المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التعاون: قراءة في مخرجات زيارة وزير الخارجية الصيني إلى روسيا

الإثنين 25/سبتمبر/2023 - 06:51 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

في ظل تزايد اللقاءات والمكالمات الهاتفية رفيعة المستوى بين موسكو وبكين، بدأ وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 18 سبتمبر 2023 زيارة إلى روسيا دامت أربعة أيام لإجراء محادثات أمنية حسب ما أعلنته الخارجية الصينية. ويتزامن بدء هذه الزيارة مع انتهاء أخرى قام بها زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وتسجل الزيارتان في ظل سعي موسكو لتعزيز تعاونها مع بكين وبيونغ يانغ مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، وعزلة دولية خانقة تعيشها روسيا، من المتوقع أن يتعهد خلالها البلدان بثقة سياسية متبادلة أعمق، استعدادًا لزيارة مهمة محتملة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بكين في أكتوبر القادم.

ومن المتوقع أيضًا أن يمهد وانغ لزيارة بوتين إلى العاصمة الصينية لحضور منتدى الحزام والطريق الثالث بعد دعوة من الرئيس شي جين بينغ خلال زيارة رفيعة المستوى لموسكو في مارس؛ حيث حضر بوتين أول منتديين للحزام والطريق في الصين في عامي 2017 و2019. وقالت الخارجية الصينية في بيان إن وانج سيتوجه إلى روسيا لعقد الجولة الـ18 من المشاورات الأمنية الاستراتيجية الصينية الروسية، بناءً على دعوة من سكرتير مجلس الأمن في الاتحاد الروسي نيكولاي باتروشيف.

على الجانب الآخر، لكن لا توجد زيارات خارجية معروفة لبوتين منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ترحيل مئات الأطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا. وفي الأول من سبتمبر 2023، قال بوتين إنه يتوقع أن يلتقي شي قريبًا، لكنه لم يؤكد صراحة أنه سيسافر إلى الصين مرة أخرى. وتلزم مذكرة الاعتقال، التي صدرت قبل أيام قليلة من زيارة شي لروسيا، الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 123 دولة باعتقال بوتين وترحيله إلى لاهاي لمحاكمته إذا دخل أراضيها. ومع ذلك، فإن الصين ليست عضوًا في نظام روما الأساسي الذي تأسست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002.

ملفات عديدة

قالت وكالة تاس الروسية للأنباء نقلًا عن الكرملين إن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف سيجتمع مع نظيره الصيني وإن الحرب في أوكرانيا ستكون موضوعا رئيسياً في محادثاتهما. وأضاف أنهما سيناقشان أيضًا توسيع قوات حلف شمال الأطلسي والبنية التحتية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتعزيز التنسيق بينهما في التجمعات الدولية مثل الأمم المتحدة. وتأتي زيارة وانغ بعد أيام من ترحيب بوتين بكيم، والذي زعمت الولايات المتحدة أنه كان لمناقشة بيع الأسلحة الكورية الشمالية لروسيا، إذ يُعتقد أن موسكو تواجه نقصاً في الأسلحة والذخيرة. وقالت روسيا وكوريا الشمالية إنهما تحدثا عن التعاون العسكري لبرنامج الأقمار الصناعية لبيونج يانج.

وأن أي دعم متبادل بين كوريا الشمالية وروسيا يحدث بعلم الصين أو حتى بموافقتها الضمنية، نظرًا لعلاقات بكين الوثيقة مع البلدين. وتمتد هذه العلاقات إلى ما هو أبعد من الأيديولوجية الاشتراكية وانعدام الثقة المشترك بينهما في الولايات المتحدة والغرب، ولطالما كانت بكين شريان الحياة الاقتصادي لبيونج يانج من خلال التجارة، وفي العام الماضي أصبحت بمثابة شريان الحياة لموسكو أيضًا من خلال تكثيف مشترياتها من النفط والغاز الروسي، كما أن الصين يمكن أن تنظر إلى كوريا الشمالية كوكيل لمساعدة روسيا في حرب أوكرانيا.

وقال متحدث باسم الوزارة إنه سيكون هناك تبادل مفصل لوجهات النظر حول القضايا المتعلقة بالتسوية في أوكرانيا، وكذلك سبل ضمان الاستقرار والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ حيث تعتبر الصين وروسيا حليفتان استراتيجيتان تصفان بشكل مستمر الشراكة والتعاون الاقتصادي والعسكري بينهما بأنه بلا حدود. كما سعت الصين إلى التموضع كطرف محايد حيال حرب أوكرانيا، لكنها في الوقت ذاته أمدت موسكو بدعم دبلوماسي واقتصادي حيوي مع تعمق عزلة روسيا على الساحة الدولية. لكن هذا الدعم لم يصل إلى حد التدخل العسكري العلني أو إرسال أسلحة فتاكة إلى موسكو.

اتجاهات التأثير

يبدو أن التبادلات رفيعة المستوى بين موسكو وبكين سوف تتكثف خاصة أن الرئيس الصيني شي جين بينج قام بزيارة دولة إلى موسكو في مارس 2023، إذ أعلن أن العلاقات بين البلدين تدخل حقبة جديدة.

 

واختتم زعيم كوريا الشمالية الاثنين زيارته لروسيا استمرت لمدة أسبوع التقى خلالها بوتين، وتعهد بتعزيز التعاون العسكري والاقتصادي مع موسكو. من ناحية أخر، دفع اللقاء النادر بين كيم وبوتين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى التحذير من أي تجارة للأسلحة وغيرها من سبل التعاون العسكري، بينما تمضي روسيا قدمًا في غزوها لأوكرانيا وتسابق كوريا الشمالية الزمن لتطوير برامجها النووية. وهو ما دفع مسئولون من واشنطن وسول إلى التعبير عن قلقهم من أن موسكو قد تسعى للحصول على ذخيرة من كوريا الشمالية لدعم مخزوناتها المتناقصة، بينما تحصل بيونج يانج على مساعدة تكنولوجية لبرنامجيها لأقمار التجسس الصناعية والصواريخ.

ووفقًا لوزارة الخارجية الروسية، سيتم إيلاء اهتمام خاص لتعزيز التعاون على الساحة الدولية وتنسيق العمل داخل الأمم المتحدة ومجموعة البريكس ومنظمة شانجهاي للتعاون ومجموعة العشرين وغيرها من المنصات الدولية. بالإضافة إلى قضية رفض الدولتين لسياسة المواجهة التي تنتهجها الكتلة الغربية ومحاولاتها لاحتواء تنمية الدول من خلال العقوبات، وكذلك مساهمة الدولتين في إقامة نظام عالمي أكثر عدالة. كما أنه في ظل توسع البريكس، فإن مسألة التعاون مع الأعضاء الجدد في الرابطة ستكون محل للنقاش، فضلًا عن تنسيق نهج البلدين في الهياكل التكاملية الأخرى سوف تصبح ذات صلة أيضًا.

وأضافت الخارجية الروسية، أن لافروف ووانج تباحثان أيضًا حول قضايا الاستقرار والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وخلال قمة شرق آسيا الأخيرة في جاكرتا، أشار لافروف إلى مخاطر عسكرة المنطقة بسبب تغلغل حلف شمال الأطلسي ومسألة انتشار قوات حلف شمال الأطلسي والبنية التحتية في المنطقة ومشروع أوكوس وآليات الكتلة الغربية الأخرى.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن زيارة وانغ إلى روسيا جاءت بعد يوم من لقائه بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في مالطا، وإلى جانب العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، تم الحديث عن الأمن الإقليمي والحرب الأوكرانية، وفقًا لتصريحات صادرة عن الولايات المتحدة والصين. في حين فإن الولايات المتحدة ربما تحدثت مع الصين للضغط على كوريا الشمالية لوقف أي تعاون، فقد يكون من غير المرجح أن تفعل الصين ذلك. وأنها إذا أرادت أن تلعب دورًا في الأزمة الأوكرانية، فقد كان أمامها أكثر من فرصة لوقف الحرب، لكنها لم تفعل ذلك.

في الختام: تجمع الصين وروسيا رغبة مشتركة في مواجهة القوة السياسية والاقتصادية الأميركية المتنامية على المستوى الدولي؛ حيث تتمتع واشنطن بنفوذ عالمي مدعوم بتحالف غربي من أوروبا وعدد من دول العالم، دعم مؤخرًا أوكرانيا في مواجهة التدخل الروسي على أراضيها وأعاق قدرة موسكو على السيطرة على مزيد من الأراضي؛ حيث تكبد الجيش الروسي خسائر كبيرة.

وبناءً عليه، تأتي الزيارة ضمن مساعي موسكو الحثيثة لتعزيز تعاونها التجاري مع بكين، بالأخص منذ الأزمة مع أوكرانيا. باعتبار أن الصين أصبحت الطرف الأقوى في العلاقات الروسية الصينية نظرًا للعزلة الروسية المتفاقمة على الساحة الدولية، وأن الصين بمثابة الشريك التجاري الأول لروسيا، وسجلت التجارة بينهما مستوى قياسيًا بلغ 190 مليار دولار العام الماضي، بحسب أرقام الجمارك الصينية. وتؤشر هذه الزيارة من جهة ثانية إلى اتجاهات تعزيز الصين وروسيا لعلاقاتهما في السنوات الأخيرة؛ حيث نما تعاونهما الاقتصادي والدبلوماسي فيما تطوّرت الشراكة الاستراتيجية بينهما منذ أزمة أوكرانيا.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟