المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

دوافع متعددة....لماذا تتزايد دعوات مقاطعة الانتخابات في إيران؟

الإثنين 04/مارس/2024 - 10:37 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

تصاعدت خلال الفترة القليلة الماضية دعوات مطالبة بمقاطعة الاستحقاقات التشريعية وانتخابات مجلس الخبراء(المنوط به اختيار المرشد الأعلى) المقرر انعقادها في الأول من مارس المقبل، وذلك من قبل فئات كثيرة داخل المجتمع الإيراني مثل النشطاء السياسيين والاقتصاديين وبعض الفصائل داخل التيار الإصلاحي، وذلك على خلفية مجموعة من الأزمات المتفاقمة في الداخل الإيراني. وتنتشر هذه المشكلات على كافة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفي السياق ذاته، هددت بعض الصحف الأصولية وأبرزهم صحيفة كيهان المحسوبة على المرشد الأعلى علي خامنئي خلال تقرير لها في 27 فبراير 2024 ضمنيا الداعين إلى عدم المشاركة في الانتخابات، وأشارت إلى أن عدم التصويت سيجعل من إيران سوريا أخرى، وكتبت في ذلك: "ستوجه المقاطعة ضربة إلى النظام، والضربة التي تصيب النظام لا بد وأن تصيب الشعب كذلك، ولكن يجب أن تتذكروا الوضع الكارثي في سوريا والعراق قبل سنوات".

ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:

أولاً- تدهور الأوضاع الاقتصادية: رغم حصول إيران على جزء من عوائد صادراتها النفطية بالعملة الصعبة، ولاسيما بعد إبرام صفقة السجناء مع الولايات المتحدة الأمريكية في 18 سبتمبر الماضي، لكن مستوى التضخم لم يتراجع، حيث ما يزال يتمحور حول 43%، وهو ما يمثل مؤشراً للمدى الذي وصلت إليه الأزمة الاقتصادية في إيران.

وبالتوازي مع ذلك، ترددت أنباء خلال الفترة الماضية عن حصول الحرس الثوري والسلطة القضائية الإيرانية على عوائد أخرى بالعملة الصعبة، ليس فقط من خلال الصادرات النفطية، وإنما عبر استعادة بعض الأموال التي تم تحويلها إلى مصارف خارجية بواسطة بعض رجال الأعمال، على غرار بابك زنجاني، الذي صدر حكم بالإعدام ضده، في عام 2016، ولم ينفذ حتى الآن، بتهمة الاحتيال في عمليات بيع للنفط تمت عبر الالتفاف على العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق النووي، ووصلت قيمتها إلى نحو 2.7 مليار دولار. وبحسب تلك الجهات، فإن ثروة بابك زنجاني وصلت إلى 5 مليارات دولار، تم استرداد 2 مليار دولار منها وتحويلها إلى البنك المركزي.

ولكن مع ذلك، مازالت الأزمة الاقتصادية الطاحنة مستمرة في إيران، الأمر الذى أدى إلى وصول مستوى خط الفقر لأسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 25 مليون تومان، ولا يستطيع راتب العامل أن يوفر حتى 50% من معيشته. ويتوازى ذلك مع ارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفساد داخل المجتمع الإيراني، فضلاً عن القيود الهيكلية التي يعانى منها الاقتصاد مثل سيطرة المؤسسات الخيرية التابعة للمرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري عليه، وإيجاد نوع من الاقتصاد الموازي أو ما يعرف بـ "الدولة داخل دولة".

2- كثرة الاختراقات الأمنية: ألقى التفجير الذى وقع بمدينة كرمان الإيرانية في مطلع يناير الفائت بظلاله على حجم الاختراقات الأمنية التي تتعرض لها إيران سواء في الداخل أو الخارج؛ حيث وقع تفجيران يشتبه أنهما وقعا بحقيبتين من القنابل، قرب مقبرة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ما أوقع 100 قتيل على الأقل، بالتزامن مع إحياء إيران للذكرى الرابعة لمقتله في غارة أمريكية عام 2020. ويضاف إلى ذلك أحداث كثيرة وقعت في هذا الإطار، وأبرزها مقتل العالم النووي الإيراني وواحد من أبرز المؤسسين للبرنامج النووي الإيراني وهو محسن فخرى زاده في نوفمبر لعام 2020 أيضاً.

ويكشف ذلك بحسب رواية النشطاء الإيرانيين في الداخل عن أن نظام الولى الفقيه في إيران والذى يمتد نشاطه الخارجي إلى دول عدة في المنطقة العربية عبر ميليشيات مسلحة تابعة له، لا يقدر على الحد من الأعمال الإرهابية التي يتعرض لها في الداخل والشاهد على ذلك، هي الصفعات المتتالية التي يتعرض لها سواء من قبل إسرائيل أو بعض التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش".

3- سيطرة الأصوليين على الساحة السياسية: أدت السيطرة المُحكمة التي يمارسها التيار الأصولي على مؤسسات صنع القرار في إيران إلى ما يشبه إغلاق المجال العام والتضييق على الحريات؛ حيث بدأ النظام منذ فترة ليست بالطويلة – مستغلاً وجود الأصوليين في الحكومة- بحملات ممنهجة تهدف لفصل الإصلاحيين والمعتدلين وتعيين التابعين لها بدلاً من ذلك. وبالتوازي مع ذلك، ظهرت الكثير من الانتقادات خلال الفترة اللاحقة على انعقاد الاستحقاقات القادمة سواء التشريعية أو مجلس الخبراء لسياسات مجلس صيانة الدستور المنوط به فحص أهلية المرشحين بسبب استبعاده لعدد كبير من الإصلاحيين بحجة عدم توافقهم مع شروط الترشح والتي بالمناسبة تحتوى على عبارات فضفاضة ولا يمكن معرفة كيفية تحققها مثل الالتزام بمبادئ الجمهورية الإسلامية ونظام الولي الفقيه.

وتصاعدت هذه الانتقادات عندما وصل الأمر إلى رفض أهلية الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني عند ترشحه لاستحقاقات مجلس الخبراء، فكيف يتم رفض أهليته رغم إنه كان أرفع منصب حكومي في إيران، ورغم إنه أرسل أكثر من رسالة إلى مجلس صيانة الدستور للرد على أسباب رفض أهليته إلا إنه لم تتم الإجابة عليه في أي من هذه المرات.

4- التركيز على الملفات الخارجية: لطالما تعرض نظام الولي الفقيه في إيران لانتقادات كثيرة وخاصة في أوقات الاحتجاجات بسبب اهتمامه المفرط بالشأن الخارجي على حساب نظيره الداخلي، وزاد ذلك خلال الفترة الأخيرة بسبب الهجمات العسكرية الإيرانية المتبادلة مع باكستان في 16 يناير الفائت باعتبار أنها تتسبب في استقطاب مزيد من الخصوم الإقليميين والدوليين للسياسة التي تتبعها إيران في التعامل مع بعض الملفات. بل إن بعض الاتجاهات في الداخل اعتبرت أن الضربات العسكرية التي سارعت باكستان إلى توجيهها داخل إيران، في 18 من الشهر نفسه، فرضت خيارات محدودة على إيران، ووضعتها في موقف محرج، خاصة أنها لم تستطع الرد عليها بضربة ثانية، لا سيما أن ذلك كان من الممكن أن يتسبب في اتساع نطاق المواجهات العسكرية مع باكستان.

وفي النهاية: يمكن القول إنه من المتوقع أن تنخفض النسب الحقيقية للمشاركة في الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء المقرر عقدها في الأول من مارس2024، بسبب الأزمات المتفاقمة التي تعاني منها إيران في الوقت الحالي. ولكن يكشف حرص النظام في هذا التوقيت على استدعاء الأزمات الخارجية التي يواجهها إلى أنه ربما يمهد المجال أمام تعزيز قدرة تيار المحافظين الأصوليين على السيطرة على معظم مقاعد مجلسي الشورى الإسلامي والخبراء على نحو يوحي بأن خريطة القوى السياسية الإيرانية مقبلة على تغييرات واسعة خلال المرحلة القادمة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟