المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التصعيد: انعكاسات التوتر بين قسد والعشائر

الأحد 10/سبتمبر/2023 - 10:18 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

منذ 27 أغسطس أطلقت قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي حملة أمنية تحت مسمى تعزيز الأمن في دير الزور متعددة الأهداف؛ حيث كان الهدف الأساسي منها ملاحقة خلايا داعش التي نفذت أكثر من 60 عملية إرهابية استهدفت بها قوات سوريا الديموقراطية وكذلك المدنيين في المنطقة وموظفي المؤسسات الخدمية، إضافة إلى ملاحقة قسد لتجار المخدرات الذين يتسللون من الجانب الغربي لترويجها في مناطق شمال وشرق سوريا بينما الهدف الثالث من الحملة ملاحقة الذين ارتكبوا الجرائم بحق الأهالي. وتشكل قوات قسد رأس الحربة في الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية وتتلقى دعما لوجستيا ومعلوماتيا وتدريبات أيضا من قوات التحالف الدولي ضد داعش بقيادة واشنطن.

ويبدو أن لتركيا دور محوري في هذا القتال وفي المواجهات بين قسد والعشائر العربية وأن عملية الفصائل السورية الموالية لأنقرة إنما تأتي لتأجيج تلك المواجهات لإضعاف قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة؛ حيث قامت الميليشيات السورية الموالية لتركيا بقطع الطريق الدولي 'أم 4' على محور صكيرو جنوب تل أبيض، بينما دارت اشتباكات عنيفة في قرية الطويل غربي بلدة تل تمر في ريف الحسكة الغربي قرب الطريق الدولي 'أم 4'.

 وفي دلالة على المخاوف الأميركية من انهيار حلفائها الأكراد، أعلنت السفارة الأميركية في دمشق عن لقاء عقده مسئولون مع كل من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووجهاء عشائر اتُّفق خلاله على ضرورة خفض العنف في شرق سوريا، لقطع الطريق على تنظيم داعش الذي يستغل أي فرصة لشن هجمات دموية.  وضمن هذا السياق وجهت طائرات أميركية ضربة على جماعات مدعومة من إيران في محافظة دير الزور شرقي سورية بالتزامن مع المعارك الدائرة بين مسلحين تابعين لتركيا وقوات معارضة مدعومة من تركيا من جهة وقوات سورية الديموقراطية «قسد» المدعومة من واشنطن والتي يشكل الأكراد عمادها الرئيسي وسط اتهامات كردية لطهران وأنقرة بتأجيج الصراع.

تركيبة متعددة

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من تحالف فصائل كردية وعربيّة على رأسها وحدات حماية الشعب الكردية على الضفة الشرقية للفرات التي انتزعتها إثر معارك عنيفة مع تنظيم الدولة الإسلامية انتهت في 2019 بإعلان القضاء على الخلافة. بالإضافة إلى ذلك تتواجد قوات التحالف الدولي، وأبرزها القوات الأميركية، في المنطقة، وخصوصًا في قاعدة في حقل العمر النفطي، وحقل كونيكو للغاز.

تتجه الاشتباكات القائمة للحسم من وجهة نظر "قسد" وبحسب ما هو مخطط من قبلها، لا سيما بعد سيطرتها على القرى الثلاث التي توغل فيها المسلحون، فيما تتجه الأنظار خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة نحو قرية الذيبان المحاذية لنهر الفرات المعقل الأخير للمسلحين القبليين، لكن ثمة مشكلات ومطالب خدمية يطالب بها سكان ريف دير الزور الشرقي.  وعلى الرغم من الأحداث الجارية بريف دير الزور فإن العملية الأمنية ضد خلايا داعش هناك مستمرة، والتأخير في حسمها يعود إلى تأثير أن بعض الأطراف لا تريد أن ينتهي التنظيم، وهنا تم توجيه الاتهام بشكل مباشر للأطراف المعادية للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية خصوصًا تركيا والتابعين لها.

تتشكل دير الزور من 127 قرية خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية وهي مساحة جغرافية واسعة لكن التوترات حصلت في أربع قرى فقط، وإنه حتى العشائر العربية كالشعيطات والبكارة والأفخاذ الأساسية لقبيلة العقيدات كانوا إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية ولم ينضموا إلى هذه التشكيلات التي حرضتها أطراف خارجية الذين توغلوا في الضفة الشرقية من النهر وانضموا إلى بعض تجار المخدرات وأشخاص كانوا على قائمة المطلوبين لارتكابهم أعمال إجرامية في المنطقة محاولين إشعال فتيل الفتنة بين العشائر وقوات سوريا الديمقراطية.

وقد أكد المتحدث الإعلامي لقوات قسد أن المشكلة لم تكن بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية بل على العكس تمامًا لم تنضم أي عشائر إلى الأحداث وكانت إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، وأبناء هذه القبائل كانوا يتقدمون الصفوف الأمامية وهذه الحملة كانت أساسًا على طلبهم، وأن كثيرًا من وسائل الإعلام تداولت معلومات خطأ إما عن جهل أو بسبب عدم حصولهم على المعلومات وبعضها الآخر هي أساسًا وسائل إعلام تحريضية وعلى عداء مع قوات سوريا الديمقراطية لأسباب سياسية متعلقة بارتباطها بالاحتلال التركي.

اتجاهات المعارك

تتولّى الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي تشكّل جناحها العسكري، إدارة مناطق تسيطر عليها في شمال وشمال شرق سوريا، عبر مجالس محلية مدنية وعسكرية. وتعتبر محافظة دير الزور الحدودية مع العراق والتي يقطعها نهر الفرات، ذات غالبية عظمى عربية وتوجد فيها عشرات العشائر العربية؛ حيث شنّ مقاتلون موالون لأنقرة في شمال البلاد هجمات ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تحاربها أنقرة بشدة، بالإضافة إلى ذلك تقع فيها أبرز حقول النفط السورية.

وفي شمال سوريا، نفّذ مقاتلون موالون لأنقرة قالوا إنهم ينتمون إلى عشائر عربية هجمات ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية دعمًا للمقاتلين المحليين في دير الزور. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إنّ عناصر من الفصائل السورية الموالية لأنقرة التي تسيطر مع قوات تركية على شريط حدودي واسع في المنطقة حاولوا التسلّل إلى قرى في ريف منبج الشرقي، لكنّ قوات سوريا الديمقراطية تصدّت لهم. وتتعرّض المنطقة بين الحين والآخر لقصف من مواقع الفصائل السورية الموالية لأنقرة التي تسيطر على مناطق تقع إلى الغرب من المدينة. وصعّدت تلك الفصائل قصفها، دعمًا للمقاتلين المحليّين الذين اشتبكوا مع قوات سوريا الديمقراطية في محافظة دير الزور.

وفي إطار مواجهة هذه التحركات، دعت سكان دير الزور إلى ألا ينجروا وراء هذه الفتن، مؤكدة أنها على تواصل دائم مع العشائر، كما شددت قوات سوريا الديمقراطية التي خاضت مع مقاتلين عرب في صفوفها، معركة طويلة ودامية ضد تنظيم داعش، على أنه لا خلاف مع العشائر العربية. وأن التنوع القومي متجذر في تشكيل قوات سوريا الديمقراطية؛ لذا مسألة الصراع العربي الكردي مستبعدة تمامًا عن واقع الحال، على عكس ما تروج له بعض وسائل الإعلام. كما أشارت قوات سوريا الديموقراطية إلى أن مقاتليها يتكونون من عرب وكرد وسريان وآشور وكلدان وكذلك تركمان؛ لذا فإن هذه المسألة ستعزز العلاقة الكردية باعتبار أن المخطط الخبيث الذي كان يجهز للمنطقة قد كشف ووئد في دير الزور.

وعلى الرغم من ذلك، وبعد ساعات قليلة من انتهاء معارك دير الزور شرق سوريا، اندلعت اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية التي يشكّل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري وفصائل موالية لأنقرة في محيط مدينة منبج في الشمال، وهو ما دفع عشرات العائلات إلى النزوح. وتأتي هذه المواجهات بعد انتهاء اشتباكات دارت على مدار أيام عدّة في شرق البلاد بين قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلين ينتمون الى عشائر عربية وحصدت تسعين قتيلًا.

كما تقوم قوات سوريا الديمقراطية بعد انتهاء الأزمة بعمليات تمشيط للبلدة وتفكيك العبوات الناسفة، وكذلك تفتيش بعض المنازل بحثًا عن المسلحين الذين كانوا متواجدين في البلدة، دون أن يدخل أحد حتى اللحظة إلى مضافة الشيخ الهفل. باعتبار أن هذه القوات تسعى إلى حسم الوضع في ذبيان، آخر بلدة يتمركز فيها المقاتلون المحليون، بعد أن مشّطت معظم القرى التي شهدت اشتباكات وتوجيه نداء لخروج المدنيين من ذبيان للحسم وإنهاء التوتر.

في الختام: ترسم هذه التوترات وتوقيتاتها مسارًا آخر للصراع الذي خفت ضجيجه بعد سيطرة النظام السوري بمساعدة روسيا وإيران على معظم أراضيه، منذرة بأوقات عصيبة لدمشق التي لم تكد تنتشي بالانفتاح العربي وعودتها للجامعة العربية بعد عقد من القطيعة. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يكون كل من إيران وتركيا وبدعم روسي هم من يقفون خلف إثارة البلبلة في محافظة دير الزور في محاولة لتغيير خريطة السيطرة وتنفيذ مخطط يهدف لنقل الصراع إلى المجال الحيوي لتواجد قوات التحالف الدولي، و ذلك استباقًا لما يعتقد أنها حرب قادمة على مواقع إيران وتركيا وميليشياتهم.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟