المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

دوافع متعددة ....لماذا تضغط إيران بإتجاه تعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا؟

الإثنين 18/ديسمبر/2023 - 11:54 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

ألقت التحركات الإيرانية المكثفة التي تقوم بها طهران في الوقت الحالي بظلالها على الرغبة الإيرانية المتواصلة في السيطرة على سوريا سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتمثلت أبرز ملامح ذلك في توقيع إيران خلال زيارة رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس لها في 9 ديسمبر الفائت  6 وثائق للتعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، واتضحت مجالات هذه  الوثائق في إلغاء الرسوم التجارية، وإنشاء حركة ملاحة بحرية منتظمة، وتطوير وسائل النقل بين البلدين.

وفي السياق ذاته، أعلن النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر في اليوم ذاته عن إن البلدين توصلا إلى اتفاق بشأن استخدام العملات المحلية، والتخلي عن الدولار في التعاملات بينهما. وعلاوة على ذلك أعلنت السلطات الإيرانية في اليوم التالي أنها ستبدأ بإصلاح وصيانة مصفاة تكرير النفط في محافظة حمص وسط سوريا، مشيرة إلى أنها قامت في وقت سابق بتأهيل مصفاة نفط في فنزويلا، مما يكشف عن الخبرات الإيرانية الكبيرة في هذا المجال والتي تؤهلها للقيام بذلك.

وعليه، يمكن توضيح محفزات تكثيف الخطوات الإيرانية المتسارعة بإتجاه توطيد علاقته الاقتصادية مع دمشق:

1-     استرداد أموالها المستحقة: كشفت بعض التقديرات عن أن هذه الخطوات الإيراني تأتي في سياق رغبة طهران في تحصيل ديونها المستحقة لدى سوريا والتي أنفقتها على تثبيت دعائم نظام بشار الأسد في سوريا منذ أحداث ما يعرف بالربيع العربي لعام 2011 والتي تقدر 50 مليار دولار أمريكي. وفي السياق ذاته، كشفت وثيقة حكومية مصنفة "سرية" صادرة عن الرئاسة الإيرانية حصلت عليها مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" المعارضة من خلال اختراق موقع الرئاسة الإيرانية في 10 أغسطس الفائت إنه بينما تتجاوز الميزانية التي أنفقتها إيران خلال الحرب السورية على مدى 10 سنوات 50 مليار دولار، لكن الاتفاقيات التي تم إبرامها مع سوريا لاستعادة هذه الأموال لا تتجاوز 18 مليار دولار.

وتحتوي الوثيقة الجديدة على تقرير مجدول بعنوان "تحديد التزام إيران الاستثماري في سوريا وسداد الديون وجاء فيه أن مطالبات إيران من سوريا لاستحصال ديونها تنقسم إلى فئتين: مطالبات عسكرية ومطالبات مدنية. ووفي قسم المطالبات المدنية، جاء أنه خلال الحرب التي دامت 10 سنوات في سوريا، بالإضافة إلى صادرات النفط، دفعت إيران خطوط ائتمان و"مدفوعات أخرى" لدمشق. كما ورد إنه إلى جانب النفط، دفعت طهران أموالاً نقدية لحكومة بشار الأسد.

وفي قائمة هذه المشاريع التي تم الاتفاق عليها عام 2015 يوجد اتفاق حول منجم سوري للفوسفات بطاقة 1.05 مليار طن. وتستخدم إيران هذه المادة لإنتاج الأسمدة الكيمياوية حيث تحتاج إلى 530 ألف طن من تربة الفوسفات سنوياً في القطاع الزراعي، يتم توفير جزء منها عن طريق الاستيراد. وبحسب الاتفاق المبرم مع الحكومة السورية، من المفترض أن تحصل إيران على جزء من مطالبها في هذا المنجم خلال 50 عاماً باستثمار 125 مليون دولار سيتم تنفيذه خلال 3 سنوات.

2-     تخطى العقوبات الاقتصادية: ترغب إيران من خلال تكثيف علاقتها الاقتصادية مع سوريا في تجاوز التداعيات السلبية التي فرضتها العقوبات عليها من خلال تطويع مرافق البنية التحتية السورية لتصدير منتجاتها إلى الخارج؛ حيث كشفت بعض التقديرات عن أن  إيران تبذل مساعي حثيثة لتفعيل خط ترانزيت نقل بري عبر العراق إلى سوريا، إلى جانب خط ملاحي منظم وغير منظم بين إيران والموانئ السورية. بهدف تنشيط خط تجاري معزول لتجنب العقوبات الاقتصادية الدولية، ويطلق على هذا المشروع في إيران ممر الشرق - غرب.

ولكن الجدير بالذكر، أن الاتفاقيات والمشروعات الإيرانية لا تزال تواجه صعوبات وعراقيل كثيرة في سوريا، تتصل بالقوانين والتشريعات الناظمة للنشاط الاقتصادي في سوريا، ولاسيما فيما يتعلق بالفساد الإداري المستفحل، علاوة على العراقيل السياسية المتعلقة بالوجود الأمريكي في سوريا، وعقبات أخرى تتعلق بعدائية السوريين للتواجد الإيراني على أراضيهم، بالتوازى مع تكثيف إسرائيل لهجماتها العسكرية على المواقع الإيرانية في سوريا، بما يتضمن مصالحها الاقتصادية أيضاً. وبينما تسعى إيران إلى استغلال التراخي الأمريكي في المنطقة لتمرير مشروعاتها، تصطدم بتهتك النظام الإداري في سوريا، وضعف الأداء الحكومي الذي يعيق سرعة تمددها على الأرض.

 

3-     التخفيف من حدة ضغوطها في الداخل: ترغب إيران في استغلال سوريا اقتصادياً للتخفيف من حدة الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها في الداخل، ولاسيما فيما يتعلق بارتفاع أسعار السلع الأساسية وتصاعد معدلات التضخم والبطالة؛ حيث أفاد تقرير لمركز بحوث البرلمان الإيراني في مايو لعام 2023 بزيادة وتوغل الفقر في إيران خلال العقد الماضي، وأن حوالي ثلث سكان البلاد أصبحوا تحت خط الفقر المطلق في السنوات الخمس الماضية. وتظهر بيانات التقرير أنه على مدى عقد من الزمان، زاد عدد سكان إيران الفقراء بنحو 11 مليون شخص.

ووفقا للتقرير، كان متوسط خط الفقر الإيراني في عام 2021 مليون تومان و680 ألفا للفرد، مما يعني أن النسبة المئوية للسكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المطلق هذا العام بلغت 30.4% بما يعادل 26.6 مليون شخص من عدد السكان البالغ مجموعه 85 مليون نسمة. ووصل مؤشر فجوة الفقر والذي يقيس المسافة بين الفقراء وخط الفقر إلى أعلى نسبة، والتي سجلت 27 % في عامي 2020 و2021. ويوضح المؤشر، أنه منذ عام 2017، أصبح الفقراء أكثر فقراً  والأشخاص الذين كانوا فوق خط الفقر اقتربوا منه.

والجدير بالذكر، أن عدم الحصول على وظائف مع تأمين، وعدم وجود شهادات عالية، وإنجاب الأطفال، وكون الفرد مستأجراً، تعد من أبرز العوامل المؤدية للفقر. وكذلك، فإن مراجعة جديدة لمؤشرات البؤس- وهي مجموع مؤشرات البطالة والتضخم- تظهر أن مؤشر البؤس قد سجل رقماً قياسياً غير مسبوق في السنوات الأربع الماضية بنسبة 50%.

وفي النهاية: يمكن القول أن إيران تمر بمرحلة غير مسبوقة من التدهور الاقتصادي منذ تاريخ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، وتبحث في كافة السبل التي يمكن أن تخفف من حدة هذه الأزمة داخلياً. وما زاد الأوضاع سوءاً هو تراجع أولوية العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لدى الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن ولاسيما بعد اندلاع عملية طوفان الأقصى من قبل حركة حماس الفلسطينية ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر لعام 2023.  

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟