المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د.محمد حافظ دياب
د.محمد حافظ دياب

موسم العودة إلى بورقيبة

الأربعاء 30/أبريل/2014 - 10:29 ص
بعد ربع قرن من التهميش والطمس، عاد اسم الحبيب بورقيبة مجدداً إلى صدارة المشهد التونسى، عبر أكثر من شاهد ودليل، إذا لم تعد تخلو مسيرة شعبية تقودها التيارات المدنية فى الحاضر من صور "سى الحبيب"، ترفعها النساء، فى إشارة إلى وفائهن للمكاسب التى حققها لهن: وهى مكاسب أثبتت صمودها فى وجه كل محاولات العصف بها، كما تبنت عشرات الأحزاب والمنظمات والجمعيات هناك فكر ومشروع بورقيبة، فى تأكيد على الدور الريادى الذى قام به الرجل لتحرير البلاد وبناء الدولة، فيما صدرت مؤخراً عشرات الكتب التى تتناول شخصيته وتدافع عنه، وتستعرض مواقفه التقدمية، بل إن الرئيس الحالى المنصف المرزوقى، لم يجد بدّا من الاعتراف بدوره فى تحديث المجتمع وترسيخ مدنية الدولة، فكان أن رفع صورته فوق مكتبه بقصر قارطاج.
على أن الأمر لا يقتصر فحسب على هذه الشواهد، فقد اعتاد التونسيون على إحياء يوم السادس من أبريل، الذكرى السنوية لوفاته عام 2000، بعد أن قضى ثلاثة عشر عاماً معزولاً عنهم فى إقامة جبرية بمسكن حكومى بمسقط رأسه مدنية المنستير الساحلية، وذلك على أثر الإطاحة به من قبل وزيره الأول زين العابدين بن على، يوم السادس من نوفمبر 1987، فيما سمى "بالانقلاب الطبى".
كما تم إنجاز متحف خاص بالزعيم الراحل، يحوى مقتنياته الخاصة وصوره وتسجيلاته، وما كتبه وكتب هذه، ومعلومات عن حياته منذ ولادته فى الثالث من أغسطس 1903 حتى وفاته، مروراً بمراحل النضال والسجن والنفى والعمل السياسى التى عاشها، إلى أن حصلت تونس على استقلالها عن فرنسا عام 1956، ثم إعلان الجمهورية فى العام التالى، وفترة حكمه التى استمرت ثلاثين عاماً.
والسؤال هنا: ما هى مسوغات هذه العودة البارزة إلى بورقيبة؟
البادئ أنها تواترت، عقب اتساع دائرة الخوف من سيطرة مشروع الإسلام السياسى والفكر الدينى المتطرف، بما يهدد النموذج المجتمعى الحداثى والمنفتح، والسلم الاجتماعى والحريات الخاصة ومكاسب المرأة التى حققها الرجل.
فالزعيم الذى يعتبر أباً الدولة التونسية الحديثة، كان قد راهن على التعليم والانفتاح، ونجح فى الإطاحة بالعصبية القبلية القديمة، وأصدر بعد شهور قليلة من الاستقلال، قانون الأحوال الشخصية، الذى صنع تعدد الزوجات، وقنن الطلاق وجعله ضمن مسئولية القضاء دون غيره، وقاد حملة تنظيم الأسرة، بما حال دون انفجار ديموجرافى فى بلد محدود الإمكانيات. كما وحد القضاء وجعله مدنياً، وفرض تعليم البنات، وترأس الجامعة التونسية التى شهدت فى عهده استقدام كبار المفكرين الفرنسيين (جان بول سارتر، ألبير كامو، ميشيل فوكو، رولان بارت، بير بورديو، ليفى ستروس، جاك ديريدا، جوليا كريستينا..)، للعمل بها، والتواصل مع فعالياتها البحثية والتدريسية.
وشهدت علاقاته العربية والمغاربية مفاجئات مثيرة: فقد جاء إلى مصر عام 1965، والتقى عبد الناصر، وعرض عليه فكرة الصلح مع إسرائيل، لكن عبد الناصر اعتبرها موقفاً استسلامياً، فما كان منه إلا أن توجه إلى مدينة أريحا. وكانت أيامها تتبع الأردن مع الضفة الغربية، وأعلن موقفه من هناك، ووقع اتفاقية للوحدة بين تونس وليبيا مع القذافى فى جزيرة جربة التونسية، مقابل معونة مالية ضخمة قدمها إليه القذافى، وحين عاد إلى العاصمة قام بإلغائها.
وفى عهده، عاينت تونس تجارب سياسية مختلفة، راوحت بين الاشتراكية والليبرالية، وبين الحزب الدستورى الأوحد والتعددية. فعقب الاستقلال مباشرة، استطاع مقابل معونة مالية ضخمة قدمها إليه القذافى، وحين عاد إلى العاصمة قام بإلغائها.
وفى عهده، عاينت تونس تجارب سياسية مختلفة، راوحت بين الاشتراكية والليبرالية، وبين الحزب الدستورى الأوحد والتعددية. فعقب الاستقلال مباشرة، استطاع أن يبحث المعارضة داخل حزبه الدستورى الحاكم، وأن يبطل دعاوى الاتحاد العام للعمال التونسيين نحو تنظيم حزب اشتراكى معارض، ومع زوال مخاطر المعارضة، أسس مطلع الستينيات حزباً مفتوحاً، ضم النخب الموجودة برعايته، ليتحول الحزب فى السبعينيات إلى تنظيم بيروقراطى، استبعدت منه الكوادر التى أمنت بالتعددية، وما لبثت المعارضة ان أوجدت قاعدة اجتماعية لها، وتطلعت إلى إيجاد وسائل أخرى غير رسمية للتعبير، وظهرت اتجاهات جديدة فى الحكم، حاولت الاستجابة لهذه المطالب، وتجسد ذلك فى إعادة تجديد الحزب الدستورى، وهو ما فتح المجال فى انتخابات 1980 لمرشحين يؤمنون بالتعددية، مع السماح لأحزاب المعارضة بالعمل رسمياً.
وفى المحصلة، تواجدت مدرسة فكرية وسياسية عنوانها "البورقيبية"، قائمة على أسلوب تفكير ورؤية فى السياسة ومنهج فى العمل وفى فهم الواقع والمستقبل، تعتمد فى الأساس على مبدأ الوسطية والبرجماتية، وترمى فى المرحلية وسيلة لتحقيق أهدافها، على طريقة "خذ ما تستطيع أن تأخذه، ثم طالب بالباقى"، مع رفض كافة أشكال التطرف والمغالاة.
والمدققون فى حياة الرجل، لاحظوا إعجابه الفارط بالفيلسوف الفرنسى الوضعى أوجست كونت (1798-1857): فمثلما حلم كونت بديانة جديدة للإنسانية، وأعلن نفسه كاهنها الأكبر، حلم بورقيبة بتونس جديدة، ونصب نفسه مجاهدها الأكبر، وكلاهما رفعا شعار النظام والتقدم، وأيدّا ما يعزز السلطة و تبرير الديكتاتورية، القادرة وحدها لديهما على تأمين مسيرة التقدم.
وبسبب من هذا الإعجاب، راودت بورقيبة فكرة إقامة تمثال لهذا الفيلسوف فى ساحة مدخل المدينة العتيقة بتونس، لو لا أن سارع الزيتونيون بالتبرع لإقامة تمثال للعالم العربى عبد الرحمن ابن خلدون فى نفس الموقع.
ومع إحساس بورقيبة بدنو أجله، أوصى بأن يكتب على شاهد قبره: هذا قبر الحبيب بورقيبة بانى تونس الحديثة ومحرر المرأة"، ليتمول الضريح تالياً إلى مزار يقصده الساسة والسياح، وينسج المواطنون حوله الكرامات.


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟