المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

ارتدادات غزة ...كيف يمكن أن تهدد عملية "طوفان الأقصى" أوروبا؟

الأحد 05/نوفمبر/2023 - 12:55 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

كشفت بعض التقديرات عن إنه يجب على أوروبا أن تتخذ دبلوماسية نشطة لحل أزمة التصعيد بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة في أقرب وقت ممكن من أجل تجنب المشاكل التي ستنشأ عنها على المدى القصير بالنسبة لها؛ حيث لم تكن أوروبا قد تخلصت بعد من أزمة أوكرانيا وتحدي المهاجرين وأزمة نقص الطاقة، والآن أضيف إلى أزماتها تحدي خطير ومهم آخر وعليها أن تتعامل معه وهو الأزمة في غزة، ولاسيما أن انحيازها الواضح لإسرائيل يعد بمثابة نقطة مظلمة بالنسبة لهم وضربة كبيرة لمصداقية سرديات حقوق الإنسان في أوروبا. 

وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن تؤثر الأزمة في غزة بشكل سلبي على ممر النقل الذى كان من المقرر إنشائه بين كل من الهند والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا (IMEEC)، ولاسيما بعد أن باتت منطقة الشرق الأوسط بمثابة منطقة غير أمنة بالنسبة لنمو الاستثمارات الاقتصادية على خلفية حالة عدم الاستقرار السياسي  الموجودة بالوقت الحالي، والتي يمكن أن تنشأ في أية وقت.

وعليه، يمكن القول أن الحرب في غزة تمثل تحديات كبيرة بالنسبة لأوروبا من نواح عدة تتضح في:

1-     التشكيك في سرديات حقوق الإنسان الأوروبية: لطالما سعت دول الاتحاد الأوروبي إلى تصوير ذاتها كمنصة للسلام وخفض التوتر في النظام الدولي، وفي هذا الصدد، كانت مواقف الدول الأوروبية عادة متوسطة ومعتدلة، لكنها لم تكن كذلك في ظل حالة التصعيد بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل في السابع من أكتوبر الجاري.

والجدير بالذكر أن هذا الصراع بشكل خاص من شأنه أن يؤدى بأوروبا إلى حالة عدم الاستقرار بين كل من اليهود والمسلمين، ولاسيما في ظل الأعداد الكبيرة من كلا الطرفين الذين يعيشون هناك، ويعيدها مرة أخرى إلى حالة الصراع الديني بعد أن نجحت في الابتعاد عن عواقبه منذ سنوات عدة. ومن ناحية أخرى، تخشى النظم السياسية الأوروبية أن تفقد الدعم الذى كانت تحصل عليه من اللوبيهات الإسرائيلية الداعمة لها هناك.

2-     تهميش الأزمة الأوكرانية: تثير الحرب في غزة الكثير من المخاوف لدى الأوروبيين، لإنه إذا تمت إطالة آمد هذه الحرب، فإن إسرائيل ستكون بلا شك هي الأولوية الأولى للولايات المتحدة الأمريكية على حساب أوكرانيا. وهذا يعني أن أوروبا ستواجه مشكلة خطيرة في إمداد أوكرانيا بالذخيرة، وهي مشكلة أشار إليها كل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل، قائلاً في إحدى تصريحاته عقب الحرب:  "لم تكن لدينا فرصة كبيرة في أوكرانيا دون الدعم العسكري الأمريكي، فلقد أصبحت هذه القضية، إلى جانب محاولة عزل روسيا على الساحة الدولية مصدر قلق كبير الآن".

وفي هذا السياق، يمكن لروسيا أن تدخل كلاعب فاعل في قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإذا نجحت فإنها ستجلب لنفسها الكثير من الفضل، رغم اعتقاد المسؤولين في موسكو بأن هذه الأخيرة ستستفيد أكثر من إطالة أمد هذا الصراع، ولعب دور الوساطة على المدى القصير.  وعلى الناحية الأخرى، تعتقد أوروبا إنه يتعين عليها وعلى أوكرانيا في هذه الحالة أن يفكرا أكثر في مسألة السلام مع روسيا، بل والاستسلام لمطالبها والاستعداد للفشل حتى لا تتكبدا المزيد من التكاليف. وكذلك عليها أن تتقبل أطماع روسيا في دول أوروبا الشرقية بالمستقبل القريب.

3-     مأزق ملف الطاقة: نوهت بعض التقارير إلى أن ملف الطاقة يشكل قضية أخرى مهمة بالنسبة لأوروبا، والتي يتعين عليها أن تفكر في حل لها. فجزء من الموارد الأحفورية التي تحتاجها أوروبا يصل إليها عبر البحر الأبيض المتوسط ​​وإسرائيل، وإذا أصبح هذا الطريق غير آمن أو غير مزود بالإمدادات، فإن أوروبا ستواجه بلا شك تحدياً قد لا يبدو هيناً مع حلول فصل الشتاء.

ولذلك، فإن  نقص إمدادات  موارد الطاقة تعني أن أوروبا ستدخل مرة أخرى في أزمة جديدة، ومن أجل إدارتها، سيتعين عليها التفكير في بدائل أخرى، ولاسيما إنه من غير المرجح أن تجد مصادر طاقة رخيصة ومستدامة، على الأقل على المدى القصير. ويتزامن ذلك، مع الأزمة الأوكرانية وانخفاض مستوى الدعم الموجه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا، وعدم قدرة هذه الأخيرة على حسم الحرب لصالحها، بالتوازى مع العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على صناعة النفط الإيرانية وعدم قدرة طهران على تغذية السوق بالكميات المطلوبة.

4-     تفاقم أزمة الهجرة: يمكن القول أن تدفق المزيد من المهاجرين إلى قارة أوروبا يمكن أن يعمل على إيجاد أزمات جديدة على مختلف الأصعدة، وخاصة فيما يتعلق بالمستوى الأمني والاقتصادي، أو يزيد من تفاقم بعض المشكلات القائمة بالفعل. وبشكل خاص، إذا كان هؤلاء المهاجرون يحملون أفكاراً متطرفة، فإن أوروبا سوف تواجه مشكلة أمنية محتملة لن يكون من السهل التعامل معها أو التخلص منها.

ويأتي ذلك، بالتوازي مع المصاعب الكثيرة التي تواجهها أوروبا بسبب الهجرة غير الشرعية إليها؛ الأمر الذى اتضح في تزايد معدلات الجريمة والتطرف بسبب عدم قدرة المهاجرين على التكيف مع البيئات الجديدة التي انتقلوا إليها، فضلاً عن مقدار الضغوط الاقتصادية الذى بات مفروضاً على الخدمات المقدمة للمواطنين في أوروبا، بالإضافة إلى تكرار مآسي غرق المهاجرين المتوجهين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط بقوارب متهالكة ومكتظة لا تصمد حتى السواحل الأوروبية، ويواجه الاتحاد الأوروبي العدد الأكبر من حالات وصول المهاجرين غير الشرعيين لأراضيه منذ عام 2015، مما يفرض ضغوطاً شديدة على خدمات استقبالهم.

5-     تعطيل دبلوماسية الترانزيت: يمكن للحرب في غزة أن تؤثر بشكل سلبي على ممر الهند والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا (IMEEC) والذى تمت مناقشته في قمة مجموعة العشرين في سبتمبر 2023، والذى كشفت عنه الهند ووصفه كثيرون بأنه أحد عوامل تغيير قواعد اللعبة في غرب آسيا، وتحدثوا عن ولادة شرق أوسط جديد، ولكن تعتبر عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة حماس في مواجهة تل أبيب ورد فعل النظام الإسرائيلي عقبة رئيسية أمام هذه الديناميكيات الجديدة التي من المقرر القيام بها في الشرق الأوسط.

فبموجب هذه التطورات الأخيرة، يمكن اعتبار ميناء حيفا بمثابة ميناء غير آمن، بعد أن كان سيتحول بموجب هذا المشروع إلى أحد محاور العبور البحرية المهمة بمساعدة الاستثمارات الكثيفة التي كانت ستأتى في إطار هذا المشروع، ولاسيما بعد أن باتت منطقة الشرق الأوسط بأكملها ولاسيما المنطقة العربية تعاني من حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار.

 وبالتوازي مع معارضة بعض القوى الكبرى مثل الصين والإقليمية مثل مصر لهذا المشروع الذى يعد منافساً بارزاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية وقناة السويس المصرية، فمن غير المتوقع أن يتم البت بشأن هذا الممر في المدى القصير، بل ومن الممكن التخلي عنه من قبل بعض القوى الفاعلة فيه مثل أوروبا والهند والمملكة العربية السعودية بالنظر إلى حجم الاستثمارات الضخمة التي من المقرر أن يتم ضخها في هذا المشروع، والتهديدات المواجهة له.

وفي النهاية: يمكن القول أن المرحلة اللاحقة على عملية "طوفان الأقصى" من شأنها أن تفرض تداعيات جديدة ليس على  منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل والعالم أجمع، ولاسيما فيما يتعلق بالمناطق الحيوية القريبة من منطقة الصراع وخاصة أوروبا، وبالتالي، يجب عليها سرعة العمل على استراتيجيات قصيرة الأجل للتعامل مع مثل هذه التحديات.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟