المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

ارتدادات غزة....لماذا شكلت تركيا وإيران محوراً لمواجهة السياسات الأمريكية في المنطقة؟

الإثنين 13/نوفمبر/2023 - 09:46 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

كان الهجوم العنيف وغير المتوقع الذي شنته حركة حماس الفلسطينية  في السابع من أكتوبر2023  على إسرائيل سبباً في زعزعة النظام الإقليمي الهش في الشرق الأوسط، وعلى خلفية القلق الأمريكي من احتمالية  تصاعد الصراع في غزة إلى حرب إقليمية، أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. وتم نشر 900 جندي أمريكي إضافي في منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية لتعزيز الدفاعات وسط تصاعد الهجمات التي تشنها الميليشيات التابعة لإيران في جميع أنحاء المنطقة.

وفي هذا السياق، يمكن القول أن الالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل قد خلق مخاوف في تركيا وإيران؛ حيث شددت قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية غير المشروط لإسرائيل يمثل عقبة أمام جهود أنقرة الرامية إلى تهدئة الأوضاع بالمنطقة، وقد وصفت النخب الحاكمة في إيران الولايات المتحدة الأمريكية بأنها "شريك إسرائيل الذي لا جدال فيه" في "مذبحة" المدنيين في غزة.

وإلى جانب انتقاداتهما الخطابية لغياب القيادة الأمريكية في الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار، تشعر أنقرة وطهران بالقلق من أن الوجود الأمريكي القوي في الشرق الأوسط يضر بمصالحهما الإقليمية. وربما تساعد الحرب في غزة، اعتماداً على طول أمدها، في ردء الخلافات بين تركيا وإيران، نظراً لاعتراضهما المشترك على النظام الإقليمي والعالمي الذي تقوده واشنطن.

أولاً- العلاقات الوثيقة لتركيا وإيران بحركة حماس

ترتبط كل من أنقرة وطهران بعلاقات مع حماس، وإن كانت ذات طبيعة مختلفة. وعلى النقيض من حلفائها الغربيين، لا تعتبر تركيا حماس منظمة إرهابية، ففي عام 2018 وصفها الرئيس رجب طيب أردوغان بأنها جزء من المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن "الوطن الفلسطيني ضد قوة محتلة". وتعتبر أنقرة دعم حماس جزءاً من سياستها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتعتمد هذه السياسة على طموحات قيادة حزب العدالة والتنمية في تعزيز الديمقراطية والوساطة من أجل السلام وقيادة الأمة.

ولتحقيق هذه الغاية، وفرت أنقرة ملاذاً آمناً لأعضائها ودعمت بسخاء منظماتهم العاملة في تركيا. ومع ذلك، منذ عام 2020، ظلت الحكومة التركية حذرة ونأت بنفسها عن الإسلاميين العرب، بما في ذلك حماس، للمساعدة في إصلاح علاقاتها مع الدول العربية، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك مع إسرائيل.

وفي السياق ذاته، تقدم إيران دعماً شاملاً لحماس؛ حيث تحاول طهران ظاهرياً الاستفادة من الظروف الإقليمية المتغيرة والمشاعر المناهضة لإسرائيل المتزايدة في العالم الإسلامي الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي العشوائي وغير المتناسب على غزة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر. وفي ظهوره غير المتوقع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 26 أكتوبر الفائت، أشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى استعداد إيران، إلى جانب تركيا وقطر، للعب دور في تأمين إطلاق سراح الرهائن المدنيين الذين تحتجزهم حماس.

ثانياً- رغبة مشتركة في تغيير النظام الدولي الحالي

تتفق أنقرة وطهران على افتراضاتهما العملية بشأن النظام العالمي المتغير، وتعتقد النخب الحاكمة في تركيا أن الغرب يفتقر إلى التفكير الاستراتيجي، وقد أصبح منفصلاً على نحو متزايد عن بقية العالم في مواجهة قضايا مختلفة بما في ذلك العلاقات مع الصين، والهجرة والإرهاب، وتحول الجاذبية الاقتصادية من الغرب إلى الشرق. وتشير التصريحات الأخيرة الصادرة عن كبار المسؤولين الإيرانيين، بما في ذلك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، إلى أنهم يدركون تراجعاً في دور واشنطن ونفوذها العالمي، متوقعين التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب وغير غربي.

ولا تتفق كل من أنقرة وطهران على هذه الفرضيات فحسب، بل ويراهن كل من حزب العدالة والتنمية والقيادات الإيرانية على تماسك المؤسسات الغربية وقدرتها على البقاء، وعبرت تركيا عن ذلك من خلال بعض المظاهر التي تمثلت في؛ انتقاد بنية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحت شعار "العالم أكبر من خمسة"، في إشارة إلى أعضائه الخمسة الدائمين. كما أنها تطالب بوجود نظاماً دوليا يعامل كل الدول على قدم المساواة، وكذلك فإنها تكثف من تعاملها مع منظمات اقتصادية دولية غير غربية مثل منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين، وتشكل ترتيباتها المتعددة الأطراف، مثل صيغة أستانا، إلى جانب روسيا وإيران.

وفي الوقت نفسه، لطالما دعت الجمهورية الإسلامية إلى التحول بعيداً عن الهياكل الدولية التي يهيمن عليها الغرب، وترى إيران في المشهد الدولي الحالي فرصة لتعزيز العلاقات مع القوى الناشئة، كما يتضح من شراكتها الاستراتيجية مع الصين، وعضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس، والدعم العسكري لروسيا في حرب أوكرانيا.

ثالثاً- نحو  تعزيز التعاون مع روسيا والصين

بالنسبة لأنقرة وطهران، يبدو أن أحداث السابع من أكتوبر قد أدت لإيجاد فرصة سانحة لتعزيز محور مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة، ولاسيما بعد أن تحطمت أسطورة الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي لا تقهر، ومعها تعطلت جهود حكومة الولايات المتحدة لإعادة ضبط النظام الإقليمي من خلال تسهيل التطبيع العربي الإسرائيلي، إن لم يتم إلغاؤه بالكامل، على الأقل في المدى القريب. وفي هذا السياق، يشعر الكثيرون من يسمى بالجنوب العالمي بخيبة أمل إزاء الدعم الواضح وغير المشروط إلى حد كبير الذي تقدمه الولايات المتحدة  الأمريكية والاتحاد الأوروبي لإسرائيل.

وبالتالي، من شأن ذلك أن يمهد الطريق لتوحيد جهود القوى الرافضة لهذا الوضع بالمنطقة؛ حيث زار قادة حماس موسكو في 26 أكتوبر الفائت، وأكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على أهمية تبنى موقف موحد بين الصين وروسيا كعضوين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تجاه حل سلمي للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

رابعاً- قيود هيكلية

رغم كل هذه الجهود السابقة التي تبذلها أنقرة وطهران تظل تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي(الناتو)، وفي خضم كل ما يحدث في غزة وافق أردوغان على عضوية السويد في هذه المنظمة وأرسل مشروع القانون إلى البرلمان التركي للتصديق عليه. ورغم أن كون تركيا عضواً في البنية الأمنية الغربية يسمح لها بأن تكون أكثر مرونة؛ حيث إن عضويتها في حلف شمال الأطلسي تمكن أنقرة من تحقيق ما يسمى بالتوازن بين حلفائها الغربيين وروسيا، ولكن وعلى النقيض من الموقف الثوري في إيران، فإن الموقف في تركيا يبدو إصلاحي بعض الشيء.

وترى أنقرة أيضاً أن حلفاء طهران من غير الدول يشكلون تهديداً محتملاً لها في سوريا والعراق، ولكن وطالما استمرت الحرب في غزة، فإن التهديد المشترك لكل من أنقرة وطهران الذي يشكله عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشرق الأوسط قد يتجاوز المصالح المتنافسة لطهران وأنقرة ويمنع حدوث صدام محتمل بين سياساتهما الإقليمية الطموحة. والواقع أن كلا الطرفين يريد إعادة تشكيل جواره المشترك، مستفيداً من الحالة الانتقالية للسياسات الغربية العالمية على خلفية الحربين في أوكرانيا وغزة، وبمجرد أن يسود نظام جديد فإن التنافس بينهما على النفوذ الإقليمي سوف يعود إلى الظهور.

وفي النهاية: يمكن القول أن المصالح الإيرانية والتركية متوافقة بشكل كبير، لاسيما في جبهتهما الموحدة ضد تصرفات إسرائيل تجاه حماس وفي معارضة استمرار النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، فإن التنافس التاريخي بينهما على الهيمنة الاستراتيجية في مناطق مثل العراق وسوريا، إلى جانب أنماط المعارضة للسياسات الغربية التي يناصرها حزب العدالة والتنمية والقيادة الإيرانية على الساحة العالمية، يشير إلى أن أي تحالف ناشئ بينهما قد يظل هشاً وعرضة للاختراق على المدى الطويل.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟