المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

شبح الحرب الأهلية....هل يمكن أن يتجدد العنف الطائفي في لبنان؟

الأحد 17/سبتمبر/2023 - 02:11 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

ألقى حادث مقتل شخصان في 9 أغسطس الفائت بقرية الكحالة بوسط لبنان في واحدة من أعنف عمليات إطلاق النار منذ اشتباكات 2021 الدموية بحي الطيونة ببيروت بين أفراد ميليشيا القوات اللبنانية من جهة وحزب الله وحركة أمل المتحالفة معه بظلاله على حالة  العنف الطائفي في لبنان؛ حيث  اندلعت موجة العنف الأخيرة هذه على طول ما كان يُعرف بخط ترسيم حدود الحرب الأهلية اللبنانية، عندما انقلبت شاحنة مليئة بالذخيرة كانت متجهة من دمشق إلى بيروت أمام مكتب حزب الكتائب المسيحي في الكحالة، وتلا ذلك معركة بالأسلحة النارية بين مقاتلي حزب الله والسكان، أسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين.

وسيطر الجيش اللبناني في نهاية المطاف على الوضع، وقام بتطويق المنطقة واحتجاز الشحنة، ولكن مع تصاعد الاستقطاب في البلاد إلى أعلى مستوياته وسط فراغ رئاسي طويل يمنع إعادة تشكيل الحكومة ومؤسساتها، يبدو أن حادثة الكحالة هي سبب محتمل آخر لصراع طائفي خطير قد يؤدي تطوره إلى تراجع الأوضاع إلى الوراء.

أولاً- اشتعال التوترات المسيحية الشيعية

أدى حادث الكحالة والقلق الذي أعقبه إلى تصعيد التوترات الشيعية المسيحية في لبنان، والتى كانت مشتعلة بالفعل في أعقاب الاختطاف المزعوم وقتل العضو البارز في القوات اللبنانية إلياس الحصروني قبل أقل من أسبوعين في بمنطقة عين الإبل بجنوب لبنان، وهي منطقة تسيطر عليها قوات حزب الله، فالحصروني الذي تردد في البداية أنه توفي في حادث سيارة، اعتُبر فيما بعد ضحية لكمين تم خلاله خنقه وإصابته بكسور في الأضلاع واختراق في الرئة، مما أدى إلى وفاته. وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان عملية اغتيال الناشط لقمان سليم في فبراير 2021 للناشط في الجنوب، الذى رغم إنه شيعياً، إلا إنه كان من أشد منتقدي حزب الله.

وبالتزامن مع حادث الكحالة، وقعت سلسلة من أحداث العنف على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وكانت الصواريخ التى تم إطلاقها بشكل متبادل من قبل كل من جماعة حزب الله وإسرائيل  سبباً في تصعيد التوترات بشكل أكبر في لبنان، مما أثار شبح صراع لبناني إسرائيلي آخر وزاد من حدة الاستقطابات السياسية والتوترات الداخلية. وتزداد حدة هذه الأوضاع السلبية بالتوازي مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى يعانيها لبنان خلال الفترة الراهنة.

ثانياً- تجدد الجدل حول سلاح "حزب الله"

أدى رد الفعل العنيف ضد حزب الله الذي أثارته مناوشات الكحالة إلى تسليط الضوء على القضية المثيرة للجدل منذ فترة طويلة والمتعلقة بترسانة الحزب من الأسلحة، مما أدى إلى تصاعد المطالبات ولاسيما داخل المجتمع المسيحي بضرورة نزع سلاحه. وهو ما يرفضه حزب الله على اعتبار إنه جماعة مقاومة تكونت بالأساس لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للبنان خلال فترة الثمانينات.

لكن على الجانب الآخر تنظر الكثير من التيارات السياسية اللبنانية لحزب الله على إنه لا يعدو إلا أن يكون ذراعاً لإيران وأداة لتنفيذ أجندة سياستها الخارجية، الأمر الذى ينتهك السيادة اللبنانية، ويعد عائقاً أمام الإصلاح المنهجي الذي تم فرضه بموجب اتفاق الطائف، والذي كان من المقرر أن يبدأ بالقضاء التدريجي على الطائفية السياسية، بالإضافة إلى أنه يحول دون احتكار الدولة اللبنانية للقوة، ويخلق نوع من الجيش الموازي.

 بينما تتعارض هذه القراءة مع مشروع حزب الله الذي يقدم نفسه كمدافع عن المصالح اللبنانية ويرفض تصويره كميليشيا، ويبرر وجوده في نهاية المطاف باستعداده الدائم للوقوف في وجه إسرائيل، الأمر الذى يقتضى ضرورة تمسكه بسلاحه، ويجد السند السياسي والقانوني في اتفاق الطائف الذى كان ينص على اتخاذ كل الخطوات اللازمة لتحرير كافة الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على كافة الأراضي، ونشر قوات الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية المتاخمة لإسرائيل.

 

ثالثاً- شبح الحرب الأهلية

في الوقت الذى تمكن فيه حزب الله من اكتساب الشرعية والعمل بحرية من خلال لعب دور في الدفاع عن الدولة، وإبراز ذاته باعتباره مهندس السلام المدني وحاميه، إلا إنه لم يتمتع بشرعية داخلية واسعة بين اللبنانيين غير الشيعة، وبالتالي، اعتمد في تبرير شرعية وجوده على مزيج من المكانة الداخلية/الخارجية؛ حيث يعمل داخل الدولة - باعتباره الحزب السياسي الأكثر نفوذاً - وخارجها - كمؤسسة رعاية اجتماعية.

فعلى الصعيد الداخلي، يسيطر حزب الله وحلفاؤه على وزارات مهمة، وقطاع كبير من الإدارة العامة والخدمات المدنية، ونقاط الدخول الحدودية مثل مطار بيروت الدولي وميناء بيروت، والتي يديرها بطرق تخدم أهدافه أو بالأحرى يتصرف وكأنه  دولة داخل دولة.

فحتى وقت قريب، كانت شعبية حزب الله المحلية - وإن كانت مقتصرة على الموالين له تعتمد إلى حد كبير على خطاب نصرة المضطهدين والمهمشين، ورغم تقاربه الأيديولوجي مع إيران، إلا إنه مدرك تماماً للحاجة إلى إبراز نفسه كعنصر فاعل لبناني. وكان اتفاق عام 2006، الذي عزز تحالفاً دام 16 عاماً مع التيار الوطني الحر المسيحي الماروني - عندما كان يرأسه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون - إحدى هذه الخطوات لاكتساب الشرعية المحلية من خلال تأمين قاعدة شعبية خارج نطاق الشيعة.

 لكن بدأت التصدعات تظهر في التحالف في عام 2022 بسبب خلافات مع زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل حول الرئاسة، ويبدو أن ذلك قد تفاقم في أعقاب حادثة الكحالة، عندما اتهم زعيم حزب الله حسن نصر الله وسائل الإعلام أولاً ثم الأحزاب المسيحية المحلية بالتحريض على العنف والسماح بتصاعد التوترات. وقد يكون هذا مؤشراً على تحول في موقف الحزب بإتجاه الدعوة الضمنية لاستخدام القوة والاعتماد على الخطاب الطائفي في وقت تتضاءل فيه مصداقيته الشعبية بين اللبنانيين. ورغم قوته العسكرية، يجد حزب الله نفسه اليوم في موقف متناقض يتمثل في عدم قدرته حتى على فرض نفسه سياسياً في محاولاته لإجبار مرشحه الرئاسي سليمان فرنجية على الشعب اللبناني، ومن خلال تبني موقف أكثر عدوانية، فإنه يعرض البلاد لحرب أهلية.

وفي النهاية: يمكن القول إنه مع تصاعد حدة الاستقطاب السياسي في لبنان، والحماس المحلي المحدود للتوصل إلى تسوية، وعدم اهتمام الرعاة الأجانب، واستمرار التدهور الاقتصادي والمؤسسي، فقد يصبح صراع طائفي أوسع نطاقاً أمراً لا مفر منه. وعلى الرغم من أن السياسيين اللبنانيين، الذين كانوا على مدى السنوات الثلاث الماضية محصنين ضد التغيير، إنطلاقاً من مصالحهم في استمرار الوضع الراهن، فإن التهديد الذي يلوح في الأفق باندلاع حرب أهلية والذي يكتسب زخماً حالياً ينبغي أن يحفزهم على إتخاذ بعض الإجراءات اللازمة بإتجاه الحد من تفاقم هذه الأزمة على كافة الأصعدة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟