المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات الصفقة: ماذا يعني الاتفاق الأمريكي الإيراني على تبادل السجناء؟

الإثنين 21/أغسطس/2023 - 01:35 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق مبدئي سيؤدي بالنهاية لإطلاق سراح خمسة أميركيين من أصل إيراني محتجزين في إيران وعدد غير معروف من الإيرانيين المسجونين في الولايات المتحدة، بعد أن يتم تحويل مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة من البنوك في كوريا الجنوبية إلى قطر. وقد أفاد مسئولون أمريكيون بأن طهران نقلت 5 أمريكيين من السجن إلى الإقامة الجبرية، في خطوة أولى من اتفاق ينص على مبادلة مواطنين إيرانيين محتجزين في الولايات المتحدة بأمريكيين محتجزين في إيران، والإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة. وقد أعاد الإعلان عن صفقة تبادل السجناء الحديث عن ملف برنامج طهران النووي للواجهة. وعلى الرغم من نفي مسئولين أميركيين التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، إلا أن احتمالية لوجود اتفاق أوسع يبدو أن إيران ملتزمة به.

وتأتي هذه الإجراءات وفق اتفاق من شأنه أن يؤدي للإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة مقابل السماح لهؤلاء المساجين بمغادرة الجمهورية الإسلامية. كما يأتي هذا التطور بشأن السجناء بعد جهود دبلوماسية هادئة ومضنية بين البلدين الخصمين اللذين انهارت محادثاتهما المنفصلة حول إحياء الاتفاق بشأن النووي الإيراني. وأن الخطوة التالية ستكون تحويل 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية إلى حساب خاص في قطر يمكن لطهران استخدامه لشراء سلع إنسانية مثل الغذاء والدواء وفي قطاعات أخرى غير خاضعة للعقوبات وأنه لن يتم تحويل أي أموال مباشرة إلى إيران.

ويشار إلى أنه في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية منذ عام 1980؛ تفاوض البلدان خلال هذه الصفقات عن طريق دولة ثالثة. وبذلت سلطنة عمان مساعي كبيرة واستضافت محادثات غير مباشرة بين ممثلين أميركيين وإيرانيين في الأشهر الأخيرة.

تفاصيل الصفقة

بموجب الاتفاق المبدئي، منحت الولايات المتحدة موافقتها لكوريا الجنوبية لتحويل أصول إيرانية مجمدة موجودة هناك من العملة المحلية "الوون" إلى اليورو. كما سيتم بعدها إرسال هذه الأموال إلى قطر، التي كانت وسيطًا في المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، وتمثل هذه الأموال المبالغ المستحقة على كوريا الجنوبية لإيران، لكنها لم تدفع بعد، نتيجة شرائها نفطًا إيرانيًا قبل أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على مثل هذه المعاملات في عام 2019. وتؤكد الولايات المتحدة أنه بمجرد وصول الأموال إلى قطر، سيتم الاحتفاظ بها في حسابات مقيدة.

وضمن هذا السياق، فإن عملية تنفيذ الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بشأن تبادل السجناء بين الجانبين وإلغاء تجميد جميع الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية والعراق وبعض الدول الأوروبية.؛ حيث سيتم إطلاق سراح أربعة من الرعايا الأمريكيين (سيامك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز وسجين آخر) مقابل إطلاق سراح نفس العدد أو أكثر من الإيرانيين السجناء. ومعظم الإيرانيين المحتجزين في الولايات المتحدة هم من مزدوجي الجنسية ومتهمون بمخالفة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن، كما أن معظم الأميركيين المحتجزين في إيران هم إيرانيون يحملون جنسية أخرى، لكن طهران لا تعترف بازدواجية الجنسية.

على الجانب الآخر، أفادت وكالة الأنباء الإيرانية، أنه سيتم نقل الأموال المجمدة من كوريا الجنوبية إلى سويسرا قبل تحويلها إلى قطر، كما أن الاتفاق مع واشنطن يشمل الإفراج عن 5 سجناء من كل طرف، وبدأ بالفعل الإفراج عن مبلغ من أموال طهران المجمدة في أحد البنوك الأوروبية، وكذلك يشمل الاتفاق الإفراج عن 10 مليارات دولار في كوريا الجنوبية والعراق.

وتؤكد إيران دائمًا على استعدادها للإفراج عن جميع المواطنين الأمريكيين المحتجزين لديها، في حال موافقة الولايات المتحدة على الإفراج عن جميع الإيرانيين المعتقلين لديها، وليس من الواضح أن يتم ذلك في الفترة القادمة، ومع إتمام هذه الصفقة التي كانت بعيدة عن طاولة المفاوضات النووية، إلا أن هناك توقعات بتأثيرها على المفاوضات النووية على المدى البعيد. وفي المقابل يمكن أن البعض تكون هذه الصفقة وما ستليها من صفقات أو خطوات في مسار الوصول إلى اتفاق نووي شامل، بل من المتوقع أن تتم بين طهران وواشنطن صفقات او اتفاقات بموجبها تحصل على إعفاءات من العقوبات المتعلقة بتصدير النفط مقابل انخفاض نسبة تخصيب اليورانيوم وتعاون أكبر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتخفيف من أنشطتها في المنطقة.

مواقف متعددة

أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن بلاده لن تخفف العقوبات على إيران بموجب الاتفاق. وقال بلينكن بشأن الإفراج المتوقع عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة، لن تحصل إيران على أي تخفيف للعقوبات.

في حين أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، أنها تابعت قضية الإيرانيين السجناء في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه سيتم إطلاق سراحهم قريبًا في إطار صفقة تبادل السجناء مع واشنطن، كما وصفت إيران الاتفاق بأنه لتبادل السجناء، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن بعثة طهران لدى الأمم المتحدة قولها إن كل دولة ستمنح عفوًا وتطلق سراح 5 سجناء.

وتجب الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما واجه انتقادات لاذعة من خصومه الجمهوريين لإفراجه عن 400 مليون دولار نقدًا -وهي أيضًا أموال تخص إيران- لتأمين الإفراج عن دفعة سابقة من السجناء تزامنًا مع إبرام الاتفاق النووي التاريخي مع طهران عام 2015. في المفاوضات الجارية، تسعى إيران أيضًا إلى إطلاق سراح سجنائها المحتجزين لدى الولايات المتحدة على خلفية انتهاك العقوبات، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتأتي المفاوضات رغم انهيار المحادثات بين إدارة بايدن وإيران بشأن العودة للاتفاق النووي الذي سحب ترامب الولايات المتحدة منه عام 2018. كما لم تصدر مؤشرات على احتمال تسجيل انفراج بشأن الاتفاق النووي، بعدما رفض بايدن في وقت سابق بصراحة احتمالات إحيائه إثر حملة القمع التي شنتها سلطات الجمهورية الإسلامية على احتجاجات حاشدة على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني.

من ناحية أخرى، فمن شأن نقل أي أموال أن يثير انتقاد الجمهوريين فيما يتعلق دفع الرئيس الديمقراطي جو بايدن فدية للإفراج عن مواطنين أميركيين وإمكان استخدام إيران المال المخصص لأغراض إنسانية في تمويل برنامجها النووي أو دعم الفصائل المسلحة في دول مثل العراق ولبنان واليمن.

بالنسبة لإيران، أدت سنوات من العقوبات الأميركية إلى تراجع اقتصادها الذي يعاني بالأساس من عدة مشاكل؛ حيث أدى الحديث عن إحراز تقدم في المحادثات بشأن الأصول الإيرانية المجمدة إلى حصول تقدم ضئيل فيما يتعلق بتعزيز مستوى العملة الإيرانية المتراجعة. وبالتالي فإن الإفراج عن هذه الأموال، حتى لو تم صرفها في ظل ظروف صارمة، يمكن أن يوفر دفعة اقتصادية لطهران. بالإضافة إلى ذلك النتائج الدعائية والإعلامية للصفقة لدى التيار المحافظ في إيران، يبدو أنها ستكون أكبر من النتائج الاقتصادية، حيث اعتبر التيار المحافظ في إيران فور الإعلان عن الصفقةَ بأنها انتصار للحكومة المحافظة برئاسة إبراهيم رئيسي وخطوة أظهرت الدبلوماسية النشطة والقوية للحكومة، والتي أدت إلى إخضاع الإدارة الأمريكية لمطالب إيران.

في الختام: تأتي خطوة الإفراج عن أموال إيران بعد زيارات دبلوماسية عمانية وقطرية إلى طهران لخفض التوتر مع الغرب، وكسر الجمود في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وإمكانية المضي قدمًا بصفقة إطلاق الأصول الإيرانية المجمدة، مقابل إطلاق سراح رعايا أمريكيين تحتجزهم طهران. في حين تطمح واشنطن إلى اتفاق مؤقت مع طهران، يضمن كبح تطوير البرنامج النووي وإطلاح سراح سجناء أمريكيين لدى إيران، في مقابل تخفيف العقوبات والإفراج عن أرصدة إيران المجمدة في الخارج، ولدى الإدارة الأمريكية كذلك رغبة في إبعاد إيران عن التورط في الحرب الروسية الأوكرانية وعرقلة دعم موسكو عسكريًّا.

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟