مؤخراً. منح مجلس التعاون الخليجى دولة قطر مهلة جديدة لحل أزمتها، وإنهاء دعمها جماعة الإخوان، وجاءت هذه المهلة فى إطار الالتزام بمبدأ التعاون الخليجى، وهو ما ترجمته دول المجلس بما فيها قطر، بالتوقيع على "وثيقة الرياض"، التى تستند إلى المبادئ الواردة فى النظام الأساسى للمجلس، وتشدد على سير أعضائها فى توجه جماعى، مع احترام سيادة دولة الست.
وقبل هذه المهلة بسنة، وقعت هذه الدول اتفاقاً على آليات تنفيذ توصلت إليه، بأن عدم دعم من يهدد أمن واستقرار المنطقة، ولم تلتزم به الدوحة. والبادئ، أن قطر لن تنصاع أيضاً لهذه المهلة، طالما تحكمها توجهات استراتيجية وسياسية وداخلية، تمثل فى أبعادها خروجاً على المواضعات الخليجية والإقليمية والعربية الراهنة:
فعلى المستوى الاستراتيجى، مازالت الشراكة القطرية مع الولايات المتحدة قائمة، بهدف ترويض التهديد الإقليمى المتصاعد منذ عقود باسم جماعات الإسلام السياسى، وتأمين سلامة الدولة العبرية، وجر قطر إلى حوض نزاعات وحروب وأزمات إقليمية تقوم بها أمريكا لحسابها.
وفى هذا الصدد، ألزمت هذه الشراكة قطر، ومنذ سنوات، بالموافقة على إنشاء قاعدتى العيديد والسيلية الأمريكيتين على أراضيها، مع اعتبار قاعدة العيديد قاعدة أمريكية مستقلة، لا تخضع، بحسب الاتفاق بين الجانبين، للسيطرة أو السيادة القطرية عليها، بل وتم النص على مساهمة قطر فى تطوير هاتين القاعدتين، حتى تكونا قادرتين على استقبال الطائرات الأمريكية العملاقة والقاذفات الثقيلة، وكذلك المساهمة فى تكاليف إقامة وإعاشة الجنود والقوات الأمريكية، كل ذلك مقابل حماية الأسرة الحاكمة القطرية من قوى إقليمية ثلاث، تراها تمثل تهديداً لها، هى: إيران والعراق والسعودية.
وعلى المستوى السياسى، عمدت قطر إلى اختراق كافة الأطر والهياكل التى تحكم واقع العلاقات السياسية العربية، بما فيها مواثيق جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجى، وكرست سياساتها على أن تكون همزة الوصل بين القوى الإسلامية والأنظمة العربية، وهو ما اتضح جلياً فى قضية الصومال، ومسألة دارفور، والمصالحة بين حركتى فتح وحماس، والمتوسط بين القوى المتنازعة فى اليمن، ومشاركة حلف الناتو فى إسقاط نظام القذافى بليبيا، ناهينا عن محاولاتها فى إيصال الدول العربية إلى قناعة أن تسلك دبلوماسية التوسل، بغية اجتذاب تجاوب الكفيل الأمريكى مع الأمانى العربية فى قضية فلسطين وغيرها.
وعلى مستوى الداخل، رسمت معالم التجربة القطرية: طفرة اقتصادية هائلة، امتلكت من خلالها واحداً من أكبر الصناديق المالية فى العالم، وأسرة حاكمة تتمتع بشرعية الرضا من قبل المحكومين، وإن جاز النظر إلى هذه الشرعية بحذر، مع تحول المجتمع القطرى عن نمطيته القبلية، وتسرب التوجهات الليبرالية الطارئة إليه، عبر مجلس للشورى، ودستور جديد، وانتخابات بلدية، وتطوير لأوضاع المرأة، وكلها ممارسات جاءت كمنحة من الحاكم، ولا ترتكز على رصيد تاريخى، يقابلها تزايد غلاة النهج السلفى واحتكار النخبة الحاكمة للسياسة والثروة، وضيقها بمعارضيها، وهو ما حدث حين تولت إلغاء جنسية عشيرة آل غفران القطرية، أو احتجاز المعارض عبد الرحمن النعيمى لثلاث سنوات دون محاكمة، أو الحكم بالسجن المؤبد على أحد الشعراء.
تتضمن بنود المهلة التى منحتها دول مجلس التعاون الخليجى لقطر، على أية حال، طر أعضاء خليجيين من الإخوان يقيمون فى الدوحة، والموافقة على إنهاء هجوم قناة الجزيرة على السعودية والإمارات ومصر، وتجنب اعتبار ما حدث فى مصر انقلاباً عسكرياً، إضافة إلى إيقاف دعم الإخوان، والعمل على منع المعارضين المصريين من اعتلاء المنابر القطرية، وعدم التحريض على عملية الانتخابات الرئاسية فى مصر.
وفى الظن أن هذه المهلة، قد استهدفت "خلجنة" قطر فى المحل الأول، على معنى اعادتها إلى الحظيرة الخليجية، وذلك مقابل وقف المحاولات التى بذلتها قطر خلال السنوات الماضية نحو "قطرنة" الخليج، بالمساعدة على تحويله إلى دويلات صغيرة يسهل التعامل معها، فيما بقية بنود المهلة، يمكن لقطر أن تتباطأ فى تنفيذها، وبخاصة ما يتعلق بمساعدتها جيش مصر الحرّ على الحدود الغربية مع ليبيا، وعلى الحدود الجنوبية مع تهريب الأسلحة وتأليب السودان، وهو ما وضحته أحداث أسوان الأخيرة، وعلى الحدود الشرقية مع حركة حماس.
المهلة إذن يمكن أن تكون فرصة لالتقاط قطر أنفاسها، بإرضاء جيرانها الخليجيين مؤقتاً، مع استمرارها فى إثارة النزاعات بمصر، وحتى مهلة أخرى.