع عقده مع ممثلي 5 دول غربية لمناقشة التصعيد الأخير في كوسوفو. وبالمقابل، شدد رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي على حق المنتخبين في بلديات شمال كوسوفو بتولّي مناصبهم دون تهديد أو ترهيب.

وتجب الإشارة هنا إلى أنه وبعد أكثر من عقدين على الحرب التي أنهاها عام 1999 تدخل من حلف الناتو وانسحاب القوات الصربية من كوسوفو، لا يقبل أصحاب الأصول الصربية شمالي البلاد إلى الآن إعلان كوسوفو استقلالها عام 2008، ويعتبرون بلغراد عاصمتهم.

مسببات الصراع

يعتبر التصعيد الأخير جزءً من الخلاف حول وضع كوسوفو، التي أعلنت استقلالها قبل 15 عامًا، بعد ما يقرب من عقد من حملة القصف التي شنها الناتو والتي استمرت 78 يومًا في عام 1999 والتي دفعت القوات الصربية من كوسوفو. في حين تم الاعتراف بكوسوفو المستقلة من قبل الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، فإن صربيا بالإضافة إلى حلفائها الرئيسيين، روسيا والصين لا تزال ترفض الاعتراف باستقلالها. ووصفت التقسيم بأنه انتهاك لقرار الأمم المتحدة رقم 1244 الذي يعود تاريخه إلى عام 1999 ونهاية حرب كوسوفو.

من ناحية أخرى، انضم الصرب الأكثر اعتدالاً إلى القوميين الصرب في كوسوفو في المطالبة بتنفيذ اتفاق 2013 الذي توسط فيه الاتحاد الأوروبي والذي يدعو إلى اتخاذ تدابير للحكم الذاتي للبلديات التي يسيطر عليها الصرب في الشمال، وهو شرط تراجعت عنه كوسوفو. وفي فبراير 2023، وافق زعماء كوسوفو وصربيا مبدئيًا على اتفاق سلام توسط فيه الاتحاد الأوروبي ورفضه القوميون من كلا الجانبين ولم يتم التوقيع عليها رسميًا.

وفي نوفمبر من العام 2022، استقال الصرب من المؤسسات المحلية والمشتركة، ما اضطر حكومة بريشتينا لتنظيم انتخابات بلدية لملء الفراغ الناجم عن تلك الاستقالات.  كما استقال المئات من ضباط الشرطة الصرب والقضاة والمدعون العامون ومسؤولون كثر احتجاجا على قرار بريشتينا منع الصرب في كوسوفو من استخدام لوحات تسجيل سياراتهم لأنها صادرة عن بلغراد.

اوتجب الإشارة هنا إلى أن كوسوفو أعلنت استقلالها عام 2008، لكنها لم تكتسب بعد عضوية الأمم المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة؛ فبينما اعترف بها من قبل حوالي 110 دولة، إلا أن صربيا لم تعترف بدولة كوسوفو، ولا تزال تعتبرها جزءً من أراضيها، كما لا تزال كل من روسيا والصين تعتبرها جزءاً من صربيا، كما أن هناك خمس دول في الاتحاد الأوروبي هي إسبانيا واليونان وقبرص ورومانيا وسلوفاكيا، لا تعترف باستقلال كوسوفو؛ بسبب مخاوف من حركات انفصالية وأقليات عرقية مماثلة داخل حدودها أو بسبب علاقات تاريخية وثيقة مع صربيا.

مواقف متباينة

أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) إرسال قوة العمليات الاحتياطية لغرب البلقان إلى كوسوفو لمواجهة الاضطرابات الأخيرة في شمال كوسوفو، حيث أصيب 30 من أفراد القوات الدولية لحفظ السلام التي يقودها الحلف.

كما أعطى الناتو تعليماته بتقليص فترة الجاهزية اللازمة لنشر كتيبة احتياطية أخرى متعددة الجنسيات من مدة أسبوعين إلى أسبوع واحد فقط، في حال الحاجة إلى تعزيز القوات الدولية.

وحث ستيوارت مونش قائد قوات الناتو في مدينة نابولي الإيطالية جميع الأطراف على وقف العنف وتجنب الأعمال التي تقوّض السلام في كوسوفو، مؤكدا أن إرسال القوات "إجراء احترازي لضمان أن تكون لديها الإمكانيات التي تحتاجها لحفظ الأمن".

من ناحية أخرى، قالت وزارة الخارجية إن خفض التوتر في كوسوفو يحتاج لاتخاذ خطوات حاسمة، وأضافت أن قوات حفظ السلام التابعة للناتو في كوسوفو لم تظهر فقط افتقارها إلى المهنية بل أصبحت عامل تصعيد أيضًا. وأكدت الوزارة أن موسكو تدعو الغرب لعدم استفزاز بلغراد والتأثير على سلطات بريشتينا بشأن الوضع في كوسوفو، ووقف إلقاء المسؤولية على الصرب بشأن الحوادث في كوسوفو. وفي بلغراد، قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إن 52 من المتظاهرين من الأقلية الصربية في كوسوفو أصيبوا في المواجهات التي جرت مع قوات حفظ السلام شمالي كوسوفو.

وضمن سياق متصل، أعلنت الولايات المتحدة عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات العقابية ضد كوسوفو لتجاهلها نصائحها لتجنب إثارة التوترات في المناطق الشمالية ذات الأغلبية الصربية. وانتقدت واشنطن قرار كوسوفو تنصيب رؤساء بلديات من العرقية الألبانية في شمال البلاد بوسائل قسرية. كما حرمت كوسوفو من المشاركة في التدريبات العسكرية الجارية في أوروبا بقيادة الولايات المتحدة.

من جهته، قال مسؤول السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه اتصل برئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي وبالرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش وطالبهما باتخاذ تدابير لتهدئة الوضع في شمال كوسوفو. وأكد بوريل، خلال مؤتمر صحفي في بروكسل، أن الاتحاد الأوروبي يدين أعمال العنف محذرًا من أنها قد تؤدي إلى وضع خطير. وقال إنه يتوقع من سلطات كوسوفو أن تخرج قوات الشرطة من محيط البلديات في الشمال كخطوة أولى، وأن يهدأ المحتجون.

وفي باريس، قالت الخارجية الفرنسية إنها تدين بأشد العبارات أعمال العنف هذه، داعية كلا من بلغراد وبريشتينا إلى "العودة إلى طاولة المفاوضات" بهدف التوصل إلى تسوية. وأضافت الوزارة الفرنسية في بيان "لا يمكننا أن نتساهل مع تعرض الاستقرار الإقليمي للخطر في مثل سياق دولي حرج كهذا. هذه مسألة تتعلّق بأمن أوروبا".

 

اتجاهات عديدة

إن منطقة غرب البلقان دائمًا على شفا صراع وتتركز معظم الجهود منذ سنوات على تجميد الصراعات بدلا من حلها. وأن التوترات الحالية يمكن التلاعب بها بسهولة في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى لتحقيق أهداف قوة عظمى أكبر، بالنظر إلى أن صربيا حليف طويل الأمد لروسيا وكوسوفو مدينة باستقلالها للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو). ‏ ويبدو أن التدخل الروسي في أوكرانيا قد يشجع بعض حلفاء موسكو إلى استخدام وسائل أكثر عدوانية سعيا وراء مصالحهم المحلية علما بأن روسيا ستدافع عنهم سياسيًا.

فصربيا حليف وثيق لروسيا وربما تطلب الأخيرة من بلغراد التسبب في حرب لصرف انتباه الناتو عن أوكرانيا، لذلك هناك احتمال حقيقي للغاية لاندلاع حرب أخرى في أوروبا، ولتفادي ذلك كانت هناك جهود دولية مستمرة لإيجاد أرضية مشتركة بين الخصمين السابقين في زمن الحرب، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل نهائي حتى الآن. كما تم طرح فكرة لتغييرات الحدود وتبادل الأراضي كطريق للمضي قدماً، لكن العديد من دول الاتحاد الأوروبي رفض ذلك بسبب مخاوف من تسببها برد فعل متسلسل في مناطق أخرى مختلطة عرقيًا في البلقان، ووقوع المزيد من المشكلات في المنطقة.

في الختام: من المتوقع احتواء التوترات الحدودية والتهديدات المتصاعدة بين صربيا وكوسوفو، ومنع تحولها إلى اضطرابات عرقية واسعة أو التحول إلى مواجهة بين الدولتين؛ وذلك بسبب التواجد الكبير لقوات حفظ السلام التابعة للناتو (KFOR)، بالإضافة إلى الضغط الدبلوماسي الغربي الذي يستثمر رغبة البلدين في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في تحفيزهما لخفض التوترات وتطبيع العلاقات.

وفي المدى القصير أن ستركز المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأوروبي بين صربيا وكوسوفو على احتواء الاضطرابات في شمال كوسوفو، بينما سيواصل الاتحاد على المدى البعيد جهوده لحل النزاعات الجوهرية بين صربيا وكوسوفو والتي ما زال من غير المتوقع أن تسفر في المدى المنظور عن تسوية ما يتفق فيها الجانبان على تطبيع العلاقات.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟