حيثيات خمس، ساهمت في تأجيج الصراع الذى نشب مؤخراً في
أسوان بين جماعتي الدابودية النوبيين والهلايل.
أول هذه الحيثيات يتعلق بانتشار ظاهرة التعدد العرقي
داخل منطقة أسوان، حيث تشكل تركيبتها السكانية أكثر من عشر قبائل، أهمها العبايدة
والجعافرة والبشارية والنوبيين والهلايل، ناهينا عن انقسام كل منها إلى بدنات
فرعية.
وثانيها، بنية العلاقات الاقتصادية المتمايزة، خاصة فيما
يتعلق باستغلال الأرض، أو احتكار نشاط اقتصادي معين، زاد عليها توقف السياحة ومعها
الشركات العملاقة هناك. وثالثها، تفاوت المركز الاجتماعي بين القبائل، حيث اختلال
الحجم والقوة والنفوذ بينها يثير مشاعر التعصب.
ورابعها، تصاعد وضوح الهوية العرقية، التي تحدد طابع
وشخصية كل قبيلة بإزاء الأخرى، وميل كل منها لرؤية نفسها على أنها الأفضل، وهو ما
دعا إلى تثبيت الفواصل الاجتماعية والثقافية.
وتكمن خامسة هذه الحيثيات، في انسحاب الدولة منذ عصر
الانفتاح الاقتصادي، نتج عنه قصور في تلبية احتياجات سكان المنطقة، لدرجة أضحت معه
من أفقر المحافظات.
وقد أدى ذلك، إلى اتّسام مجالات التفاعل بين الجماعتين
المتنازعتين بالحدة، رغم إقامتهما معاً في منطقة السيل الريفي، فيما لم يحدث أن
تزوج أحدهما من الآخر.
أو حتى شاركه في عمل أو تجارة، وإن جاز القول بمعاناة
كليهما من التهميش، وتواتر الصراع الخفي بينهما، وإن جاءت واقعة العنف الأخيرة، فى
ظروف محاولات خلق مناطق توتر جديدة خارج العاصمة.
وقد تساكنت في مساحة العلاقة بين الطرفين معرفة ملغومة،
زكتها النعرات القبلية والأحكام التخيلية، لتكتس نوعاً من التثبيت، جعلها تنفلت من
هيمنة الوعى، بل وتفرض عليه – فالهلايل يتباهون بأصولهم العربية، وينظرون إلى
النوبيين بأنهم عجم وعبيد. والنوبيون يرون أنهم أبناء البلد الأصليين، والأحق بها
وبخيراتها، وتوزعت في هذا الإطار اتهامات متبادلة، صاعد من وتيراتها مؤخراً عبارات
مسيئة دونها الطرفان على الجدران.
بيد أن الأمر الملح في هذا الصدد، هو استيضاح السبل
لتحرير مجتمع أسوان من فعل العنف الذى اكتسحه، أو على الأقل تطويقه وتخفيفه، خاصة
مع قدوم موفدين من هلايل تونس إلى أسوان عقب أحداث العنف الأخيرة، وتحفز قبائل
أولاد على في مطروح وليبيا لمعرفة ما يدور مع أبناء عمومتهم، وحضور بعض النوبيين
العاملين فى السعودية، وترقب بطون النوبة على حدود أسوان، مع بيانات وتصريحات
أصدرتها التجمعات النوبية فى واشنطون وباريس.
على أن كافة سبل الإجراء الأمني أو المسلك القانوني أو التوعية الدينية، تظل قاصرة، ما لم يرافقها تغيير هيكلي في التكوين السياسي والاقتصادي لمجتمع أسوان، يتم بموجبه إعادة هيبة الدولة، والعمل على زيادة المشاركة السياسية، وتفعيل دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والتقليل من بطالة الشباب، مع إعادة تخطيط مناطق سكن الجماعتين المتنازعتين، لتصبح مناطق حضرية.