المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

متغيرات جديدة...كيف يمكن أن تؤثر عملية "طوفان الأقصى" على مستقبل الشرق الأوسط؟

الإثنين 04/ديسمبر/2023 - 10:36 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

كشفت بعض التقديرات عن أن أحداث السابع من أكتوبر في 2023 ستؤدى إلى إحداث تغيرات جوهرية في مستقبل منطقة الشرق الأوسط، لجهة الحد من رواج الكثير من السرديات المتعلقة بمكانة بعض الجيوش بالمنطقة مثل سردية الجيش الإسرائيلي الذى لا يقهر، بالتوازي مع الحد من فاعلية اتفاقات التطبيع التي عقدتها بعض الدول العربية مؤخراً مع تل أبيب، فضلاً عن إجراء بعض الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا مراجعات منهجية بشأن دعمهم المفرط لإسرائيل والإتجاه نحو إيجاد حل حقيقي للقضية الفلسطينية وخاصة فيما يتعلق بحل الدولتين.

وفي السياق ذاته، من المتوقع أن تؤدى عملية عملية طوفان الأقصى إلى تراجع تأثير إسرائيل على مستوى الإقليم، وإثبات قوة الحضور الإيراني في المنطقة، وفشل واشنطن في الترويج لمقارباتها الأمنية والسياسية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، وبالتالي، إتجاه دول المنطقة نحو تنويع سياستهم الخارجية وخاصة مع القوى الكبرى الجديدة بالمنطقة مثل روسيا والصين . والشاهد على ذلك هو إنه قبل أن تضع حرب غزة أوزارها وتتبلور معالم المعطيات الجديدة التي سوف تفرضها تلك الحرب بدأت بعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا في الحديث عما يمكن تسميته بسيناريو اليوم التالي، وهو ما توقعت من خلاله ظهور معالم جديدة لشرق أوسط مختلف، بسبب التوازنات الاستراتيجية الجديدة التي سوف تُسفر عنها تلك الحرب.

وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

أولاً- تراجع مكانة إسرائيل بالمنطقة:  من المؤكد أن أحداث السابع من أكتوبر ستسفر عن الحد من المكانة الإقليمية التي كانت تحظى بها إسرائيل في الشرق الأوسط، وخاصة بعد فشلها في التعامل مع هذه العملية على المستوى الأمني ونجاح حركة حماس المدعومة إيرانياً في اللعب على عنصر المباغتة وهدم الكثير من السرديات التي كانت تروج لها تل أبيب خلال الفترة السابقة على هذه العملية. ويضاف إلى ذلك أن الهجمات الوحشية التي قامت بها حكومة بنيامين نتنياهو على المدنيين في غزة كشفت عن كثير من ملامح الفصل العنصرى التي يقوم عليها النظام في إسرائيل، مما جعل الرأي العام العالمي يتجه نحو دعم غزة في مواجهة تل أبيب.

 وهنا، يمكن القول إنه أي كانت النتائج التي ستسفر عنها الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، إلا أن ذلك لا ينفي أن صورة إسرائيل باعتبارها القوة الأولى في منطقة الشرق الأوسط تراجعت إلى حد كبير، بفعل الاختراق الأمني الكبير الذي تعرضت له، والذي أثبت أن كفاءة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على غرار جهاز الموساد أصبحت أمام اختبار صعب. ويتوازى ذلك، مع أن الحرب الدائرة في قطاع غزة والضفة الغربية سوف تؤثر سلباً لا محالة على مستقبل التيار اليميني المتشدد داخل إسرائيل الذي تقوده حكومة بنيامين نتنياهو، وهو ما اتضح في تصريحات عدة أدلى بها مسؤولين إسرائيليين ومن بينهم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير مفادها أن وقف الحرب يعنى حل الحكومة في تل أبيب.

ثانياً- تعزيز الحضور الإقليمي لإيران وتركيا: تأسيساً على ما سبق، وإنطلاقاً من رؤية هاتين القوتين لمرحلة ما بعد الحرب، يتضح أن كل منهما تحاول التأثير  في مجريات التفاعلات الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس عن طريق إدانة الأعمال الإجرامية التي تقوم بها تل أبيب ضد المدنيين في قطاع غزة. وفي هذا السياق، استغل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي زيارته الأولى إلى المملكة العربية السعودية في 11 نوفمبر 2023 والتي جاءت بعد عقد اتفاق استئناف العلاقات بوساطة صينية في 10 مارس الفائت لعقد لقاءات مع قادة دول عربية وإسلامية على غرار ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم.

وكذلك تكشف تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المناهضة لإسرائيل وجهود وزير خارجيته هاكان فيدان في التنسيق بشأن ذلك مع نظرائه من الدول العربية والإسلامية عن رغبة تركية حثيثة في استغلال عملية طوفان الأقصى لتعزيز الدور الإقليمي لأنقرة، وخاصة بعد فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في مايو لعام 2023 وانفتاحه على الدول العربية وخاصة بعد تدهور علاقته بهم عقب أحداث الربيع العربي التي دعمت أنقرة فيها جماعة الأخوان المسلمين على حساب الأنظمة الحاكمة.

وهنا، يمكن القول أن إيران تحظى بفاعلية كبيرة في هذه الحرب، ولاسيما أنها تعد الراعي الرئيسي للجماعات المسلحة التي تساند حركة حماس في حربها مع إسرائيل مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي بالعراق وجماعة الحوثي اليمنية. ومن هذا المنطلق فإنه رغم نفي طهران رسمياً لتورطها في هذه الحرب وعدم المشاركة بها، إلا أنه من المؤكد أنها ستفرض تداعيات إقليمية تتوافق مع حسابات إيران، أهمها أنها أثبتت أن لإيران حضوراً إقليمياً واسعاً في المنطقة، والشاهد على ذلك أن عدد لا بأس به من الدول الغربية توجهت إلى طهران من أجل إقناعها بكبح جماح المليشيات الموالية لها لعدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة، الأمر الذى من شأنه أن يعزز من دورها الإقليمي خلال الفترة اللاحقة على الحرب.

ثالثاً- تراجع الدور الأمريكي بالمنطقة: رغم إنه من المتوقع أن تُبقي الولايات المتحدة الامريكية على قواتها وقطعها العسكرية التي قامت بإرسالها لدعم إسرائيل وردع خصومها في المنطقة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الحالية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يساهم في تعويض تراجع الدور الأمريكي بشكل عام في المنطقة، والذي كشفته الحرب التي تدور رحاها حالياً في قطاع غزة، ولاسيما بعد أن فشل الحليف الرئيسي لواشنطن في المنطقة وهي إسرائيل في إدارة عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وبالتالي، فإن تعويل دول المنطقة ولاسيما دول الخليج على المظلة الأمريكية الأمنية والدفاعية بالمنطقة بات غير ذي معنى.

ومن هذا المنطلق، ربما يصاحب تراجع الدور الأمريكي بالمنطقة، دور بارز لبعض القوى الكبرى الأخرى التي أصبحت أكثر فاعلية في هذا الإطار؛ مثل الصين التي تحاول من خلال دورها الحيادى نسبياً أن تشجع دول المنطقة على تبنى مقاربات أمنية تعزز من الاستقرار وتحد من معدل الاضطرابات المتصاعد. وهو ما اتضح في توسطها لاستئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وانخراطها في استثمارات اقتصادية قد لا تبدو هينة مع دول المنطقة، فضلاً عن روسيا التي تبنت موقفاً أكثر توازناً من الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع تطورات الحرب في غزة.

وفي النهاية: لا يمكن القول إن المعركة الدائرة في غزة فرضت تداعيات نهائية على مستوى الإقليم، فالحديث عن شكل الإقليم في مرحلة ما بعد هذه الحرب ما زال مبكراً، بل أن هذه التصورات قد تتعرض للتعديل في مرحلة لاحقة، ولاسيما أن الحرب لم تنته بعد، فضلاً عن إدراك الفصائل الفلسطينية من خلال التجربة أن التعويل على بعض الحلفاء الإقليميين مثل إيران له حدود لا يمكن تخطيها حتى في أصعب الظروف.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟