مؤخراً، طرح المسئولون عن الحالة المدنية فى المملكة السعودية، مسألة تسمية
الأشخاص، ذكوراً وإناثاً، مع صدور قرار لوزارة الداخلية هناك، يمنع تداول خمسين
اسم للمواليد الجدد، بحجة ابتعادها عن العادات الاجتماعية أو الدنية، وعدم لياقتها
مع تقاليد المجتمع وحدى الإسلام، أو لأنها تعود إلى أسماء أجنبية، وطالب القرار
الأسر السعودية بتسمية مواليدهم بما يتفق مع مواصفات المجتمع والدين.
البعض قد يرى فى هذا القرار. محاولة للوقوف بإزاء تشظى جدل لتقليد والتحديث
فى المملكة، بما يحمله من تناقضات انتشار المجلوب والتغريب، وآخرون يمكن أن
يعاينوه كسبيل لتنقية الصيغة الثقافية السعودية من المستهجن والدخيل، حفاظاً على
التراث.
يثير القرار، على أية حال، تساؤلات عديدة، تدور حول الكيفية التى يتم
بواسطتها بناء الأسماء فى المملكة، والخيارات التى تحدد التسميات المتبعة منذ
القديم، ومآلها اليوم، وفيما ستظل هذه الأسماء، وإلى أجل غير مسمى، علامة أبدية
لمعجمها البدوى التاريخى، وهو المعجم الواجب الحفاظ عليه وتحيينه، ويستهدف فى
المجمل، توجيه السياسة الهادفة إلى تنظيم المحيط المعرفى للتسمية فى هذا البلد.
ويشار هنا، إلى أنه لا شيئ أكثر شيوعاً، وحميمة، وتعريفاً للهوية من الاسم،
باعتباره الشرط الوجودى الأول، والعلامة المميزة فى منظومة الجماعة الرمزية.
والمرجعية الحية الثابتة فى لحمة النسب وصلة القرابة، ما يعنى أن التسمية تبرر
ذاتها، بكونها لا تأخذ دلالتها إلا عبر تراث الجماعة، وهو ما يشى بأن ابتعادها عن
هذا التراث، يعنى ابتعادها عن أعراف الجماعة.
وفى هذا الصدد، ربما كان التقليد العربى فى التسمية، أكثر اكتمالاً ومنهجية
من التقاليد الأخرى، فى توظيفه الربط بين الأسم والقلم والكنية واللقب والنسبة،
للدلالة على الشخص.
ويبدو أن الأمر حول القرار السعودى، يتعلق بتقليد ثابت، ورد فى "علم
الرجال" الذى يهتم بأحوال رواة الحديث، وبخاصة ما يتصل بتدقيق أسمائهم وكيفتهم،
حيث اشترط ابتعادها عن الغرابة أو المدح والذم، وورد كذلك فى القرآن الكريم، حين
أوصى باستبعاد الاسم المستهجن "ولا تنابذوا بالألقاب".
وقد أخذ القرار فى اعتباره، تماثل العلاقة بين ادال التسمية (الصوت)
ومدلولها (المعنى). كى تتحقق مطابقتها الكاملة، تأكيداً لعلاقات "القرابة
الاعتقادية". لكنه استبعد، فى نفس الوقت، أسماء بعينها (عبد الناصر، عبد
العاطى، عبد المصلح، عبد النبى، عبد الرسول، عبد الغنى...)، مع أن الحديث النبوى
يذكر أن "خير الأسماء ما حمد وعبد"، فيما قد يكون لهذا القرار حيثيته فى
استبعاد الأسماء الأجنبية (نردين، مايا، ليندا، تولين، رتال، أليس، ساندى، راما،
تالين، ليلان، والهاس، بنيامين، لورين، ايلين، بلاوند...).
ويلاحظ كذلك أن القرار قد ابتعد عن الخوض فى تقليد متوافر فى المملكة، هو
الكنية اللصيقة بالاسم، وتعنى أن ينادى الشخص باسم ابنه أو ابنته، وتلك تقنية
سائدة فى تقاليد الجماعة السلفية، تستعملها كتعويض لأسماء الأتباع الحقيقية، إشارة
إلى أولوية تفضيل الانتماء إلى الجماعة على بقية الانتماءات الاجتماعية الأخرى،
وتأكيداً لعلاقات "القرابة الاعتقادية" بينهم.
المسألة فى جوهرها، أبعد عن ان تكون ظاهرة لغوية، فهل تراها، بهذا القرار
السعودى، تخضع لمنطق إعادة تنظيم حقل التسمية، تنزيهاً له، وتفعيلاً لخصوصيته؟